الأربعاء 19/9/ 2012

ذاكرة القصب (21) حفيظ وعالم الاسطورة في الاهوار جمال الخرسان           حيثما القى التاريخ بظلاله على منطقة ظهرت فيها الاسطورة والحكايات القديمة، والاهوار ليست استثناءا من ذلك، حيث يتداول سكان الاهوار جملة من الاساطير التي تشكل البنية الاساسية لفولكلور وتراث تلك المنطقة، تنوعت الاساطير في تمحورها بين المكان المتخيل والمخلوقات الغريبة، بين القصة الخرافية البحتة وبين اساطير تتكيء على شيء من الواقعية الممتزجة بخيال خرافي خصب. اسطورة ايشان او تل الذهب، اسطورة ام الحنا، اسطورة الطنطل وغيرها من الاساطير والقصص الخرافية لكن اهم واشهر تلك الاساطير واكثرها شمولا لجزئيات الاساطير الاخرى هي اسطورة "حفيظ". فسكان الاهوار توارثوا حكاية قديمة نصفها واقع ونصفها خيال وتعود بعض ملامحها الى قصة الطوفان، الحكاية تقول: إن هناك اخوان ثلاثة عكر وابو شذر واخوهما الثالث حفيظ، ولكل منهم مملكة غنية ومزدهرة، ولانهم طغوا قلبت بهم الارض واغرقوا بطوفان عظيم. اما العكر وابو شذر فهما منطقتان موجودتان فعلا في الاهوار، وفي منطقة العكر مثلا هناك فريق تنقيب عن الاثار توصل الى اثار مدينة قديمة وعثر على لقى اثرية كثيرة. وفيما يتعلق بحفيظ فهو ليس الا اشان او تل وجزيرة صغيرة متخيلة فيها الكثير من الكنوز والاحجار الكريمة وفيها من الاشجار المثمرة ما لذ وطاب، تحرسها المخلوقات الماورائية الطنطل "الجن" التي قد تتمثل على هيئة شبيهة بالانسان وتظهر احيانا، الاسطورة تشير بان هذه الجزيرة الصغيرة تظهر احيانا وتختفي احيانا اخرى، وهناك اناس ادعوا حقيقة انهم لقوا شيئا مشابها لملامح تلك الاسطورة، الملفت ان عوامل الخرافة فيها مصاغة بطريقة ذكية، فحتى من عثر عليها يفترض ان يظل الطريق او يشرد عن الواقع ولا يمكن ان يصلها اذا قصد ذلك! هكذا تستمر حفيظ في الاحتفاظ بمكانتها المتمناة جدا وتصبح مغيا يصعب الوصول اليه بشكل من الاشكال. الملفت ان هناك محاولات من قبل الجهات الرسمية كانت تتعقب اثار تلك الاسطورة علها تمسك بخيط يوصلها الى تلك الجزيرة الغنية بالذهب والفضة. وما يدفع الى الاهتمام بالموضوع هو ان المنطقة برمتها منطقة تاريخية ويعثر فيها بين الحين والاخر على كنوز من اللقى والاثار بما في ذلك الذهب النفيس. حفيظ وجدت طريقها ايضا في الفلم الروائي العراقي " الباحثون" للمؤلف صباح عطوان واخراج محمد يوسف الجنابي، فبعض اعضاء الفريق الذي ذهب الى الاهوار كان يبحث عن شان حفيظ. ان حفيظ اسطورة مشتركة جدا بين معظم سكان الاهوار، وقد تختلف ببعض الاضافات بين مجموعة قرية واخرى. اسطورة حفيظ تجمع بين المتخيل والواقع، فمشهد الكنوز وهي مشكوفة لبعض الاهالي ليست شيئا غريبا وليست بعيدة عن متخيلة سكان تلك البيئة، كثير منهم وجد الذهب والفضة واشياءا اخرى وهناك من عثر في الثمانينات من القرن الماضي في المنطقة التي تسمى اليوم ناحية الخير وهي اطراف قضاء المجر الكبير، وجدوا كتلا مستكيلة الشكل اسموها"حِب" وحينما كسروها شاهدوا فيها مومياء محنطة، فتركوها خوفا من الجن!ثم ان ارتباط اسطورة حفيظ بمنطقة العكر وابو شذر الموجودتين فعلا ربما يجعلها قريبة بعض الشيء من الواقع وهذا ما يدفع سكان الاهوار الى الاقتناع بها الى حد كبير. في كتابه "عرب الاهوار" يؤكد ثيسيغر بانه حاول برفقة بعض اصدقائه من سكنة الهور العثور على حفيظ لكنه فشل في ذلك ليؤكد مرة اخرى بان حفيظ ليس الا اسطورة متداولة بين الناس توارثوها من قبل. وفي اشارة لتلك الاسطورة يقول: " طوال الليل كان الهواء البارد القادم من الأهوار يهب من ثغرات القصب، كنت أستمع إلى الأمواج تلطم الجرف وأنا على وشك النوم. وحين خرجت فجراً، رأيت صفحة المياه العظيمة ظلال أرض بعيدة سواد يتضح بشروق الشمس، للحظة أخذتني رؤيا حفيظ ، الجزيرة الأسطورية التي لن ينظر أليها أحد دون أن يفقد حواسه، بعدها عرفت أنني انظر إلى أجمات القصب العظيمة". لقد كانت حفيظ وغيرها من الاساطير الاخرى لصيقة بالجواهر والمعادن النفيسة ولصيقة بمخلوقات خرافية ذات قدرات خارقة تصعب مواجهتها مكلفة بحماية تلك المناطق، وهذه بحد ذاته كان عاملا مهما في التعامل الحذر لسكان الاهوار مع التلال الاثارية الحقيقية، فهم عادة لايجرؤون على العبث بها وياخذون منها ما طفى الى السطح او وجدوه صدفة. خرافة الطنطل من المخلوقات الخرافية بين سكان الاهوار هو "الطنطل" وهو مخلوق شبيه بالانسان لكن بمواصفات مختلفة بعض الشيء منها بان اقدامه تفتقد للاصابع وملامح هيئته توحي انه مغاير للاخرين، وبالطبع فله قدرة خارقة تشابه قدرة الجن، يتحرك سريعا ويختفي متى يشاء. بعض سكان الاهوار يتحدثون انهم راوه في يوم من الايام ولانه غريب الاطوار لذلك لا يقترب من التجمعات السكانية وربما يصادف هنا وهناك في عمق الاهوار، ولهذا فان اكثر من يتحدثون عنه هم الصيادون في عمق الهور ورعاة الجاموس لانهم يقضون وقتا اطول بين حقول القصب والبردي. وبناءا على قناعات اهل الاهوار فإن من خصوصيات الطنطل فإن اكلته المفضلة قرصا يعد من طحين الرز شريطة ان لا يضاف اليه الملح فالطنطل لا يحب الاشياء المالحة. في الذاكرة الاهوارية ارتبطت خرافة الطنطل بالاساطير الاخرى مثل حفيظ وام الحنا وغيرها، وارتبط ايضا بالمناطق الاثارية الحقيقية فاساس وجود الطنطل هو من اجل حراسة تلك الكنوز من الضياع، ومن يريد الاقتراب منها عليه المجازفة ومواجهة هذه المخلوقات الغريبة. اسطورة العفاريت التي تلاحق القمر حول خسوف القمر وامتداد للاساطير القديمة المتعلقة اساسا بتفسير بعض الظواهر الكونية الغامضة للبشر، يتداول سكان الاهوار اسطورة العفاريت التي تهاجم القمر وتبتلعه او تبتلع بعضا منه، ويرمزون لتلك القوى احيانا بـ " الحوته"، ويرافق ذلك التصور الذي يتفاعل حين خسوف القمر فعل على الارض يقوم به الناس من اجل اخافة القوى المهاجمة واجبارها على التراجع، وذلك من خلال احداث اصوات عالية، ضجيج وضرب على الطبول مع ترديد بعضهم "يحوته هديه هديه .. هذا عور شلك بيه"، بهدف طرد العفاريت وتحرير القمر. ولهذه الاسطورة جذور تاريخية قديمة تعود الى اسطورة سومرية وكيف ان سبعة آلهة شريرة شقت طريقها نحو السماء وارادت مهاجمة إله القمر "ننار" فتقوم آلهة اخرى باداء بعض الحركات مصحوبة بالات الموسيقى من اجل استنفار الالهة الاخرى واخافة العفاريت كي ينجو الاله ننار.   ذاكرة القصب (20) - غياب التعليم مشكلة اساسية في الاهوار ذاكرة القصب (19) - الصيد وانواعه في الاهوار ذاكرة القصب (18) - السنونو سفير الاهوار الى بحر البلطيق ذاكرة القصب (17) - المباني في الاهوار ذاكرة القصب (16) - البردي شفرة الاهوار القديمة ذاكرة القصب (15) - حياة الاهوار بسيطة شعارها الاكتفاء الذاتي ذاكرة القصب (14) - أسفا على الجفاء يا نيكلسون! ذاكرة القصب (13) - هايردال في مغامرة من سومر الى وادي السند ذاكرة القصب (12) - وليفريد ثيسيغر صديق الاهوار الحميم ذاكرة القصب (11) - كلب الماء الذي استهوى ماكسويل ذاكرة القصب (10) - كافن يونغ وقلق التجفيف ذاكرة القصب (9) -  الاعلام البريطاني والاهوار ذاكرة القصب (8) -  البريطانيون والاهوار قديما وحديثا ذاكرة القصب (7) -  الاهوار والرحالة والمستشرقون ذاكرة القصب (6) -  في جغرافيا الاهوار ذاكرة القصب (5) -  عن نشوء الاهوار ذاكرة القصب (4) -  جغرافيا الكنوز ذاكرة القصب (3) - فوضى التسميات وغياب المصطلح العلمي ذاكرة القصب (2) - كل شيء من الماء والقصب ذاكرة القصب (1) - عشرون عاما على الكارثة