الجمعة 7/9/ 2012

ذاكرة القصب (6) في جغرافيا الاهوار جمال الخرسان  في وسط وجنوب العراق تنتشر كثير من المسطحات المائية التي ينبت فيها القصب والبردي ويمكن ان ينطبق عليها مفهوم الاهوار، لكن هذه الوقفة جاءت بالدرجة الاولى للاهوار في جنوب العراق باقسامها الثلاث الرئيسة، الاهوار الوسطى، هور الحمار، والاهوار الشرقية. وذلك نظرا لاتساع الرقعة الجغرافية التي تشكلها تلك الاهوار، اضافة الى ما تتمتع به من اهمية تاريخية ونموذج لازال حتى وقت قريب يحتفظ بشيء من نمط الحياة القديمة للشعوب التي مرت في تلك المنطقة على مدى تاريخها الطويل. الاهوار الوسطى "الاهوار المركزية" هي المثلث الواقع داخل الاراضي العراقية بين المحافظات الجنوبية الثلاث ميسان ذي قار والبصرة، ومن اهم مناطقها السنية، الشطانية، الصحين، الجدي العكر، الطار، الصيكل، العويثية ام البني، ابو شذر، العويلي، جزء من ناحية العزير، أبو الزور، قرية أم الشويج، زجري، صليّن وغيرها من المناطق. تمثل الاهوار الوسطى العمق الاساسي للاهوار، وفيها تتركز الكثافة السكانية لسكان الاهوار، في تلك المنطقة يقع ثقل التنوع البايلوجي لاهوار العراق، تاخذ هذه المنطقة مياهها بشكل اساس من الانهر المتفرعة عن دجلة، وبدرجة اقل من بعض فروع نهر الفرات من جهة محافظة ذي قار، تبلغ مساحتها التقريبية حوالي الثلاثة الاف كم مربع، وقد تتسع رقعتها اكثر من ذلك في بعض مواسم السنة. اما هور او بحيرة الحمار "هور السناف" فهي الاهوار الواقعة بين محافظة ذي قار ومحافظة البصرة والمنحدرة باتجاه الجنوب الى تخوم شط العرب، تستمد الجزء الاكبر من مياهها عبر الروافد التي تتفرع عن الفرات، تقدر مساحتها بحدود 2800 كم مربع كاهوار او برك دائمة. الجزء الثالث والمهم من الاهوار هو "هور الحويزة" او "اهوار شرق دجلة" الممتدة من شمال شرق محافظة ميسان نزولا الى قضاء القرنة، وهي اهوار ملاصقة للجانب الايراني، من ابرز مناطقها الشيب، السوده، ابو خصاف، الدهلة ضواحي ناحية السويب التابعة لقضاء القرنة، جزء من ناحية العزير في محافظة ميسان، اما المصادر المائية الاكبر لهذه الاهوار فتأتي من فروع دجلة الشرقية في محافظة ميسان، وكميات اخرى تأتي من نهر الكرخة في الاراضي الايرانية. وبالمجمل العام فإن المساحة التي تتمدد فيها الاهوار الثلاثة الاساسية جنوب العراق تكاد تكون مساحة واحدة وان تخللتها مسافات من اليابسة او بعض السدود المصطنعة التي فرضتها اما ضرورات العيش او طغيان السياسة وجبروت الدكتاتورية. ان الاهوار رقعة جغرافية تمسك باطرافها استقرار البيئة الطبيعية للمنطقة وتمتد جذورها الى عمق التاريخ. حتى العقود الاخيرة من القرن العشرين فان مساحة الاهوار الملاصقة لبعهضا تؤكد ذلك. تلك الاهوار هي الوريث الطبيعي للكثير من ملامح العيش في الحضارات القديمة لبلاد ما بين النهرين، انها قديمة قدم الزمان والانسان، وبقيت حتى العقود الاخيرة تحافظ على جزء كبير من موروثها القديم من العادات والتقاليد وطريقة العيش. مرّ الجميع عليها، مرّ من هنا السومريون، مرّ من هنا ملوك وقبائل وامم، مرّ من هنا كلكامش وانكيدو، مرّ من هنا رحالة اتوا من اقصى الشرق والغرب، مرّ من هنا رعيل ليس بقليل ممن كانوا معارضة للسلطات العراقية طيلة النصف الثاني من القرن العشرين، كان هنا الاسلاميون بمختلف شتاتهم، كان الشيوعيون، وكان غيرهم ممن غضبت عليهم الحكومات العراقية لسبب او لآخر، كان هنا سكان يعيشون في بيئتهم بامان واستقرار وقد ارتضوا ذلك النصيب من الحياة، لهم مواشي ويمتلكون وسائط النقل القديمة والحديثة ويعرفون كيف يحصلون على لقمة عيشهم آنذاك قبل ان تحل عليهم لعنة السياسة وتجبرهم على الهجرة الى المدينة ليواجهوا مصيرا مجهولا في محيط لم يتعودوا عليه كثيرا وبيئة لا تناسب ما يمتلكون من خبرات ومهن.   ذاكرة القصب (5) -  عن نشوء الاهوار ذاكرة القصب (4) -  جغرافيا الكنوز ذاكرة القصب (3) - فوضى التسميات وغياب المصطلح العلمي ذاكرة القصب (2) - كل شيء من الماء والقصب ذاكرة القصب (1) - عشرون عاما على الكارثة