| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

جمال الخرسان
gamalksn@hotmail.com

كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 

 

 

                                                                                 الأحد 16/9/ 2012

     

ذاكرة القصب (20)

غياب التعليم مشكلة اساسية في الاهوار

جمال الخرسان          

لكل بيئة جغرافية سلسلة من المشكلات والصعوبات الخاصة بها، وهكذا الحال بالنسبة للاهوار، لكن المشكلة الاهم والابرز في مناطق الاهوار هي الجانب التعليمي، اذ تنتشر الامية هناك بين النساء والرجال بنسبة عالية نظرا لابتعاد السكان عن مراكز المدن، وعدم توفر اعداد لاباس بها من المتعلمين بامكانهم تعويض ذلك النقص، خصوصا وان الارياف والاهوار عادة ما تكون في ذيل ترتيب اولويات السلطات في بلد مثل العراق. وكنتاج طبيعي لتلك المشكلة تستفحل مشكلات اخرى تتمثل في سيطرة جملة من العادات والتقاليد السلبية في المجتمع، لابد من التاكيد ان تلك السلبيات اتت في سياق منظومة اجتماعية متكاملة من العادات والتقاليد والاعراف العشائرية، فيها جوانب ايجابية مهمة جدا ولكنها تتضمن ايضا عادات سيئة تقسو على المراة وتأخذ البريء بجريرة غيره لانه ينتمي مثلا للعشيرة الخصم!

سكان الاهوار يعرفون ان قانون الدولة ليس فاعلا هناك وليس ثمة مؤسسات تعمل على تطبيق القوانين، من هنا تم اللجوء الى جملة من الاعراف والتقاليد العشائرية التي تعتبر بمثابة منظومة قانونية لتنظيم الحياة في الاهوار، حين حصول خلاف ما بين قبيلتين او داخل القبيلة الواحدة، هنا يتدخل الوجهاء وشيوخ العشائر من اجل لملمة الموضوع بشكل ودي او من خلال اداء القسم "راية العباس" بعد سلسلة من المفاوضات، وهؤلاء يعتبرون بمثابة الضامن لعدم التجاوز على ذلك القسم المغلظ جدا والمقصود به هنا لواء الامام العباس بن علي بن ابي طالب، الذي يهابه ويلتزم به الى ابعد الحدود سكان الاهوار، حيث يلزم نفسه كل من يقسم بذلك القسم ولا يتجرأ للثأر او ما شابه بعد ذلك، حتى وان كان قد خسر عزيزا عليه. ان ذلك يأتي في سياق منظومة عرفية تتناسب وطبيعة المجتمع الذي يعيش في الاهوار.

وفي كل الاحوال فقد بدأت الدولة في النصف الاول للقرن العشرين تؤسس لانشاء جملة من المراكز التعليمية في اطراف الاهوار كمرحلة اولى ثم بعد ذلك وصلت المدارس الى عمق الاهوار في القرى والارياف شيئا فشيئا. ففي الاعوام 1933- 1934 افتتحت في ارياف ميسان سلسلة من المدارس، وفي تلك الفترة عادة ما تنسب المدرسة الى اصحاب تلك المقاطعات وفق التقسيم الاقطاعي بين رؤساء القبائل، ولان الهيمنة في ريف المجر الكبير كانت لصالح الشيخ مجيد الخليفة فقد فتحت المدرسة المجيدية، وفي مقاطعة الشيخ محمد العريبي في ريف الكحلاء افتتحت المدرسة المحمدية نسبة للشيخ محمد العريبي، وهكذا المدرسة الفالحية في مقاطعة الشيخ فالح الصيهود. والمدرسة السلمانية في مقاطعة الشيخ سلمان المنشد، والامر ذاته يكاد ينطبق على المناطق والمقاطعات الاخرى الواقعة في الحدود الادارية للبصرة وذي قار، لكن المشكلة التعليمية استمرت وان بدرجة اقل من السابق حتى بعد افتتاح سلسلة من المراكز التعليمية التي انتشرت في معظم القرى والارياف، نتيجة لاسباب كثيرة تتعلق بالواقع الاجتماعي وعدم الاستقرار اضافة الى الاهمال المتعمد لهذا الجانب من قبل الدولة في بعض الاحيان، ثم ان مسألة تغيير منظومة اجتماعية متكاملة تحتاج لزخم توعوي مكثف ومتراكم وهذا ما لم تشهده الاهوار في يوم من الايام.

ورغم غياب التعليم ورغم التيار الجارف المتمسك بالاعراف الاجتماعية الصارمة فهناك ايضا محاولات للتمرد من داخل البيئة نفسها وان كانت تعكس الاستثناء وليس القاعدة كما هو الحال مع بعض الحكماء والمتعقلين هناك الذين يترفعون عن ممارسة بعض الظواهر الاجتماعية مثل النهوة، الفصلية، الثأر من العشيرة الاخرى حتى من غير القاتل، كما حاول البعض التمرد على تلك الاعراف وانتقادها بصوت مرتفع وبادوات لها تاثير في نفوس سكان الاهوار كما هو الحال مع اغنية عبادي العماري الشهيرة "فصلية" التي غنيت في السبعينات من القرن الماضي، ويعتبر عبادي العماري هو احد ابناء تلك المنطقة حيث ولد قرية "النكارة" التي تحولت مؤخرا الى "ناحية الخير" التابعة اداريا لقضاء المجر الكبير في محافظة ميسان، وتعلم في قرية "الصحين" وله شهرة واسعة هناك، الاغنية تتحدث عن معاناة المرأة التي تزوّج كدية لاهل المقتول وتسمى عرفا بـ "الفصلية"، وفي الحقيقة تعتبر هذه الاغنية محاولة شجاعة جدا في مواجهة الاعراف البالية التي تظلم المرأة، ومما جاء في كلماتها:

"جابوها دفع للدار لا ديرم ولا حنه ولا صفكه

ولا دف النعر بالسلف لا هلهوله لا ملكه

سالت الناس عن قصة هالبنيه

شعجب جارو عليها بغير حنيه
ورديت بكلب حزنان من كالوي فصليه

العنت ظلم التقاليد بالف حركه

عمنهه الاخضر الهرفي بسعر اليابس تحركه

احديثه اتكول حوريه بربيع العمر مياله

حرام ادموعها الطيبات عالخدين همالهه

وين العطف والرحمه يفصاله

لا سوت ذنب لا هيه جتاله

جا هيجي حكم ديوانك المهيوب ودلاله

عليّ تحرم فناجينه وكهوته وكعدت ارجاله

غصبتوها ..ظلمتوها ..حرمتوها ..هضمتوها

وهبتوها لشخص ظالم حتى من العقل ما يملك اوشاله

يحاجيها بدفرته وكال فصليه عساها ابخت من فصلوا واطو مهرة الفارس لوادم ما هي خياله
وحوبتها وراهم دوم تحركهم بكل شهكه

تتحسر تدير العين محد يرحم الشكوى اسيره تكول جابوها بلا رحمه ولا سلوى

يا ديوان السلف بسك فحطنه من الفصل والثار والنهوه"

 

ذاكرة القصب (19) - الصيد وانواعه في الاهوار
ذاكرة القصب (18) - السنونو سفير الاهوار الى بحر البلطيق
ذاكرة القصب (17) - المباني في الاهوار
ذاكرة القصب (16) - البردي شفرة الاهوار القديمة
ذاكرة القصب (15) - حياة الاهوار بسيطة شعارها الاكتفاء الذاتي
ذاكرة القصب (14) - أسفا على الجفاء يا نيكلسون!
ذاكرة القصب (13) - هايردال في مغامرة من سومر الى وادي السند
ذاكرة القصب (12) - وليفريد ثيسيغر صديق الاهوار الحميم
ذاكرة القصب (11) - كلب الماء الذي استهوى ماكسويل
ذاكرة القصب (10) - كافن يونغ وقلق التجفيف
ذاكرة القصب (9) -  الاعلام البريطاني والاهوار
ذاكرة القصب (8) -  البريطانيون والاهوار قديما وحديثا
ذاكرة القصب (7) -  الاهوار والرحالة والمستشرقون
ذاكرة القصب (6) -  في جغرافيا الاهوار
ذاكرة القصب (5) -  عن نشوء الاهوار
ذاكرة القصب (4) -  جغرافيا الكنوز
ذاكرة القصب (3) - فوضى التسميات وغياب المصطلح العلمي

ذاكرة القصب
(2) - كل شيء من الماء والقصب
ذاكرة القصب (1) - عشرون عاما على الكارثة


 

free web counter