| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

جمال الخرسان
gamalksn@hotmail.com

كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 

 

 

                                                                                 الأربعاء 12/9/ 2012

     

ذاكرة القصب (14)

أسفا على الجفاء يا نيكلسون!

جمال الخرسان    

قبل ان تتولى منصبها كنائبة لرئيس لجنة العلاقات الخارجية في البرلمان الأوروبي.. كانت السيدة البريطانية إيما نيكلسون "Emma Nicholson" اكثر من حمل على عاتقه معاناة الاهوار وسكانها الذين اجبرهم الجفاف والقتل والتشريد على الهجرة الى دول الجوار، كما تعتبر السيدة المذكورة ايضا أكثر من تبنى فضح جريمة تجفيف الاهوار وإبراز مخاطرها البيئية على العراق والمنطقة بشكل عام. السيدة النبيلة قامت بعشرات الزيارات الميدانية للمناطق المحاذية للاهوار وكذلك لمعسكرات سكان الاهوار اللاجئين في ايران، وقدمت المساعدات الطبية والانسانية الكثيرة عبر مؤسستها الخيرية ( مساعدة لاجئي الاهوارـ عمار ).

لقد عايشت تلك المرأة الحديدية المحرومين والمرضى في معسكراتهم على الحدود العراقية الايرانية، غير آبهة بحر الصيف الشديد او خطر قد يهدد حياتها نتيجة الظروف القاسية وغير الصحية التي كانت تحيط بمكان نشاطها، فأنقذت ارواح الكثيرين ممن تخلى عنهم الجميع وتركوا لسخرية القدر يعبث بمصائرهم في ظل غياب الناصر والمعين.

ان تلك السيدة الفاضلة التي لو كنّ النساء مثلها "لفضلت النساء على الرجال" لم يمنعها منصبها في الاتحاد الاوربي من الاستمرار في مزاولة نشاطها الانساني المعهود، او حتى قول كلمة الحق من اجل انصاف اصحاب الحقوق الضائعة. لقد أدلت إيما نيكلسون بشهادتها عام 2009 امام المحكمة الجنائية العراقية العليا في قضية تجفيف الاهوار والجرائم البشعة التي رصدتها هناك، وقامت بتوثيقها عبر مؤسستها التي كانت تقدم خدمات صحية بالدرجة الاولى، وكذلك من خلال زياراتها الى العراق وايران خلال فترة التسعينات والتي تجاوزت 75 زيارة. علما ان زياراتها للمناطق المنكوبة كانت تتم بشكل سري وبدون علم الحكومة العراقية آنذاك، لكي تتمكن من ايصال الحقيقة كاملة والوقوف على واقع الحال هناك.

وفي ظل عزوف العديد من المؤسسات السياسية الاوروبية عن العراق فان نيكلسون كانت دائما تسبح ضد التيار من اجل انتشال العراق من المأزق الذي يمر فيه، وقد اكدت مرارا أنها سوف تبذل كل ما بوسعها من اجل تقوية العلاقات بين الجانب العراقي والاتحاد الاوربي

فشكرا لهذه السيدة الفاضلة على ما قدمت من جهود جبارة للاهوار وسكان الاهوار بشكل خاص، وللعراق بشكل عام، ونتمنى من جنابها الكريم ان تواصل دعمها للمجال الصحي في العراق خصوصا وانها تعتبر مبعوثة منظمة الصحة الدولية، وهمسة في أذن البارونة بأن الاهوار ومن فيها لازالوا يعانون الامرين، وربما شيء من مساعيها مع تركيا او سوريا او حتى مع الحكومة العراقية الشحيحة جدا على سكان الاهوار ربما تكون تلك المساعي كفيلة بفتح ابواب الفرج، في ظل تقاعس الاخرين.

من العراق فإن هذه العاشقة المتيّمة بأهوار العراق لم تحظ اكثر من منصب فخري كمستشارة لرئيس الوزراء في مجال الشؤون الصحية، لكنها حظيت بوفاء وحب غامر من قبل الاف من المحرومين الذين شملتهم إيما نيكلسون برعايتها وبموقفها النبيل قبل كل شيء، في وقت قلّ فيه الناصر والمعين، نعم انهم يتذكرونها جيدا ويحفظون في قلوبهم شيئا من الامتنان تجاهها لكنهم اكتفوا بذلك لا أكثر!

في تجوالي المعتاد حول تلك المناطق المنكوبة من المدن والقرى الجنوبية الملاصقة للاهوار، صادفتني هناك كثير من المسميات الجديدة للشوارع والمدن والمؤسسات الرسمية وغير الرسمية تشير لرموز اسلامية، رجال دين، حتى شيوخ عشائر وما شابه ذلك ، والمؤسف انه لم تحظ بشيء من ذلك لا نيكلسون ولا حتى غيرها ممن قدّموا للاهوار ما عجز عنه الاخرون. أين اصدقاء الاهوار ..؟! ويلفرد ثيسيغر صاحب كتاب "عرب الاهوار"! او كافن یونغ مؤلف "العودة للاهوار" ماكسويل، هايردال وغيرهم كثيرون ممن قدّموا بقايا عدن الى العالم بحلة مختلفة وحملوا راية الدفاع عنها حينما قل الناصر والمعين. وفي مقابل جميع ما قدموا فانهم لم يحظوا منا الا بمزيد من الجفاء والنسيان! فأسفا أيتها البارونة! أسفا ايها الاخرون.

 

ذاكرة القصب (13) - هايردال في مغامرة من سومر الى وادي السند
ذاكرة القصب (12) - وليفريد ثيسيغر صديق الاهوار الحميم
ذاكرة القصب (11) - كلب الماء الذي استهوى ماكسويل
ذاكرة القصب (10) - كافن يونغ وقلق التجفيف
ذاكرة القصب (9) -  الاعلام البريطاني والاهوار
ذاكرة القصب (8) -  البريطانيون والاهوار قديما وحديثا
ذاكرة القصب (7) -  الاهوار والرحالة والمستشرقون
ذاكرة القصب (6) -  في جغرافيا الاهوار
ذاكرة القصب (5) -  عن نشوء الاهوار
ذاكرة القصب (4) -  جغرافيا الكنوز
ذاكرة القصب (3) - فوضى التسميات وغياب المصطلح العلمي

ذاكرة القصب
(2) - كل شيء من الماء والقصب
ذاكرة القصب (1) - عشرون عاما على الكارثة


 

free web counter