| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

محمد علي الشبيبي

Alshibiby45@hotmail.com

 

 

 

                                                                                     الأحد 13/3/ 2011

 

من مذكرات المربي الراحل علي محمد الشبيبي
(1913 – 1996)

محمد علي الشبيبي

اعتذار
ذكرت في الحلقة السابقة أن عنوان القسم الثالث (عودة إلى الريف)، ولأني دمجت أكثر من قسم في قسم واحد (القسم الثالث) بسبب قصر الأقسام والفترة التي تتناولها، ولأن الوالد ترك لي حرية التصرف والتنظيم، فإني وجدت من الأفضل أن يكون هذا القسم بالعنوان أعلاه لأنه الأشمل والأكثر وصفا لمجريات أحداث هذا القسم الذي يمتد من عام 1948 لغاية ثورة 14 تموز عام 1958.

مقدمة
يتناول المربي الراحل طيب الله ثراه في القسم الثالث "عودة ومصائب وعواصف" من ذكرياته "ذكريات معلم" حياته التعليمية بعد فصله وعودته للتعليم مجدداً -عام 1947- في نواحي مدينة الناصرية. وعمله في محافظة -الناصرية- يعتبر بداية مرحلة جديدة في حياته التعليمية. فقد أستقر في مدينة الناصرية ما يقارب التسع سنوات، قضى منها بضعة أشهر في إحدى القرى - أصيبح-.
فهل ستختلف متاعب الراحل وعائلته في هذه المرحلة -بعد تركه للعمل الحزبي- عن سابقتها ؟ كلا وألف كلا. التحقيقات الجنائية وسلطات العهد الملكي استمرت -كما سنرى في جميع ذكرياته- بملاحقته واضطهاده، ولم ينجُ من الاعتقال والفصل والسجن والتعذيب في جميع العهود الملكية والجمهورية.

كانت إعادته لوظيفته متأخرة وناقصة، واُبعد عن مركز المدينة -الناصرية-. فجميع زملائه الذين فصلوا تمت إعادتهم بعد انتهاء فترة الفصل -ستة أشهر- بينما لم تتم إعادته إلا بعد ما يزيد على السنة، واُعيد كمستخدم.
رغم ما سببه الاعتقال من الآم وحرمان وعذاب للوالد، فهو لا ينسى أن يتحدث عن طيبة زملائه المعلمين في مدرسته السابقة "الغربية الابتدائية". يعود إلى مدرسته السابقة فيستقبله زملاؤه بلهفة وشوق دون تحفظ أو خوف من التحقيقات الجنائية وتقارير وكلائها السرية، فيكتب: (زميلي المعلم أحمد المغربي استقبلني بلهفة، بقية الزملاء أيضاً، فنان الخط والرسم شنون عبيد ومحب فن التمثيل عبد الوهاب ألبدري كلهم كانوا طيبين ذوي نخوة وألفة ....). كان الراحل يهتم كثيراً بطبيعة علاقته بالأصدقاء فهو يشخص في كل كتاباته هذه العلاقات ويثمن الإيجابي منها وينتقد بأسى وألم شديدين العلاقات الزائفة بسبب جبن وتردد أصحابها أو حتى نفاقهم. وخلال تنقله الوظيفي بين مدن وقرى الوطن يستعرض الوالد تباين سلوك الآخرين معه، ويحاول أن يفهم ويوضح بجرأة وبعيدا عن ردود الفعل الأسباب التي تحدد سلوكهم تجاهه.

وفي مدرسته الجديدة "سيد سلمان" كما يسميها في قرية "اصيبح" وبعيدا عن عائلته، يتعرف على "أصدقاء" من فئة اجتماعية أخرى هم من بسطاء الناس وفقراء المجتمع فيكتب عنهم: (هؤلاء نداماي، إنهم ندامى برءاء في سمرهم معي، وهم أكثر ثقة بي واحتراما وأنا أحبهم وأعطف عليهم، هنا هم أحب إليّ من كثيرين أعرفهم .... ). هؤلاء هم كناس البلدية هويدي الأطرم ، وطاقة الخبازة وفليفل، وغيرهم من بسطاء القرية. فيجلس ويحدثهم ويمزح معهم ببساطة دون تكبر واستعلاء فيكتب: (الناس في مختلف ميولهم، ونفسياتهم، ودرجات وعيهم وتجاربهم، منبع أنهل منه الثقة بالحياة، وأتعلم منه الشيء الكثير....). تواضع الوالد كانت أكثر ما تخشاه السلطات الأمنية، لأنها ترى أن هؤلاء الفقراء يتأثرون بصدق الوالد وما يطرحه من أفكار تضيء لهم حياتهم وتكشف لهم أسباب بؤسهم، والفئات الكادحة أسرع من يتأثر بالأفكار الوطنية وبالظلم الاجتماعي والطبقي. وأستمر والدي في علاقاته الاجتماعية المتواضعة مع الفئات الشعبية والفقيرة إلى آخر أيامه.

وتستمر النكبات تلاحق العائلة. فيتحدث الراحل كيف سمع في نادي الموظفين خبر قرار الحكم بالإعدام على شقيقه حسين "صارم" ورفاقه "فهد وحازم". ولم يخطر بباله أن إعلان قرار حكم الإعدام تم بعد تنفيذه!؟. لا بل أن السلطات لم تسمح لعوائل الشهداء بمقابلة أبنائها وتوديعهم الوداع الأخير!. ومنعت عوائلهم من إجراء مراسيم الفاتحة، كما لم تسلم جثامينهم الطاهرة لعوائلهم. ماعدا الشهيد حسين حيث نجحت والدته وزوجته بلقائه لعشرة دقائق فقط!؟ كما منعت عائلته أيضا من إجراء مراسيم الفاتحة. هكذا كانت إنسانية النظام الملكي التي يتشدق بها البعض ممن يحاولون عن قصد تزييف التأريخ أو لا يعيرون أي اعتبار لحياة الآخرين!.

ولوعة الوالد بإعدام شقيقه كانت عظيمة وتركت أثرها في حياته. وأشهد أنا –أبنه- أن والدي لم ينساه لحظة، حتى بعد أن عانى من مرض الشيخوخة القاسي الذي أفقده الذاكرة، والتي أنسته معظم أفراد العائلة القريبين منه، لكن لم ينس شقيقه -حسين- أبداً! وعندما يذكره -في آخر أيامه- يبكي كالطفل بلوعة ومرارة يتفطر لها القلب. ورثى الشهيد بعدة قصائد هي -أحباءنا، فتى التاريخ، رمز العقيدة، اُمك، يا صليباً، على القبر، شباط-. ورغم قسوة المصيبة على العائلة يبقى الوالد متماسكا مصراً على مواصلة نهج الكفاح من أجل الثأر من الطغاة. ويرى أن المستقبل سيضع نهاية مخزية للطغاة، حينها لا يجدون مأمنا فيه على أنفسهم من غضب الشعب، وهذا ما حدث للطاغية نوري السعيد وأخيرا لصدام وربما لما بعد صدام. ففي إحدى مراثيه الشعرية "شباط" يقول:

حـلفت يمينـــاً لا أســـيل مدامعـــي      إذا لم تُسـل من قاتليك الدما الحمــرُ
بيـــوم ســيأتي لـيس منه تخلــــص     يضيق على الطاغي به البر والبحرُ

يتحدث الوالد عن علاقته بمؤسس الحزب الشيوعي "فهد" وطريقته الفذة وموضوعيته في معالجة الأمور وأسلوبه السلس وقوة منطقه في الإقناع. وينقل عن فهد كيف غضب من أحد الرفاق لأنه يسخر من بعض المعتقدات الدينية، مؤكدا لهم ضرورة قراءة القرآن والإطلاع على قصص الأنبياء في وقوفهم بوجه فراعنة زمانهم، وكان دائم الاستشهاد بآيات من القرآن الكريم. ويتحدث الوالد عن شجاعة وصلابة الشهيد زكي بسيم "حازم" أمام جلاديه، ويروي قصة تحكي صموده وصلابته.

ويرى الوالد أن السر في إخفاقات الحركة الوطنية، هي أنانية الأحزاب الوطنية وقيادات الحركة الوطنية، وحبها للظهور على المسرح منفردة، ورغبتها في الانفراد بقيادة الحركة الجماهيرية والوضع السياسي. ولابد أن أؤكد بكل أسف أن هذه الظاهرة السلبية ملازمة لطبيعة القوى السياسية لغاية يومنا هذا. وكأن والدي لم يكتب استنتاجه هذا لأربعينات وخمسينات القرن الماضي وإنما لأيامنا الحالية!

تطليقه للعمل الحزبي لن يمنعه من مزاولة نضاله ولكن بطريقته الخاصة. فكتب أكثر من مقالة باسم مستعار يفضح فيها الفساد الإداري والمالي المستشري في مؤسسات مدينة الناصرية. وينتقد نفاق ملاكي دور السينما، فهم من ناحية يعرضون الأفلام السيئة التي تزيد من التفسخ الأخلاقي، ومن ناحية أخرى يقيمون في دواوينهم ذكر الحسين والرسول!؟. وكان لمقالاته هذه أثرا كبيرا في أوساط المجتمع الناصري وأثار غضب السلطات الإدارية والأمنية، التي تحركت دون جدوى للبحث عن كاتب المقالات.
ويشيد كثيراً بطيبة أهالي الناصرية وتضامنهم معه وموقفهم النبيل واهتمامهم بالعائلة خلال اعتقاله بالرغم من أن فترة إقامته بينهم لا تتجاوز بضعة أشهر. هذا الموقف والانطباع عن أهالي الناصرية كنت أحسه من خلال أحاديث الوالدين طيب الله ثراهما، فكانا كثيراً ما يقارنا تلك المواقف النبيلة والشجاعة بمواقف واجهته في مدن أخرى يذكرها بأسى ومرارة بسبب نفاق وخبث طوية البعض أو جبن وأنانية البعض الآخر!؟

بعد تسع سنوات من العيش في الناصرية نجح الوالد في الانتقال إلى كربلاء، ليكون قريبا من النجف حيث يسكن والديه المسنين. ويتناول بمرارة في موضوعة (أينما تول وجهك سبقتك سمعتك) خبث البعض في مديرية معارف كربلاء وغيرهم للعمل على مضايقته وأبعاده عن العمل في مركز المدينة ونفيه إلى نواحي المدينة!؟. فيكتب بمرارة (أسفت كثيرا إن لم أحاول النقل إلى النجف). لكنه أيضا يكتب بإيجابية في نفس الموضوع، فيثمن موقف مدير مدرسته "مهدي علي" وكذلك موقف مدير الشرطة فيكتب (على أي حال لا تخلو الأرض من الطيبين، مثلما أن المرء معرض للشر بأكثر من الخير).

يرى الوالد أن للمعلم مهمة تربوية وأخلاقية إضافة لمهمته التعليمية، فيكتب في موضوعة "حصن الاخيضر" (وأي معلم كرس جهوده للمادة العلمية التي عهدت إليه، دون أن يعني بالجانب الخلقي فإنما هو آلة أو جاهل لمهمته وشخصيته. إن أحب شيء إلى نفسي أن أجعل من طلبتي أصدقاء. أنفخ فيهم من روحي واهتماماتي بشتى جوانب الحياة ...). والتعليق الذي عثرت عليه بين مخطوطات الوالد على كلمة أحدهم "مهذار" تبين رأي الوالد بالمعلم ومهنة التعليم في بلدنا، فكتب:
(أخي مهذار. قرأت كلمتك المنشورة في عدد التآخي 1294 بعنوان "نريد معلما يضيء ولا يحترق". فاسمح لي أن أثرثر معك قليلاً، وبين الهذر والثرثرة تقارب في المعنى. وعسى أن أكون كالثرثار يجري فيه ما يكون منه كل شيء حي.
أنت تريد معلماً يضيء ولا يحترق، أمر لا يمكن أن يكون أبداً. فكل مضيء لابد أن يحترق، حتى الشمس، هذا الكوكب العظيم، يحترق منه ما يناسب جرمه العظيم. والمصباح الكهربائي، الذي يمنحنا ضوءاً جميلاً، هو أيضاً لابد أن يحترق.

أنك تعيب الشمعة إذ تترك بسبب احتراقها سخاماً. فلا تريد لهذا السبب أن يكون المعلم -شمعة- كي لا يترك -سخاماً-. ما ذنب الشمعة، وقد أنارت لأجيال كثيرة من البشر، متعتهم بالنور، حتى أنها -ولأنها كانت أرقى وسائل الإنارة- عاشت حقبة كبيرة من الزمن في قصور الأغنياء والمنعمين، بعيدة عن أكواخ المعدمين! وظلت حتى يومنا هذا رمزاً للنور والمعرفة. ولهذا السبب أطلق القدماء على المعلم هذا القول -شمعة تضيء وتحترق- ليته كان -شمعة- فمن الممكن أن نجمع حطام الشمعة الذائب فيعود شمعة من جديد. إن أقرب شبه للمعلم -جسر خشبي- يعبر عليه الملايين أو الألوف، حتى إذا تآكلت الأخشاب أبدلت بغيرها، ورميت إلى اللهب لتتحول إلى رماد.

كم يا أخي من المعلمين أضاؤا واحترقوا، ولم يتركوا سخاماً. تركوا ذكرى عبقة كأريج الزهر، تزيد أرجاً كلما تقدم الزمن. ولكن الأكثرين أيضا احترقوا وتركوا سخاما. لأنهم ارتضوا لأنفسهم أن يكونوا شموعا في الظلمة تنير حسب ما يرغب المتحكمون/ الجمعة 30/3/1973)

مربي بهذه الروح وبهذا الفكر لا تذهب جهوده سدا مع تلامذته. فقد برهن تلامذته من مدينة الناصرية مدى وفائهم وحبهم وتقديرهم لمعلمهم. فهم لم ينسوا دور الوالد في توجيههم وتشجيعهم نحو الأدب والاهتمام بلغتهم العربية. وعاش الوالد ولمس وفاء بعض طلبته النجباء -من مدينة الناصرية- فيذكر ذلك بفخر في موضوعة -حصن الاخيضر- فيكتب: (وقد لمست ثمر نهجي هذا، حين التقيت بعد حقبة من الزمن وعن طريق الصدفة ببعض طلبتي، وقد أصبحوا من حملة شهادة الدكتوراه، أو من الأدباء البارزين في فن القصة والرواية. أحدهم التقى بي في اتحاد الأدباء وقدمني متباهيا لنخبة من الأدباء، تحلقوا حول طاولة. فرد عليه أحدهم: لَمْ تقدم لنا من لم نعرف أو نجهل، إنه صديقنا وزميلنا وعضو في الإتحاد .... ولكنه راح يسرد لهم حكاية تأثيري فيه، ويذكر بإعجاب: إني ما أزال أعتبر إن بعض حكاياته هي التي دلتني على الطريق اللاحب. أذكر منهم الدكتور صلاح مشفق، واعتقد أنه ليس من أهالي الناصرية ولكن أخاه موظفا فيها، ومنهم القاص النابه عبد الرحمن مجيد الربيعي، كان أبوه شرطيا وكان يهتم بابنه اهتمام عارف، ويتفقد سلوكه في المدرسة، وكان هو مؤدبا ومجدا).

إن أفضل شهادة على دور الوالد كمربي وإخلاصه وحبه لعمله التعليمي في توجيه تلامذته الوجهة الصحيحة هي شهادة بعض الأوفياء ممن تركت توجيهات الوالد أثرا في حياتهم. وسأترك القارئ مع بعض ما كتبه تلامذته الطيبين.

في حديث للأستاذ القاص عبد الرحمن مجيد الربيعي في مجلة -الزمان الجديد- بعددها السابع/ منتصف مايو 2000 في زاوية -الدرس الأول- تحدث عن دور معلمه علي الشبيبي في اكتشاف موهبته الأدبية وتوجيهه الوجهة الصحيحة، فكتب: (... تلك هي الدروس الأولى التي اقترنت كلها بالعقاب البدني والتي كونتني بشكل آخر.

لكن الدرس الذي قادني إلى الأدب كان على يد معلمي العظيم المرحوم علي الشبيبي الذي كان رجل دين نزع العمامة وارتدى الملابس المدنية. وكان رجل أدب وشعر وهو شقيق المرحوم الشبيبي الذي اعدم مع فهد مؤسس الحزب الشيوعي، وقد علمت هذا لاحقاً لأنه لم يرد إثارة هذا الموضوع وقتذاك.

ويمكنني القول دون تردد أن معلمي علي الشبيبي هو "مكتشف" موهبتي الأدبية عندما أنتبه إلى كتاباتي في درس الإنشاء وكنت آنذاك في السنة الرابعة من الدراسة الابتدائية.

وصار يمدني بتوجيهاته واذكر أن هديته لي عندما نجحت -الأول- في الامتحان النهائي كانت مكونة من أربعة كتب مازلت أتذكر أن احدها لمحمود تيمور والآخر لعبد المجيد لطفي الذي كان يحظى باحترام كبير نظرا لشجاعته ومواقفه الوطنية التي قادته للسجن مراراً.

وعندما يأتي من ينتبه إلينا، إلى قدراتنا، ويمنحنا الثقة، ويضعنا في أول الطريق الموصل ولا يتركنا نتخبط فإننا نكون بهذا من المحظوظين. فتحية إجلال لذكرى معلمي الجليل علي الشبيبي أبو كفاح وهمام الذي لولاه لما اختصرت المسافة إلى الكلمة. لما كنت ما أنا عليه بكل ما قدمت وبعناد واعتداد لابد منهما لكل من يدخل عالماً مكتظاً وعجيباً أسمه "الأدب" فيه من الذئاب والأفاعي أكثر مما فيه من الحمائم والغزلان)

أما الأستاذ د. محمد موسى ألأزرقي كتب في خمس حلقات (عن الطفولة والأمهات والوطن الذبيح) وتطرق في أكثر من حلقة عن دور معلمه علي الشبيبي في تنمية قدراته في اللغة العربية واهتمامه بتوجيهه الوجهة التربوية الصحيحة. ومما كتبه في الحلقة الأولى (کنا منذ الصغر مولعين بالقراءة والتظاهر بأننا مثقفون. وقد عمل استاذنا علي الشبيبي، معلم اللغة العربية علی ترسيخ السمة الأولی فينا، دون الثانية .... وقد اکتسب ذلك الولع بالنسبة لي طابعاً آخر بفعل تشجيع استاذي علي الشبيبي، الذي وجد ان "صوتي جميل" وکان يطلب مني ان "اجوَّد" بعض السور القصيرة خلال ساعة درس مادة الدين والقرآن)

ويضيف الدكتور الأزرقي في الحلقة الثانية (.... إني شخصياً اعترف له فضله في توجيهي لحب اللغة والأدب والقرآن، فما زال صوته يتردد في مسامعي وهو يتلو قصيدة الفخر بالأرض العربية ومهبط الوحي بلا شوفينية وبدون تطرف:

لحصاها فضل علی الشهب     وثراها خير من الذهب
تتمنی السماء لو لبست         حلة من ترابها القشب

ويواصل الدكتور الأزرقي فيكتب في الحلقة الرابعة (کان المرحوم علي الشبيبي، وهو أخو الشهيد "صارم" الذي اُعدم مع الشهيد "فهد"، مرشداً حقاً. فعلی مدی ثلاث سنوات، منه تعلمت قراءة القرآن بشکل صحيح، أين أقف، وأين امدُّ الکلمة، وأين أشدُّ عليها، وأين أغير نغمة صوتي. تعلمت منه حبَّ العربية وآدابها وقراءة الشعر والقاءه، فقد کان هو نفسه شاعراً. ومع انه بدأ حياته کرجل دين، فأنه نزع العمامة، واصبح معلماً متفتح الفکر سليم السيرة، يجعل الطالب يشعر أنه أکثر من معلم له، ويمکن الأعتماد عليه والثقة به، رغم أنه کان جاداً للغاية فيما يتعلق بأداء الواجبات وحسن التصرف والسلوك).

ورغم الظروف الصعبة التي كان يعاني منها الوالد فهو لم يتوان عن متابعته للأوضاع السياسية المحلية والعربية والعالمية. فيتناول ما أستجد من أخبار علمية ومن أحداث سياسية، ويكتب رأيه فيها بصراحة دون تحفظ. وكعادته تبقى صفة حب التعرف على وطنه والإطلاع على مدنه وما تحويه من كنوز وآثار تلازمه بالرغم من ضيق مورده المالي. وخلال جولاته القليلة يتحدث عن مشاهداته بأسلوب شيق محاولا أن يغني مادته بما سمعه وشاهده وقرأه من معلومات.


ألناشر
محمد علي الشبيبي
السويد ‏‏10‏/2‏/2011
alshibiby45@hotmail.com 
 

3- عودة ومصائب وعواصف
(6)

فترة هدوء وليست فترة أمان

وكأن شهري العطلة الصيفية أيام، فعدت إلى الناصرية، أداري سأمي في زيارة المكتبة العامة أسمر مع أمينها الأمين حقاً "عبد الكريم الأمين". وأرتاد النادي سويعات قليلة، فالناس في مختلف ميولهم، ونفسياتهم، ودرجات وعيهم وتجاربهم، منبع أنهل منه الثقة بالحياة، وأتعلم منه الشيء الكثير. ولعلني أحيانا أحسب بعض الناس -من مظاهرهم- إنهم بحكم الفقر الذي يعانونه، والاستغلال الذي يستلب كرامتهم، ويدوس إنسانيتهم، أحسبهم طيبين وهم يظهرون التودد. وأمس رأيت ما أدهشني، وعرفت أن من الحكمة أن لا يحسن المرء الظن بأحد بالسهولة من حديث ومجاملة بل وحتى مساعدة.

أعرف فتى كان خادماً عند أحد جيراننا في النجف. كان لطيفاً في حديثه بلهجته العربية المتعثرة بلغته الأصلية -الفارسية- ونخوته لمن يطلب مساعدته، مهما كلفته من جهد وتعب. كان يحبنا ويحترمنا. وبالصدفة وقف أمامي، وقد تغيرت لهجته كثيراً عن ذي قبل. كان قد ترك النجف بعد وفاة مستخدمه. ولم نعد نعرف عنه شيئاً. لكن ما الذي جاء به إلى هنا. لقد عرفني قبل أن أنتبه إليه، وبادرني مباغتاً، بالقبل وإعلان الفرحة بهذا اللقاء. وصحبته معي إلى البيت ضيفاً. فأدهشني حديثه عن أخويَّ! فعجبت كيف تم له علم كثير بموضوعهما، وأستمر، فتغير كل رأيي فيه، ولزمت الحذر من فلتان اللسان. كشف لي عن نفسه، بدون لف ودوران، عرض عليّ أن يقوم بخدمة لنا فيما يخص أخي السجين "محمد علي". أكتب عريضة عن لسان والدته، إلى سفير بريطانيا العظمى!؟ قل فيها إنها حامية العدالة معينة الضعفاء، دولة الخير والدين والأخلاق ..... وأجلب الوالدة وأنا سأصحبها إلى صاحبي!

- ومن صاحبك يا عباس؟

- صاحبي مسؤول انكليزي كبير يدعى "بيرون". مسؤوليته من البصرة إلى الديوانية، وتحت مسؤوليته عدد كبير من العراقيين. وكل هذا لحفظ العراق من أعدائه.

قلت، يا عباس. الله وأكبر من صاحبك. تركنا الأمر إلى الله ولن نلجأ إلى أحد غيره. لم أجد ضيرا من هذا الجواب مع عباس العجمي الذي أصبح مؤمناً بريطانياً!

كان لقائي ببعض الأصحاب أكثر من البعض الآخر. فكل نموذج له لطف خاص به. علاقتي بالأديب عباس ملا علي وعبد الكريم الأمين تختلف عن علاقتي بكثير من زملائي المعلمين. وفي هذه الأيام وبعد أن مرّ على تبليط الشارع "عـﮕد الهوى" شهر واحد. أخذ الناس يتحدثون، كيف بدأ تبليطه يتفتت، حتى لكأنه من رماد وليس من قير.

"عـﮕد الهوى" كان أسمه عند عامة الناس. يقول بعضهم إن سبب هذه التسمية كثرة الهواء لسعته، فهو أوسع شارع إذ ذاك في الناصرية. ويزعم آخرون إن هذا بسبب وجود بيوت الدعارة في نهايته. وتم التبليط على العادة مقاولة بالمناقصة؟ وما كان المبلغ زهيداً أبداً. ولكن الرشوة كانت متفشية. حتى أن المتصرف "عبد الحليم السنوي" قد أستوفى حصته قبل الهيأة الفنية من مهندس البلدية وأعضاء المجلس البلدي.

وتحدثنا كالناس عن هذا آسفين للسكوت والخنوع الذي يلازم شباب البلد، وتناول الحديث جوانب متعددة من تلاعب المسؤولين بمقدرات البلد وشؤون الناس في مختلف الأمور ومن أهمها مديرية المعارف التي تسودها سياسة التنافس والتعصب، وفعلاً بسبب هذه الروحية الكريهة قسمت وظائف المديرية -بشكل مقصود وتدريجياً- فلان يمثل خط السوق "سوق الشيوخ"، وفلان يمثل خط "الشطرة"، وفلان يمثل خط "الرفاعي"، وكل واحد من هؤلاء العمد له وكيل يتوسط أمور المتعلقين ويوصلها إلى العمدة. ولا تخلو الحال من اعتراف الوكيل والتعلق بالجميل للعمدة الذي يلتزمها عند الضرورة وفي حالات الخطر والمصادفات السيئة، مثل النقل إلى مكان غير مرغوب، أو رفض نقله إلى المكان الائق، أو شموله في التعيين في المدارس المسائية، أو في لجان التصحيح بالامتحانات العامة. فمخصصات المسائي، والتصليح كلاهما وارد لا بأس به. وللعمدة منهم هدايا مناسبة!

وتعرضنا لبعض أساليب ملاكي دور السينما، في عرضهم لأردأ الأفلام، مثل "السيدة تعارض" وأمثالها مما يزيد التفسخ الخلقي، وأساليب اللصوص، والعصابات، ذلك لأن هذه الأفلام رخيصة الثمن بينما هي تجذب وتستهوي الشباب المائعين، والمراهقين، بينما أصحاب هذه الدور يقيمون في دواوينهم ذكر الحسين والرسول، ويستضيفون رجال الدين الذين يطوفون شتى أرجاء الجنوب يجبون من هؤلاء ومن العشائر، الزكاة والنذور، ولكن لا يدخل في حسابهم، أنهم بما يعرضونه من تلك الأفلام ما يهدم الأخلاق، ويشيع التفسخ والانحلال الخلقي.

وأجمعنا نحن الثلاثة، لو قام أحدنا أو ثلاثتنا، بنقد هذه الأوضاع على صفحات الجرائد، ولم ننس أن المسألة لا تخلو من خطر، لما نعرفه من تحالف بين أهم القوى، الشرطة والإداريون، والمتنفذون من رجال البلد "الوجهاء" وبالأخص أحباب صاحب الفخامة، والموظفون الوسطاء في نفخ الجيوب.

وبدون توقف سارعت فكتبت كلمة بهذا، عنوانها "تعال معي إلى الناصرية" وأرسلتها للنشر في جريدة العالم العربي لصاحبها نجم عبد الله السعدون، وهو صديق لي أيضاً، ورئيس التحرير فيها الصحفي المعروف لطفي بكر صدقي، وما أسرع ما نشرت بتوقيع مستعار طبعاً.

ومن الصدف أن يوم نشرت لم أخرج كالعادة، لقد تأخرت لأمر يخص صحتي، ولزمت مكاني الخاص في غرفة الاستقبال. وجاء شاب من الجيران. أعرف فيه طموحاً لخدمة البلد، والنضال ضد العمالة والاستغلال والسياسة التي تساعد على التأخر والانحطاط. لاحظت أنه يعاني من سوء أصابه. فسألته، فراح يقص علي نبأ نشر كلمة له، بعنوان "تعال معي إلى الناصرية" وأن موجة غضب هاجت بين وجهاء البلد.

مدير الشرطة أتصل بإدارة الجريدة، مدعيا إنه صاحب الكلمة، وإن فيها أخطاء كثيرة، يوهم الإدارة ليتعرف على صاحبها الحقيقي. وآخرون يهددون ويتوعدون، لو عرفنا من هو كسرنا عظام جمجمته بالأحذية! ومدير المعارف السيد كاظم القزويني أستدعى عبد الكريم الأمين وعباس ملا علي معتقداً إنها لأحدهما. كان قد تكرم مدير المعارف على الأديب عباس ملا علي فعينه محاضراً في دروس العربية في بعض صفوف المتوسطة والثانوية، ولهذا أجاز لنفسه أن يحاسبه!. وأنا آسف أن فقدت نسخ الجريدة التي نشرت الكلمتين.

ثم قال الشاب، أنا صاحب الكلمة. وإني أخطأت إذ أفشيتُ أمرها لأخي، وقد جاء أخي منفعلاً وخائفاً من مغبة العاقبة. وهددني بالطرد! كان على الطاولة التي أجلس خلفها ملف كتب عليه عنوان المقالة وتأريخ إرسالها للجريدة، وجلس هو من جانبه الثاني. فقلبت الملف حالاً، كيلا يلتفت إليه. ورحتُ أهدؤه وأحثه على كسب رضا أخيه ولو بالإنكار، وأنك قلت ذلك أدعاءً.

والتقيت بصاحبيّ، فبادرتهما بالتساؤل عمن كتب ذلك منهما! راحا يقسمان اليمين متنصلين، ويسألان مني أن كنت أنا الكاتب، فأقسمت اليمين أيضاً. قال أحدهما، المضحك في الأمر إنا تعاهدنا على الكتمان، فمن يجرأ على التصريح؟! وحضر أحد شياطين مديرية المعارف، وقال متحمساً، والله العظيم لو تأكدت من معرفة الكاتب لهشمت فكيه بحذائي هذا! فقابلناه بالنكات والتعليق.

بعد أسبوع جاءت جريدة "الجبهة المتحدة" تحمل كلمة أخرى لي بتوقيع صخر بعنوان "يا شباب الناصرية" ذكرتهم بتقصيرهم في خدمة بلدهم، مع علمهم بمن يتلاعب بمقدراتهم. وقلت، إن كثيراً من أولئك المتلاعبين ممن هم ليسوا من بلدكم، وتعرفون عنهم كل شيء ولكنكم ليس فقط تغمضون عيونكم عنهم، إنما تزيدون احترامكم لهم!. فهاجوا أيضاً.

أحد معارفي استدعاني -وأنا مار في الطريق- أن أجلس قليلاً معه. وقدم لي الجريدة. وقال، خذ أقرأ ... في رأيي كاتب هذه المقالة هو نفسه الذي كتب الأولى! ماذا تقول؟

سلمني الجريدة فرحت أقرأ، وهو يمعن النظر في ما يبدو على أسارير وجهي. قلت، لاشك أنه ليس من أهالي الناصرية، أنتبه إلى انه يخاطبهم ويعيبهم، ويحرضهم أن يتيقظوا!

ولكني تبت إلى رشدي فعدلت عن الكتابة. ومن غريب الصدف إن مدير المعارف أرسل بطلبي. وحين حضرت قال، في النية إقامة حفل بمناسبة المولد النبوي. لنا عليك أن تشارك بإلقاء كلمة بهذه المناسبة. لكني اعتذرت وأصررت. وقلت، يا سيدي أنا لست من رجال هذه الحلبة أولاً، وثانياً أنت تعرف إني تحملت المصائب بدون أن أكتب فكيف بي لو كتبت؟. أضف إلى هذا لو إني أحسن ذلك لكتبت ببالغ الأسف عن مصير دين محمد في هذا العصر على أيدي أبناء الدين!.

وما عدت إلى البيت حتى فوجئت بالصديق محمود مرزة لأول مرة يصلني إلى بيتي. بعد أن أستقر قال، جئتك من أجل مطلب أرجو أن تجيبني إليه، ولا تعتذر أبداً. أبني شاكر أمره مُدَرسهُ أن يشترك بإلقاء كلمة في الاحتفال الذي ستقيمه مديرية المعارف في قاعة الثانوية بمناسبة ذكرى المولد النبوي. ومحمود من عائلة نجفية بهذا الاسم "مرزة" أستوطن الناصرية، يتاجر ببيع العباءات الرجالية، صيفية وشتائية. وكأي نجفي ينحدر من أسرة دينية تجد عنده هواية المطالعة والإطلاع والظهور بمظهر المطلع، مضافاً إلى كونهم يظهرون اعتدادا بالغاً بأنفسهم، كما أنهم ذوو لباقة.

قلت، يا سيدي منذ دقائق جئت من عند المدير وقد دعاني لهذا فاعتذرت. وأصارحك أني لا أستطيع أن أكتب بغير أسلوبي المعتاد، فكيف أنزل إلى مستوى من لم يعرف أن يكتب؟ وأزيدك علماً، إني لن أعتبر أية كلمة في هذا الصدد ذات أهمية، ولن تكون خدمة، إذا كانت كما تعودنا أن نسمع، أطفأت نار المجوس، وانهارت الكنائس، وسمع دوي الملائكة يسبحون ويقدسون ويباركون البشرية بالمولود العظيم؟ إن كتبت فسأكتب عن دين النبي العظيم كيف أصبح غريباً، وقد زوي عنه "بدى الأسلام غريبا وسيعود غريباً كما كان" وكأنه يشير إلى الآية الكريمة "وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفأن مات انقلبتم على أعقابكم ..."

أجل يا أخي، صدع محمد بدعوته وأنتصر فأندفع المسلمون ينشرون كلمة التوحيد ووحدة الكلمة. أما اليوم، فقد سادهم الاستعمار، وفرق كلمتهم، وحرفهم عن الحق، وصدهم عن السبيل ... ثم من يحميني لو أريد عقوبة أبنك بعد التحقيق واعترافه بالكاتب الحقيقي؟

قال وشدد في الالتماس والطلب، أعطيك عهداً انه سيلتزم أن شددوا عليه إنها بقلمي أنا! ولبيت وكتبت له بعنوان "الإسلام الغريب"

وحضرت الاحتفال. وجاء دور الطالب شاكر محمود. بعد قليل من إلقائه، أخذ المتنفذون المتصرف، مدير الشرطة، مدير المعارف، يوشوش بعضهم مع بعض، يتساءلون بدهشة ونرفزة، من سمح لهذا؟ دعوا أحد المسؤولين من المدرسين. أخبروه، أن الشرطة ستقبض على هذا الطالب لتحديه ومروقه. أجاب المدرس، وأيده زميله وشريكه في المسؤولية والأشراف، إنا لا نسمح بهذا ونقول لكم لاحق لأحد على هذا الطالب مادمنا قد سمحنا له ورضينا بها فأن كان ولابد، فنحن الذين يجب أن نحاسب!

وطال بينهم النقاش. كنت في الصف الذي يليهم. في مسافة أستطيع أن أفهم شيئاً مما دار. وشدد المدرسان المشرفان والمسؤولان أيضاً "حامد العزي ورشدي الأشهب". كان حامد مدرساً مثقفاً وأديباً وشاعراً. وبيني وبينه صداقة تمت بواسطة علاقتي بأمين مكتبة الناصرية عبد الكريم الأمين، ورشدي الأشهب فلسطيني، أديب وشاعر أيضاً، يحمل الحسرات من أجل موطنه فلسطين، وهو ظريف غاية الظرف.

وتدخل عنصر طيب فقال، أقترح عدم اتخاذ أي أجراء عقابي، إن هذا سيرفع من شأن الكلمة، ويجعل الناس يبحثون عنها، وربما بالغوا بأكثر من حقيقتها عنها، بينما لو تركتم المسألة تكون المسألة اعتيادية، إنها كلام يتلاشى في الفضاء. انتهى الأمر بسلام، ومع ذلك فقد أشير على الطالب أن يُخفي نفسه يوماً واحداً!.

* * * *

وتجرأت فأقدمت على زيارة قضاء الشطرة. أليس مؤسفاً إن يجد نفسه المواطن محروماً من التعرف على مدن بلاده! صرت ضيفاً على الصديق الأستاذ رسول الوسواسي. وزرت الصديق عبد الحسين جواد الغالب. رسول الوسواسي مدرس تعرفت عليه عام فصلنا من الوظيفة باعتبارنا شيوعيين وقد مارس خلال فترة الفصل العمل في حانوت بسيط. وعبد الحسين الغالب هو من زملائي في الموقف العام عام 1948 أيام وثبة كانون.

تجولت في شوارع الشطرة على جانبي النهر، تمتعت هذا اليوم بقسط وافر من الانطلاق، وشربت ماء دجلة العذب، ففراتنا من السماوة حتى القرنة لم يعد فراتاً، أنه ملح أجاج بسبب -ما يقال- انه يمر على مملحة السماوة!

ولفت نظري، بيت فخم -بالنسبة لمباني هذا القضاء- لكن جدرانه مطلية ومشوهة بالحناء، وقد كتب على بعضها -يا بخت حجي خيون- هو شيخ مشايخ عشيرة العبودة، ولكنه الزعيم البارز في هذه الربوع. فهو الذي تعاون تعاوناً وثيقاً مع الإنكليز لتثبيت احتلالهم وسيطرتهم. وقد رصدت له حكومة الاحتلال مرتباً شهرياً -مئات من الروبيات-.

عدت مرتاحاً وهنأت نفسي أن عدت بسلام، وبعد أسبوع علمت أن الشرطة استدعت مضيفي واستجوبته عن علاقته بي، وأسباب مجيئ، انتهت أيضاً بسلام!

ولكن صدري يجيش أحياناً بلهفة وحرارة، أيّ أمر ينتظرنا في الغيب. إن العالم يضطرب، ذلك لأن حلفاء الإتحاد السوفيتي ضد النازية، بدؤوا منذ انتهت الحرب يهيئون أنفسهم. لضرب حصار على السوفيت، علّهم يعيدون الشعوب التي أصبحت حكوماتها اشتراكية -كما يعبرون عن هذا- بإعادة الحصان إلى الإسطبل. وفعلاً قد تفجر صدام مسلح بين شطري كوريا وتدخلت أمريكا باسم هيأة الأمم المتحدة، واشتركت معها الأمم الموالية لها. ولم تفلح في دحر الكوريين الشماليين. وقد نُصح الأمريكان بعدم تخطي خط العرض (38) لكنهم اعتبروه خطاً وهمياً. وهاجموا الشماليين بوحشية وقسوة، مما دعا الصينيين للتدخل لحماية أنفسهم، وبالتالي أنتصر الشماليون، وكانت خسائر الأمريكيين والكوريين الجنوبيين فادحة، وانسحبوا بصورة مخزية.

وعلمت أن أخي محمد علي يرقد في مستشفى العزل -في الديوانية- وبعد أن أكد الطبيب أصابته بالتدرن الرئوي، أرسل إلى بغداد، ولم يلق غير الأكل والنوم، لكن الأهل صاروا يزودونه بالدواء اللازم! ومن المؤكد انه سيظل سجيناً مهما كان هذا الداء، حتى ولو أدى إلى موته!؟

وحين أشتد البلاء من حكم الوكيل الأعلى على الصحافة والفئات الوطنية، استقال ليشكل الوزارة في 10/12/1949 علي جودة الأيوبي، وضمت وزارته عضواً من الوطني الديمقراطي وزيراً للعدلية، وهو حسين جميل بصفته الشخصية لا الحزبية إذ كان الحزب مجمداً. الأيوبي أيضاً حمامة سلام خصوصاً وانه قد فارق رئاسة الوزارة منذ عام 1935. وهذه هي المرة الثانية يتسلم زمام رئاسة الوزارة. فألغيت الأحكام العرفية، وأتيح للصحافة شيء من الحرية لتعالج قضايا البلاد المتردية. فطالبت بإعادة النظر في أحكام المجالس العرفية. ثم لم تدم أكثر من شهرين واستقالت! أن مجيئها مؤقت ومرسوم للتهدئة وإيهام الناس بالأمان، وفترة استجمام للسيد الوكيل، ريثما يزوده أسياده بالتخطيط الجديد. وجاء دور حمامة السلام رقم "3" توفيق السويدي ليوطد الأمور، ويحقن الظروف -بمورفين- ولكن الجميع يعلمون انه رقم "3" يأتي بعد جودة والأول هو ذو اللحية المقدسة. والسلام في عرف هؤلاء، ليس مهدداً من قبل الاستعمار، إنه مهدد في مفهومهم كما قال شاعر العراق الكبير الجواهري:

وخــوفــوهــا بدب ســـوف يأكلهــا في حين سبعين عاماً تألف السباعا

وعاد نوري السعيد بشقاء ملايين العراقيين بعد توفيق في أقل من سبعة شهور ليمارس سلطانه في اضطهاد الحريات، ويمعن في إرهاب الشعب. فتسلم رئاسة الوزارة في 16/9/1950 وأستمر حتى عام 1953 أي انه بقي ما يقارب ثلاث سنوات.

* * * *

اندمجت مدرستنا السيف الابتدائية طلابها ومعلموها بمدرسة الملك فيصل الأول. لا أدري لماذا أنا غير مرتاح لهذا الاندماج، أنا في كثير من الأحيان أعتمد على حسي. لقد كنت في غاية الارتياح في المدرسة السابقة. المعلمون كلهم يمثلون وحدة، ماضون بواجبهم بكل نشاط، ذلك لأن انسجاما تاماً بينهم وبين مدير المدرسة مجيد وحيد شاهين. لا بأس، أنا أيضاً أعتمد على سلوكي الخاص، والمستقبل كشاف. المعلمون هذه الأيام مهتمون بإقامة حفلات تمثيل مسرحيات لكنها في الهزل والغرام. مديرنا -سيد باقر- يرغب أن نقوم نحن أيضاً. في المدرسة معلمون هذه هوايتهم. المعلم عبد الوهاب البدري يعتبر نفسه مخرجاً فأختار "قصر الهودج" وطلبوا مني أن أشارك. فحولت حكاية "أبو القاسم الطنبوري" إلى مسرحية وعلى البدري الإخراج. واخترت لهم أنشط الطلبة من السادس والخامس. بضمنهم ولدي كفاح من السادس. شارك في "قصر الهودج" ومثل دور "أبو القاسم الطنبوري" وابني همام في الثانية أيضاً، واكتسبت مسرحية الطنبوري أهمية، فكان الإقبال لمشاهدتها رائعاً خلال ثلاثة أيام.

ويبدو إن الإعجاب فيها كان كبيراً، إذ بلغت مديرية المعارف المدرسة برغبة المتصرف بمشاهدتها. فواصلنا التمثيل يوماً رابعاً. مدير المعارف القزويني قدم كارت إلى بطل المسرحية -كفاح- كتب فيه "أهدي حذاءاً جديداً لأبي القاسم" أعجاباً بقيامه خير قيام وأداء وتمثيل الدور.

كان ريع الحفلة كبيراً جداً. على أن المسرح كان نموذجاً عادياً. إذ لم تكن لدينا مادة غير جهود المعلمين، طبعاً في الطليعة البدري. ولقد ضغطت على عواطفي بشدة حين صغت هذه التمثيلية بعيدة عن السياسة والاجتماع. خفت أن يقال عني المثل المشهور "مكروهة وجابت بنت"؟!

والناس في حديث واسع عن كسوف الشمس الذي حدث في 25 شباط -1951- في الساعة 11 والدقيقة الخامسة والثلاثين من جهة الجنوب الغربي، لم نعد نرى الشمس تماماً وعًمّ الظلام ربما لأن هذا جاء مصحوباً بتلبد الغيوم. قالو: إن البعثة التي اتخذت "أور" مكاناً لمراصدها لم تنجح في مهمتها تماماً.

زوجتي في شهرها التاسع، فتضجرت أختها متشائمة. وبعد أيام جاءت رسالة من أبي يشير، إنها ولدت أنثى ميتة، الحمد لله على سلامتها!

القزويني أنتقل وحل محله حسين صياح. دهشت منه انه لم يبد أية ملاحظة على تدريسي فروع العربية، القواعد، الإنشاء، أسلوب تدريس القراءة. انه قصر ملاحظته على عدد قطع "المحفوظات" الشعرية والنثرية. في رأيي أنا ليس المهم العدد، المهم أن يكون الاختيار هادفاً من الناحية التربوية، وموافقة القطعة الشعرية فيما يخص بنائها في الوزن والقافية، ووضوح القصد فيها، لعقلية وسن الطلبة.

حسين صياح من أهالي الديوانية، قيل انه يعتبر من ركب المدرسين الذين يتعاطون نظم الشعر وقد جاء خلفاً للقزويني الذي نقل. مدير المعارف سيد كاظم القزويني من الحلة. تعرفت عليه منذ زمن بعيد بواسطة علاقتي بأستاذي جعفر الخليلي. حين جاء كمدير معارف "لواء الناصرية" زرته -وحدي- بعد زيارة المعلمين. رحب بي ترحيباً كبيراً. وتساءل عن سبب وجودي في الناصرية فأفهمته أني عينت بها بعد إعادتي للوظيفة. كان قد ترك ما بين يديه من أوراق، وحين علم أني معلم ابتدائية، عاد إلى عمله ملازماً الصمت!؟. إنه إذن يستخف بمهنة المعلم، وأنا أيضاً أستخف بهذه المقاييس وأصحابها.

نشط المعلمون لإقامة حفلة توديعية له. ومن المهازل أن بعض الذين كانوا ينتقدونه ويشتمونه كانوا في مقدمة الذين القوا كلمات غاية في المبالغة بتكريمه والثناء عليه، منهم مفتش المعارف عيسى الساجر. وبالمناسبة هذا المفتش في بداية مجيئه، أختصر بي أثناء زيارته مدرسة السيف. وقال، آني علمت أنك من آل الشبيبي، وأن للأستاذ محمد حسين فضل عليّ أنا، وأنا مرتاح إذ وجدت قريبه لأوفي جميله عليّ، ولكنه بعد هذا غير رأيه، وانقلبت الآية إلى محاولة نقيض الأولى. لماذا؟! أكبر سبب لأني لست ممن يقيم دعوات منضدة الشراب في النادي. وسبب آخر له علاقة باختصاصي واختصاصه، هو معلم رياضة ويبدو انه بعيد عن اللغة العربية تماماً.

أخرجت تلميذ -ابني همام- على السبورة ليعرب جملة "لم يكن التلميذ كسولاً". بطبيعة التلفظ يكسر المتكلم نون "يكن" على قاعدة إذا التقى ساكنان أما أن نحذف أو نحرك، وحيث لا يمكن الحذف فقد حركنا بالكسر. ولكن حضرة المفتش، أخذ يلح على التلميذ، أنطق جيداً ودقق ما علامة الجزم هنا؟ التلميذ يجيب، السكون! لكن المفتش يلح. ويحاول أن يقطع التلميذ الكلمة، حرفاً حرفاً، ليلفت نظره إلى انه يكسر النون، فهي إذن علامة الجزم؟! نبهته، التلميذ مصيب في العلامة. لأني اعتقدته يغالطه. فأجاب، إنها واضحة وهو ينطقها؟ ولما نبهته للقاعدة لم يقتنع، وغادر الصف. أدركت إنه اهتدى إلى الصواب وأقتنع ولكن أخذته العزة بالإثم.

وحين دعا المعلمين ليبدي ملاحظاته. أثنى على الآخرين باختلاف وجيز في عبارات الثناء. والتفت إلى المعلم علي الطالب يحاسبه على عدم استعمال وسائل إيضاح للصف الرابع؟! يا سبحان الله. هذا المعلم من أنشط جميع زملائه، جدران صفه مليئة بالوسائل، علاوة على هذا، انه المعلم الوحيد الذي يساعد فقراء تلاميذ صفه بما يحتاجون، فانيلات، جوارب، أحذية للرياضة. فلم أجد بداً من الدخول بالرد. سمني متطفلاً، قل ما شئت! فقلت، هذا يعني أنك تنكر وجود منارة في الكفل ؟! فثار، ورحت أختصر، قم معنا جميعاً لننظر في الصف انه غير بعيد ...

وحكاية منارة الكفل مضرب للمثل في نكران الحق الثابت. واصل الحكاية: إن نزاعاً جدّ بين المسلمين واليهود أيام العثمانيين. المسلمون يدعون إن البناية لهم فهي جامع لوجود المنارة واليهود ينكرون وجود المنارة وان ذو الكفل نبيهم. وكلما جاء موفد من الأستانة لمعرفة الحقيقة رشاه اليهود فأيدهم وما تزال المنارة موجودة.

ولكني أدركت بعد هذا سر هذا التحامل. مدير المدرسة يتضايق من "العليين" معتقداً أنهما من دعاة الاشتراكية! هذا فهمته حين تمشى ذات يوم معي، وراح يقدم لي النصائح، إنك من مدينة الأمام علي بطل الإسلام وأسرتك أسرة علم ودين فلماذا تتجه هذا الاتجاه المنافي للدين والأخلاق؟ الاشتراكية أو الشيوعية؟ قلت، يا أبا منذر "سيد باقر" إن صح هذا فهو لا يخرج عن كونه اتجاه فكري في السياسة والاجتماع والاقتصاد. ولكن قل لي، أيصح لك وأنت من أبناء الرسول أن تبذر راتبك على مائدة القمار، وهو رجس من عمل الشيطان؟! وبيتك ما فيه غير حُصُر الخوص؟! أليس القمار محرم في الدين؟ أما العلم فلا! وأنت تعرف عني أيضاً إني بعيد عن الكأس والقمار.

كم أضحكني رده حين أجاب، سأترك حينما أكمل تجربتي لغرض تأليف كتاب "المقامرون"!؟. انه مدهش أيضاً حين يتحدث عن جدته. التي ربطت أسداً قد جاء مع أبقار جده عند المساء! فربطته تلك الجدة متوهمة أنه أحد العجول. ولكن جده أكرم الأسد بعجل وأطلقه معه؟! حين انتهى من حكايته هذه -المعجزة لنا- صاح المعلمون بصوت واحد، اللهم صلي على محمد؟!

إنهما نموذج واحد في التربية والتوجيه. وقيادة التربية والتعليم ما تزال في أيدي أمثالهم من المدللين أو المأمونين على سياسة الدولة.

وحين انتهى دوام المسائي ذات ليلة، بحثت عن كراس "الجبهة الوطنية الموحدة" لشقيقي الشهيد، الذي وضعته مع بقية ما لدي على منضدتي الخاصة، فلم أجده. سألت من بقي من المعلمين، إن كان قد رآه فاعتذروا. سألت الفراش الأسود، وكان شيخاً مسناً وبليداً لكنه طيب للغاية، فأشار بيده إلى المدير. ثم توسل، لا تقل عني؟! وقصدته فسألته. فشدد في عدم علمه مع اليمين وداعة ولدي "منذر" الوحيد؟!

لم تكن لدي نسخة من هذا الكراس وقد وجدتها عند صديق يبدو انه يبغي التخلص منها خوفاً من التهم فأخذتها منه مساء ذاك اليوم، وكانت مغلفة بظرف. الظاهر أنه يتجسس على المعلمين فأخذها بعد أن فض الغلاف وعرف موضوعها خطأ، فهذا كما يعلم الجميع دعوة للجبهة وليس إلى فكرة الشيوعية!.

فأعلنت متذمراً، أي سخيف هذا الذي تمتد يده لحاجة غيره دون علمه؟ أهي مداعبة؟ ليس الوقت وقت مداعبة! إنها سرقة. إنها نذالة. وكرر إنكاره بالاعتذار مع اليمين. وفي صباح اليوم التالي، أنكشف كل شيء. جاء أحد زملائي يطلب أن أذهب معه وأعتذر، وأطلب العفو؟ فالمسألة خطرة. السيد كتب كتاباً رسمياً وجهه إلى الشعبة الخاصة "الأمن" حول موضوع الكتاب، يشير فيه "الكتاب، شيوعي وهو مبرز يؤكد أن المعلم علي الشبيبي يدين بها وهو زميل المعلم الشيوعي الآخر في المدرسة، يرجى العلم" وكان يقصد بالمعلم الآخر الزميل علي عبد طالب الذي أتهمه المفتش بالتقصير في وسائل الإيضاح.

وذهبت مع الزميل. وقلت وأنا في حالة انفعال، أسمع يا سيد .... أنت وحيد أبويك رحمهما الله، ليس لك أخ لذلك لا تعرف معنى أخ! ثق إني لو وجدت قطعة من ثياب أخي حين إعدامه لوضعتها على يميني وتقدمت إلى المشنقة -إن حكم عليّ بها أيضاً- مسروراً. أما أنت وقد أنكرت علمك أمس بالكراس مع الأيمان فخذ مرآة أنظر بها وجههك، وضع يدك على صدرك، سيكون وجههك أسود، وضميرك ميتاً بسبب فعلتك هذه السوداء والمخزية ... وغادرت الإدارة إلى الصف!

وحين عدنا إلى البيت عند الظهر. دق الجرس فخرجت أستطلع، كان هو نفسه، جرني وقبلني بجبهتي وأعتذر وسلمني كتاباً وغادرني مبهوتاً! ما الأمر؟!

"الكتاب" اعتذار وألم. لقد أثرت فيه كلمتي تأثيراً، كانت سطوره في كتابه، كأنها دموع تنسكب، وأنّة تسمع: أنك من مدينة جدي، وأنت سميه، محال أن تصل بي النذالة إلى هذا الحد! ولكني كنت أهدف إلى ضرورة تجنبك مثل هذا فهو خطر عليك!

وفي الدوام الثاني بعد الظهر، جاء إلى الصف وقدم لي الكراس بظرف جديد. وطلب أن أخفيه، وبهتَ حين مزقت الظرف وأخرجته أمامه. وعَقبتُ: المسؤولية عليّ وأنا راض، وشكراً.



السويد 13/03‏/2011


من مذكرات المربي الراحل علي محمد الشبيبي - عودة ومصائب وعواصف (5)
من مذكرات المربي الراحل علي محمد الشبيبي - عودة ومصائب وعواصف (4)
من مذكرات المربي الراحل علي محمد الشبيبي - عودة ومصائب وعواصف (3)
من مذكرات المربي الراحل علي محمد الشبيبي - عودة ومصائب وعواصف (2)

من مذكرات المربي الراحل علي محمد الشبيبي - عودة ومصائب وعواصف (1)
من مذكرات المربي الراحل علي محمد الشبيبي - الدرب الطويل (21)
من مذكرات المربي الراحل علي محمد الشبيبي - الدرب الطويل (20)
من مذكرات المربي الراحل علي محمد الشبيبي - الدرب الطويل (19)
من مذكرات المربي الراحل علي محمد الشبيبي - الدرب الطويل (18)
من مذكرات المربي الراحل علي محمد الشبيبي - الدرب الطويل (17)
من مذكرات المربي الراحل علي محمد الشبيبي - الدرب الطويل (16)
من مذكرات المربي الراحل علي محمد الشبيبي - الدرب الطويل (15)
من مذكرات المربي الراحل علي محمد الشبيبي - الدرب الطويل (14)
من مذكرات المربي الراحل علي محمد الشبيبي - الدرب الطويل (13)
من مذكرات المربي الراحل علي محمد الشبيبي - الدرب الطويل (12)
من مذكرات المربي الراحل علي محمد الشبيبي - الدرب الطويل (11)
من مذكرات المربي الراحل علي محمد الشبيبي - الدرب الطويل (10)
من مذكرات المربي الراحل علي محمد الشبيبي - الدرب الطويل (9)
من مذكرات المربي الراحل علي محمد الشبيبي - الدرب الطويل (8)
من مذكرات المربي الراحل علي محمد الشبيبي - الدرب الطويل (7)
من مذكرات المربي الراحل علي محمد الشبيبي - الدرب الطويل (6)
من مذكرات المربي الراحل علي محمد الشبيبي - الدرب الطويل (5)
من مذكرات المربي الراحل علي محمد الشبيبي - الدرب الطويل (4)
من مذكرات المربي الراحل علي محمد الشبيبي - الدرب الطويل (3)
من مذكرات المربي الراحل علي محمد الشبيبي - الدرب الطويل (2)
من مذكرات المربي الراحل علي محمد الشبيبي - الدرب الطويل (1)
من مذكرات المربي الراحل علي محمد الشبيبي - معلم في القرية (22)
من مذكرات المربي الراحل علي محمد الشبيبي - معلم في القرية (16)
من مذكرات المربي الراحل علي محمد الشبيبي - معلم في القرية (15)
من مذكرات المربي الراحل علي محمد الشبيبي - معلم في القرية (14)
من مذكرات المربي الراحل علي محمد الشبيبي - معلم في القرية (13)
من مذكرات المربي الراحل علي محمد الشبيبي - معلم في القرية (12)
من مذكرات المربي الراحل علي محمد الشبيبي - معلم في القرية (11)
من مذكرات المربي الراحل علي محمد الشبيبي - معلم في القرية (10)
من مذكرات المربي الراحل علي محمد الشبيبي - معلم في القرية (9)
من مذكرات المربي الراحل علي محمد الشبيبي - معلم في القرية (8)
من مذكرات المربي الراحل علي محمد الشبيبي - معلم في القرية (7)
من مذكرات المربي الراحل علي محمد الشبيبي - معلم في القرية (6)
من مذكرات المربي الراحل علي محمد الشبيبي - معلم في القرية (5)
من كتابات المربي الراحل علي محمد الشبيبي - معلم في القرية (4)
من كتابات المربي الراحل علي محمد الشبيبي - معلم في القرية (3)
من كتابات المربي الراحل علي محمد الشبيبي - معلم في القرية (2)
من كتابات المربي الراحل علي محمد الشبيبي - معلم في القرية (1)



 

free web counter