| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

جمال الخرسان
gamalksn@hotmail.com

كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 

 

 

                                                                                 الأحد 9/9/ 2012

     

ذاكرة القصب (10)

كافن يونغ وقلق التجفيف

جمال الخرسان  

اعتاد الرحالة والمستشرقون البريطانيون توديع الاهوار في امل زيارتها مرة اخرى وفي كل مرة تنتابهم حسرة بضياع ذلك الارث الطبيعي والتاريخي لسبب او لاخر، لكن لكافن يونغ الرحالة البريطاني والذي قدم للعراق بداية الخمسينات ليعمل موظفا في شركة للملاحة في البصرة ، لهذا الرجل وقفة اطول وحسرة اكبر وهاجس قلق حد الجنون من ضياع تلك الرقعة الجغرافية وتفرق اهلها في الشتات المجهول!

في كتابه "العودة للاهوار" والذي يتحدث فيه عن سلسلة من الزيارات قام بها برفقة "الفريد ثيسيغر" في الخمسينيات من القرن الماضي، اعقبتها زيارة عام 1973 بعد قرابة العشرين عاما من الفراق، يختتم يونغ ذلك الكتاب بوقفة تحت عنوان "دعاء" لتفريغ ذلك الهاجس المتراكم، هكذا يستمر الحديث في خاتمة الكتاب ايضا عن ذات الهواجس والمخاوف التي تنتاب الرجل يوما بعد يوم على مستقبل الاهوار.

حينما عاد في السبعينات الى الاهوار وشاهد اصدقائه هناك خاطب يونغ صديقه "شبل" حينما كانوا في رحلة لصيد الاسماك قائلا: " قبل مجیئي ھذه المرة فكرت أنھ لا یمكنني رؤیة الأھوار أو أيّ واحد منكم مرة أخرى، ظننت أنكم انقرضتم ھكذا"، لطم شبل صدره العاري بقوة وقال متعجبا: "انقرضنا ؟! نحن المعدان ؟ ھل تعقتد أني یمكن أن أختفي إلى الأبد؟". يحاول يونغ طمانة صديقه كما يذكر في كتابه عرب الاهوار مجيبا " لا يمكن ذلك".

ولكنه بعد تلك الجملة في ذات الكتاب يكمل توثيق مخاوفه السابقة فيقول: "لكن العصور تتداخل، وستشھد حیاة عرب الأھوار تغییراً خلال وقت قصیر، لكني أتمنى أن یجري احترام طریقتھم في الحیاة وحمایتھا من الاستئصال المفاجئ، لأن ذلك سیقتل أجمل ما فیھم".

لقد اصبت يا يونغ كبد الحقيقة فقد تداخلت العصور وتغيرت حياة الاهوار خلال وقت قصير، ولم يحترم ايّ شيء فيهم، تمزقوا اربا اربا واصبحوا شتاتا في اصقاع الارض لايجمعهم الا سقف هذا الكون.

كان هذا الرجل على يقين تام بأن الاهوار ستجفف دون ادنى شك، وكان على قناعة بان ذلك الحدث على وشك الوقوع، يفترض يونغ ان التجفيف حتمي لا مفر منه فيختم كتابه بهذه الاسطر " إني أصلّي من أجلھم الآن، وإن حدث في النھایة مكروه وتبددوا، فأنا أصلي لأطفال أطفالھم ولقرون قادمة".

صلّ يا يونغ فقد حدث المكروه، اصدقاؤك الان بأمسّ الحاجة الى صلاتك ايها النبيل الرائع. ان اصدقائك الطيبين تقاذفتهم الايام الى حيث المجهول، طوتهم ولم يتذكرهم احد، عزائهم الوحيد انهم وجدوا شيئا من ارث اجدادهم الضائع وسط اكوام من الورق كتبتها انت وزملاؤك، رصدت ووثقت حياة سكان الاهوار إن نزلت من اعينهم دمعة او ارتسمت على محياهم ابتسامة.
 

ذاكرة القصب (9) -  الاعلام البريطاني والاهوار
ذاكرة القصب (8) -  البريطانيون والاهوار قديما وحديثا
ذاكرة القصب (7) -  الاهوار والرحالة والمستشرقون
ذاكرة القصب (6) -  في جغرافيا الاهوار
ذاكرة القصب (5) -  عن نشوء الاهوار
ذاكرة القصب (4) -  جغرافيا الكنوز
ذاكرة القصب (3) - فوضى التسميات وغياب المصطلح العلمي

ذاكرة القصب
(2) - كل شيء من الماء والقصب
ذاكرة القصب (1) - عشرون عاما على الكارثة


 

free web counter