| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

محمد علي الشبيبي

Alshibiby45@hotmail.com

 

 

 

الجمعة 17/12/ 2010

 

من مذكرات المربي الراحل علي محمد الشبيبي
(1913 – 1996)

محمد علي الشبيبي

مقدمة ألناشر
"الدرب الطويل" هذا عنوان القسم الثاني من "ذكريات معلم". ففي القسم الأول "معلم في القرية" تناول والدي حياته التعليمية في قرى الفرات الأوسط منذ أواسط ثلاثينات القرن الماضي، وكان حينها غير مرتبط بأي حزب أو تنظيم سياسي، وإنما كان يحمل فكراً وطنياً تحررياً متأثراً بما يحمله من تربية دينية متحررة.
كتب والدي في القسم السابق "معلم في القرية/السياسة والأدب" كيف كان يفكر قبل أن يتفتح فكره بانتمائه السياسي. فكتب (هكذا كنا نخوض السياسة بفهم خليط بين الطائفية والوطنية بل وحتى الإقليمية أحياناً. ونتعصب للملك وهو آلة أختارها الإنكليز، ووطنيته ليست أكثر من لافتة، يحافظ بواسطتها على تاجه، بين الذين جاؤا به لينفذ مطامعهم، وبين مطامح رعيته. هكذا كنا نعتقد إن مهدي المنتفكي ورستم حيدر شيعيان ووطنيان في آن واحد، ولا نفهم مركزهما الطبقي. ولم نفكر ما عوامل مجيئهما إلى الحكم وذهابهما عنه).
وفي "الدرب الطويل" يتناول والدي ذكرياته التعليمية بعد أن أرتبط تنظيمياً بالحزب الشيوعي العراقي، وأحدث هذا الارتباط في حياته وتفكيره تغييراً جذرياً. نعم أنه "الدرب الطويل"، فالطريق الذي سار عليه الوالد بعد ارتباطه التنظيمي طويل وشاق. كله أشواك، وتجوب فيه ضواري بشرية نهمة، لا تعرف حدودا للاكتفاء ولا أي معنى للإنسانية، وكل ما يهمها الدفاع عن مصالحها الطبقية الأنانية وزيادة أرباحها بمزيد من الاستغلال للطبقات الكادحة. ومن يختار هذا الطريق عليه أن يكون صبورا وشجاعاً، وأن تكون طاقته على التحمل ومقارعة الظلم والإصرار خيالية مع علم بالمصير - كما يقول -. ويشير والدي بكل تواضع إلى إمكانياته وقدرته، ويقارن ذلك بإمكانيات وقدرة شقيقه الشهيد حسين "صارم*" وفي موضوعة "أحلام اليقظة مع ذكريات عن بلدي" يكتب: (الحق إني غير أخي "صارم" ذلك الصلب العنود، الذي وضع رقبته على راحة يده. وهو يؤكد لي دائماً، إن الطريق طويـــل جداً يا علي إنه أطــول من "وادي الأحلام"!؟ ربما لا أستطيع تحديده لك مطلقاً. ربما لا يرى الفجر الذي ننتظره إلا أحفادك، أو بنوهم. أما نحن فمهمتنا أن نعبد الطريق - ما استطعنا - من أجلهم!. هي منه دعابة معي، فـ "وادي الأحلام" إحدى قصصي التي كنت أنحو بها منحى كتابات جبران الرمزية وقد نشرت في مجلة العرفان العدد .... صحيح إني أملك طاقة من الصبر ليست بالعادية، ولكن الذي أختلف فيه عن أخي الشهيد حسين "صارم" هو ليس الصبر وحده، انه الصبر والإصرار مع علم بالمصير!؟)
جذور الوالد الاجتماعية وتربيته العائلية وتأثره بالمواقف الوطنية لرجال العائلة من آل الشبيبي كالشيخ الكبير جواد الشبيبي وأبنائه العلامة الجليل محمد رضا الشبيبي وشاعر ثورة العشرين محمد باقر الشبيبي. إضافة إلى دور بعض الأساتذة في مدارس النجف من كان لهم دورا في نشر الوعي الوطني، أمثال: ذو النون أيوب، كامل القزانجي، وجعفر الخليلي وآخرون، تركت تأثيرها عليه، فكان يحمل في ذاته خامة أصيلة من الإخلاص والوطنية وخدمة شعبه بعيدا عن المنافع الذاتية والأنانية. ولهذا رفض مقترح عميد الأسرة "محمد رضا الشبيبي" للعمل كقاضي وفضل العمل في التعليم. فكتب: (كنت أنزع إلى أن أزج بنفسي في معترك الخدمة الأساسية، ضد الجهل الآفة المدمرة، التي تسبب العقم، وتحد من قابلية الأمة في مضمار التطور واللحاق بركب الأمم المتحررة من الجهل والمرض والفقر. وما أجد في وظيفة القضاء؟ غير أن أتورط في حكم باطل، في أمر طلاق! أو مسألة ميراث، أو مشاكل المتزوجين في حياتهم التي هي عمومها لم تبن على أساس الخيار، بل الاضطرار وأحياناً كثيرة الجبر والإكراه. /معلم في القرية/ مع المعلم).
لهذا كله كان المربي الراحل ينظر إلى التعليم باعتباره رسالة إنسانية سامية لمكافحة الأمية ونشر الوعي الوطني، فيكتب: (... معلم يحمل رسالة، يعرف أن أمامه العقبات الصعاب، والمخاطر التي قد تؤدي به إلى الهلاك. إنه يدرك إن الجهل عدو، له حلفاء يسندونه، هما المرض والفقر. فلا مناص إذن لهذا المعلم من التنبيه خلال عملية التعليم إلى هذين العدوين في حلفهم البغيض. المعلم الذي ينشئ أحراراً، لا ليصيروا له عبيداً، المعلم الذي يجعل الحرف مضيئاً ينير السبيل للسارين، لا ليؤلف كلمة ميتة، أو جملة خاوية لا معنى لها..... هذا هو المعلم الذي أعجبني أن أكونه، لا في المدرسة وعلى أسماع الصغار، بل في كل مجال تسمح به المناسبة./ معلم في القرية/ مع المعلم)
في هذا القسم "الدرب الطويل" يتحدث المربي الراحل عن بداية اكتشافه الطريق الصائب في تحقيق الاستقلال الوطني والتحرر الاقتصادي والقضاء على الاستغلال بكل أنواعه، ولماذا سار في هذا الدرب الوعر. فيكتب: (إني أكره الاستغلال. أحب أن أتحرر فكرياً. كم تمردت على بعض العادات. كم أطلقت لنفسي العنان في مجال اللهو. وتهربت من كثير من الالتزامات. كم شاركت بالحركات الوطنية، وأحببت أفكاراً خلتها هي السبيل الصائب إلى تحرير نفسي، وتحرير بلدي وأمتي. ولكن ما هي القاعدة الأساسية والعلمية إلى تلك المنطلقات؟/الدرب الطويل/ بداية الطريق). ويواصل الكتابة ليؤكد اهتدائه - عبر شقيقه الشهيد حسين "صارم"
(*) - للإجابة على تساؤلاته لمعرفة الأسس والمنطلقات العلمية لتحرير البشرية من العبودية والاستغلال. فقد حدث تطور هام وحاسم في حياة شقيقه الشهيد حسين. أنعكس هذا التطور إيجابيا أيضا على فكر ومنهج والدي في الحياة التعليمية والاجتماعية.
في أيار/حزيران
(1) من عام 1941 نشر الشهيد مجموعة من المقالات السياسية والاجتماعية في مجلة "المجلة" لصاحبها ذو النون أيوب. وقد أعجبت هذه المقالات هيأة تحرير مجلة "المجلة" ووجدت في الشهيد حسين وكتاباته وعياً طبقياً فطرياً، وقدرة جيدة على التحليل، إضافة لتمتعه بصلابة واستعداد للتضحية. وبناء على هذا التشخيص استدعته هيأة تحرير مجلة "المجلة" لمقابلتها. واعتقد أن هذا الاستدعاء حدث في تموز/آب (1) 1941. وسافر الشهيد لمقابلة هيأة تحرير "المجلة"، وهناك ولأول مرة قابل الشهيد سكرتير الحزب الشيوعي العراقي "فهد " (*) . فيكتب والدي واصفا مشاعر شقيقه حسين بعد عودته من أول لقاء بالشهيد الخالد "فهد": (عاد بعدها وعلى وجهه شعاع مبهج، وبين جوانحه عزم يكاد يطير به. أسرّ إليّ أمراً. علمت أن "المجلة" لسان فئة نذرت نفسها لتحرير الفكر، وتحرير الوطن. إنها تنهج في سلوكها منهجاً علمياً. وفق أحدث نظرية أثبتت علمياً إنها هي ولا غيرها الطريق إلى تحرير الإنسانية من العبودية بكل أشكالها./ الدرب الطويل/ بداية الطريق)
وهكذا بدأ والدي، في بداية النصف الثاني
(1) من عام 1941، عبر شقيقه الشهيد حسين العمل التنظيمي في صفوف الحزب الشيوعي العراقي. وقد صادف بداية انتظامه فترة الحرب العالمية الثانية وتأثيراتها على الطبقات الفقيرة والمسحوقة وما سببته من ارتفاع الأسعار وانتشار الفساد الإداري والمالي وانعكاسه على الشعب. وكان من باكورة نضالهم في مدينة النجف المبادرة لكشف الفساد، والمفسدين من المسؤولين الإداريين. مما سبب نقمة السلطات السياسية عليهم ومحاربتهم من خلال النقل الإداري والفصل والاعتقال.
كان لانتمائه للحزب الشيوعي تأثيره الايجابي في طريقة تفكير الوالد في إداء رسالته التعليمية، فيكتب : (الواقع إني غيرت كثيراً من نظراتي في مواد دروس العربية، في الأمثلة، ومواضيع النحو، في الإنشاء، والمحفوظات. سخرتها جميعاً لبث الوعي، ولكن بحكمة، وأسلوب لا يثير./الدرب الطويل/ مدرستي)
وبحكم جذور الوالد الدينية، حيث كانت دراسته ذات أساس ديني، كما خطط له والده، نجده دائم الاستشهاد والمقارنة بآيات قرآنية أو أحاديث شريفة. فهو ينتقد بشدة المفاهيم الخاطئة لدى بعض المتشددين الروحانيين، ويفضح التناقضات الصارخة في سلوكيات البعض. كما يفضح أساليب التضليل وتخدير المجتمع من قبل المسيطرين على المؤسسة الدينية من رجعيين ومتخلفين، من خلال نشرهم المفاهيم والمقولات المخدرة فيكتب (كان الوعاظ يعينون الطبقات المتنفذة، بما يبثونه من فكرة بين أوساط الكادحين والمستغَلين، كقولهم: "الفقراء عيالي والأغنياء وكلائي. وخير وكلائي أبرّهم بعيالي!"/الدرب الطويل/ بداية الطريق)
خلال تنقله بين مختلف المدارس المنتشرة في مناطق الفرات الأوسط، واحتكاكه بمعلمين بمختلف المستويات والانحدارات الاجتماعية والقومية والمذهبية، تعرف من خلال ذلك على الأفكار الطائفية والقومية المتطرفة وتأثيرها على الوحدة الوطنية والوعي الوطني، فاكتشف في الفكر الاشتراكي العلمي العلاج الوحيد والأنجع لمرض الطائفية والتطرف القومي. لذلك لم يكن تبنيه للفكر الثوري عبثياً أو مزاجيا وإنما عن قناعة مطلقة بصواب هذا الفكر، فكتب: (وإذا اختَرتُ طريق الاشتراكية العلمية، فذلك لأني أدرك أن رجال المال من أية قومية، عرباً أو فرساً أو أكراداً إلى آخره، هم الذين عملوا ويعملون لإثارة النعرات القومية والطائفية ليلهوا الجماهير عن معرفة أسباب بؤسهم وشقائهم. ليبقوهم عبيداً يشيدون الجنان ويوفرون بكدحهم كل أسباب الرفاه لأولئك الأسياد./ الدرب الطويل/ المعلم النطاح)
ويتحدث الراحل باختصار عن نشاطه الحزبي الذي استمر فقط لست سنوات تقريبا (1941- 1947). ساهم خلالها مع بعض رفاقه وبأشراف شقيقه "حسين" على وضع الأساس المتين في بناء وتطوير تنظيم الحزب في النجف. فبعد أن تخلى بهدوء عن قيادة المحلية المعلم إسماعيل الجواهري، أصبح الراحل مسؤولا عن محلية النجف منذ أواخر عام 1943. كما ساهم بحضور الكونفرنس الحزبي الأول ومؤتمر الحزب الأول. للأسف يتجنب الوالد الحديث عن هذه الأحداث المهمة بالتفصيل، وذلك خوفا من وقوع مخطوطته بيد أجهزة الأمن في العهد الملكي والعهود التي تلته، إضافة إلى ضياع الكثير من مدوناته المهمة بسبب سوء الأوضاع السياسية، كما هو يشير إلى ذلك.
ولا يتهرب الوالد من الحديث عن الصراع الذاتي الذي عاشه قبل أن يتخلى عن العمل الحزبي المنظم. ففي موضوعة "أتق شر من أحسنت إليه" يكتب بشجاعة وصراحة نادرة: (أحس في نفسي صراعاً حاداً، هل أستمر، أم أضع للأمر حداً؟ .... إني في صراع عنيف مع نفسي، أشعر بضعف ينتابني، بل يسيطر عليّ. ومن الخير أن أتنحى كيلا أخسر شرف الكلمة، وأجني على سواي، بلطمة من شرطي، أو تعذيب في ضربات خيزرانته فينهار بناء، وأكون مثلا ولطخة عار). ويواصل الكتابة ليثبت تأريخ أعتزاله العمل الحزبي، ورفضه طلب مرجعه الحزبي "مالك سيف" للانتقال إلى جانبه للعمل الحزبي في بغداد وإصراره على قرار التنحي من المسؤولية والحزب، فيكتب (وأجبت، أصر على ذلك . كان ذلك في 12/10/1947، ولم ألتحق بعد هذا بأي جماعة).
ويؤكد الراحل بألم من خلال كتاباته عما أصابه من إجحاف وتشويه من قبل أحد أصدقائه بعد أن ترك المسؤولية الحزبية لهذا الصديق. لذلك يكتب عن هذا ببعض التفصيل والألم. وهي قصص كنت أسمعها من الوالد والوالدة عن موقف هذا الصديق. فكتب ما يلي: (لم أكن مطلقاً أفكر بأي احتمال، فقد ألقيت عن عاتقي عبئ كل مسؤولية، وطلقت العمل الحزبي، وخرجت من العهدة، دون أن أكون آثماً بحق أحد، وعلى علم من صديقي "م" والذي ألتزم المسؤولية بعدي! أليس هو رفيق الشباب، وأيام جامع الهندي، وأندية النجف الأدبية. ومنه تعرفت على المجلات التي تعني بالفكر التقدمي!؟/ الدرب الطويل/ ليد القدر).
ويؤكد المربي الراحل دائما أن السبب الذي دفعه لاعتزال العمل الحزبي شعوره وتقديره بأنه غير قادر على تحمل تبعات ومسؤوليات العمل الحزبي، والتوفيق بين مسؤولياته الحزبية وواجباته العائلية. لكنه يشير في أكثر من مرة في مذكراته، أن تركه للعمل الحزبي لم يعفيه من هذه التبعات والمسؤوليات ولم يبعده عن النضال بصلابة من أجل القضية الوطنية. واستمرت الأجهزة الأمنية دائما بالتعامل معه وكأنه أحد قادة المنظمات الحزبية، وأحياناً يرون في سلوكه وعلاقاته الاجتماعية أكثر خطورة من أي مسؤول حزبي!؟
وبالرغم من اعتزاله العمل الحزبي منذ أواخر تشرن أول 1947، لكنه يصر على مواصلة النضال والإخلاص لرسالته التعليمية السامية كما آمن بها. فيكتب رسالة لصديقه ورفيقه السابق "جواد كاظم شبيل" جاء فيها: (... ولكني أفهم إني واحد من ملايين في بلادي تكرع كؤوس الشقاء. وعلينا أن نواصل المسير في توعية الذين يبنون الحياة بسواعدهم./ الدرب الطويل/ رسالة إلى الكبائش). وبقي الراحل مخلصا لمفاهيمه التربوية والوطنية إلى آخر أيامه. لذلك فإن الأجهزة الأمنية في كل العهود كانت تضايقه وتضعه في رأس قوائمها وتنشر حوله هالة من المسؤولية الحزبية لتبرر ملاحقاتها ومضايقاتها له!.
في بعض الأحداث تطرق الراحل لبعض الشخصيات فتجنب ذكر أسمائهم الصريحة، وأحيانا كان يشير إليها بالحرف الأول، ومرات أخرى يشير إلى الاسم بنقاط -فراغ- لكنه يذكر الاسم كاملا في هوامشه. فكتب في أحد هوامشه تحت عنوان "مدرستي": (لم أصرح بأسماء بعض الذين أذكر عنهم شيئاً، خصوصاً إذا كان ما فعلوه غير مستساغ، فقد انتهت حياة أكثرهم. المهم ذكر ما فعلوه، ولهم الرحمة). لذلك وجدت أن التزم بما انتهجه الوالد في تجنب ذكر بعض الأسماء.

* * * *
(1)
لابد من التأكيد من أن ارتباط الشهيد حسين "صارم" بالحزب وبالتحديد بسكرتير الحزب "فهد" كان في أواسط عام 1941. وللأسف لم يشر والدي في ذكرياته مباشرة في أي شهر بدأت هذه العلاقة. ولكن من خلال ربط وتسلسل تأريخ بعض الأحداث التي ذكرها الوالد يمكنني أن أجزم، أن الأشهر المثبتة هي الأقرب إلى الصواب والدقة.
(*) "صارم" الاسم الحزبي للشهيد الخالد عضو المكتب السياسي حسين الشيخ محمد الشبيبي. و"فهد" الاسم الحزبي لمؤسس وسكرتير الحزب الشيوعي العراقي الشهيد الخالد يوسف سلمان يوسف. و "حازم" الاسم الحزبي للشهيد الخالد عضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي العراقي زكي محمد بسيم.

ألناشر
محمد علي الشبيبي
السويد ‏‏06‏/11‏/2010
alshibiby45@hotmail.com 
 

2 - الدرب الطويل
(10)

أحلام اليقظة مع ذكريات عن بلدي/ 3
بعد فطور الصباح تهيأت وتوجهت إلى المدرسة، كنت أحس بصداع شديد جراء السهر. تُرى أكانت السهرة جميلة؟ أجل، والله كانت جميلة ورائعة، مازلت أعيشها وأحس بنشوة ولذة عجيبة. فكأني حقاً عشت العهود التي مرت بها طفولتي، وتوجهت إلى المدرسة وأنا في دوامتها. كان لدي فراغ –الساعة الأولى- ولكني كنت في ذهول عنها، فلم أفطن إلا حين نظرت في دفتر التحضير.
حين هب المعلمون إلى الصفوف، بقيت وحدي. فراح خيالي يذكرني بهذه البناية، التي هي اليوم باسم مدرسة أخرى. كانت قبلاً أول مدرسة أبان الحكم الوطني. كانت تسمى المدرسة "الأميرية الابتدائية"، كانت في بناية في نهاية سوق محلة الحويش. مديرها المكشد أتذكر أسمه "عبد الهادي الهلالي" ثم نقلت إلى هذه البناية في محلة المشراق، التي هي دار باسم المجاهد "كاظم صبي" الذي أعدمه الإنكليز مع عدد من أبناء النجف، ثم سميت "الابتدائية الأولى". كنت فيها إذ ذاك تلميذاً، لكن أبي سحبني منها بعد أن أديت الامتحان في بداية السنة الدراسية الجديدة، كنت مكملاً وأديت الامتحان ناجحاً إلى السادس، لكنه أصرّ. لاحت لي صور أساتذتنا إذ ذاك، المدير "نصيف أفندي" والمعلمون "جعفر الخليلي" بعقاله وقده الرشيق وابتسامته الحلوة وهو يدخل الصف في دروس الجغرافية والتأريخ، كان يعتمد في تدريسنا القصة أحياناً مشفوعة بالرسم، وكثيراً ما يعرج على توجيهنا توجيهاً وطنياً من خلال الدرس. ونكاته تتخلل الدرس حتى النهاية، كان أحب معلم. ثم الشيخ حسن الكتبي بعمامته. وما أغرب الصدف. انه ألان معي معلماً وبنفس الدرجة، أليس غريباً أن نُرَفع سوية إلى 15 دينار!؟ يقولون ليس من سبب إلا لأنه لم يبدل العمامة بالصدارة!
توسلت بأبي أن يتركني حتى أجتاز الصف السادس بالامتحان العام "الباكالوريا". أصرّ أبي لأنه يريد أن يستمر للأسرة صلة بجذورها الدينية. قال "إني أريد أن أتقرب إلى الله بتوجيهك لخدمة الدين". وكان في صدره أمل آخر. هو أن أكون في المستقبل منبرياً مثله.
وقدمني إلى أحد المعممين حيث درست الأجرومية، ثم قطر الندى لأبن هشام، ثم ألفية بن مالك ومغني اللبيب لابن هشام. هكذا تدرجت، ومع المغني بدأت دراسة علوم البلاغة "المطول والمختصر" وحاشية التفتازاني في المنطق ثم الشمسية ثم اللمعة في أصول الفقه والشرائع والقوانين.
بدأت بزي العقال واليشماغ. وبعد عامين قدمني إلى رجل الزهد والورع "الشيخ موسى تقي"، وعرفت هذه الأسرة في النجف بـ "آل زايردهام" وهم ينتمون إلى عشيرة بني لام في العمارة، منهم الدكتور مهدي المخزومي. أدناني أبي لأقبل يده، وإذا به قد هيأ العمامة ووضعها على رأسي مباركاً، وداعياً لي بالتوفيق!
كنت أخشى أن أظهر أمام رفاقي من أبناء الجيران. فلا أخرج إلا مع أبي مقبعاً بعباءتي. أو أغتنم الفرصة مبكراً. ويا ويلي أن ظفروا بي مما أتلقاه منهم من الهزء والسخرية!؟
ومع الأيام صرت أعتز بمظهري. كنت مع زملائي طلبة العلوم الدينية. أجوب عصرا حين تسنح الفرصة، مجالس ودواوين رجال الدين المشهورة، آل الشيخ راضي، آل ألجواهري، آل بحر العلوم، السيد محمد رضا الصافي، الشيخ عبد الكريم الجزائري. ومجالس آباء بعض زملائي وأقراني، مضافاً إلى هذا الحلقات التي تتألف عادة ممن يتآلفون بالذوق ودرجة الدراسة. قبل الغروب بساعة نتحلق على فرش مصلى أحد أئمة الجماعة، فيطرح أحدنا مشكلة في أعراب جملة، فيحتدم النقاش لحلها، كل يطرح رأيه ووجه الحل. وكنا نقلد الشيوخ والكبار في جدالهم، في رفع الصوت مشفوعاً بالتحدي، وأحياناً نمضي الوقت بالحديث والمباراة بما نحفظ من شعر.
من تلك المجالس تعودنا سلوك الرجال، ونحن في سن المراهقة، فتأدبنا بآدابهم، وبرزنا نقلد مظهرهم، ومنهم تزودنا بالمعارف، أدبية، دينية، سياسية، وعرفية. وكانوا على ما نعرفه من مكانتهم العالية بين الناس والمجتمع العراقي لا يترفعون علينا، كنا إذا اقتربنا منهم يحادثوننا ويجاملوننا كأننا أبناؤهم بل أحياناً كأننا أندادهم؟!
جرت العادة في النجف أن يقيموا حفلات أفراح حين يتم زواج. العامة تكون حفلاتهم رقص وغناء، أما الفئة المثقفة من رجال دين وأدباء فإنهم يعقدون مجلساً لاستقبال المهنئين والمباركين لمدة ثلاثة أيام. وطالما تبتدئ الليلة الأولى، وظهر اليوم الأول بوليمة فاخرة يدعون إليها المعارف والأصدقاء والجيران، وتتخلل الثلاثة أيام –صباحاً وعصراً- قصائد الشعر من أصدقاء العريس الخاصة وأصدقاء الأسرة، وإذا كان العريس من بيت زعامة دينية فان الشعراء يتزاحمون ويتبارون فيما يقدمون من قصائد. يختار الشاعر أحد المنبريين لإلقاء قصيدته ممن عرف بجودة الإلقاء –طوراً منغماً- وما على المستمعين إلا السماع فإذا جذبت أسماعهم بقوتها وجمالها ومعانيها ضج الحفل: أعدْ، أعدْ. ربما أعيد البيت الواحد والمقطع عشر مرات، ذلك علامة الاستحسان. واندثرت تلك الطريقة على أثر دعوة من السيد صدر الدين شرف الدين أثناء كلمة ألقاها في حفل من أمثال تلك فدعى إلى أن الأحسن والأمثل وقعاً أن يلقي الشاعر قصيدته إلقاء فانقسم الأدباء شطر أيد وشطر عارض انتهى باستجابة الأغلبية.
كنت وأقراني أحضر تلك المجالس والاحتفالات التي يقيمها أصدقاء العريس. وحدثت مناسبة زواج الشيخ عبد المنعم الكاظمي، ألقيتْ فيها قصيدة للشيخ عبد الرزاق محي الدين بعنوان "أحلام اليقظة"، بعد المقطع الأول الذي نال الاستحسان البالغ، جاء المقطع الثاني فحدث تهامس، من فريق من الأدباء، ثم تطور الهمس إلى إعلان الاستنكار، واتهام الشاعر بالمروق والتحدي للشريعة، أدى بسرعة إلى صدام جدلي ثم تطور إلى تهاتر وشتائم، وغابت القصيدة من يد المنشد.
أين؟ اختطفت؟ مزقت؟ لا أحد يدري. وسعى المعارضون إلى التشهير بالشاعر. وقصدوا الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء، حيث أفتى بوجوب الأعراض وتجنب مجالسة الشاعر حتى يكفر عن سيئته. أما السيد أبو الحسن الموسوي فانه رفض أن يحكم على شاعر ما لم يجهر بإنكار الأصول، وأمام حاكم شرع مسؤول، وعلق "إن الخيال مطية الشعراء، فان تغزل أو وصف الخمرة وفِعلها، فان ذلك من مسالك الشعراء قديماً وحديثاً، وهو مجرد وصف وخيال". وأختار عدداً من فقهاء وأدباء للتحقيق مع الشاعر ورفع قرارهم إليه لإصدار حكمه. وتم حضور اللجنة والشاعر في بيتنا. قال الشاعر "إن القصيدة فقدتْ على المنبر، مزقت أو ربما أخفاها بعضهم لأمر!"
فتقدمت إلى اللجنة وقلت إني حفظت المقاطع الثلاثة التي سمعتها والتي احتدم النقاش حولها. لم تقبل اللجنة أدعائي حتى وثقه أبي. كنت أقرأه وهم يصغون حتى بلغت المقطع الثاني، ثلاثة أبيات، قال أحدهم "نسيت بيتاً. أليس كذلك؟". نفيت. قال "راجع ذاكرتك". قلت "أنا متأكد". فيسمعوني بيتاً:

"يقولون إن الله يبعثنا غداً وذاك لعمر الله كفر وبهتان!".

فأنفي، وأنا صادق لم أسمع هذا أبداً. كانت الأبيات التي لم تتجاوز الثلاثة أو الأربعة. لم اعد أتذكر غير هذا البيت، ونصف بيت آخر نسيت الشطر الأول منه. وقد كان كافياً لإثبات أن ما نسب إليه ملفق، فهذا الشطر: "أدين بما قد دان شبلي وجبران" والجمع بين شبلي الرجل العالم الصريح بإلحاده كيف يدين به من يدين أيضاً بجبران وهو يدين بالله وليس بملحد مثل شبلي شميل! وفي السنوات المتأخرة قرأت كتاب لشبلي شميل -هكذا عرفت- فلم أجد فيما قرأته ما يدل على إلحاده. ونوقش الشاعر. فكان دفاعه عن قصيدته مجيداً. رد كيد المتهمين رداً محكماً، وصدر قرار السيد بموجب التقرير الذي رفعته اللجنة ببراءة الشاعر، ودعوتهم جميعاً إلى وليمة، كتكريم للجنة ورد اعتبار للشاعر.
من هنا بدأت علاقتي به، تتلمذت عليه في بعض دروس الفقه والبلاغة، ومزاولة فن الشعر والآداب. فلقيت التوجيه الجيد، وتوثقت بيني وبينه رابطة المودة والإخاء إلى جانب رابطة التلمذة، فكان الأستاذ القدير ونعم الموجه والصديق الودود. ذكرت علاقتي به في ذكرياتي هذه، وسأذكر كيف تقطعت وانفصمت عرى تلك العلاقة ولماذا في المناسبات التي سأدونها في حينها، إذ أن العلاقة قد خف وزنها تدريجيا منذ أن صار أستاذا في الكلية وتمت له صلات مع بعض الشخصيات السياسية، كصالح جبر، ثم السبيل السياسي الذي وقف هو ضده وأدار ظهره لأبي وحتى لبقية آل الشبيبي.
كان أول من نمّى لدي حب الشعر وتذوق جماله أبي وصديقه الحميم الشيخ عبد ألمحمد. كان الشيخ عبد ألمحمد الصق الأصحاب بأبي لا يفترقان يوماً واحداً إلا أيام أسفار أبي، وقد أختلف مع أبي بسبب نهج أخي حسين لأنه لا يعترف بالآراء السياسية ولا يحاول تفهمها!. أبي يشجعني على حفظ سور من القرآن، وأرجوزة ألفية بن مالك، والشيخ يختار لي أبياتاً. الثلاثة أو الأربعة، طالما رددها أولاً ترديداً منغماً وانتهى بآهة، مما يثير اهتمامي، فأحفظها، وأعيد قراءتها عليه. كان الرجل ذواقة فيما يختار. كم كنت أغرق في الخيال وأنا أصغي إليه يردد وكأنه يعاني أساً عميقاً:

ترى اليوم في بغداد أندية الهوى لهـــا مبدئ من بعـــدنا ومعيــــد

ثم يطلق آهة حادة كأنه يسمع الشريف الرضي قائل هذا البيت يردده الزمن على سمعه!؟ وكنت وزملائي ساعات الهزل واللعب، نمارس النظم بهجاء بعض من نمجهم، ونسيئ بهم الظن. وعن هذا الهزل تعودنا السليقة الشعرية، وتمكنا أن نأتي بالبيت أو الأكثر موزوناً مستقيماً وكنا نسمي ذلك المنظوم -بحر الخرط- ويندر أن يكون غير موزون.
لازمت أستاذي والشلة التي هو معها. بعضهم كان من ذوي الفضل والإحاطة والأريحية أيضاً أمثال الشيخ قاسم محي الدين، والأديب الكبير الأستاذ صالح الجعفري والسيد محمد الهاشمي، والسيد حسن السيد علي شبر، وهادي العصامي وإبراهيم الكاظمي. وبعضهم ليس له غير اليسير اليسير، ولكن على جانب كبير من الأريحية.
كنا نقوم بالنزهة القريبة من المدينة. وأحياناً –وهذه تكون في فصل الربيع- إلى مسجد الكوفة. نقيم أياماً في بساتين الكوفة نهاراً أو في الجامع ليلاً. في عيش مشترك من كل حسب إمكانياته من النقد، والمواد العينية من الطعام، وأما اللحم فمن بركات الصحن الحيدري الشريف "الحمام"، قد يصل عدد ما نصطاده لنزهتنا تلك السبعين أو الثمانين.
سهر ممتع بين النكات والطرف، والشعر والحكايات، تدور بيننا أقداح الشاي. تتخلل ذلك دندنة من أغنية ريفية أو أبوذية، دون أن نتهتك فنعرض سمعتنا لما لا يليق.
قبل أن أتعرف على أستاذي، كان أقراني الذين أماشيهم قد حصروا اتجاههم نحو الأدب الرخيص –لجهلهم- كتاب أعلام الناس في أحوال بني العباس، ونكات أبي نؤاس وشعره، وشاركتهم أيضاً في مطالعة كتاب "زهر الربيع" و "رجوع الشيخ إلى صباه" والقصيدة الدعدية، ودلني أحدهم على فصول تشبه حكايات "زهر الربيع" لرجل من الفقهاء، فأقبلت عليها أطالعها بنهم، دون غيرها مما ضمه الكتاب " الأنوار النعمانية" بين دفتيه. والكتاب للسيد نعمة الله الجزائري. يعتبرها –على ما فيها- ترويحة للنفس ومتاعب المطالعة، بعضها من الأدب المكشوف، ينقله طبعاً وليس من نسجه.
وأرشدني أستاذي إلى ابن المقفع، وابن الرومي، والمتنبي، ثم جبران خليل جبران، وأبي ماضي وبقية أدباء المهجر، وطه حسين. حتى تهيأ لي أن أنظم قصيدة، وأكتب كلمة. ووقعت مثله بورطة، وهبت زوبعة، ولكنها مرت خفيفة وبسلام. ففي حفلة أقمتها له بمناسبة اجتيازه أول سنة دراسية في دار العلوم المصرية. وشارك في إلقاء قصائد لنفس الغرض، الشاعر مرتضى فرج الله، والشيخ علي الصغير. ألقيت بعدها كلمتي، وقد أكتظ بيتنا بالمدعوين، وكان أحد مقاطع كلمتي قد تعرضت فيه لأسلوب أستاذي في تدريسه، فهاجمتُ عندئذ الكتب التي كنا نقرؤها في -الطهارة، والأستحاضة، وماء الاستنجاء-. فثار خلال الإلقاء بعض المتزمتين دون أن يترووا أو يفهموا ما أريد في النهاية. ثم شكوا أمري إلى الشيخ هادي كاشف الغطاء، ولم يكن متسرعاً وأرسل عليّ وأطلع على ما قلت، فأسكت المتقولين. وأتلف بعض أصحابي الكلمة. أما أستاذي فقد علق "هذا سوف يوصلك إلى المكان المرموق!".
وتأوهت وصحت كمن يكلم شخصاً إلى جانبه، كفى، كفى، كُفَّ ويحك يا خيالي. لقد أرهقتني بهذه المسيرة الطويلة جداً جداً. مسيرة فيها أثنين وثلاثين عاماً، ذقت حلوها ومرها، نعيمها وجحيمها، حرها وبردها. كل هذا حق ولا غرابة فيه. ولكني الآن –وأنت تعرض كل ما مر- أحس ثقل تلك السنين على كاهلي. أني أنوء تحته وأكاد أغوص في بطن الأرض. فكف ويحك، كُفّ؟!
ها، لقد تذكرت، لديّ ما اواخذك عليه. إن ناساً تعشقتهم أيام صبوتي. أحببتهم أحببت حياتهم. رأيت بعضهم قد عزف عن طريقه ذاك. وألف طريقاً آخر. علم الله أهو كذلك أم لكل مرحلة من عمر المرء ما يلائم؟ وآخرين عشت معهم، وشاركتهم ليالي الشباب ونشوته وهيامه، وعرفت منهم وعنهم كل شيء. لِمَ نسيتهم أيها المارد؟
رأيت السيد محمد جروداء وسيد مهدي الرشدي وسيد كاظم آغايي. جروداء بمظهره البسيط، قده الناحل، انه جلد على عظم، عيناه الذابلتان كبصيص مصباح نضب زيته، ومع هذا تستطيع أن تتأكد من قسمات وجهه انه راهب يرتل في محرابه آيات فن المقام العراقي، وألوان الغناء. والرشدي، ذا الوجه الصبوح الوسيم، وقد زادته العمامة السوداء جمالاً، وكأنه بجماله وأناقته في ذروة الشباب. أتخذ أخوانا من سلك الفقهاء لا ينفك يماشيهم، وكأنه يلازمهم منذ القدم. حدثني بعض من أدرك عهده وشاهده، وهو يروي عن صوته وهيامه العجب. وآغايي، مسلكه المهني يغطي الماضي، ويبل شوقه إليه، بل هو يغنيه.
وعشت ردحاً ليالي –حميد المحتصر- ذلك الشاب المعمم الجميل. كان محور سهراتنا، ومطرب ليالينا وقائد سربنا، صوته يُغْني عن الشراب. يجيد كل لون. يزين كل هذا أناقته الفذة، لولا جهره وتطرفه، في ثلاثة آثام؟! ولا تنسى عباس الكرماني، وسيد رشيد أبو الريحة، ورشيد بخش، وحميد أبو دراغ، أين هم الآن، وأين أنا، والى أين المصير. كل هؤلاء شاهدتهم، فالفريق الأول تعرفت عليهم في المجالس وقد توجهوا إلى درب الوقار. أما الفريق الثاني فقد أحييت ليالي معه ومع صحبي الذين هم بسني، ما تزال حلاوتها في خاطري لم تزحزحها من ذاكرتي كل الآم الظروف التي صبت عليّ.
 

يتبع


السويد 17/‏ 12/ 2010

من مذكرات المربي الراحل علي محمد الشبيبي - الدرب الطويل (9)
من مذكرات المربي الراحل علي محمد الشبيبي - الدرب الطويل (8)
من مذكرات المربي الراحل علي محمد الشبيبي - الدرب الطويل (7)
من مذكرات المربي الراحل علي محمد الشبيبي - الدرب الطويل (6)
من مذكرات المربي الراحل علي محمد الشبيبي - الدرب الطويل (5)
من مذكرات المربي الراحل علي محمد الشبيبي - الدرب الطويل (4)
من مذكرات المربي الراحل علي محمد الشبيبي - الدرب الطويل (3)
من مذكرات المربي الراحل علي محمد الشبيبي - الدرب الطويل (2)
من مذكرات المربي الراحل علي محمد الشبيبي - الدرب الطويل (1)
من مذكرات المربي الراحل علي محمد الشبيبي - معلم في القرية (22)
من مذكرات المربي الراحل علي محمد الشبيبي - معلم في القرية (16)
من مذكرات المربي الراحل علي محمد الشبيبي - معلم في القرية (15)
من مذكرات المربي الراحل علي محمد الشبيبي - معلم في القرية (14)
من مذكرات المربي الراحل علي محمد الشبيبي - معلم في القرية (13)
من مذكرات المربي الراحل علي محمد الشبيبي - معلم في القرية (12)
من مذكرات المربي الراحل علي محمد الشبيبي - معلم في القرية (11)
من مذكرات المربي الراحل علي محمد الشبيبي - معلم في القرية (10)
من مذكرات المربي الراحل علي محمد الشبيبي - معلم في القرية (9)
من مذكرات المربي الراحل علي محمد الشبيبي - معلم في القرية (8)
من مذكرات المربي الراحل علي محمد الشبيبي - معلم في القرية (7)
من مذكرات المربي الراحل علي محمد الشبيبي - معلم في القرية (6)
من مذكرات المربي الراحل علي محمد الشبيبي - معلم في القرية (5)
من كتابات المربي الراحل علي محمد الشبيبي - معلم في القرية (4)
من كتابات المربي الراحل علي محمد الشبيبي - معلم في القرية (3)
من كتابات المربي الراحل علي محمد الشبيبي - معلم في القرية (2)
من كتابات المربي الراحل علي محمد الشبيبي - معلم في القرية (1)



 

free web counter