| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

محمد علي الشبيبي

Alshibiby45@hotmail.com

 

 

 

الأثنين 13/12/ 2010

 

من مذكرات المربي الراحل علي محمد الشبيبي
(1913 – 1996)

محمد علي الشبيبي

مقدمة ألناشر
"الدرب الطويل" هذا عنوان القسم الثاني من "ذكريات معلم". ففي القسم الأول "معلم في القرية" تناول والدي حياته التعليمية في قرى الفرات الأوسط منذ أواسط ثلاثينات القرن الماضي، وكان حينها غير مرتبط بأي حزب أو تنظيم سياسي، وإنما كان يحمل فكراً وطنياً تحررياً متأثراً بما يحمله من تربية دينية متحررة.
كتب والدي في القسم السابق "معلم في القرية/السياسة والأدب" كيف كان يفكر قبل أن يتفتح فكره بانتمائه السياسي. فكتب (هكذا كنا نخوض السياسة بفهم خليط بين الطائفية والوطنية بل وحتى الإقليمية أحياناً. ونتعصب للملك وهو آلة أختارها الإنكليز، ووطنيته ليست أكثر من لافتة، يحافظ بواسطتها على تاجه، بين الذين جاؤا به لينفذ مطامعهم، وبين مطامح رعيته. هكذا كنا نعتقد إن مهدي المنتفكي ورستم حيدر شيعيان ووطنيان في آن واحد، ولا نفهم مركزهما الطبقي. ولم نفكر ما عوامل مجيئهما إلى الحكم وذهابهما عنه).
وفي "الدرب الطويل" يتناول والدي ذكرياته التعليمية بعد أن أرتبط تنظيمياً بالحزب الشيوعي العراقي، وأحدث هذا الارتباط في حياته وتفكيره تغييراً جذرياً. نعم أنه "الدرب الطويل"، فالطريق الذي سار عليه الوالد بعد ارتباطه التنظيمي طويل وشاق. كله أشواك، وتجوب فيه ضواري بشرية نهمة، لا تعرف حدودا للاكتفاء ولا أي معنى للإنسانية، وكل ما يهمها الدفاع عن مصالحها الطبقية الأنانية وزيادة أرباحها بمزيد من الاستغلال للطبقات الكادحة. ومن يختار هذا الطريق عليه أن يكون صبورا وشجاعاً، وأن تكون طاقته على التحمل ومقارعة الظلم والإصرار خيالية مع علم بالمصير - كما يقول -. ويشير والدي بكل تواضع إلى إمكانياته وقدرته، ويقارن ذلك بإمكانيات وقدرة شقيقه الشهيد حسين "صارم*" وفي موضوعة "أحلام اليقظة مع ذكريات عن بلدي" يكتب: (الحق إني غير أخي "صارم" ذلك الصلب العنود، الذي وضع رقبته على راحة يده. وهو يؤكد لي دائماً، إن الطريق طويـــل جداً يا علي إنه أطــول من "وادي الأحلام"!؟ ربما لا أستطيع تحديده لك مطلقاً. ربما لا يرى الفجر الذي ننتظره إلا أحفادك، أو بنوهم. أما نحن فمهمتنا أن نعبد الطريق - ما استطعنا - من أجلهم!. هي منه دعابة معي، فـ "وادي الأحلام" إحدى قصصي التي كنت أنحو بها منحى كتابات جبران الرمزية وقد نشرت في مجلة العرفان العدد .... صحيح إني أملك طاقة من الصبر ليست بالعادية، ولكن الذي أختلف فيه عن أخي الشهيد حسين "صارم" هو ليس الصبر وحده، انه الصبر والإصرار مع علم بالمصير!؟)
جذور الوالد الاجتماعية وتربيته العائلية وتأثره بالمواقف الوطنية لرجال العائلة من آل الشبيبي كالشيخ الكبير جواد الشبيبي وأبنائه العلامة الجليل محمد رضا الشبيبي وشاعر ثورة العشرين محمد باقر الشبيبي. إضافة إلى دور بعض الأساتذة في مدارس النجف من كان لهم دورا في نشر الوعي الوطني، أمثال: ذو النون أيوب، كامل القزانجي، وجعفر الخليلي وآخرون، تركت تأثيرها عليه، فكان يحمل في ذاته خامة أصيلة من الإخلاص والوطنية وخدمة شعبه بعيدا عن المنافع الذاتية والأنانية. ولهذا رفض مقترح عميد الأسرة "محمد رضا الشبيبي" للعمل كقاضي وفضل العمل في التعليم. فكتب: (كنت أنزع إلى أن أزج بنفسي في معترك الخدمة الأساسية، ضد الجهل الآفة المدمرة، التي تسبب العقم، وتحد من قابلية الأمة في مضمار التطور واللحاق بركب الأمم المتحررة من الجهل والمرض والفقر. وما أجد في وظيفة القضاء؟ غير أن أتورط في حكم باطل، في أمر طلاق! أو مسألة ميراث، أو مشاكل المتزوجين في حياتهم التي هي عمومها لم تبن على أساس الخيار، بل الاضطرار وأحياناً كثيرة الجبر والإكراه. /معلم في القرية/ مع المعلم).
لهذا كله كان المربي الراحل ينظر إلى التعليم باعتباره رسالة إنسانية سامية لمكافحة الأمية ونشر الوعي الوطني، فيكتب: (... معلم يحمل رسالة، يعرف أن أمامه العقبات الصعاب، والمخاطر التي قد تؤدي به إلى الهلاك. إنه يدرك إن الجهل عدو، له حلفاء يسندونه، هما المرض والفقر. فلا مناص إذن لهذا المعلم من التنبيه خلال عملية التعليم إلى هذين العدوين في حلفهم البغيض. المعلم الذي ينشئ أحراراً، لا ليصيروا له عبيداً، المعلم الذي يجعل الحرف مضيئاً ينير السبيل للسارين، لا ليؤلف كلمة ميتة، أو جملة خاوية لا معنى لها..... هذا هو المعلم الذي أعجبني أن أكونه، لا في المدرسة وعلى أسماع الصغار، بل في كل مجال تسمح به المناسبة./ معلم في القرية/ مع المعلم)
في هذا القسم "الدرب الطويل" يتحدث المربي الراحل عن بداية اكتشافه الطريق الصائب في تحقيق الاستقلال الوطني والتحرر الاقتصادي والقضاء على الاستغلال بكل أنواعه، ولماذا سار في هذا الدرب الوعر. فيكتب: (إني أكره الاستغلال. أحب أن أتحرر فكرياً. كم تمردت على بعض العادات. كم أطلقت لنفسي العنان في مجال اللهو. وتهربت من كثير من الالتزامات. كم شاركت بالحركات الوطنية، وأحببت أفكاراً خلتها هي السبيل الصائب إلى تحرير نفسي، وتحرير بلدي وأمتي. ولكن ما هي القاعدة الأساسية والعلمية إلى تلك المنطلقات؟/الدرب الطويل/ بداية الطريق). ويواصل الكتابة ليؤكد اهتدائه - عبر شقيقه الشهيد حسين "صارم"
(*) - للإجابة على تساؤلاته لمعرفة الأسس والمنطلقات العلمية لتحرير البشرية من العبودية والاستغلال. فقد حدث تطور هام وحاسم في حياة شقيقه الشهيد حسين. أنعكس هذا التطور إيجابيا أيضا على فكر ومنهج والدي في الحياة التعليمية والاجتماعية.
في أيار/حزيران
(1) من عام 1941 نشر الشهيد مجموعة من المقالات السياسية والاجتماعية في مجلة "المجلة" لصاحبها ذو النون أيوب. وقد أعجبت هذه المقالات هيأة تحرير مجلة "المجلة" ووجدت في الشهيد حسين وكتاباته وعياً طبقياً فطرياً، وقدرة جيدة على التحليل، إضافة لتمتعه بصلابة واستعداد للتضحية. وبناء على هذا التشخيص استدعته هيأة تحرير مجلة "المجلة" لمقابلتها. واعتقد أن هذا الاستدعاء حدث في تموز/آب (1) 1941. وسافر الشهيد لمقابلة هيأة تحرير "المجلة"، وهناك ولأول مرة قابل الشهيد سكرتير الحزب الشيوعي العراقي "فهد " (*) . فيكتب والدي واصفا مشاعر شقيقه حسين بعد عودته من أول لقاء بالشهيد الخالد "فهد": (عاد بعدها وعلى وجهه شعاع مبهج، وبين جوانحه عزم يكاد يطير به. أسرّ إليّ أمراً. علمت أن "المجلة" لسان فئة نذرت نفسها لتحرير الفكر، وتحرير الوطن. إنها تنهج في سلوكها منهجاً علمياً. وفق أحدث نظرية أثبتت علمياً إنها هي ولا غيرها الطريق إلى تحرير الإنسانية من العبودية بكل أشكالها./ الدرب الطويل/ بداية الطريق)
وهكذا بدأ والدي، في بداية النصف الثاني
(1) من عام 1941، عبر شقيقه الشهيد حسين العمل التنظيمي في صفوف الحزب الشيوعي العراقي. وقد صادف بداية انتظامه فترة الحرب العالمية الثانية وتأثيراتها على الطبقات الفقيرة والمسحوقة وما سببته من ارتفاع الأسعار وانتشار الفساد الإداري والمالي وانعكاسه على الشعب. وكان من باكورة نضالهم في مدينة النجف المبادرة لكشف الفساد، والمفسدين من المسؤولين الإداريين. مما سبب نقمة السلطات السياسية عليهم ومحاربتهم من خلال النقل الإداري والفصل والاعتقال.
كان لانتمائه للحزب الشيوعي تأثيره الايجابي في طريقة تفكير الوالد في إداء رسالته التعليمية، فيكتب : (الواقع إني غيرت كثيراً من نظراتي في مواد دروس العربية، في الأمثلة، ومواضيع النحو، في الإنشاء، والمحفوظات. سخرتها جميعاً لبث الوعي، ولكن بحكمة، وأسلوب لا يثير./الدرب الطويل/ مدرستي)
وبحكم جذور الوالد الدينية، حيث كانت دراسته ذات أساس ديني، كما خطط له والده، نجده دائم الاستشهاد والمقارنة بآيات قرآنية أو أحاديث شريفة. فهو ينتقد بشدة المفاهيم الخاطئة لدى بعض المتشددين الروحانيين، ويفضح التناقضات الصارخة في سلوكيات البعض. كما يفضح أساليب التضليل وتخدير المجتمع من قبل المسيطرين على المؤسسة الدينية من رجعيين ومتخلفين، من خلال نشرهم المفاهيم والمقولات المخدرة فيكتب (كان الوعاظ يعينون الطبقات المتنفذة، بما يبثونه من فكرة بين أوساط الكادحين والمستغَلين، كقولهم: "الفقراء عيالي والأغنياء وكلائي. وخير وكلائي أبرّهم بعيالي!"/الدرب الطويل/ بداية الطريق)
خلال تنقله بين مختلف المدارس المنتشرة في مناطق الفرات الأوسط، واحتكاكه بمعلمين بمختلف المستويات والانحدارات الاجتماعية والقومية والمذهبية، تعرف من خلال ذلك على الأفكار الطائفية والقومية المتطرفة وتأثيرها على الوحدة الوطنية والوعي الوطني، فاكتشف في الفكر الاشتراكي العلمي العلاج الوحيد والأنجع لمرض الطائفية والتطرف القومي. لذلك لم يكن تبنيه للفكر الثوري عبثياً أو مزاجيا وإنما عن قناعة مطلقة بصواب هذا الفكر، فكتب: (وإذا اختَرتُ طريق الاشتراكية العلمية، فذلك لأني أدرك أن رجال المال من أية قومية، عرباً أو فرساً أو أكراداً إلى آخره، هم الذين عملوا ويعملون لإثارة النعرات القومية والطائفية ليلهوا الجماهير عن معرفة أسباب بؤسهم وشقائهم. ليبقوهم عبيداً يشيدون الجنان ويوفرون بكدحهم كل أسباب الرفاه لأولئك الأسياد./ الدرب الطويل/ المعلم النطاح)
ويتحدث الراحل باختصار عن نشاطه الحزبي الذي استمر فقط لست سنوات تقريبا (1941- 1947). ساهم خلالها مع بعض رفاقه وبأشراف شقيقه "حسين" على وضع الأساس المتين في بناء وتطوير تنظيم الحزب في النجف. فبعد أن تخلى بهدوء عن قيادة المحلية المعلم إسماعيل الجواهري، أصبح الراحل مسؤولا عن محلية النجف منذ أواخر عام 1943. كما ساهم بحضور الكونفرنس الحزبي الأول ومؤتمر الحزب الأول. للأسف يتجنب الوالد الحديث عن هذه الأحداث المهمة بالتفصيل، وذلك خوفا من وقوع مخطوطته بيد أجهزة الأمن في العهد الملكي والعهود التي تلته، إضافة إلى ضياع الكثير من مدوناته المهمة بسبب سوء الأوضاع السياسية، كما هو يشير إلى ذلك.
ولا يتهرب الوالد من الحديث عن الصراع الذاتي الذي عاشه قبل أن يتخلى عن العمل الحزبي المنظم. ففي موضوعة "أتق شر من أحسنت إليه" يكتب بشجاعة وصراحة نادرة: (أحس في نفسي صراعاً حاداً، هل أستمر، أم أضع للأمر حداً؟ .... إني في صراع عنيف مع نفسي، أشعر بضعف ينتابني، بل يسيطر عليّ. ومن الخير أن أتنحى كيلا أخسر شرف الكلمة، وأجني على سواي، بلطمة من شرطي، أو تعذيب في ضربات خيزرانته فينهار بناء، وأكون مثلا ولطخة عار). ويواصل الكتابة ليثبت تأريخ أعتزاله العمل الحزبي، ورفضه طلب مرجعه الحزبي "مالك سيف" للانتقال إلى جانبه للعمل الحزبي في بغداد وإصراره على قرار التنحي من المسؤولية والحزب، فيكتب (وأجبت، أصر على ذلك . كان ذلك في 12/10/1947، ولم ألتحق بعد هذا بأي جماعة).
ويؤكد الراحل بألم من خلال كتاباته عما أصابه من إجحاف وتشويه من قبل أحد أصدقائه بعد أن ترك المسؤولية الحزبية لهذا الصديق. لذلك يكتب عن هذا ببعض التفصيل والألم. وهي قصص كنت أسمعها من الوالد والوالدة عن موقف هذا الصديق. فكتب ما يلي: (لم أكن مطلقاً أفكر بأي احتمال، فقد ألقيت عن عاتقي عبئ كل مسؤولية، وطلقت العمل الحزبي، وخرجت من العهدة، دون أن أكون آثماً بحق أحد، وعلى علم من صديقي "م" والذي ألتزم المسؤولية بعدي! أليس هو رفيق الشباب، وأيام جامع الهندي، وأندية النجف الأدبية. ومنه تعرفت على المجلات التي تعني بالفكر التقدمي!؟/ الدرب الطويل/ ليد القدر).
ويؤكد المربي الراحل دائما أن السبب الذي دفعه لاعتزال العمل الحزبي شعوره وتقديره بأنه غير قادر على تحمل تبعات ومسؤوليات العمل الحزبي، والتوفيق بين مسؤولياته الحزبية وواجباته العائلية. لكنه يشير في أكثر من مرة في مذكراته، أن تركه للعمل الحزبي لم يعفيه من هذه التبعات والمسؤوليات ولم يبعده عن النضال بصلابة من أجل القضية الوطنية. واستمرت الأجهزة الأمنية دائما بالتعامل معه وكأنه أحد قادة المنظمات الحزبية، وأحياناً يرون في سلوكه وعلاقاته الاجتماعية أكثر خطورة من أي مسؤول حزبي!؟
وبالرغم من اعتزاله العمل الحزبي منذ أواخر تشرن أول 1947، لكنه يصر على مواصلة النضال والإخلاص لرسالته التعليمية السامية كما آمن بها. فيكتب رسالة لصديقه ورفيقه السابق "جواد كاظم شبيل" جاء فيها: (... ولكني أفهم إني واحد من ملايين في بلادي تكرع كؤوس الشقاء. وعلينا أن نواصل المسير في توعية الذين يبنون الحياة بسواعدهم./ الدرب الطويل/ رسالة إلى الكبائش). وبقي الراحل مخلصا لمفاهيمه التربوية والوطنية إلى آخر أيامه. لذلك فإن الأجهزة الأمنية في كل العهود كانت تضايقه وتضعه في رأس قوائمها وتنشر حوله هالة من المسؤولية الحزبية لتبرر ملاحقاتها ومضايقاتها له!.
في بعض الأحداث تطرق الراحل لبعض الشخصيات فتجنب ذكر أسمائهم الصريحة، وأحيانا كان يشير إليها بالحرف الأول، ومرات أخرى يشير إلى الاسم بنقاط -فراغ- لكنه يذكر الاسم كاملا في هوامشه. فكتب في أحد هوامشه تحت عنوان "مدرستي": (لم أصرح بأسماء بعض الذين أذكر عنهم شيئاً، خصوصاً إذا كان ما فعلوه غير مستساغ، فقد انتهت حياة أكثرهم. المهم ذكر ما فعلوه، ولهم الرحمة). لذلك وجدت أن التزم بما انتهجه الوالد في تجنب ذكر بعض الأسماء.

* * * *
(1)
لابد من التأكيد من أن ارتباط الشهيد حسين "صارم" بالحزب وبالتحديد بسكرتير الحزب "فهد" كان في أواسط عام 1941. وللأسف لم يشر والدي في ذكرياته مباشرة في أي شهر بدأت هذه العلاقة. ولكن من خلال ربط وتسلسل تأريخ بعض الأحداث التي ذكرها الوالد يمكنني أن أجزم، أن الأشهر المثبتة هي الأقرب إلى الصواب والدقة.
(*) "صارم" الاسم الحزبي للشهيد الخالد عضو المكتب السياسي حسين الشيخ محمد الشبيبي. و"فهد" الاسم الحزبي لمؤسس وسكرتير الحزب الشيوعي العراقي الشهيد الخالد يوسف سلمان يوسف. و "حازم" الاسم الحزبي للشهيد الخالد عضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي العراقي زكي محمد بسيم.

ألناشر
محمد علي الشبيبي
السويد ‏‏06‏/11‏/2010
alshibiby45@hotmail.com 
 

2 - الدرب الطويل
(9)

أحلام اليقظة مع ذكريات عن بلدي/ 2
النعاس فارق أجفاني. وحلم اليقظة صار كشريط سينمائي طويل جداً. كل شيء من أيام طفولتي صار على شاشة الخيال أمامي. إن للأطفال حكم وأمثال كما للكبار. يقول بعضهم لبعض "إذا استطعت أن تقبل كوعك عاد من مات من أحبابك إلى الحياة!؟". لم يكن في مفهومنا نحن الأطفال، إن من مات لن يعود أبداً. وأيضاً لن يعود عهد الطفولة ولا الشباب.
إنها رحلة تبدأ بعد الولادة مباشرة، قد تكون قصيرة المدى، وقد تكون طويلة. فنجتاز مرحلة الطفولة إلى الصبا والشباب، والكهولة ثم الشيخوخة والهرم. وقد نرد إلى أرذل العمر، ثم ننتهي كأن لم نكن شيئاً مذكورا.
وعدت أتمثل أقراني من أبناء الجيران، ولعباتنا التي نملأ بها الشارع صخباً وضجيجاً عصر كل يوم وحتى بعد العشاء، بذلك الشارع الذي لا يتجاوز عرضه أكثر من مترين. ولا ينيره ليلاً إلا فانوس بائس، يعلق على الجدار بارتفاع لا تصل إليه أيدينا، فيصعد بعضنا على كتفي زميله، نأخذه إلى البيت نمسح زجاجه، ونضع له كمية من النفط، ثم نمثل دور زفاف (العريس والعروس) ونعيده بعد هذا إلى مكانه.
لعباتنا في الليل تختلف عن لعب النهار، ليلنا تحتله لعبة "دبدة يمّ النمل دِقّي الحجارة واصعدي" أو لعبة "تِريابوك" حيث يتقدم قائد الفريق يردد "تِريابوك" ونجيبه "بوك، بوك" بينما يختفي أفراد الفريق الآخر. نواصل المسير بحذر باحثين عنهم فإن أخطأنا مكانهم ولم نمسك بأحدهم ظهروا وأعلنوا فوزهم.
أما النهار فـ "للآ بُدَي" و "جنجر الجنجرص، أمك تبيع الفرس" و "الحنجيله" و "أم حجيم" و "سمبيلة السمبيله" و "جرف حاش" و "القوق القوق يا مرزوق". هذه ألعاب لم أعد أتذكرها مفصلاً. فالآبُدي، كرة من الخرق، وكذلك القوق القوق، أما الحنجيلة وأم حجيم فهما متشابهتان. وسمبيلة السمبيله هي ما يشبه القفز على الحصان الخشبي مع انقسامنا إلى فريقين مع ترديد كلمات خاصة يبدأ بترديدها أول قافز ويردد فريقه الذي يقفز بعده. وسأشرح قدر ما أتذكر كل لعبة في صفحة خاصة. فإذا انتهت ساعات اللعب، وعدنا لتناول العشاء، تحلقنا بعده حول من يستطيع من أهلنا أن يقص لنا حكايات.
كنت وأخوي وأختي نتحلق حول العجوز العمياء "سكّونه الماجدية" ونصغي بأدب، وأحياناً مع خوف شديد، حين يكون الحديث عن الجن. الجن الذي يخطف الفتاة ليلة عرسها. ويحلق في الفضاء العالي، أو يغوص بها في أعماق البحار. وهو قادر "أن يتشكل بكل شيء حتى الكلب والخنزير"، وهذا ما يعرفه الدينيون في كتبهم!
كانت تلك العجوز القاصة ذات قدرة فائقة، إنها تشدنا إلى الإصغاء شداً. إننا نصغي إليها شاخصي الأبصار. وكانت أحاديث الجن تستهوينا من جهة وتخيفنا من جهة أخرى. أحياناً نتجمد من الخوف. وجراء هذا صرت أعاني الخوف بصورة غريبة، مما جعلني في حرج شديد إذا أمرني أبي –أيام الصيف- ليلاً أن أنزل إلى "سرداب السن" لأجلب الرقي. والسرداب كلمة فارسية، "سرد" تعني بارد و "آب" تعني ماء. وهو يحفر في أبعد طبقة من صحن الدار أو أروقتها بحيث تكون جدرانه صلبة تنحت نحتاً يسمونه "السن" أي المسنون لصلابته، ويكون شديد البرودة يستعمل لتبريد الماء بالمشارب والأكواز وكذلك لتبريد الرقي والفواكه. وإذا نزلت هناك أحمل "النفطية" بيد والرقية بيد، ثم أقف كمن يتسمر بمكانه في ذلك المكان الذي لا تكفي النفطية لأنارته، ثم أتخيل الجن وقد لاح فأغمض عينيّ. ولكن أختي تتدارك أمري بعد أن عرفت حكايتي، ثم صارت تنزل معي. كانت شجاعة رغم أنها تدين بحكاية الجن.
لقد ظل الخوف ملازماً لي حتى بلغت الحادية عشرة من سني، حيث تيسر لي أن أكتشف زيف حكاية الجن. ذات ليلة قضيت ثلثها مع زميل لي أيام الامتحان. بيتنا في بداية الشارع وبيتهم في نهايته. حين انتهينا من المذاكرة تلك الليلة، ودعني إلى الباب، وصرت في الشارع وقد تخدرت عيناي من شدة النعاس. بدا لي الشارع وكأنه مليئ بالجن، قصار الأجساد لا أتبين وجوههم، وهم في حركة عنيفة، من شدة الزحام.
جمدني الخوف ولزمت الباب. يا إلاهي ماذا أفعل؟ خجلت أن استعين بزميلي وأناديه. لكن ودون تفكير حملت حجارة ورميتها بقوة في امتداد الشارع، سمعت صوت حجارتي تصطدم بأرض الشارع، وتقفز عدة قفزات. أعدت التجربة مرة أخرى. ثم اندفعت راكضاً فوصلت البيت بأمان.
لقد صرت شجاعاً. وفي ليلة أخرى دعوت أخويّ، أن ينزلا من باب السرداب المجاور لغرفة تجمع العائلة وأنا أنزل من باب السرداب الثاني، فنلتقي في السرداب الوسطي. لقد ذهب الخوف عني إلى الأبد. وحكيت القصة متباهياً أمام رفاقي، وتبين لي كم أنا ساذج وبسيط حين أنبرى لي أكبر أبناء الجيران وبلهجة الهازئ قال: هيا معي كلكم لتجربوا شجاعتكم!
وهب الجميع إلى وادي السلام، حيث توجد أكبر مقبرة في العراق وربما في العالم العربي، ويدفن بعضهم أمواته في سراديب تخص العائلة ولا يصح لغيرهم أن يدفن فيها. هناك أوقفنا على باب سرداب –لمقبرة خاصة- مفتوح، وقال: "الآن أرمي يشماغي إلى داخله وأكون أول من ينزل لاستعادته". بهت الجميع، ولما نزل إلى داخله، غاب عن عيوننا وعاد يحمل يشماغه. غمرنا فرح واستبشار، وتزاحمنا كل يريد أن يسبق غيره. ولكنه صار يختار حسب فراسته في وجوهنا - كما بدا لي -. لو كنت حدثت أبي بهذا لأنبني. وربما عاقبني. ولكن في الواقع تخلصت من الخوف. ولم أعد أومن بحكاية الجن رغم ما كنت أسمعه، ممن هو أجلّ من الماجدية، من رجال العلوم الدينية، وهم أيضاً يروون حكايات تذهل السامع، وتخيف المؤمنين بهم. هذا لم يعد يهمني. كنت حين نتجادل أيام الشباب عن هذا أرد عليهم. إذا كان بمقدور هذا المخلوق أن يتشكل بكل شكل، إبرة، قطعة صوف تدحرجها الريح، حمار أو ثور أو ما شاء ، فما باله لا يحتل الأرض؟ ويأتي الرد من بعضهم: " الله وضع لهم حدوداً لا يتجاوزونها، وخصص لهم مساكنهم؟!" يرى بعض اللغويين إن المقصود بلفظ "الجن" كل ما جنَّ تحت الأرض. ولكن القرآن صرح عن هذا وإن منهم إبليس. وانه خلق مارج من نار. والمارج الشعلة ذات اللهب الشديد المختلط بسواد النار. وسورة "الجن/ آية 9" تشير إلى أنهم خلق "وأنا كنا نقعد منها مقاعد للسمع فمن يستمع الآن يجد له شهابا رصدا"، وتعدد ذكر المعنى في عدة مواضيع.
إن جدلنا أتخذ هدفاً غير نبيل؟! هذا ما يقوله بعض الذين يجادلون بدافع حب الظهور ويعارضون للإحراج ولإسقاط المغاير عن طريق الاتهام بما يخالف القرآن. وفي مثل هذه الحالة أنسحب أمام المنافقين بمزحة تبدل الجو وتحول مجرى الحديث.
الليل مضى منه شطر كبير، انه ينسحب بطيئاً ثقيلاً، وكأن نجومه هي كما قال عنها الشاعر الضليل -شُدّت بيذبل- إني أعاني ليلاً اشد من ذلك الليل، هذا الليل هيّن أمره ، حتى لو مرّ ثقيلاً كالكابوس، أما الليل الذي أعاني ظلمه وظلامه فلا يدري أحد متى ينكشف بفجر، وتشرق شمس تبدده وتدحره إلى الأبد... هذا الليل أكابده وأقاومه. ولكن إلى متى؟
الحق إني غير أخي "صارم" ذلك الصلب العنود، الذي وضع رقبته على راحة يده. وهو يؤكد لي دائماً "إن الطريق طويـــل جداً، يا علي إنه أطــول من وادي الأحلام ، ربما لا أستطيع تحديده لك مطلقاً!. ربما لا يرى الفجر الذي ننتظره إلا أحفادك، أو بنوهم. أما نحن فمهمتنا أن نعبد الطريق –ما استطعنا- من أجلهم". هي منه دعابة معي، فـ "وادي الأحلام" إحدى قصصي التي كنت أنحو بها منحى كتابات جبران الرمزية وقد نشرت في مجلة العرفان العدد ..... صحيح إني أملك طاقة من الصبر ليست بالعادية، ولكن الذي أختلف فيه عن أخي الشهيد حسين "صارم" هو ليس الصبر وحده، انه الصبر والإصرار مع علم بالمصير!؟
وأفقت من هذه الأحلام المثيرة لأشجاني، على بكاء أحد صغاري. وقلت: أيها الصغير آه لو أمكن أن تظل صغيراً! أنا المسؤول عنك، أحقاً إني أجرمت بحقك، وبحق الآخرين من أخوتك؟
ألقمته أمه ثديها فساد الصمت ثانية، وعدت أستعرض وبسأم قلت: يا إلاهي لماذا يصر خيالي إلا أن يعيد عليّ كل ما مرّ من صور حياة الطفولة؟ لقد غدوت رجلاً، وعن قريب أكون في ذروة الكهولة.
ولست أدري كيف تذكرت إن الشهر العربي هو "ربيع الأول" الأيام التسع الأولى منه ما تزال تتراءى لعيني. إنها مثال الفوضى. هي كرنفال أهوج، الفن فيه جنوني، غير مهذب، طفولتي شاركتْ فيه. والأطفال إذ ذاك شاركوا في تلك الفوضى على قدر ما يستطيعون. فئات مجتمعنا النجفي كلها كانت تشارك فيه على حد ما يناسبها.
عوام المدينة، يصبون جام حقدهم على المعممين، فهم هدف ألعابهم، ومضحكاتهم. لذا كان أولئك يحاولون جهدهم أن لا يخرجوا إلا في وقت مبكر، ليسلموا مما يفاجئهم به أولئك الذين يبدون في تلك الأيام أبطالاً على مسرح الفكاهة والهزل. يتجاوزون حدود الأدب واللياقة بينما هم –في سائر الأيام- نكرات شبه منبوذة.
نحن الصغار كنا ننتظر هذه الأيام بفارغ الصبر. ندخر ما نتقاضاه من يوميات من أجل أن نتباهى بشراء –أبو نجوم مكاوي- وأعواد الثقاب ذا الأضواء الملونة، والصعادات، و"ضراط المعيدي" و "الطرقات" ذات الفتيل. كل هذه مستوردة إلا المفرقعات، فهذه نصنعها بأيدينا. إنها ذات خطر وبيل في أكثر الأحيان خصوصاً تلك التي يصنعها الكبار، إنها في الواقع قذائف مدمرة.
الأيام التسع من ربيع الأول، يهب فيه عوام النجف، بل كل المدن الشيعية، بإعلان الأفراح ويطلق العامة لأنفسهم العنان بحيث يتحدون قواعد الأدب واللياقة. وهم يختارون لهزلهم المعممين فيقذفون عمائمهم بألوان من الحبر أو يشكلون بأذيالهم أجراساً، أو يخطفون عمائمهم ويضعونها على رأس حمار، أو يطلبون منهم عملاً لا يناسب كرامتهم. وللمفرقعات دورها أيضاً. هي مختلفة الأحجام وطالما سببت أضرار فادحة. وفي بعض البيوت تقام المجالس. فالروحانيون يبارك بعضهم بعضاً ويقدمون لزائريهم الحلوى، أما ذوو الوجاهة من زعماء البلد، فيقوم بعض الهواة بتمثيليات هزلية بعضها مستساغ وبعضها فج مخجل. على أي حال فإن أسباب هذا كله لاعتقاد الشيعة إن الأمام الثاني عشر "المهدي المنتظر" والذي نصب على أثر وفاة أبيه الحسن في اليوم التاسع من ربيع الأول –ما يزال حياً حتى اليوم- فهم بما يعملون يؤكدون ولاءهم. ولما تجاوز العامة حدود الأدب إلى التعرض بكرامة الناس وما يؤدي إلى هلاك بعضهم فقد أعلن الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء حرمة هذه الألعاب وطالب الحكومة بمطاردة الفاعلين وإنزال العقوبة بهم. فقضي عليها تماماً.
في هذه الأيام آخر فرصة أتمتع بها بحرية متناهية كبقية الأطفال. ولن يحين منتصف ربيع هذا حتى يعود أبي من سفره المعتاد. انه يفارقنا في زيارة النصف من شعبان –كل عام- ولا يعود إلا في هذا الشهر. فموسم رزقه - شهر رمضان - ثم العبور إلى الأحواز ليقضي فترة مابين رمضان ومحرم وصفر.
هناك في عربستان يُقيم فخذ من عشيرة –قبيلة- بني أسد، وهم قسم من المواجد يسمون "حُميد" بعد هذا يعود إلى العراق فيقضي محرم وصفر في البصرة أو العمارة. في بداية الثلاثينات منع الشاه رضا دخوله لوشاية من بعض المعممين النجفيين بأنه يحرض العرب على العمل من أجل الالتحاق بالعراق.
شهور السنة القمرية معظمها، فيها للأطفال مباهج وأفراح. فالزيارات التي تتجمع فيها الألوف في العتبات المقدسة، السابع عشر من ربيع الأول، رجب، شعبان، ثم شهر رمضان الذي يفرحهم بانتشار أنواع الحلوى، الزلابية، شعر البنات، والبقلاوة. وأيام "الماجينة" في بلدي –سابقاً- موسمها شهر رمضان فقط. والحوانيت تعرضها بالزينة والأضوية الملونة، ثم عيد الفطر، والأضحى، حتى شهري محرم وصفر، هذان الشهران اللذان تغشى البلد فيها مظاهر الأحزان، من لباس السواد، وأقامه المآتم في البيوت، رجالية ونسائية، ومختلف مبتكرات العامة في إظهار معالم الحزن، بمناسبة ذكرى استشهاد الحسين في كربلاء، في حرب شنها عليه يزيد بن معاوية فكان فيها مثال البطولة والإباء "لم يعط يده إعطاء الذليل ولم يقر إقرار العبيد"، هذه المقولة رويت عن الحسين وانه قالها حين عرض عليه مبايعة يزيد أو يقتل، وهي تعبر عن رفضه أشد الرفض لأنه يعرف من هو يزيد ومن هو أبوه قبل أن يسلم وبعده!
في هذه الأيام التي يُجري فيها الناس الدموع، ويلطمون الصدور، ويقرعون الظهور بالسلاسل والرؤوس بالسيوف. نحن الأطفال نجد بكل هذه البهجة والسرور، ونشارك فيها الكبار. ونهجر كل ألعابنا فالشارع يخلو منا إلا ضمن مواكب العزاء.
وللنوروز حكاية تلذ للأطفال وترعبهم أيضاً. فالعادة جرت أن يتهيأ له الناس، ويعدون العدة اللازمة للساعة المحددة،الحلوى، والكليجة، والخس والشربت. ولكن الحذر كل الحذر أن نصاد للحجامة كأننا فئران، تجذبها رائحة الطعام الشهي في المصيدة. النوروز كلمة فارسية وكردية وهو يرمز إلى اليوم الذي تتحول فيه الشمس إلى برج الحمل الذي يشير إلى حلول فصل الربيع. والأكراد يعتبرونه رمزاً لخلاصهم من ظلم ملك كان لهم على يد "كاوه". والفرس عندنا يهتمون بهذا اليوم اهتماما كبيراً، فيحضرون الشموع ويزينون البيت ويتحلقون حول المائدة تأهباً للحظة التي عينها المنجمون في التقاويم التي يصدرونها لعام كامل، عما يتم –حسب معتقدهم- لسكان هذه الأرض من خصب أو جفاف وحرب أو طواعين أو سعادة ورفاه.
وأشد ما نعانيه إذا مرضنا، فلا طبيب غير العجائز ووصفاتهن لأمهاتنا. السعال الديكي يعالج عندهن بالماء يصب على قبر المصلوب، يتلقاه إناء آخر فإذا ما شربه المصاب، شفي؟! أو تهيأ دمية كبيرة من جريد النخيل والقماش يحملها واحد من الأطفال، ونتوجه بمسيرة إلى المقابر نهزج خلف حاملها:
يا حْمير الشيجو روح وتعال أحنه دِفنّه الشيجو وراح السعال؟!
وللوقاية من مخاطر الشتاء، السعوط والجفت؟!
رحم الله جداتنا، ليس الذنب عليهن، انه ذنب الآباء الذين يعتمدون عليهن في كل شيء دون أي تفقد أو أرشاد، وإلزام مؤكد. أنهن في كل ما يعملن بدافع اللهفة والحب، فقد يكون علاجنا وهذا أيسر وأخف من كل ما عرفناه –البخور- عند المساء، وماء سبع آبار. أما إذا عجزن فالمنجم والمطوّع وما يقدمه من عوذة تعلق برقابنا. ومع إن النجف كان فيها عدد غير يسير من أناس يقومون بعلاج المرضى وفقاً للطب اليوناني معتمدين على الأدوية العشبية، وأشتهر في هذا المجال أسرة الخليلي الذين أدّوا الخدمة المشكورة للنجفيين. وكانت كل عائلة تلجأ إلى الأطباء من آل الخليلي كأنهم يلجأون لأقرب إنسان في عطفه وحنوه دون أن يسألهم عن أجر إلا ما يقدمونه من ذات أنفسهم. ولكن العجائز كثيراً ما يلجأن إلى العجائز اللائي يدعين القدرة على ما يذهب المرض؟!.
يعتمد الفقراء في شراء الأقمشة من اليهود الجوالة، يشترون منهم قماش، الزفيري، روح الأفندي، روح الحمال وضلوع المسعدة، وما يناسب الأطفال. وكثير ما يكون هذا نسيئة، من أم سمحة، أو كرجية، أو حسقيل، أو شاهين، حين يمر أحدهم يرفع عقيرته معلناً عن بضاعته. ولكنا نحن الأطفال لنا معهم شأن آخر رغم أن أمهاتنا لا يرضين عنا عما نقوم به ضدهم. كم كنا نكيل لهم الصفعات الخاطفة، أو نخطف حمولتهم ونرميها على الأرض، أو نرميهم بالقشور القذرة، أو نهزج خلفهم "يهودي ماتت أمك، اجه الجلب يطمك، طمك بالعاقولة"
أوه. لقد تعبت. الفجر آذن بالظهور. الديكة أخذت تصيح. ودب النعاس في عيني وساعة الذهاب إلى المدرسة لا تسمح بالغفوة التي راحت تصارع أجفاني.
 

يتبع


السويد 13/‏ 12/ 2010

من مذكرات المربي الراحل علي محمد الشبيبي - الدرب الطويل (8)
من مذكرات المربي الراحل علي محمد الشبيبي - الدرب الطويل (7)
من مذكرات المربي الراحل علي محمد الشبيبي - الدرب الطويل (6)
من مذكرات المربي الراحل علي محمد الشبيبي - الدرب الطويل (5)
من مذكرات المربي الراحل علي محمد الشبيبي - الدرب الطويل (4)
من مذكرات المربي الراحل علي محمد الشبيبي - الدرب الطويل (3)
من مذكرات المربي الراحل علي محمد الشبيبي - الدرب الطويل (2)
من مذكرات المربي الراحل علي محمد الشبيبي - الدرب الطويل (1)
من مذكرات المربي الراحل علي محمد الشبيبي - معلم في القرية (22)
من مذكرات المربي الراحل علي محمد الشبيبي - معلم في القرية (16)
من مذكرات المربي الراحل علي محمد الشبيبي - معلم في القرية (15)
من مذكرات المربي الراحل علي محمد الشبيبي - معلم في القرية (14)
من مذكرات المربي الراحل علي محمد الشبيبي - معلم في القرية (13)
من مذكرات المربي الراحل علي محمد الشبيبي - معلم في القرية (12)
من مذكرات المربي الراحل علي محمد الشبيبي - معلم في القرية (11)
من مذكرات المربي الراحل علي محمد الشبيبي - معلم في القرية (10)
من مذكرات المربي الراحل علي محمد الشبيبي - معلم في القرية (9)
من مذكرات المربي الراحل علي محمد الشبيبي - معلم في القرية (8)
من مذكرات المربي الراحل علي محمد الشبيبي - معلم في القرية (7)
من مذكرات المربي الراحل علي محمد الشبيبي - معلم في القرية (6)
من مذكرات المربي الراحل علي محمد الشبيبي - معلم في القرية (5)
من كتابات المربي الراحل علي محمد الشبيبي - معلم في القرية (4)
من كتابات المربي الراحل علي محمد الشبيبي - معلم في القرية (3)
من كتابات المربي الراحل علي محمد الشبيبي - معلم في القرية (2)
من كتابات المربي الراحل علي محمد الشبيبي - معلم في القرية (1)



 

free web counter