| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

جمال الخرسان
gamalksn@hotmail.com

كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 

 

 

                                                                                 الأربعاء 19/9/ 2012

     

ذاكرة القصب (22)

الغناء بين حقول القصب والبردي

جمال الخرسان           

حيثما يقصد ابن الهور الذهاب الى عمق الاهوار من اجل قص البردي او القصب او لصيد الاسماك والطيور، وحينما يجد نفسه بين الممرات المائية فانه عادة ما يميل للغناء خصوصا اذا كان وحيدا، انه يغني لنفسه وللطبيعة بصوت مرتفع ربما يسمعه الاخرون، تلك الواحات الخضراء التي تجري من تحتها الانهار تفتح سريرته للغناء الحزين، انه يشعر بالدفيء والحنان في احضان تلك الطبيعة، فيبث همومه واسراره الى ذلك الكيان العجيب، من هنا فان العديد من الاطوار الغنائية نمت وتنضجت هناك. بفعل الطبيعة وضغوط المجتمع احيانا فالرجل او المراة كلاهما يعاني من قيود المجتمع الصارمة احيانا، فيجد في الغناء وسط الاهوار بعيدا عن الناس بمثابة متنفس لتفريغ تلك التراكمات، من هناك جاءت الخواتيم الغارقة في الحزن التي تذيّل المقاطع الغنائية "معلم على الصدعات كلبي، ويلاه .. ويلاه " وغيرها من التراكيب المتلازمة للاطوار الغنائية.

ذلك الحزن والشجن وصفاء الذائقة ساهم في ولادة جملة من الاطوار الغنائية اشهرها "الطور الصبّي" و"الطور المحمداوي" ولهذا الاخير قصة شهيرة حدثت في قرية "الصيكل" التابعة لاهوار المجر الكبير، والتي تبعد 15 كم عن ناحية الخير" قرية النكاره سابقا"، ففي تلك القرية المختبئة بين حقول القصب والبردي مطرب حسن الصوت يدعى "محمد ناهي ال نصر"، اقحم في خلاف عشائري فقضي بحقه عرفا الابتعاد عن قريته الصيكل، والرحيل الى مكان آخر، مما اضطره للعيش برفقة عشائر "البو محمد" في مناطق اخرى من الاهوار، لكن طيبة المكان الجديد لم تنسه ذكرياته في قريته الام، كان شغوفا بها وبمجالسة اهلها، ومن شدة حبه لها كان يغني ابياته الشهيرة بحقها بطور خاص:


"بالحرثه ضاع الجدم ياهيه يابردي

بصيف المكابر علي رديت يابردي

ابرد ولا اثمرت بالوكت يابردي

ابجرفك يصيكل هلي واحباب الي يحنون

وشماة بجفوفهم من مد معي يحنون

للنار ماظن هلي هامتهم يحنون

والحال مدري علت بغيابي يابردي"


اضافة لابيات اخرى من اشعاره الخاصة كان يغنيها بطريقة خاصة واحساس صادق مرهف الى ابعد الحدود، فنسبت اليه الطريقة او الطور "المحمداوي" ولكن تسمية الطور جاءت نسبة للعشيرة التي قضى محمد ناهي آل نصر عمره يعيش بين ظهرانيها.

ليس شيئا من ذلك غريب على كل من عاش هناك وشاهد بام عينه وسمع الاصوات قادمة من اعماق البردي تردد ابوذية تارة او زهيري ودارمي تارة اخرى. كثيرا ما يذهب ابناء الهور الى اعماق الهور بين القصب والبردي لاغراض شتى، وحينما يجدون انفسهم بين احضان الطبيعة بعيدا عن الناس تتسرب الاحاسيس باصواتهم الشجية بطريقة لا شعورية، يدندنون بداية بصوت خافت ثم يرتفع الصوت شيئا فشيئا كلما تفاعلت الاحاسيس اكثر فاكثر. على طريقتهم الخاصة كأنهم يشكون للطبيعة ما في سرارئهم، احساس بدواخلهم يدفعهم الى ذلك، ويقنعهم ايضا بان انحناءات القصب في الممرات المائية ليس الا استجابة مرهفة بالمشاعر لغنائياتهم الشجية.


 

ذاكرة القصب (21) - حفيظ وعالم الاسطورة في الاهوار
ذاكرة القصب (20) - غياب التعليم مشكلة اساسية في الاهوار
ذاكرة القصب (19) - الصيد وانواعه في الاهوار
ذاكرة القصب (18) - السنونو سفير الاهوار الى بحر البلطيق
ذاكرة القصب (17) - المباني في الاهوار
ذاكرة القصب (16) - البردي شفرة الاهوار القديمة
ذاكرة القصب (15) - حياة الاهوار بسيطة شعارها الاكتفاء الذاتي
ذاكرة القصب (14) - أسفا على الجفاء يا نيكلسون!
ذاكرة القصب (13) - هايردال في مغامرة من سومر الى وادي السند
ذاكرة القصب (12) - وليفريد ثيسيغر صديق الاهوار الحميم
ذاكرة القصب (11) - كلب الماء الذي استهوى ماكسويل
ذاكرة القصب (10) - كافن يونغ وقلق التجفيف
ذاكرة القصب (9) -  الاعلام البريطاني والاهوار
ذاكرة القصب (8) -  البريطانيون والاهوار قديما وحديثا
ذاكرة القصب (7) -  الاهوار والرحالة والمستشرقون
ذاكرة القصب (6) -  في جغرافيا الاهوار
ذاكرة القصب (5) -  عن نشوء الاهوار
ذاكرة القصب (4) -  جغرافيا الكنوز
ذاكرة القصب (3) - فوضى التسميات وغياب المصطلح العلمي

ذاكرة القصب
(2) - كل شيء من الماء والقصب
ذاكرة القصب (1) - عشرون عاما على الكارثة


 

free web counter