| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

محمد علي الشبيبي

Alshibiby45@hotmail.com

 

 

 

                                                                                     الخميس 14/7/ 2011

 

من مذكرات المربي الراحل علي محمد الشبيبي
(1913 – 1996)

محمد علي الشبيبي

4- ثورة 14 تموز 1958 والسنوات العجاف

مقدمة
القسم الرابع والأخير من (ذكريات معلم) عنوانه (ثورة 14 تموز والسنوات العجاف). يتناول فيه المربي الراحل كيف كان تأثير تلقي نبأ ثورة 14 تموز على والده. وتأثير منجزاتها على الحياة العامة. ومن ثم تذبذب نهج الزعيم سياسيا، وتأليب القوى السياسية على بعضها، وتردده في الوقوف بحزم ضد المؤامرات والمتآمرين بينما كان متشدداً مع القوى الوطنية ذات المصلحة الحقيقية في الحفاظ على مكاسب الثورة.

في تموز 1958 تدهورت صحة الشيخ الجليل - والد الشهيد -، ويأس الأطباء من إمكانية شفائه أو تحسن صحته، حتى أنهم لم ينصحوا بنقله إلى المستشفى. وكان الشيخ في جميع صلواته يدعو من الله أن يشهد نهاية الطغاة. وفي صباح 14 تموز هتف أخي الأكبر "كفاح" بعد أن أستمع لإذاعة بغداد "إنها الثورة!". وبشر جده المستلقي في الفراش وهو في نصف غيبوبة بهذا الخبر السعيد. تفاجأ الجميع بردة فعل الشيخ، ومحاولته الجلوس هاتفا بفرح "الحمد لله ، شكراً لك يا رب فقد استجبت لدعائي!". فكان نبأ الثورة الدواء الشافي للشيخ.

عانى الشيخ الجليل رغم تقدمه بالعمر في ظل الحكم الملكي من الاضطهاد والمضايقات حتى في معيشته، وللأسف تحالفت القوى الدينية الرجعية مع سلطات الحكم الملكي في محاربته في كسب رزقه، وذلك للضغط عليه وحرفه عن توجهه المنبري التنويري في كشف الفساد والظلم الاجتماعي وتوعية مستمعيه. وتمادت سلطات النظام الملكي في اضطهادها للشيخ الجليل باعتقاله وإرساله إلى كربلاء، ومن ثم تقديمه إلى محكمة في الرمادي -وقد قارب الثمانين عاما- بعيدا عن محل إقامته خوفا من غضبة أنصاره. وبالرغم من هذه المضايقات وما أصابه من نكبات بدءا بإعدام ابنه "حسين" وسجن ابنه الأصغر "محمد علي" وفصل واعتقال ابنه الأكبر"علي"، فان الشيخ بقى صامدا صلبا في مقارعة الظلم وفضح عملاء النظام ومرتزقته.

أن الثورة بمنجزاتها السياسية والاقتصادية وما حققته في المجال الاجتماعي قد غيرت حياة الشعب العراقي كثيراً وكادت أن تنقل العراق نقلة نوعية متقدمة، لولا تلكؤ قاسم وشراسة المؤامرات التي اشتركت فيها جميع القوى المستفيدة من العهد الملكي والتي تضررت بمنجزات الثورة أو أنها اختلفت مع مسيرة الثورة بسبب مواقفها الأنانية الضيقة.

ويتحدث الوالد عن نجاح ثورة تموز وبداية عهد جديد. ودوره في إحياء جمعية المعلمين والعمل من أجل توحيد المعلمين في قائمة وطنية موحدة، بعيدا عن التحزب والحزبية الضيقة. ويوضح موقفه في العمل المهني، فيكتب "الواقع إني لم أكن قط متحيزا في نظرتي إلى كيفية خدمة المعلم عن طريق الجمعية أو النقابة في المستقبل. أنا أكره التمييز بين المعلمين من ناحية انتمائهم". ويصف أسلوب بعض القوى السياسية في تفاهمها من أجل وحدة قيادة جمعية المعلمين والسيطرة عليها، وكأنه يكتب ليومنا هذا بعد سقوط الصنم، فيكتب "... ولكن الغريب في الأمر إنهم تعاونوا مع الذين كانوا بالأمس مسيطرين على الجمعية -وفي خدمة العهد المباد- كما جرى التعبير".

وبعد مسيرة قصيرة للثورة برزت التناقضات بين قياداتها العسكرية، وبين قوى الجبهة الوطنية التي انفرطت عمليا حال إنجاز الثورة، وتخبط الزعيم في سياسته. يستخلص الوالد ملاحظاته وتوقعاته لمصير العهد الجمهوري الجديد، فيكتب تحت عنوان -من هو- "أنا أعتقد إن مقياس الديمقراطية الحقيقي هو إباحة الرأي والمعتقد ضمن الدستور المؤقت والدائم فيما بعد وداخل أحزاب لها قوانينها وأنظمتها، وإن الحكم يجب أن يكون بيد الحزب الذي يتم له الفوز بأغلبية في الانتخابات الحرة بدون تدخل السلطة المؤقته. وأن لم يتم هذا فإن انهيار الثورة محقق". لذلك هو يؤكد على أهمية الحياة الديمقراطية من خلال انتخابات حرة، وضرورة سن قانون للأحزاب ينظم نشاطاتها، فإن هذا هو صمام الأمان لمواصلة الثورة وإلا فإن انهيار الثورة محقق!؟

وانعكست آثار انتكاسة ثورة 14 تموز مجددا على الوالد مثلما على معظم فئات الشعب. فتعرض بسبب نشاطه في حركة السلم، واشتراكه مع بعض زملائه الذين بادروا لقيادة عمل "جمعية المعلمين" بعد سقوط النظام الملكي إلى الاعتقال والإقامة الجبرية في لواء ديالى بعيدا عن عائلاتهم. وبعد رفع الإقامة الجبرية تم نقل الوالد وزملائه إلى الأقضية التي أبعدوا إليها بقرار من مدير معارف كربلاء كاظم القزويني، وبضغوط من القوى الرجعية من المدينة وخارجها.

ويروي الوالد محاولة المتصرف (المحافظ) حميد الحصونة الخبيثة والحقودة لعرقلة إعادته للتعليم -بعد إنهاء الإبعاد- في نفس الخالص. وقد عُرف الحصونة بمواقفه الرجعية والانتهازية وحقده على القوى التقدمية وأشتهر بشعاره الذي رفعه بعد انتكاسة ثورة 14 تموز "أمي مخلص خير من مثقف هدام" وهذا يدل على مدى جهله وعدائه للثقافة والمثقف! وأثناء مقابلة الوالد له بوجود بعض الضيوف هاج وماج بدون مقدمات على الوالد بأسلوب بعيدا عن الأدب والذوق، مكيلا له السباب وإتهامه (شيوعي ..... أكسر راسك ...) وغيره من كلام لا يليق بمكانته كمتصرف! وهنا يكون موقف الوالد واضحا وجريئا في رده فيكتب الوالد: (... وقررت أن لا أغض النظر، وأن أرده مهما كلف الأمر ..... حين سكت قلت: الملفة ليست دليلا أبدا. وحتى لو تكلم الإنسان وادعى في وقت وظرف معين، فليس ذلك بكاف. ألم تعلن أيام تموز الأولى في الديوانية "أني نشأت أنا وفهد على رحلة واحدة في المدرسة؟". ألم تقل أثناء كلمة ألقيتها على تظاهرة شيوعيين في الديوانية لتأييد ثورة تموز "حتى قدور بيتنا شيوعية!؟". أنا مؤمن إنك لست شيوعيا، رغم ما صرحت به، وأنا أيضا ليس لي انتساب فعلا لأي حزب سياسي سري أو علني.). إن رد الوالد ومجابهته الصريحة بمواقفه الانتهازية الغبية أيام تموز الأولى كانت كالصاعقة عليه أمام ضيوفه، مما أضطره أن يتراجع عما أضمره للوالد من حقد، ولم يكن الوالد يبالي بما ستكون ردة فعل هذا الجاهل.

ربما لاحظ القارئ والمتتبع لجميع أقسام (ذكريات معلم) أن الوالد طيب الله ثراه كان يهتم ويتأثر كثيرا بطبيعة علاقات المجتمع الذي يعيش في وسطه. فهو ينتقد بمرارة وأسى بعض الطباع السيئة -في محيطه الاجتماعي القريب- كالنفاق والجبن والخبث وفقدان روح التضامن وعدم الوفاء والتردد، وكلها صفات يمقتها الجميع ظاهرياً، لكن البعض يرى أنها أو بعضها ضرورية في حياته اليومية!؟. بينما يشيد بكل ما هو إيجابي في أي مجتمع عاش في وسطه خلال رحلته التعليمية وتنقله. فيكتب عن مجتمع مدينة الخالص ( ... وأهل البلد على طيبتهم التي تتجلى لي في ابتساماتهم حين أمر عليهم مُسلِّما أو حين أشتري من بعضهم حاجة. يتجنبون الحديث معي ولكنهم يرحبون بي حين أدنو منهم لشراء حاجة). ويتحدث تحت عنوان "البلد الطيب" عن أسلوبه في علاقاته مع الآخرين، وهو أسلوب يعتمد على الثقة العالية بالنفس والقدرة في الإقناع فيكتب ( أنا لا أتخوف من الناس مهما كانت سمتهم، وقد جربت نفسي كثيرا. إني أستطيع أن أبدل ما في أذهان بعضهم عني، وأكسب محبتهم). ومن يقرأ ذكريات الوالد سيطلع كم من الأشخاص الذين كانوا يتخذون موقفا سلبيا منه ونجح في تغيير قناعاتهم عنه.

لم تمضي سوى أشهر على إلغاء الأبعاد ورفع الإقامة الجبرية على الوالد في الخالص حتى نجحت القوى السوداء في إسقاط ثورة تموز بانقلاب دموي في 8 شباط 1963 بتحالف القوى القومية والإقطاع والرجعية وبمباركة من الدول الاستعمارية في الخارج والقوى الدينة الرجعية الممثلة ببعض مراجعها. حيث بدأت مرحلة من السنين العجاف تخيم على حياة العائلة والشعب العراقي أجمع. وخيم على العراق جو مكفهر يعيث فيه الذئاب من أفراد الحرس القومي -وهي مليشيات من البعثيين والقوميين- دمارا. أنتهك فيه الحرس القومي الأعراض، وزج بخيرة الوطنيين في السجون، وتعرض ألاف -نساء، وأطفال، ورجال- إلى التعذيب والتصفية الجسدية. وتحولت الملاعب الرياضية والمكتبات العامة إلى مقرات للتعذيب والتحقيق.

ويتحدث الراحل عن هذه الفترة المظلمة من حياة الشعب، وعن التعذيب الهمجي الذي تعرض له شباب كربلاء في مركز التعذيب "المكتبة العامة" التي تحولت إلى "مسلخ بشري". فكان يعاني ويحس بآلام المعذبين خلال فترات وجوده للتحقيق في "المكتبة"، فكتب قصيدته - قولي لأمك -، ومن أبياتها:

أســــفاً لـــدار العلم بعــد العـــلم تغــــدو للعــــذاب
غرفاتها تحوي السلاسل لا الـمطــــالع والــكتــاب
والسوط قد خلف اليراع وعـنه في الـتعبيــــر ناب

ولم تنتهي معاناة الوالد والعائلة مع سقوط نظام البعث في 18 تشرين الثاني 1963، وإنما استمرت بإحالتنا جميعا - الوالد، وأخي كفاح، وأنا - إلى المجلس العرفي الأول. وأصدر المجلس قراره بسجن الوالد لسنتين وأنا –كاتب هذه السطور- خمس سنوات وشقيقي الأكبر بستة أشهر مع وقف التنفيذ.

وفي سجن الحلة يقضي والدي فترة سجنه بالمطالعة وتسجيل ملاحظاته ومتابعة ما يجري في العالم. فيجمع ملاحظاته في مخطوطة سماها - كشكول سجين - متنوعة المواضيع والمصادر. وفي السجن يعيش ويراقب المحيطين به وقد جاءوا من منحدرات اجتماعية مختلفة ويحملون أفكاراً وعادات متنوعة وحتى متناقضة. ويشبه السجن بالخمرة التي تكشف حقيقة شاربها وتفضح مدى مصداقيته بما كان يؤمن. فيسجل انطباعاته عن السجن ومجتمعه في موضعة -مآسي ومشاكل- فيكتب: (... السجن محك، كالخمرة، تكشف حقيقة شاربها، إن كان غليظ الطبع، خالي الوطاب من أدب أو علم، أو إذا كان ذا نفسية معقدة أو مشاكل لا يعرف عن أسبابها شيئا. ولا يدرك للتخلص منها سبيلا. والاتهامات والمحاكم العرفية دفعت بأناس لا يعرفون من السياسة حرفا...)

وبعد تحررنا من السجن، تستمر رحلة الوالد والعائلة في بحر تتلاطمه الأمواج، إنها السنين العجاف التي سادت العراق وغيبته عن العالم. حيث يستمر الفصل السياسي وتبوء كل محاولات الوالد للعودة للوظيفة. وتصطدم محاولاته بحقد ولؤم مدير الأمن والمتصرف في ديالى، وتوضع أمامه مختلف العقبات والأعذار التافهة لعرقلة عودته. وتبقى العائلة تعاني من ضعف المورد المالي الوحيد وشظف العيش، بينما الوالد في سفر دائم متنقلاً بين كربلاء وبعقوبة لمقابلة المسؤولين لعله ينجح في العودة للوظيفة أسوة بالآخرين من أمثاله. فيكتب عن معاناته هذه:
(لو كان سهما واحداً لاتقيته ولكنه ســــهم وثـانٍ وثالث
أجل والله، بالنسبة لي، هي أكثر من ثلاثة، إنها سهام متواصلة، حياتي غير مريحة، ولكني أوبخ نفسي. إني أحبها، فأخاطبها: إن الصبر طيب، تحقيق المطالب الحياتية بالسعي مع الصبر مفخرة، ويجعل الحياة لذيذة). نعم كانت هذه هي مبادئ الوالد في الحياة -الصبر والمفخرة-، فكان دائما يقول لنا: فكروا بمصائب غيركم تهون عليكم مصيبتكم، فهناك في هذا العالم من مصيبته أعظم من مصيبتكم!.

وبعد انقلاب 17 تموز 1968 صدر قرار عودة المفصولين السياسيين إلى وظائفهم، وشمل القرار عودة الوالد. وأيضا لم تخلُ عودته من خبث المسؤولين القدماء الجدد، فكانت عودته في مدينة الرمادي بعيداً عن عائلته، متجاهلين طول خدمته في التعليم وكبر سنه، وما يسببه هذا البعد من متاعب له. وحتى بعد نجاحه للتبادل -بجايش- مع أحد المعلمين في الحلة، فأن مدير تربية الحلة "جابر الدوري" أصر خلافا للعادة الجارية والتي تقضي مباشرته في نفس مدرسة المعلم البديل، على إبعاد الوالد عن مركز المدينة للعمل في أحدى قرى الحلة البعيدة!

ويختم الوالد حياته التعليمية التي أخلص لها وعمل خلالها بتفان، بتقاعده أواسط عام 1971 حيث كان معلما في مدرسة -أبو سِفن- التابعة لقضاء طوريج التابع للواء الحلة في وقتها. ومع إحالته على التقاعد ينهي والدي (ذكريات معلم). لكنه يبقى كما كان معلما ومرشدا حريصا على سمعة المعلم، فهو لا يبخل بتقديم النصح والملاحظات لطلبته القدامى وأصدقائه. وبحسرة وأسى متجاوزا كل ما أصابه من حيف واضطهاد بسبب ما يحمله من مبادئ سامية، فيكتب: " فليت لي حولا وقوة لأواصل رسالتي في أداء خدمة بلدي. ولست آسفا أبدا إنا نحن المعلمين كالجسر يعبر عليه الألوف ثم تبلى أخشابه، فلا تعود تذكر على لسان"

لقد نشرت (ذكريات معلم) للوالد وقبلها مجموعة قصائده (أنا والعذاب) وبعض كتاباته المتفرقة. إن ما قمت به من عمل متواضع بنشر بعض مخطوطات الوالد جزء من واجبي كابن، وتلميذ وفيٌ كنت ومازلت استعين به، وكزميل زاملته في المعتقلات والسجون، وكمربي أصابه الغبن والحيف في حياته من قبل أنظمة استبدادية. أرجو أن أكون قد وفقت بنشر وطبع كتاباته، وهذا أقل ما يمكن أن أقدمه وفاءاً لذكراه الطاهرة.

ألناشر
محمد علي الشبيبي
السويد ‏‏12‏/05‏/2011
 

4- ثورة 14 تموز 1958 والسنوات العجاف
(12)

ماذا يا ترى؟

في اليوم الأول، وصلتنا أصوات أمهات تجمعن بباب المكتبة. علوية لها ولد، وصل إلى علمها أنه أخذ إلى المستشفى. فجاءت فاقدة الرشد. وقفت بالباب تشتمهم بلا وعي عما يمكن أن يتخذوا معها من إجراء. ولكن المسألة انتهت بعودة ابنها من مراجعة الطبيب. وخطر لي أن أستعين بسائق سيارتهم، عله يدبر لي أمر الحمام. أني أشعر بشدة الوسخ. ووعدني خيرا. قال لا تبح بهذا لأحد. قبل الفجر كن مستعد. هكذا تم كل شيء ومعي كفاح ومحمد.

ونظر إليّ - في الحمام - أحد أركان مبدعي حفلة ميلاد الإمام التي ابتدعت أيام تموز لمقاومتها من عمدها السيد محسن الحكيم. قلت لأبني: ستأتيني بلوى جديدة. قال ماذا حصل. قلت هذا المعمم سيقوم بعمل ضدي أنتظر. وحكيت له السبب. هذا المعمم، له مكتبة لبيع الكتب ومن حاشية السيد محسن الحكيم. أحتفظ بمقال كتبته وقدمه للحرس بعد أن رآني في الحمام. لماذا لم يقدمه في بداية مجيئهم؟ أعتقد أنه أعتقد أيضا إنهم سيقتلونني فلا حاجة أن يشارك بدمي. فلما رآني ونظر إلي نظرة حقد، أرسل إليهم مقالتي. وبالمناسبة حين عاد حزب البعث إلى الحكم عام 1968 اعتقلوا هذا المعمم مع آخر منبري. فهل أتعظ السيد!؟.

بعد يومين أعادوني إلى مركز الشرطة. لماذا؟ لا أدري. وما مرت أيام حتى جاء حرسي يطلبني. وأعادوني إلى المكتبة. وفي الساعة الثامنة ليلا. قادوني إلى غرفة وجدت فيها حاكم التحقيق السيد "أمين كمونه" ومعاون الشعبة، وعسكري ومفوض شرطة، والفرطوسي.

وجه الحاكم إليّ هذا السؤال: وصل إلى مسؤولي الحرس عدد من جريدة الحضارة لك فيها مقال، بعنوان "الأذناب في المؤامرات" فمن تعني؟ قلت: (الأذناب طبعا! ولكني نشرت أكثر من مقال، إن أمكن أطلع عليه). قدم لي المقال، مكتوبا بقرطاس لا بجريدة. سألني هل تعترف أنه لك؟ قلت نعم. قال، يعنينا منه فقط مَسّكَ وتعريضك بالبعثيين والقوميين إذ قلت (المزيفين من القوميين والبعثيين ...). قلت، إن حضرتك فقيه، ولا بد انك درست العربية. إن -مِنْ- يا سيدي حرف جرٍ يفيد التبعيض والتجزأة. فإذا قلت -أكلت من الخبز- معنى هذا إني لم آكله كله، أكلت بعضه. ولو قلت -شربت من الماء- معنى هذا إني شربت بعضه أيضا. هذا يطابق تماما قولي -المزيفين من القوميين والبعثيين- أي إني أقصد -المزيفين- فقط. وهؤلاء موجودون في كل حزب وكل فئة.

وأعجب الفرطوسي أن يسأل عن أمر تم قبل دخوله المدرسة، فطلب من المحقق أن يوجه إليّ هذا السؤال (مَنْ وكم عدد أعضاء الحزب الشيوعي في النجف أيام كان المتهم مسؤولا فيها؟). قلت: إني انسحبت من الحزب عام 1947. البعض تجنب العمل في الحزب والتحق بحزب الأمة الاشتراكي، الذي يرأسه صالح جبر. ثم وجهت أنا هذا السؤال قلت: أنا اعرف وانتم تعرفون إن التوبة شرعا لا تقبل من المريض أو ساعة الموت. إنما تقبل ممن هو في تمام العقل والصحة! لذا أستغرب الإلحاح عليّ أنا الذي تجنبت كل عمل سياسي. بينما أحد الشيوعيين - ويعرفه الفرطوسي - قدم لهم تقريرا مفصلا عن خط المثقفين الذي هو بمسؤليته. لقد خان المشاركين له الذين يقودهم وضحى بهم من أجل سلامته. مثل هذا غير مؤتمن. إنه مستعد للخيانة كلما أستدعى ظرف من أجل أن يبقى هو! وأنا الذي لا صلة لي بأي حزب وتحتجز حريتي وتحرم مني عائلتي وفي بيتي الآن اثنا عشر نسمة بين امرأة وطفل!؟. ردّ الحاكم، اطمئن. قريبا سيطلق سراحك.

قلوب تحترق بصمت!

ذات يوم وقد خرجنا من الزنزانة لقضاء الحاجة. الأمهات والآباء خلف السياج في الشارع. بعض الآباء أيضا يمتعون أنظارهم برؤية فلذات أكبادهم. يسألونهم عن حالهم وما يحتاجون. أسمع صوتا شجيا، وكلمات تعبر عن أسىً عميق. إنها أم، صوتها الهادئ يصل سمعي كلحن كمان حزين. كان رأسها يميل يمينا وشمالا مع لحن كلماتها. شُغِلتُ عن كل ما حولي. ذلك الصوت وحده كان يحز في قلبي. الله ما أقسى الإنسان مع أخيه الإنسان!؟

حين عدنا إلى الزنزانة، عاد الشباب إلى شؤونهم. بعضهم يلزم السكون دائما، آخرون يتحدثون، بعضهم يحب الهزل والضحك، آخرون يطالعون. أنا، ما يزال صوت تلك الأم يرن في رأسي. كدت أبكي. لكن بعد هذا بقليل بكيت شعراً. كان خلفي اثنان من فرس كربلاء، قال أحدها لرفيقه، أتذكر الشاب الأشقر "همام" قالوا عنه إنه قتل! أجابه صاحبه بالفارسية "حَرفْ نَزَنْ، إنْ بُبُاشْ!" ومعناها أسكت هذا أبوه. أدرت وجهي إليهما، وقلت ما يملك أبوه لنفسه أمرا، ولا أنتما، مصيرنا بيد القدر. وثارت أشجاني، فناديت اليراع، ليحول دموعي شعرا، فكتبت في حينها -27/04/1963-:

بُـنَـيَّ

بُني لقــد أمسـى فــــؤادي مقســمـــا فعندكمـو شطر وعندي هنا شــطــرُ

وفي كل شــطر يـوغـل الــداء إنمــا يصارع هذا الداء في محنتي الصبرُ

أقـول لدهــري: كفَّ يا ويك وارتدع وحســبك إني ليــس يثنيني الــذعــرُ

ويـكفيــك إنـا قــد تشــتت شـــمـلنـــا وان دجـــانـا غــاب عن افقه بـــــدرُ

ولا تـنتظـــر منــا أنـينـا وادمعـــــــاً وانْ نـزلتْ فـالحـــر أدمعه جمــــــرُ

بني تـحمـّـل ما تـلاقيــه بـاســـمـــــاً فـأنت فتى فيمـــا تـوارثـته حــــــــرُّ

ودعني بـأشـواقي أذوب وحســـرتي تزيـد و يذكيهــــا من اللـوعة الفكــرُ

وحين خرجنا عصرا إلى المرافق، أدخلت الورقة التي كتبت الأبيات فيها بحاشية -المنشفة- ورميتها إلى أمه وأخواته. فهن أيضا كبقية الأمهات والأخوات، يقفن خلف السياج، بنظراتهن يطمئن نفوسهن على حياتنا. كُنّ يعرفن مني وسائل إيصال ما أنظم في مثل هذا المكان. كما يعرفن كيف يحتفظن به!

وهمام، إن شبحه لا يفارقني. لو قبضوا عليه لن يرحموه أبدا. إن صدورهم تغلي حقدا ضده. سألوني عنه كثيراً. وأجيب أنتم تعلمون عنه إنه طالب كلية في بغداد، فما يدريني ماذا حدث له. قال لي أحدهم، أنت نعرف أن لا صلة لك بأية حركة عمليا، لكنك تميل إليهم. قلت، بصفة شخصية مع أفراد. معرفتي بهم كزملاء في التعليم وآخرين كانوا من تلاميذي. صلتي!؟ الأصح أن يقال صلتهم. ولم تتعد إلى أمور أخرى. وأنا كما حدثتكم أني كنت في فترة من حياتي مناضلا سياسيا وشيوعيا أيضا. ولا غرابة. ثم قلت: هل لي أن أسألك، كم هو سنك الآن!؟ أجاب، وما معنى هذا؟ قلت، أجبني وسأذكر لك الغرض. أجاب اثنان وعشرون عاما. أجبته: حسبما سجلته عن نفسي باني انسحبت من الحزب عام 1947 أي أن سنك يوم انسحبت سبع سنين أو أقل. ويؤسفني إنكم - وبغض النظر عن موقفكم هذا- توجهون التهم بمقتضى السماع، وهذا أسلوب يخالف أصول العمل السياسي.

استشاط غضباً فوجه لي كلمات شتائم نابية. لكن واحدا نهره، وأمره أن يغادر مكانه. بعد يوم عاد إليّ ليكمل نقاشه! وافتتح كلامه، لماذا تركت حزبكم، كما تدعي؟ قلت، إني أومن إن الخدمة للوطن عن طريق العمل السياسي يجب أن لا تحتكر، ويجب أن تمثل الأحزاب مختلف الطبقات، وتتعامل فيما بينها باحترام لتكسب الجماهير. وللجماهير الحق الأكبر، بان تختار حسب فهمها لمناهج وسياسة تلك الأحزاب. لأن بعض الأحزاب الوطنية المتحررة، تضع برامجها لصالح الطبقة المتنفذة في قيادتها. أضرب لك مثلا، إن الحزب المؤلفة قيادته من تجار وأبناء تجار لا يمكن أبدا أن يدافع عن العمال أو الطبقة المتوسطة حتى وان تعرض لذكرهم في منهاجه كفئة لها الحق بان تدافع عن نفسها وتطالب بحقوقها. سئم صاحبي من حديثي هذا . وصاح بي، كافي عاد. يحاضر براسي. وينكر ويقول آنه مو حزبي!

حقا لقد أخطأت الحديث. الحديث مع مثله خطـأ، ولزمت الصمت. وعدت أفكر بـ "همام". جاءت أمه سألتها عنه. قالت: عادت خالته بعد أن يئست من الاهتداء إليه. وا أسفي عليك يا حبيبي ثم كمن همس أحد بإذنيه، قلت لنفسي، إنه سالم بلا شك، فلو كانوا قد قبضوا عليه لوصل الخبر إلى كل منظماتهم هنا. وسكن قلبي واطمأن.

وجودنا في بناية المكتبة كيفما يكن، مريح بعض الراحة!؟ فهنا عدد قليل من الموقوفين جيئ بهم من أجل التحقيق. بعضهم لذويه مكانة فهم من الطبقة البرجوازية، ولهم فضل على آباء بعض قادة الحرس القومي، إذ هم من طلبة العلوم الدينية، الذين شجعهم العلامة الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء، أن يقطنوا كربلاء، وأنا أعرف كثير منهم منذ كانوا في النجف. فمدينة النجف لا يمكن أن يزاحم فيها أبناء النجف القادمون من مدن الجنوب أو الفرس، وفعلا تقبلوا رأيه. وان يكن ما يزال في النجف منهم من استطاع أن يثبت في العلم والدراسة، وعلى الأكثر، هؤلاء من هم ليسوا من الفقراء المهاجرين من العمارة، لذلك حلوا في النجف واحتلوا مكانة مرموقة. كان النجفيون يحتقرون أهالي الناصرية وسوق الشيوخ والعمارة، ويسمونهم -شروكية-، الواحد شروكي أي شرقي. وأنا أعرف كثير منهم منذ كانوا في النجف.

أعود فأقول، إن بعض أفراد من الأسر الكربلائية -وخاصة العلوية- المرموقة لم يمسسهم سوء. وكان التحقيق معهم من قبل الحرس لصالحهم. أنا متأكد من ذلك والمستقبل كشاف. يبدو إن ما نسمع كل يوم ليلاً من تعذيب لبعض الذين يحقق معهم صار أمرا اعتيادياً، وصرت أنام الليل دون أن أشعر بما يقلق. همست بإذن صديق بجانبي، أنت هل تسمع -على العادة- عويل المعذبين. أجاب، لا إنهم يكمون الأفواه بأكمام تشد من الفم إلى الإذنين حتى الخلف، فلا يستطع المعذب كلاما أو صياحا!؟

وجاء الفرج!

أسلمت نفسي لنوم عميق، وشعرت بهزة. ولدي محمد يوقظني. يقول: جاءت برقية - في 8/6/1963- بإطلاق سراحنا ، شملت عددا كبيرا، نحن منهم، وبكفالة عادية. وسرعان ما امتلأت الغرفة بآباء الموقوفين المشمولين جاؤا ليوقعوا الكفالة. قلت لولدي اذهب إلى بيت "الصديق...."، وعاد ابني مكسوفا. وقال: انه أعتذر بأنه لا يقدر أن يخرج في مثل هذه الساعة من الليل! الحق معه .... (هنا وفي مكان آخر يتحدث المربي الراحل بتفاصيل أكثر عن علاقته بهذا "الصديق" ويذكره بأسمه الصريح، لكنني فضلت عدم تدوين ذلك/ الناشر محمد علي الشبيبي)

الغرفة الكبيرة تعج بآباء وأخوان الموقوفين. لا بأس هذه قسمتنا، كما تقول الأمهات. والتفت إليّ والد أحد المعتقلين، وسألني: شنو؟ ما شملكم إطلاق السراح؟. قلت: شملنا ولكن ...!؟ فهم الرجل ما أعني. ونادى آخر يعرفه ... تعال يا حاج محسن أنت أكفل الأستاذ، وأنا أكفل ولديه مع كفالة أبني. واخذ يطيب خاطري، لا تأسف، في الناس أطياب. ثم عقب، تعني جنابك ما أرسلت خبر لأحد!؟ أجاب ابني: خرجت وبلغت "صديقنا ...." لكنه اعتذر بحجة انه لا يخرج في مثل هذه الساعة. أسف الرجل ....! وأنشدت البيت المشهور ولا أعرف قائله :

جــزى النــوائب كل خيـرٍ تعرفني العدو من الصديقِ

صحيح أن الرجل ليس لي بصديق ولكنه ليس بعدو. وبارحنا دار العلم التي صارت سجنا يعذب فيه المثقفون والمناضلون والكادحون. الشوارع تعج بالناس، أولياء الموقوفين وجارهم وأصدقاؤهم والأقارب، هجروا مراقدهم. جاؤا يستقبلونهم. عانقونا وقبلونا، الشاي وعدته تضيء، وصوت الضاحكين فرحا واستبشارا يرن ويملأ الفضاء. والحديث ذو شجون، ما نزال عطاشى إلى وجوه الأحبة والجيران يتوافدون وأقداح الشاي تدور عليهم، والوجوه ضاحكة مستبشرة. والشوكولاته والحلوى توزع، والنكات تثير السامعين فتتماوج أكتاف السمار بهزة رتيبة من ضحك متواصل.

وبعد ماذا؟ ماذا تحمل الأيام القابلة، كيف سنعيش؟ ألا يكفي ما جرى يا دنيانا ولن أقول يا حكامنا. ماذا تخبئ لي الأيام. عفوا، ما شأن الأيام؟ جبران يقول:

الخير في الناس مصنـوع إذا جُبروا والشر في الناس موجودا وان قبروا

وفوزي المعلوف يقول:

ما دعـوه الإنســان من انســه لكن دعوه الإنسان من نسيانه

نسي الخير ثم أوغل في الشرِ فداس الضمير في عصيـــانه

الشاعر أبو تمام قال:

لا تنسين تلك العهود فإنما سُميت إنســانا لأنك ناسي

انفض المهنؤن، وانطرحت على الفراش، وأسلمت نفسي إلى نوم يختلف عن نوم كثير نمته على فُرش الآلام والزفرات، لا أظن شيئا من هذا سنتمتع به ونحن بين الأهل والأحباب. فمن يقول انتهى؟ أبدا. حتى لو تبدل هؤلاء بآخرين، فلا غرابة أيضا أن تأتي بشرٍ أعم وأشد (كلما دخلت أمة لعنت أختها).

 

السويد ‏14/07‏/2011


من مذكرات المربي الراحل علي محمد الشبيبي - ثورة 14 تموز 1958 والسنوات العجاف (11)
من مذكرات المربي الراحل علي محمد الشبيبي - ثورة 14 تموز 1958 والسنوات العجاف (10)
من مذكرات المربي الراحل علي محمد الشبيبي - ثورة 14 تموز 1958 والسنوات العجاف (9)
من مذكرات المربي الراحل علي محمد الشبيبي - ثورة 14 تموز 1958 والسنوات العجاف (8)
من مذكرات المربي الراحل علي محمد الشبيبي - ثورة 14 تموز 1958 والسنوات العجاف (7)
من مذكرات المربي الراحل علي محمد الشبيبي - ثورة 14 تموز 1958 والسنوات العجاف (6)
من مذكرات المربي الراحل علي محمد الشبيبي - ثورة 14 تموز 1958 والسنوات العجاف (5)
من مذكرات المربي الراحل علي محمد الشبيبي - ثورة 14 تموز 1958 والسنوات العجاف (4)
من مذكرات المربي الراحل علي محمد الشبيبي - ثورة 14 تموز 1958 والسنوات العجاف (3)
من مذكرات المربي الراحل علي محمد الشبيبي - ثورة 14 تموز 1958 والسنوات العجاف (2)
من مذكرات المربي الراحل علي محمد الشبيبي - ثورة 14 تموز 1958 والسنوات العجاف (1)
من مذكرات المربي الراحل علي محمد الشبيبي - عودة ومصائب وعواصف (13)
من مذكرات المربي الراحل علي محمد الشبيبي - عودة ومصائب وعواصف (12)
من مذكرات المربي الراحل علي محمد الشبيبي - عودة ومصائب وعواصف (11)
من مذكرات المربي الراحل علي محمد الشبيبي - عودة ومصائب وعواصف (10)
من مذكرات المربي الراحل علي محمد الشبيبي - عودة ومصائب وعواصف (9)
من مذكرات المربي الراحل علي محمد الشبيبي - عودة ومصائب وعواصف (8)
من مذكرات المربي الراحل علي محمد الشبيبي - عودة ومصائب وعواصف (7)
من مذكرات المربي الراحل علي محمد الشبيبي - عودة ومصائب وعواصف (6)
من مذكرات المربي الراحل علي محمد الشبيبي - عودة ومصائب وعواصف (5)
من مذكرات المربي الراحل علي محمد الشبيبي - عودة ومصائب وعواصف (4)
من مذكرات المربي الراحل علي محمد الشبيبي - عودة ومصائب وعواصف (3)
من مذكرات المربي الراحل علي محمد الشبيبي - عودة ومصائب وعواصف (2)

من مذكرات المربي الراحل علي محمد الشبيبي - عودة ومصائب وعواصف (1)
من مذكرات المربي الراحل علي محمد الشبيبي - الدرب الطويل (21)
من مذكرات المربي الراحل علي محمد الشبيبي - الدرب الطويل (20)
من مذكرات المربي الراحل علي محمد الشبيبي - الدرب الطويل (19)
من مذكرات المربي الراحل علي محمد الشبيبي - الدرب الطويل (18)
من مذكرات المربي الراحل علي محمد الشبيبي - الدرب الطويل (17)
من مذكرات المربي الراحل علي محمد الشبيبي - الدرب الطويل (16)
من مذكرات المربي الراحل علي محمد الشبيبي - الدرب الطويل (15)
من مذكرات المربي الراحل علي محمد الشبيبي - الدرب الطويل (14)
من مذكرات المربي الراحل علي محمد الشبيبي - الدرب الطويل (13)
من مذكرات المربي الراحل علي محمد الشبيبي - الدرب الطويل (12)
من مذكرات المربي الراحل علي محمد الشبيبي - الدرب الطويل (11)
من مذكرات المربي الراحل علي محمد الشبيبي - الدرب الطويل (10)
من مذكرات المربي الراحل علي محمد الشبيبي - الدرب الطويل (9)
من مذكرات المربي الراحل علي محمد الشبيبي - الدرب الطويل (8)
من مذكرات المربي الراحل علي محمد الشبيبي - الدرب الطويل (7)
من مذكرات المربي الراحل علي محمد الشبيبي - الدرب الطويل (6)
من مذكرات المربي الراحل علي محمد الشبيبي - الدرب الطويل (5)
من مذكرات المربي الراحل علي محمد الشبيبي - الدرب الطويل (4)
من مذكرات المربي الراحل علي محمد الشبيبي - الدرب الطويل (3)
من مذكرات المربي الراحل علي محمد الشبيبي - الدرب الطويل (2)
من مذكرات المربي الراحل علي محمد الشبيبي - الدرب الطويل (1)
من مذكرات المربي الراحل علي محمد الشبيبي - معلم في القرية (22)
من مذكرات المربي الراحل علي محمد الشبيبي - معلم في القرية (16)
من مذكرات المربي الراحل علي محمد الشبيبي - معلم في القرية (15)
من مذكرات المربي الراحل علي محمد الشبيبي - معلم في القرية (14)
من مذكرات المربي الراحل علي محمد الشبيبي - معلم في القرية (13)
من مذكرات المربي الراحل علي محمد الشبيبي - معلم في القرية (12)
من مذكرات المربي الراحل علي محمد الشبيبي - معلم في القرية (11)
من مذكرات المربي الراحل علي محمد الشبيبي - معلم في القرية (10)
من مذكرات المربي الراحل علي محمد الشبيبي - معلم في القرية (9)
من مذكرات المربي الراحل علي محمد الشبيبي - معلم في القرية (8)
من مذكرات المربي الراحل علي محمد الشبيبي - معلم في القرية (7)
من مذكرات المربي الراحل علي محمد الشبيبي - معلم في القرية (6)
من مذكرات المربي الراحل علي محمد الشبيبي - معلم في القرية (5)
من كتابات المربي الراحل علي محمد الشبيبي - معلم في القرية (4)
من كتابات المربي الراحل علي محمد الشبيبي - معلم في القرية (3)
من كتابات المربي الراحل علي محمد الشبيبي - معلم في القرية (2)
من كتابات المربي الراحل علي محمد الشبيبي - معلم في القرية (1)



 

free web counter