| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

محمد علي الشبيبي

Alshibiby45@hotmail.com

 

 

 

الجمعة 3/12/ 2010

 

من مذكرات المربي الراحل علي محمد الشبيبي
(1913 – 1996)

محمد علي الشبيبي

مقدمة ألناشر
"الدرب الطويل" هذا عنوان القسم الثاني من "ذكريات معلم". ففي القسم الأول "معلم في القرية" تناول والدي حياته التعليمية في قرى الفرات الأوسط منذ أواسط ثلاثينات القرن الماضي، وكان حينها غير مرتبط بأي حزب أو تنظيم سياسي، وإنما كان يحمل فكراً وطنياً تحررياً متأثراً بما يحمله من تربية دينية متحررة.
كتب والدي في القسم السابق "معلم في القرية/السياسة والأدب" كيف كان يفكر قبل أن يتفتح فكره بانتمائه السياسي. فكتب (هكذا كنا نخوض السياسة بفهم خليط بين الطائفية والوطنية بل وحتى الإقليمية أحياناً. ونتعصب للملك وهو آلة أختارها الإنكليز، ووطنيته ليست أكثر من لافتة، يحافظ بواسطتها على تاجه، بين الذين جاؤا به لينفذ مطامعهم، وبين مطامح رعيته. هكذا كنا نعتقد إن مهدي المنتفكي ورستم حيدر شيعيان ووطنيان في آن واحد، ولا نفهم مركزهما الطبقي. ولم نفكر ما عوامل مجيئهما إلى الحكم وذهابهما عنه).
وفي "الدرب الطويل" يتناول والدي ذكرياته التعليمية بعد أن أرتبط تنظيمياً بالحزب الشيوعي العراقي، وأحدث هذا الارتباط في حياته وتفكيره تغييراً جذرياً. نعم أنه "الدرب الطويل"، فالطريق الذي سار عليه الوالد بعد ارتباطه التنظيمي طويل وشاق. كله أشواك، وتجوب فيه ضواري بشرية نهمة، لا تعرف حدودا للاكتفاء ولا أي معنى للإنسانية، وكل ما يهمها الدفاع عن مصالحها الطبقية الأنانية وزيادة أرباحها بمزيد من الاستغلال للطبقات الكادحة. ومن يختار هذا الطريق عليه أن يكون صبورا وشجاعاً، وأن تكون طاقته على التحمل ومقارعة الظلم والإصرار خيالية مع علم بالمصير - كما يقول -. ويشير والدي بكل تواضع إلى إمكانياته وقدرته، ويقارن ذلك بإمكانيات وقدرة شقيقه الشهيد حسين "صارم*" وفي موضوعة "أحلام اليقظة مع ذكريات عن بلدي" يكتب: (الحق إني غير أخي "صارم" ذلك الصلب العنود، الذي وضع رقبته على راحة يده. وهو يؤكد لي دائماً، إن الطريق طويـــل جداً يا علي إنه أطــول من "وادي الأحلام"!؟ ربما لا أستطيع تحديده لك مطلقاً. ربما لا يرى الفجر الذي ننتظره إلا أحفادك، أو بنوهم. أما نحن فمهمتنا أن نعبد الطريق - ما استطعنا - من أجلهم!. هي منه دعابة معي، فـ "وادي الأحلام" إحدى قصصي التي كنت أنحو بها منحى كتابات جبران الرمزية وقد نشرت في مجلة العرفان العدد .... صحيح إني أملك طاقة من الصبر ليست بالعادية، ولكن الذي أختلف فيه عن أخي الشهيد حسين "صارم" هو ليس الصبر وحده، انه الصبر والإصرار مع علم بالمصير!؟)
جذور الوالد الاجتماعية وتربيته العائلية وتأثره بالمواقف الوطنية لرجال العائلة من آل الشبيبي كالشيخ الكبير جواد الشبيبي وأبنائه العلامة الجليل محمد رضا الشبيبي وشاعر ثورة العشرين محمد باقر الشبيبي. إضافة إلى دور بعض الأساتذة في مدارس النجف من كان لهم دورا في نشر الوعي الوطني، أمثال: ذو النون أيوب، كامل القزانجي، وجعفر الخليلي وآخرون، تركت تأثيرها عليه، فكان يحمل في ذاته خامة أصيلة من الإخلاص والوطنية وخدمة شعبه بعيدا عن المنافع الذاتية والأنانية. ولهذا رفض مقترح عميد الأسرة "محمد رضا الشبيبي" للعمل كقاضي وفضل العمل في التعليم. فكتب: (كنت أنزع إلى أن أزج بنفسي في معترك الخدمة الأساسية، ضد الجهل الآفة المدمرة، التي تسبب العقم، وتحد من قابلية الأمة في مضمار التطور واللحاق بركب الأمم المتحررة من الجهل والمرض والفقر. وما أجد في وظيفة القضاء؟ غير أن أتورط في حكم باطل، في أمر طلاق! أو مسألة ميراث، أو مشاكل المتزوجين في حياتهم التي هي عمومها لم تبن على أساس الخيار، بل الاضطرار وأحياناً كثيرة الجبر والإكراه. /معلم في القرية/ مع المعلم).
لهذا كله كان المربي الراحل ينظر إلى التعليم باعتباره رسالة إنسانية سامية لمكافحة الأمية ونشر الوعي الوطني، فيكتب: (... معلم يحمل رسالة، يعرف أن أمامه العقبات الصعاب، والمخاطر التي قد تؤدي به إلى الهلاك. إنه يدرك إن الجهل عدو، له حلفاء يسندونه، هما المرض والفقر. فلا مناص إذن لهذا المعلم من التنبيه خلال عملية التعليم إلى هذين العدوين في حلفهم البغيض. المعلم الذي ينشئ أحراراً، لا ليصيروا له عبيداً، المعلم الذي يجعل الحرف مضيئاً ينير السبيل للسارين، لا ليؤلف كلمة ميتة، أو جملة خاوية لا معنى لها..... هذا هو المعلم الذي أعجبني أن أكونه، لا في المدرسة وعلى أسماع الصغار، بل في كل مجال تسمح به المناسبة./ معلم في القرية/ مع المعلم)
في هذا القسم "الدرب الطويل" يتحدث المربي الراحل عن بداية اكتشافه الطريق الصائب في تحقيق الاستقلال الوطني والتحرر الاقتصادي والقضاء على الاستغلال بكل أنواعه، ولماذا سار في هذا الدرب الوعر. فيكتب: (إني أكره الاستغلال. أحب أن أتحرر فكرياً. كم تمردت على بعض العادات. كم أطلقت لنفسي العنان في مجال اللهو. وتهربت من كثير من الالتزامات. كم شاركت بالحركات الوطنية، وأحببت أفكاراً خلتها هي السبيل الصائب إلى تحرير نفسي، وتحرير بلدي وأمتي. ولكن ما هي القاعدة الأساسية والعلمية إلى تلك المنطلقات؟/الدرب الطويل/ بداية الطريق). ويواصل الكتابة ليؤكد اهتدائه - عبر شقيقه الشهيد حسين "صارم"
(*) - للإجابة على تساؤلاته لمعرفة الأسس والمنطلقات العلمية لتحرير البشرية من العبودية والاستغلال. فقد حدث تطور هام وحاسم في حياة شقيقه الشهيد حسين. أنعكس هذا التطور إيجابيا أيضا على فكر ومنهج والدي في الحياة التعليمية والاجتماعية.
في أيار/حزيران
(1) من عام 1941 نشر الشهيد مجموعة من المقالات السياسية والاجتماعية في مجلة "المجلة" لصاحبها ذو النون أيوب. وقد أعجبت هذه المقالات هيأة تحرير مجلة "المجلة" ووجدت في الشهيد حسين وكتاباته وعياً طبقياً فطرياً، وقدرة جيدة على التحليل، إضافة لتمتعه بصلابة واستعداد للتضحية. وبناء على هذا التشخيص استدعته هيأة تحرير مجلة "المجلة" لمقابلتها. واعتقد أن هذا الاستدعاء حدث في تموز/آب (1) 1941. وسافر الشهيد لمقابلة هيأة تحرير "المجلة"، وهناك ولأول مرة قابل الشهيد سكرتير الحزب الشيوعي العراقي "فهد " (*) . فيكتب والدي واصفا مشاعر شقيقه حسين بعد عودته من أول لقاء بالشهيد الخالد "فهد": (عاد بعدها وعلى وجهه شعاع مبهج، وبين جوانحه عزم يكاد يطير به. أسرّ إليّ أمراً. علمت أن "المجلة" لسان فئة نذرت نفسها لتحرير الفكر، وتحرير الوطن. إنها تنهج في سلوكها منهجاً علمياً. وفق أحدث نظرية أثبتت علمياً إنها هي ولا غيرها الطريق إلى تحرير الإنسانية من العبودية بكل أشكالها./ الدرب الطويل/ بداية الطريق)
وهكذا بدأ والدي، في بداية النصف الثاني
(1) من عام 1941، عبر شقيقه الشهيد حسين العمل التنظيمي في صفوف الحزب الشيوعي العراقي. وقد صادف بداية انتظامه فترة الحرب العالمية الثانية وتأثيراتها على الطبقات الفقيرة والمسحوقة وما سببته من ارتفاع الأسعار وانتشار الفساد الإداري والمالي وانعكاسه على الشعب. وكان من باكورة نضالهم في مدينة النجف المبادرة لكشف الفساد، والمفسدين من المسؤولين الإداريين. مما سبب نقمة السلطات السياسية عليهم ومحاربتهم من خلال النقل الإداري والفصل والاعتقال.
كان لانتمائه للحزب الشيوعي تأثيره الايجابي في طريقة تفكير الوالد في إداء رسالته التعليمية، فيكتب : (الواقع إني غيرت كثيراً من نظراتي في مواد دروس العربية، في الأمثلة، ومواضيع النحو، في الإنشاء، والمحفوظات. سخرتها جميعاً لبث الوعي، ولكن بحكمة، وأسلوب لا يثير./الدرب الطويل/ مدرستي)
وبحكم جذور الوالد الدينية، حيث كانت دراسته ذات أساس ديني، كما خطط له والده، نجده دائم الاستشهاد والمقارنة بآيات قرآنية أو أحاديث شريفة. فهو ينتقد بشدة المفاهيم الخاطئة لدى بعض المتشددين الروحانيين، ويفضح التناقضات الصارخة في سلوكيات البعض. كما يفضح أساليب التضليل وتخدير المجتمع من قبل المسيطرين على المؤسسة الدينية من رجعيين ومتخلفين، من خلال نشرهم المفاهيم والمقولات المخدرة فيكتب (كان الوعاظ يعينون الطبقات المتنفذة، بما يبثونه من فكرة بين أوساط الكادحين والمستغَلين، كقولهم: "الفقراء عيالي والأغنياء وكلائي. وخير وكلائي أبرّهم بعيالي!"/الدرب الطويل/ بداية الطريق)
خلال تنقله بين مختلف المدارس المنتشرة في مناطق الفرات الأوسط، واحتكاكه بمعلمين بمختلف المستويات والانحدارات الاجتماعية والقومية والمذهبية، تعرف من خلال ذلك على الأفكار الطائفية والقومية المتطرفة وتأثيرها على الوحدة الوطنية والوعي الوطني، فاكتشف في الفكر الاشتراكي العلمي العلاج الوحيد والأنجع لمرض الطائفية والتطرف القومي. لذلك لم يكن تبنيه للفكر الثوري عبثياً أو مزاجيا وإنما عن قناعة مطلقة بصواب هذا الفكر، فكتب: (وإذا اختَرتُ طريق الاشتراكية العلمية، فذلك لأني أدرك أن رجال المال من أية قومية، عرباً أو فرساً أو أكراداً إلى آخره، هم الذين عملوا ويعملون لإثارة النعرات القومية والطائفية ليلهوا الجماهير عن معرفة أسباب بؤسهم وشقائهم. ليبقوهم عبيداً يشيدون الجنان ويوفرون بكدحهم كل أسباب الرفاه لأولئك الأسياد./ الدرب الطويل/ المعلم النطاح)
ويتحدث الراحل باختصار عن نشاطه الحزبي الذي استمر فقط لست سنوات تقريبا (1941- 1947). ساهم خلالها مع بعض رفاقه وبأشراف شقيقه "حسين" على وضع الأساس المتين في بناء وتطوير تنظيم الحزب في النجف. فبعد أن تخلى بهدوء عن قيادة المحلية المعلم إسماعيل الجواهري، أصبح الراحل مسؤولا عن محلية النجف منذ أواخر عام 1943. كما ساهم بحضور الكونفرنس الحزبي الأول ومؤتمر الحزب الأول. للأسف يتجنب الوالد الحديث عن هذه الأحداث المهمة بالتفصيل، وذلك خوفا من وقوع مخطوطته بيد أجهزة الأمن في العهد الملكي والعهود التي تلته، إضافة إلى ضياع الكثير من مدوناته المهمة بسبب سوء الأوضاع السياسية، كما هو يشير إلى ذلك.
ولا يتهرب الوالد من الحديث عن الصراع الذاتي الذي عاشه قبل أن يتخلى عن العمل الحزبي المنظم. ففي موضوعة "أتق شر من أحسنت إليه" يكتب بشجاعة وصراحة نادرة: (أحس في نفسي صراعاً حاداً، هل أستمر، أم أضع للأمر حداً؟ .... إني في صراع عنيف مع نفسي، أشعر بضعف ينتابني، بل يسيطر عليّ. ومن الخير أن أتنحى كيلا أخسر شرف الكلمة، وأجني على سواي، بلطمة من شرطي، أو تعذيب في ضربات خيزرانته فينهار بناء، وأكون مثلا ولطخة عار). ويواصل الكتابة ليثبت تأريخ أعتزاله العمل الحزبي، ورفضه طلب مرجعه الحزبي "مالك سيف" للانتقال إلى جانبه للعمل الحزبي في بغداد وإصراره على قرار التنحي من المسؤولية والحزب، فيكتب (وأجبت، أصر على ذلك . كان ذلك في 12/10/1947، ولم ألتحق بعد هذا بأي جماعة).
ويؤكد الراحل بألم من خلال كتاباته عما أصابه من إجحاف وتشويه من قبل أحد أصدقائه بعد أن ترك المسؤولية الحزبية لهذا الصديق. لذلك يكتب عن هذا ببعض التفصيل والألم. وهي قصص كنت أسمعها من الوالد والوالدة عن موقف هذا الصديق. فكتب ما يلي: (لم أكن مطلقاً أفكر بأي احتمال، فقد ألقيت عن عاتقي عبئ كل مسؤولية، وطلقت العمل الحزبي، وخرجت من العهدة، دون أن أكون آثماً بحق أحد، وعلى علم من صديقي "م" والذي ألتزم المسؤولية بعدي! أليس هو رفيق الشباب، وأيام جامع الهندي، وأندية النجف الأدبية. ومنه تعرفت على المجلات التي تعني بالفكر التقدمي!؟/ الدرب الطويل/ ليد القدر).
ويؤكد المربي الراحل دائما أن السبب الذي دفعه لاعتزال العمل الحزبي شعوره وتقديره بأنه غير قادر على تحمل تبعات ومسؤوليات العمل الحزبي، والتوفيق بين مسؤولياته الحزبية وواجباته العائلية. لكنه يشير في أكثر من مرة في مذكراته، أن تركه للعمل الحزبي لم يعفيه من هذه التبعات والمسؤوليات ولم يبعده عن النضال بصلابة من أجل القضية الوطنية. واستمرت الأجهزة الأمنية دائما بالتعامل معه وكأنه أحد قادة المنظمات الحزبية، وأحياناً يرون في سلوكه وعلاقاته الاجتماعية أكثر خطورة من أي مسؤول حزبي!؟
وبالرغم من اعتزاله العمل الحزبي منذ أواخر تشرن أول 1947، لكنه يصر على مواصلة النضال والإخلاص لرسالته التعليمية السامية كما آمن بها. فيكتب رسالة لصديقه ورفيقه السابق "جواد كاظم شبيل" جاء فيها: (... ولكني أفهم إني واحد من ملايين في بلادي تكرع كؤوس الشقاء. وعلينا أن نواصل المسير في توعية الذين يبنون الحياة بسواعدهم./ الدرب الطويل/ رسالة إلى الكبائش). وبقي الراحل مخلصا لمفاهيمه التربوية والوطنية إلى آخر أيامه. لذلك فإن الأجهزة الأمنية في كل العهود كانت تضايقه وتضعه في رأس قوائمها وتنشر حوله هالة من المسؤولية الحزبية لتبرر ملاحقاتها ومضايقاتها له!.
في بعض الأحداث تطرق الراحل لبعض الشخصيات فتجنب ذكر أسمائهم الصريحة، وأحيانا كان يشير إليها بالحرف الأول، ومرات أخرى يشير إلى الاسم بنقاط -فراغ- لكنه يذكر الاسم كاملا في هوامشه. فكتب في أحد هوامشه تحت عنوان "مدرستي": (لم أصرح بأسماء بعض الذين أذكر عنهم شيئاً، خصوصاً إذا كان ما فعلوه غير مستساغ، فقد انتهت حياة أكثرهم. المهم ذكر ما فعلوه، ولهم الرحمة). لذلك وجدت أن التزم بما انتهجه الوالد في تجنب ذكر بعض الأسماء.

* * * *
(1)
لابد من التأكيد من أن ارتباط الشهيد حسين "صارم" بالحزب وبالتحديد بسكرتير الحزب "فهد" كان في أواسط عام 1941. وللأسف لم يشر والدي في ذكرياته مباشرة في أي شهر بدأت هذه العلاقة. ولكن من خلال ربط وتسلسل تأريخ بعض الأحداث التي ذكرها الوالد يمكنني أن أجزم، أن الأشهر المثبتة هي الأقرب إلى الصواب والدقة.
(*) "صارم" الاسم الحزبي للشهيد الخالد عضو المكتب السياسي حسين الشيخ محمد الشبيبي. و"فهد" الاسم الحزبي لمؤسس وسكرتير الحزب الشيوعي العراقي الشهيد الخالد يوسف سلمان يوسف. و "حازم" الاسم الحزبي للشهيد الخالد عضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي العراقي زكي محمد بسيم.

ألناشر
محمد علي الشبيبي
السويد ‏‏06‏/11‏/2010
alshibiby45@hotmail.com 
 

2 - الدرب الطويل
(7)

موقف الراحل من الفكر القومي (لا أريد بتعبيري -الفكر القومي- أن أشجب القومية. فانا عربي أفخر بعروبتي. إني أقصد أولئك الذين نعتوا أنفسهم بـ - القوميين - وهم لا عمل شاغل لهم إلا معاداة الفكر التقدمي، وخصوصاً من يعتنق الفكر الاشتراكي العلمي، ويعملون على وجود حزب واحد وهذا ما يتنافى وجهود العاملين على نهضة شاملة لجميع طبقات الشعب - البرجوازية والكادحة - فنحن في مرحلة نضال من أجل التحرر الوطني وليس من أجل تحقيق نظام اشتراكي، إذ هو مرحلة تالية).

النجف بلد المنابر والمشانق
قال أحد الرفاق: "ملاحظاتك عن التراث جميلة وصائبة، لفتت نظري إلى أمر آخر أراه مهم أيضاً. أحرى بنا أن نتعرف على تأريخ مدينتنا –النجف- إنا نجهله جهلاً تاماً. وان كنا نعرف اليوم إن لها شأنا كبيراً في تأريخها القريب، لما لرجالها العلماء والزعماء من مكانة في خدمتها وخدمة الإسلام والعرب".
- أيها الرفيق شكراً، أنا أرغب وأحبذ أن تبحثوا أنتم في المكتبات العامة والخاصة أيضاً، ستجدون فيها ما تبتغون. حين تقرأون تأريخ "بني بُويه" وتراجم علماء النجف في كتب التراجم، وما كتب حديثاً عنها أيضاً، خلال ما تحصلون عليه ستجدون أي كتاب تقرؤنه يذكر الكتب التي أستند إليها أيضاً.
لقد عُرفت منذ القدم باسم "النجف" نجف الكوفة، لا نجف الحيرة. وعرفت أيضاً بأسماء أخرى "خد العذراء" و "الغري".
أما حدودها فكلكم على علم بها، حيث تتصل من جهاتها الأربعة بالكوفة، وكربلاء، وأبي صخير والى الحدود السعودية. أهم ما رفع شأنها هو مرقد الأمام علي. وقديماً كان يسكنها النساطرة، والى أن ظهر الإسلام كان فيها بعض الأديرة.
وأهم عناية لقيها المرقد العلوي كان من ملوك الفرس. ومن العباسيين "هارون الرشيد" أعاد شأن القبر بعد أن هُجر، وكان أسبق من أهتم به هم أحفاد الأمام علي.
أهم ما كان يشكوه سكانها الماء، وتبارى كثير من محبي الأمام لحل هذه المشكلة. أعتقد إن بعضكم واعي أيامها، أو ذووه. أنا نفسي وعيت ظروفها الأخيرة في العطش. وكيف انتهت بمساعي الغيارى ومحبي البلد.
وللبويهيين خدمات تذكر نالوا بها ثقة ناسها، وشاركهم في هذا بعد الجلائريون والأيلخانيون في القرنين السابع والثامن للهجرة وأجروا الأنهار. أما الوهابيون فقد عانت النجف الأمرين من هجماتهم عليها، قاومتهم بفضل السور الضخم الذي يحيط بها. هجمات الوهابيين على النجف لم تنجح بسبب سورها المنيع، الذي هدم عام 1931 لتتوسع المدينة. ولكن هجمات الوهابيين نجحت على كربلاء من عام 1220هـ/1806م وحتى عام 1226هـ/1810م وقد نهبوا كل ما وصلت إليه أيديهم وقد أحرقوا داخل الحرمين الحسيني والعباسي.
وسرت إلى النجف عدوى الوعي السياسي، حين تحركت كل من إيران وتركيا تطالبان حكومتيهما بالحرية والديمقراطية وسن الدستور. فكان رد الفعل عنيفاً في أوساطها سياسياً وثقافياً. فتدارسوا المبادئ الديمقراطية وهم ملتفون حول بعض العلماء الذين تدخلوا بالسياسة إلى جانب الدين وهم يعتقدون بوجوب تحقيق المبادئ الدستورية في حكم الشعب. فأقبل الشباب على قراءة الصحف، يجلبونها من كل مكان فتكونت بهذا فئة سياسية واعية. منهم الشبيبيان "محمد رضا ومحمد باقر"، وعلي الشرقي، بعدهم الجواهري، وأحمد الصافي، والشباب الذي ألتف حولهم.
ولا ننسى إن بعض رجال الدين قاوموا تيار الوعي السياسي والأدبي، في مقدمتهم رجل الدين المعروف "كاظم اليزدي". حيث كان مرجعاً كبيراً، لكنه عارض مقاومة الإنكليز أثناء احتلالهم النجف بحجة عدم قدرتنا على مقاومة سلاحهم، وأطمعوا فيه فكانوا يصلون إليه كوسيط ومعهم بعض الخونة، وقد أعدموا بعض الثوار ولم يمنع عنهم. فقد ذهب إليه بعض وجهاء البلد وطلبوا منه أن يصدر فتوى بعدم جواز قتل أولئك الأبطال، فأجاب "يجب تطهير النجف من المجرمين؟!".
وتيار آخر ظهر مجافياً ومغايراً للتطور الذي حصل، ذلك هو بدعة شج الرؤوس بالسيوف، وضرب الظهور بالسلاسل وفي أيام شهر محرم. وقد وردت من رجل تعرف عليها من النقشبندية في تركيا، ثم إيران فانتشرت بلا مقاومة. أكثر المجتهدين وهم فرس شجبوها وأصدروا الفتاوى بحرمتها. وأيدها ودافع آخرون فرس وعرب. وأتخذها بعض العوام مصدراً للعيش بحجة حب الحسين.
أما المستعمرون الإنكليز خلال وجودهم في العراق أثناء الحرب العالمية الثانية فقد شجعوها سراً، فكانوا يقدمون المال بواسطة عملائهم لرجال تلك المواكب. فيدفعون لبعضهم بعض المال غير يسير. وكان موكب التطبير "أي شج الرؤوس بالسيوف" واحداً فقط يُعرف باسم "عزاء الترك" فلما أدرك الآخرون من العرب هذا النمط من العزاء قلدوهم وأضافوه إلى مواكبهم، ليستدروا المنافع، وفعلاً استفادوا!
وأرتفع صوت رجل الدين الشهير السيد محسن الأمين العاملي، والسيد مهدي القزويني من البصرة لتحريم هذه البدع، فحاربه كثير من المعممين بأقلامهم. وناصر محرميها السيد أبو الحسن. أصدر الأمين العاملي رسالته الشهيرة "التنزيه لأعمال الشبيه" عام 1346هـ/1927م. فعقدت مجالس ينشد فيها الشعر بالشتيمة له والطعن فيه. كان جريئا لا تأخذه في الحق لومة لائم. وحين ورد النجف زائراً أمر أبو الحسن الموسوي نصب الخيام والاستعداد لاستقباله، وكان استقبالا فخماً حقاً.
كانت النجف عام 1917 محتلة، فابتليت بقحط شديد، وندرة وغلاء في المواد الغذائية. تأريخ ثورة النجف قريب إليكم وغير بعيد. وما يزال كثير من الرجال الذين اشتركوا فيها على قيد الحياة. نعرف بعضهم وسمعنا منهم عنها، ولابد إنهم دونوا الأحداث التي جرت.
أما الممهدون لها فهم نخبة من الشباب المتحرر، وأغلبهم من كان في ركب "دعاة الدستور" أي المشروطة، أيام الخراساني، بينما الذين ساندوا الإنكليز من الجانب الآخر.
اعتمدت الثورة أول الأمر على جماعات من المثقفين الواعين الذين اتصلوا بالمتحمسين لها من الرجال الأشداء المعروفين بالبطولة، أمثال الحاج نجم البقال، وكاظم الصبي.
إن الكثير من رجال العشائر الذين شاركوا في ثورة العشرين ضد الإنكليز تحولوا إلى جانب الإنكليز في العهد الملكي، لتركيز الإقطاع، وأصبحوا كتلاً، كل كتلة وراء وكيل من وكلاء الإنكليز في الحكم الملكي، ممن كانوا يتناوبون في إشغال كرسي رئاسة الوزارة. مع العلم إن أولئك الوكلاء جميعاً، كان نوري السعيد الرجل الأول بينهم، بل والمخطط الأوحد، لتوزيع مواعيد الأدوار بينهم، سواء كان ذلك في رئاسة الوزارة، أو كراسيها، أو عضوية المجلسين النيابي والأعيان.
حين أنفصل صالح جبر عن حزب صاحبه نوري السعيد، قص علي شاب كان يرقد في مصح بلبنان. إن طبيبه قال له "هل هو اختلاف في الرأي بينهما؟" فأجابه الشاب "صونه وأنفشگت" والصونة هي بعر الحمار، انه يريد إنهما شيء واحد. والواقع إن ذلك ربما كان أيضا حيلة استعمارية ليحوز الاثنان على السنة والشيعة.
لاشك أيها الأخوة، إن الثورات التي حدثت في سائر أنحاء العالم، ليس السبب فيها شعور الثائرين ضد الأجنبي الذي تسلط عليهم وحده. إنما السبب المهم هو تفتح عيون الشعوب المستعبدة أكثر بما تم من مخترعات ومكتشفات هذا هو السبب، هو الصناعة الحديثة التي تمت واتسعت بسرعة بعد أن بدأت بالمغزل والقطار، وتوصلت بعد ذلك إلى الطائرات وسائر المخترعات السلمية والمدمرة، وما نتج عنها أيضاً من انبثاق نظريات وآراء في العلوم الطبيعية والفلسفية.
ولعل كثير من المتزمتين والمسؤولين الدينين أسفوا كثيراً إن ساعدوا على المشاركة في المطالبة بالحريات والدساتير. فها هي الحريات تعددت جوانبها وأنواعها. حرية الفكر مرق بموجبها الكثيرون فتحدوا الذين لا يحيدون عن آراء السلف حتى بأسلوب التأليف والكتابة. وأصبح أبناء بعض المراجع الدينية خريج جامعة أمريكية أو أوروبية. واختفت كثير من العادات والالتزامات التعبدية، بل تعدى الأمر أن عمل الكثير من أولئك على فتح مدارس للبنات، وتبدلت أيضاً كثير من مظاهر المرأة النجفية. كانت قبلاً مبرقعة الوجه معصوبة الرأس، ترتدي عباءتين، واحدة على الكتف والثانية على الرأس. كان أمهاتنا يسمينها "سرسوحة" ولا أعرف أصل هذه الكلمة، ربما لأنها تنسرح على جسمها أكثر من التي على رأسها. وحين انتشرت مدارس البنات كان أكثر المبادرين لإدخال بناتهم هم من الفئة الروحانية وأعيان البلد. في بداية شبابي، أتذكر إني كنت ذات يوم جالساً بأحد أواوين الصحن الحيدري، ومر السيد سعد جريو السياسي المعروف، ومعه عزيز الأعسم وهو يجمع تواقيع لفتح مدرسة بنات. وعلى الأثر بعده علمت أن الزعيم عطية أبو كلل يعلن انه سيعمل ضد من يسمح بإدخال أبنته المدرسة.
هذا الاندفاع بالتوسع بمظاهر التجديد الفكري والحياتي، حسبت له الرجعية والاستعمار حسابه، خصوصاً ضد تيار الفلسفة المادية، والمجلات التي تعني بحرية الفكر مجلة العصور والدهور والطليعة، وبحوث بعض العلماء والكتاب مثل مجموعة شبلي شميل وإسماعيل أدهم وغيرها. فصارت تحجبها وتحول دون وصولها. بينما سمحت في أيامنا هذه لمثل مجلة "الفن" ومجلة المختار وأمثالهما. لكن الضار أحياناً يكون دواء وعلاجاً في أحيان أخرى. فالاستعمار الذي جلب معه ما يفتح عيون المستعمرين، فيما يقتنيه من وسائل الراحة والتنعم، سرت عدواها إلى المؤسرين من أبناء البلد المحكوم.
هذا الاستعمار حين انفجرت الحرب العالمية الثانية، ويئس بعد انتظار مرير من تغلب النازيين على الإتحاد السوفيتي، سارع فحالفه فتأسست علاقة دبلوماسية بين الإتحاد السوفيتي والعراق، وبناء عليه أيضاً سمح للكثير من الكتب والمجلات التي كانت محرمة أن تغزو الأسواق وتنتشر بين الشباب المتلهف للإطلاع على كل ما كان مجهولاً لديه، بل وصدرت مجلات وصحف أدركتموا عهدها.
أدب الكتاب التقدميين من عرب وأوربيين وأمريكيين، خصوصاً أدب القصصيين الواقعيين ارسكين كالدوين، وهمنغواي، وديستوفيسكي، وبوشكين، تولستوي ومكسيم غوركي. ومجلة الطريق اللبنانية، والفجر الجديد المصرية، وأم درمان السودانية، ومجلة الرابطة البغدادية، وجماعة البعث ورسائلهم ومجلة المجلة، والمثل العليا النجفية، ومجلة واسط. ناهيك عن الكتب التي تطرقت لبحث الفلسفة المادية بجرأة فذة.
أجل هذا الضار أضطر حين ضويق من خصمه الجبار العنود، فقاومه بحلف لمن يكرهه -ربما أشد وأكثر من خصمه ذاك- وتنازل عن كثير من أساليبه ضدنا. ولكن حين انتهت الحرب بانهزام النازيين –وليس النازية- عاد بكم الأفواه وبحجب الحريات، ويطارد الأحرار، عن طريق المجالس العرفية، بحجة الدفاع عن فلسطين. والصرخات الكاذبة من المتربعين على دست الحكم في بلادنا هنا وفي البلدان العربية الأخرى. وإنا لنتوقع أحداثاً، وتبدلات ليست في البدء لصالحنا. وما يدرينا، ربما أستطاع الاستعمار العالمي بسبب من التحاق كثير من الدول التي تحولت إلى الاشتراكية –أن يحيي النازية- هذه المرة ممسكاً زمامها بيده. ويفسح المجال لنشاط الفكر القومي. فيشل الشعوب العربية ويجعلها تدور حول نفسها ولا تصل إلى الطريق اللاحب.
لا أريد بتعبيري "الفكر القومي" أن أشجب القومية. فانا عربي أفخر بعروبتي. إني أقصد أولئك الذين نعتوا أنفسهم بـ "القوميين" وهم لا عمل شاغل لهم إلا معاداة الفكر التقدمي، وخصوصاً من يعتنق الفكر الاشتراكي العلمي، ويعملون على وجود حزب واحد وهذا ما يتنافى وجهود العاملين على نهضة شاملة لجميع طبقات الشعب –البرجوازية والكادحة- فنحن في مرحلة نضال من أجل التحرر الوطني وليس من أجل تحقيق نظام اشتراكي، إذ هو مرحلة تالية.
أنا عربي نسباً ونشأة وشعوراً، وكل من عاش ونشأ نشأة عربية إسلامية، عربي. الفرس الذين استوطنوا منذ عهد سحيق انصهروا بزيهم ولسانهم وعاداتهم هي عادات النجف العربية، لا ينم مظهرهم ولا لسانهم ولا عاداتهم على أنهم من أصل غير عربي أبداً.
والواقع إن الصراع الذي نشهده اليوم مهما تبرقع أصحابه ببراقع ودعوات، فانه في الحقيقة صراع بين اتجاهين، الاتجاه القديم الذي يعالج أمور حياته بالتسليم لما سماه بعضهم –المكتوب في لوح القدر- ولحل مشاكله يرجع للتسبيح والتكبير والتعاويذ، وانتظار المعجزات، هذه الأساليب التي ينكرها القران نفسه.
واتجاه آخر يعتمد على العلم والعمل والإنتاج بالوسائل العلمية الحديثة، والنضال الدائب للتخلص من النظم البالية، ووجود الطبقات، وتحكم الطبقة الأقوى في الطبقة الأضعف والأدنى. وبهذا وحده ينتهي استغلال الإنسان لأخيه الإنسان.
ويجب أن لا ننسى أن لكل صراع سيرافقه انحلال وتسيب في القيم الأخلاقية. وقد يستمر هذا فترة طويلة، فيعتقد الكثيرون –حتى بعض الذين عملوا من أجل التغيير- إن ذلك هو حاصل الاتجاه الجديد فيتملك نفوسهم اليأس، من صلاح الإنسانية. وبالمناسبة وللنكتة أذكر لكم، لماذا أختار كل من أبي نؤاس وأبي العتاهية، طريقاً خاصاً به، بينما كانا صديقين حميمين!؟
الذي استنتجته من دراستي لهما. تزهد "أبو العتاهية" ومجون "أبو نؤاس" سببهما واحد في رأيي. فقد درس الاثنان طبيعة الحاكمين، وموقفهم من ذوي الفكر والمعتقد، وبطشهم ببعضهم بلا رحمة، بينما –الحاكمون- يدنون الأدباء والعلماء وأهل الفن، يستغلون مواهبهم وقابلياتهم، لخدمة عروشهم وكيانهم، وليحرقوا البخور حولهم، ويختلقوا لهم تأريخا نزيهاً، حافلاً بالتقى والورع والمكرمات. لهذا مال الأول للزهد ومال الثاني للمجون، ليعيشا بأمن وسلام.
 

يتبع


السويد ‏3‏/12‏/2010‏


من مذكرات المربي الراحل علي محمد الشبيبي - الدرب الطويل (6)
من مذكرات المربي الراحل علي محمد الشبيبي - الدرب الطويل (5)
من مذكرات المربي الراحل علي محمد الشبيبي - الدرب الطويل (4)
من مذكرات المربي الراحل علي محمد الشبيبي - الدرب الطويل (3)
من مذكرات المربي الراحل علي محمد الشبيبي - الدرب الطويل (2)
من مذكرات المربي الراحل علي محمد الشبيبي - الدرب الطويل (1)
من مذكرات المربي الراحل علي محمد الشبيبي - معلم في القرية (22)
من مذكرات المربي الراحل علي محمد الشبيبي - معلم في القرية (16)
من مذكرات المربي الراحل علي محمد الشبيبي - معلم في القرية (15)
من مذكرات المربي الراحل علي محمد الشبيبي - معلم في القرية (14)
من مذكرات المربي الراحل علي محمد الشبيبي - معلم في القرية (13)
من مذكرات المربي الراحل علي محمد الشبيبي - معلم في القرية (12)
من مذكرات المربي الراحل علي محمد الشبيبي - معلم في القرية (11)
من مذكرات المربي الراحل علي محمد الشبيبي - معلم في القرية (10)
من مذكرات المربي الراحل علي محمد الشبيبي - معلم في القرية (9)
من مذكرات المربي الراحل علي محمد الشبيبي - معلم في القرية (8)
من مذكرات المربي الراحل علي محمد الشبيبي - معلم في القرية (7)
من مذكرات المربي الراحل علي محمد الشبيبي - معلم في القرية (6)
من مذكرات المربي الراحل علي محمد الشبيبي - معلم في القرية (5)
من كتابات المربي الراحل علي محمد الشبيبي - معلم في القرية (4)
من كتابات المربي الراحل علي محمد الشبيبي - معلم في القرية (3)
من كتابات المربي الراحل علي محمد الشبيبي - معلم في القرية (2)
من كتابات المربي الراحل علي محمد الشبيبي - معلم في القرية (1)



 

free web counter