|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

 الأثنين  5  / 5 / 2014                                عبدالقادر العيداني                                  كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 


 

من أعماق السجون
نقرة السلمان ... قيود تحطمت

عبد القادر احمد العيداني
alidanykhader@yahoo.co.uk


حقوق الطبع محفوظة للمؤلف ..
لا يجوز طبع أو تصوير أو اقتباس أي مادة من الكتاب أو تسجيله صوتيا أو على الحاسوب أو في أقراص مدمجة إلا بموافقة المؤلف

موبايل: 07703136884
البريد الإلكتروني:
alidanykhader@yahoo.co.uk

واذ نباشر في موقع الناس نشر الكتاب على حلقات ، نتقدم من المؤلف الاخ العزيز عبدالقادر أحمد العيداني بجزيل الشكر والتقدير لاختياره الموقع لعرض هذا الكتاب القيم ، وتقديم حلقاته بنسخة الكترونية ، أملين التوفيق في ايصالها الى اوسع مدىً وجعلها في متناول كل من تعز عليهم مصالح الشعب والوطن ....

حكايات تروي الكفاح الملحمي للشيوعيين العراقيين
حيث الصمود والبسالة والإصرار على التضحية
للفترة (1963 – 1968م)
مع ملف عن معتقل قصر النهاية

تصميم الغلاف الأول والأخير: الفنان صالح جادري
تصميم المتن والإخراج الطباعي: قاسم محمد علي

تنويه للقارئ الكريم:
إن الصور المنشورة في الكتاب هي حصراً من إرشيف المؤلف الذي يحتفظ به منذ خمسة عقود، ونشر البعض منها في الصحف والمجلات العراقية وبعض مواقع الانترنيت، لذا اقتضى التنويه.

[14]

شهداء ومناضلون
من سجن (نقرة السلمان)

(5)

أبو سرحان... المناضل والشاعر الشهيد

الشهيد ذياب كزار (أبو سرحان)

ألوك آنه الزبون حمود
خيط إبريسم إمحله
اللي سوه حمود وسواني
آنه الكهوه، وأهو الدلـّه
جفيت سنيني بسنينه... وعشت لجله
وجزينه من العمر حلمين
                                    (أبو سرحان)


البصرة، هذه المدينة الجنوبية، بوابة العراق المطلة على خليجه، مدينة النخيل والنفط وشط العرب، وأغاني البحر ومواويل الغناء الخليجي، مدينة المشاهير من المثقفين والأدباء والمفكرين والسياسيين في شتى مناحي الحياة، هذه المدينة هي كالعملة تحمل وجهين، الأول هو وجه الخير والعطاء والإبداع، والثاني وجه البؤس والفقر والحرمان.

هذا الواقع تمخض عن ظهور الحركات والأحزاب الثورية التي ناضلت طيلة عقود من أجل تحرير الوطن وسعادة الشعب من واقعه المر، حيث المحتل الأجنبي وصنائعه من العملاء يسرقون خيراته في وضح النهار بلا حسيب أو رقيب.

في مثل هذا الواقع المرير ولدت وتوسعت الحركات الثورية، حيث وجدت حاضنتها في الأحياء الشعبية الفقيرة الملاصقة لمركز المدينة تحيطها كالسوار في المعصم، محلات المناوي باشا والكزارة وبريهة والخندق والرباط ونهير الليل والسيمر والفرسي والصبخة والمعقل والحكيمية، في هذه الأجواء وتحديداً في محلة الحكيمية، تفتحت الدنيا لمولود جديد، يرى نور الحياة في عام (1946م)، إنه الشهيد ذياب كزار سالم الغزي (أبو سرحان).

وبسبب توسع المدينة وافتتاح العديد من شوارعها الجديدة، وبهدف القضاء على أماكن تجمع الناس الخيّرين، عمدت السلطات الغاشمة إلى إزالة الكثير من المحلات بحجة القضاء على الأكواخ والصرائف في المدينة، فقامت بترحيل أهالي منطقة الحكيمية، وكذلك الكثير من المناطق الشعبية إلى محلة الفيصلية (1) الجمهورية التي أُسست حديثاً وهي تبعد حوالي (7) كم شمال غربي البصرة.

كانت عائلة المرحوم كزار سالم من ضمن العوائل الفقيرة التي سكنت الفيصلية، وكان ذياب طفلاً عمره في تلك الفترة لم يتجاوز الخمس سنوات.

يتحدث صديق طفولته وشبابه الحاج (شراد شريف) الذي هو أيضا هُجّرت عائلته من الحكيمية إلى الفيصلية قائلا: (إن آباءنا أدخلونا بالكتاتيب التي كانت منتشرة في ذلك الوقت، ويديرها الشيخ أو الملا لغرض تحفيظ القرآن الكريم، حيث تم لنا دراسة أصول التلاوة والتجويد، وكان من المعتاد أنه في نهاية كل دورة لحفظ القرآن على ظهر القلب، تُجرى للطفل المتفوق احتفالية بسيطة تسمى (زفة الختمة) يشارك فيها بالإضافة إلى الأطفال المتخرجين العديد من أطفال المحلة وشبابها، حيث توقد الشموع وتوضع أغصان شجر الآس والحلويات (حامض حلو) في الصواني ويتجولون في أزقة (لواين) محلة الفيصلية.

هكذا عاش (أبو سرحان) وختم القرآن الكريم، والأطفال يحيطون به في جو إيماني صادق، بعد أن أكمل حفظ القرآن وجرت له الزفة والأطفال ينشدون... (طلع البدر علينا من ثنيات الوداع)، ومن ثم التحق الشهيد ذياب، كما أكد ذلك الحاج شراد بمدرسة الأمير الابتدائية وتخرج من الصف السادس الابتدائي بنتيجة باهرة وهي احتلاله موقع الناجح الأول على طلبة العراق.

وما أن بدأت مرحلة الصبا والوعي الثوري بالواقع المرير الذي يعيشه الشعب مع بدء ثورة 14 تموز 1958م، وجد ذياب نفسه يشترك في خضم التظاهرات الشعبية المؤيدة للثورة وهو فتى يبلغ من العمر اثني عشر عاماً.

بعد انتكاسة الثورة بسبب مؤامرة (8 شباط) الدموية، وجد ذياب ورفاقه من شباب المحلة ومن ضمنهم شراد شريف مكانهم في قلب الحزب الشيوعي، وهو يعيش فترة الجزر الثوري، والإرهاب والاعتقالات والمجازر الدموية لكل المناضلين.

تم اعتقال هذه الكوكبة من الشباب من قبل عصابات الحرس القومي، فكانت المواقف الرجولية والتحدي البطولي عنواناً لهؤلاء المناضلين، وكانت والدة الشهيد ذياب تذهب لزيارته في سجون الطغاة كل شهر، وعند عودتها إلى محلة الجمهورية تهلهل وتزغرد في أزقة المحلة فتجتمع حولها نسوة المحلة، وهي بين يديها ثياب ذياب الملطخة بالدماء نتيجة التعذيب البربري لحكام البعث المجرم.

بعد ذلك تنقـّلَ أبو سرحان في العديد من مواقف الأمن والسجون، ابتداءً من موقف البصرة، حتى تمت إحالته إلى المجلس العرفي العسكري في عام (1964م)، ليُحكم عليه بالسجن مدة 7 سنوات، وعند خروجه ورفاقه من قاعة المحكمة، ليقضوا مدد محكومياتهم في سجن (نقرة السلمان)، أخذوا يهتفون بالنصر للشعب وللحزب الشيوعي العراقي، وكذلك أخذوا يرددون الشعارات الطريفة التي حاولوا أن يخففوا بها عن الواقع الذي هم فيه، ومنها: (إلما يزور السلمان... عمره خسارة).

في سجن (نقرة السلمان) الرهيب، وهو يضمّ في تلك الفترة العديد من خيرة أدباء ومثقفي ومبدعي العراق كسعدي يوسف والفريد سمعان ومظفر النواب وخالد الخشان وفيصل السعد وفاضل ثامر ودينار السامرائي وودود حميد وسميع داود وبديع عمر نظمي وجاسم المطير، بالإضافة إلى خيرة السياسيين والمناضلين الذين صقلتهم المنافي والسجون والاضطهاد، ازدادوا إيماناً بقضيتهم العادلة للتضحية في سبيل الشعب.

بعد ذلك تم نقل أبو سرحان إلى سجن العمارة لتكملة مدة حكمه، وكانت عائلته تذهب في كل شهر من البصرة إلى العمارة، وفي بعض الأحيان مع صديق طفولته وشبابه (شراد شريف) لغرض زيارته، وكانوا يجمعون تكاليفها بشقّ الأنفس، فما كان من شهيدنا إلا أن يرسل بدايات قصائده الجديدة مهربة من السجن بين طيات عباءة والدته، أو مع صديقه (شراد) لغرض الحفاظ عليها خارج السجن بعيداً عن أعين السلطات الغاشمة.

بعد أن خرج من سجن العمارة، كان شباب محلة الجمهورية في استقباله لسلامته من سجون الطغاة. بعد ذلك واصل ذياب مسيرته النضالية والأدبية بين شباب مدينة البصرة حيث تفتحت مواهبه أكثر فأكثر واكتمل نضوجه ووعيه السياسي والثقافي.

في بداية السبعينيات من القرن الماضي، كان (أبو سرحان) الشاعر الشعبي الذي لا يُشقّ له غبار حاضراً في اغلب التجمعات الشبابية والأدبية، وهو يلقي من غرر قصائده الرائعة التي تمتد في عمق التاريخ، وليأخذ من فولكلور شعبنا الكثير من الحكم والمواعظ بإسلوب غنائي شعبي لينجز قصائده السياسية والعاطفية، وهذا ليس بغريب على (أبو سرحان)، بعد مروره بتجربة السجون التي عمّقت من وعيه الوطني والشعري، فكانت مقهى (منكاش) في محلة الجمهورية مكان التجمع الدائم لأدباء المحافظة وخاصةً الشعراء الشعبيين من أمثال الشهيد (فالح الطائي) والشهيد (فوزي السعد) والشهيد (هادي الشاوي)، والأديب الصحفي المرحوم (عبد البطاط) والشاعر الشعبي (جبار اللامي - أبو ضياء)، و(علي الكعبي) و(عطا عوده الشهد) و(كامل هادي السعد) و(مهدي عبود السوداني)، والكثير من الأدباء والمثقفين، فكانت هذه المقهى أشبه بمنتدى أدبي وثقافي يشارك فيه الحضور من محبي الثقافة والشعر الشعبي، وهم يستمعون من أفواه الشعراء تلك المطاردات الشعرية والقصائد الشعبية، وكان أصدقاؤهم شعراء المحافظات يقصدون هذا المقهى التي أصبحت معروفة في كل أنحاء العراق حتى يلتقوا مع شعراء البصرة ويشاركوهم أماسيهم الشعرية التي تمتد إلى ساعات طويلة من الليل، ثم يتزودوا بعد ذلك بزادهم الثقافي من الجديد في عالم الإصدارات والكتب من مكتبة (الجمهورية).

شارك شاعرنا الشهيد في إحدى مهرجانات المربد بداية انطلاقها، فقرأ رائعته المشهورة (ابنادم) فاهتزت القاعة تصفيقاً لهذا الشاعر الذي كسر الأعراف السائدة في تصنيف الأدباء إلى درجات على ضوء علاقاتهم التي تشوبها في اغلب الأحيان المصالح الخاصة والتسلطية. كان من ضمن الحاضرين في هذه المهرجانات المربدية الشاعر اللبناني (عمر أبو ريشة)، فأخذ يردد مع نفسه الكثير من كلمات الثناء والمدح بحق (أبو سرحان)، من خلال الدموع التي تساقطت على وجنتيه، وهو يقول إن هذا الشاعر سيكون له المستقبل في عالم الشعر والقدح المُعلى في شؤون الشعر الشعبي.

ومن إحدى قصائده تقتطع هذه الكلمات:

بوسط روحي حضنتك طيف (2)
تطرد وحشة الفركه
وعله ارموشي
اوكفت خيّال
تضحك بيدك التفكه
وأناغيلك...

في منتصف سبعينيات القرن الماضي غادر (أبو سرحان) العراق متوجهاً إلى لبنان بتكليف من إعلام الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، فكان شعلة متوهجة من الإيمان بالعمل الثوري في صفوف الكفاح المسلح للشعب الفلسطيني، عاد بعد ذلك لفترة إلى العراق، لفترة قصيرة ثم غادر العراق عائداً إلى لبنان، وبعد سفرته الثانية هذه، انقطعت أخباره عن أهله وأصدقائه، حيث تضاربت الروايات عن مصيره، فهناك من قال إنه اعتقل من قبل ميليشيات الأحزاب اليمينية وحزب الكتائب، ولقي مصرعه واستشهد في سجون هذه الميليشيات فأصبح مصيره مجهولاً لحد الآن ولغزاً محيّراً لدى الأدباء والمثقفين العراقيين.

أصدر الشهيد (أبو سرحان) ديوان (حلم وتراب) في عام 1972م، عن مطبعة الأديب البغدادية، وهو باقة من الشعر الشعبي العراقي ضمّت ستة عشر قصيدة، نفذ هذا الديوان من الأسواق والمكتبات بسرعة مذهلة، حتى لم يستطع أكثر الشعراء الشعبيين العراقيين من الحصول على نسخة واحدة منه إلا بشقّ الأنفس.

وأنجز الشاعر مجموعته الثانية بإسم ديوان (الواحات) في عام 1976م، ولم توافق وزارة الثقافة والإعلام آنذاك على طبعه لعدم انسجامه مع التوجهات البعثية وتوظيفها لخدمة أغراضه الإجرامية، وكانت من أبرز قصائد الديوان قصيدة (خيّوه بنت الديره).

وللشهيد أغنية مهداة للحزب الشيوعي العراقي بمناسبة عيد ميلاده الأربعين، لم تنشر سابقاً، وإليكم هذه الرائعة لأبو سرحان:

بيت الحزب بساتين
وجه الحزب نياسين
بيت الحزب هلاهل
وجه الحزب سنابل
بيه كمره وبيه شمس
بيه مدرسه وفلاحين
للفقره والمحرومين
بيت الحزب بساتين
وجه الحزب رياحين

وأنجز الشهيد ذياب كزار (أبو سرحان) أوبريت (ما بيع طوكي)، لحّنه الفنان كوكب حمزة، وبمشاركة طالبات ثانوية المعقل، وقُدِّمَ على مسرح بهو الإدارة المحلية في البصرة.

وله من المنجزات أوبريت (السابلة) إخراج الرائد المسرحي الذي استشهد في محراب الفن إبراهيم جلال، ولم تتم الموافقة على إعداده من قبل وزير الثقافة والإعلام المقبور طارق عزيز.

وكذلك من نشاطاته البارزة بالاشتراك مع الشاعرين علي العضب وخالد الخشان في أوبريت (بيادر خير)، وهذا الأوبريت يعتبر نقطة التحوّل الفني في العراق في مجال إعداد الأوبريتات، وكان الشاعر المبدع علي العضب الداينمو المحرك لنجاح هذا الأوبريت في مجال الإشراف والإعداد لأوبريت (بيادر خير).

وللشهيد العديد من القصائد المغناة بأجمل الأصوات الغنائية في العقد السبعيني من القرن الماضي، فغنى قصائده العديد من المطربين والمطربات نستعرضها بشكل سريع كالآتي :

1. حاصوده، غناء مائدة نزهت، وتلحين كوكب حمزة.
2. همّه ثلاثه للمدارس يروحون، غناء مائدة نزهت.
3. كرستال، غناء أمل خضير.
4. لا لا له لو لوّه، الاعداد والتوزيع الموسيقي حميد البصري.
5. ويلي يل المحبوب، غناء ابن نخيل البصرة فؤاد سالم.
6. شوك الحمام، غناء المطرب فاضل عواد.
7. مهضومة شدات الورد، غناء المرحوم جبار ونيسه.
8. الكنطره بعيده، غناء سعدون جابر.
9. خيّوه بنت الديره، غناء سعدون جابر.
10. بوسط روحي حضنتك طيف تطرد وحشة الفركه، الحان وغناء طارق الشبلي.

إن استشهاد ورحيل الشاعر المبكر وهو في قمة عطاءه الشعري ونضوجه الفكري ترك فينا غصّة كبيرة لا نستطيع تعويضها بأي شكل من الأشكال، ولا يسعنا إلا أن نصبر، ونقول إن رحيله خسارة للشعر الشعبي العراقي ولأهله ومحبّيه.

 

(1) تأسست محلة الفيصلية عام 1950م.
(2) طيف ، نجل الشاعر


[13]  شهداء ومناضلون من سجن (نقرة السلمان)  - (4) أبطال الموانئ في محافظة البصرة يتحدّون المشانق...
[12]  شهداء ومناضلون من سجن (نقرة السلمان)  - (3) المعلم والمربي يحيى (ق) رجلٌ لا يخاف
[11]  شهداء ومناضلون من سجن (نقرة السلمان)  - (2) الشهيد هندال جادر - ابن الطبقة العاملة العراقية
[10]  شهداء ومناضلون من سجن (نقرة السلمان)  - (1) الملازم صلاح الدين أحمد - استشهاد يفوق التصوّر
[9] محاكمات لا مثيل لها في التاريخ
[8] عمليات الهروب من سجن نقرة السلمان
[7] بعض مفاصل النشاطات اليومية
[6] الاحتفالات بالأعياد الوطنية والأممية في سجن نقرة السلمان

[5] تفاصيل الحياة اليومية لسجناء نقرة السلمان

[4] سجن نقرة السلمان

[3] البادية الجنوبية

[2] إنتفاضة معسكر الرشيد... وقافلة الموت
[1] التقديم .. الاهداء .. توطئة

 

 

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter