|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

 الثلاثاء 24 / 12 / 2013                                عبدالقادر العيداني                                  كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 


 

من أعماق السجون
نقرة السلمان ... قيود تحطمت

عبد القادر احمد العيداني
alidanykhader@yahoo.co.uk


حقوق الطبع محفوظة للمؤلف ..
لا يجوز طبع أو تصوير أو اقتباس أي مادة من الكتاب أو تسجيله صوتيا أو على الحاسوب أو في أقراص مدمجة إلا بموافقة المؤلف

موبايل: 07703136884
البريد الإلكتروني:
alidanykhader@yahoo.co.uk

واذ نباشر في موقع الناس نشر الكتاب على حلقات ، نتقدم من المؤلف الاخ العزيز عبدالقادر أحمد العيداني بجزيل الشكر والتقدير لاختياره الموقع لعرض هذا الكتاب القيم ، وتقديم حلقاته بنسخة الكترونية ، أملين التوفيق في ايصالها الى اوسع مدىً وجعلها في متناول كل من تعز عليهم مصالح الشعب والوطن ....

حكايات تروي الكفاح الملحمي للشيوعيين العراقيين
حيث الصمود والبسالة والإصرار على التضحية
للفترة (1963 – 1968م)
مع ملف عن معتقل قصر النهاية

تصميم الغلاف الأول والأخير: الفنان صالح جادري
تصميم المتن والإخراج الطباعي: قاسم محمد علي

تنويه للقارئ الكريم:
إن الصور المنشورة في الكتاب هي حصراً من إرشيف المؤلف الذي يحتفظ به منذ خمسة عقود، ونشر البعض منها في الصحف والمجلات العراقية وبعض مواقع الانترنيت، لذا اقتضى التنويه.

[10]

شهداء ومناضلون
من سجن (نقرة السلمان)

(1)
الملازم صلاح الدين أحمد
استشهاد يفوق التصوّر

الشهيد صلاح الدين أحمد (أبو رباح)

إن يوم (15 / 11/1964) يوم الحزن الكئيب في تاريخ السجناء في سجن (نقرة السلمان) حيث فقد الحزب الشيوعي العراقي أحد أبنائه البررة شهيداً من أجل (وطن حر وشعب سعيد). إنه الشهيد المقدام، ملازم أول (صلاح الدين أحمد). ولمعرفة المزيد عن هذا الشهيد وعن محاولاته في الهروب من سجون الطغاة، دعونا نتعرف على الشهيد (صلاح الدين أحمد).

إنه من مواليد مدينة الموصل، وقد ارتبط في بداية عنفوان شبابه بالحزب الشيوعي، فكان إبناً باراً للحزب.

دخل الكلية العسكرية وتخرج منها ضابطاً في صفوف الجيش العراقي.

ومن مواقفه المشرّفة إنه قاد وحدته العسكرية في الموصل لضرب المتآمرين على مكتسبات ثورة 14 تموز في مؤامرة الشواف القذرة، حيث نفـّذ تعليمات المتآمرين بشكل عكسي وضرب الوحدات العسكرية دفاعاً عن الثورة فاتـُهِمَ بقتل آمر وحدته (خيري الخيرو) فكانت مكافأته هي العقوبة بنقله إلى قيادة القوة البحرية في البصرة من قبل حكومة ثورة 14 تموز.

عند مجيء زمرة البعث بالقطار الأمريكي للقضاء على مكاسب ثورة 14 تموز ولمحاربة القوى الوطنية في (8 شباط) المشؤوم، وقف الشهيد بوجه الانقلابيين، فكان مصيره الاعتقال حيث أُرسلَ إلى معتقل (قصر النهاية) ومنه إلى مقر الحرس القومي في النادي الاولمبي، واستطاع الهرب من الحرس بعد أن مثـّل دور الكنـّاس في المعتقل واستطاع الفرار.

واعتقل مرة أخرى في معتقل معسكر الخيّالة في الأعظمية واستطاع الهروب أيضا بعد أن تسلّل من فتحة المرافق الصحية، وظلّ هارباً من قبضة الجلادين فقامت زمر البعثيين باعتقال عائلته مما اضطره الأمر تحت هذه الظروف القاسية أن ينتفض للحفاظ على شرف عائلته من براثن الجلادين، بأن سلـّم نفسه لقاء إطلاق سراح عائلته.

بعد ذلك سيق إلى المجلس العرفي العسكري، وكانت نتيجة حكمه الإعدام رمياً بالرصاص، وأُلقيَ في غياهب سجن (نقرة السلمان) بعد أن وصل بواسطة (قطار الموت) مع خيرة ضباط الجيش العراقي والكثير من المناضلين الأباة إلى هذا المعتقل.

وخلال وجوده في سجن (نقرة السلمان) محكوماً بالإعدام زارته والدته، وأخذت تنادي بأعلى صوتها: (ولدي صلاح إن المجرمين يعدون العدة لتنفيذ حكم الإعدام بحقك ولا أُريد أن أراك معلقاً بالمشنقة، ويشمت بي البعض من المحسوبين على أهالي الموصل النجباء). فكانت هذه الصرخة المدوية في صحراء البادية الجنوبية نقطة الانطلاق والتحوّل للتفكير بتنفيذ خطة هروبه بالتنسيق مع المنظمة الحزبية في سجن (نقرة السلمان).

تعدّدت الكتابات عن رواية هروب صلاح الدين، فكان بعضها قريباً إلى الحقيقة، والبعض الآخر اعتمدت على السماع المنقول من شخص إلى آخر؛ وبما أني عايشت تفاصيل العملية بكل أسرارها، ولكوني شاهد عيان لها، وقريب من موقع القرار في هذه العملية تخطيطاً وتنفيذاً، ولأنها أصبحت في ذمة التاريخ، أُريد أن تنجلي الحقيقة كاملة عن هذا العمل البطولي الفذ..

جرى التخطيط لعملية الهروب على (فراشي) في سجن (نقرة السلمان) بين مسؤولي المنظمة الحزبية بشخص المرحوم (سامي أحمد) والشهيد صلاح، حيث تم إعداد مستلزمات الهروب وهي بوصلة وسكين يابانية الصنع قبضتها حمراء اللون، وكذلك مجموعة من الحبال والتمر مع بعض الأطعمة المجففة، بالإضافة إلى قليل من الماء. بعد إكمال كافة الاستعدادات لضمان سلامة عملية الهروب، أعرب ممثل السجناء لدى إدارة السجن في مغرب أحد الأيام عن حاجة السجناء إلى بعض الماء من البئر الذي يقع خارج سياج السجن، وفي مثل هذه الحالة لا يجري عريف الخفر تعداد للخارجين والداخلين، ولا تفتيشهم بعد جلب الماء، فخرج ثمانية سجناء من ضمنهم الراحل ملازم اول خالد حبيب يحملون صفائح من التنك لغرض جلب الماء، عاد سبعة منهم، أما صلاح الدين فمكث مع مستلزمات هروبه داخل البئر بانتظار اللحظة المناسبة لهروبه ليلاً. لم يكن في بال صلاح الدين ولا منظمة الحزب في السجن أن تلك الليلة كانت مقمرة، مما اجّل تنفيذ عملية هروبه...

في اليوم التالي لبقاء صلاح الدين في البئر خارج جدار السجن، جرى صباحاً التعداد اليومي للسجناء بعد منع التجول داخل ساحة السجن، وتمت تغطية النقص بشكل جيد بعد استغفال الشرطة المكلفة بالتعداد. مرّ ذلك اليوم على السجن بسلام.

(إن الشرطة بعد تعداد الردهات العشر للسجن، يقومون بتعداد المتفرقات مثل المطبخ والسمكرة والصيدلية، وبما أن لكل ردهة بابان أمامي وخلفي، ولكون الردهة العاشرة بجانب المطبخ مباشرةً يتسلل أحد الرفاق من الباب الخلفي بخفة متناهية ويلتحق بالمطبخ، فيتمّ تعداده مرة ثانية لغرض التغطية على النقص.).

وفي عصر اليوم الثاني لبقاء صلاح الدين في البئر، أُعيد سيناريو إخراج بعض السجناء لغرض جلب الماء من البئر، الذي يقع خارج أسوار السجن، فلاحظت هذه المجموعة من السجناء أن صلاح الدين أحمد ما زال داخل البئر ولم يستطع الهروب تلك الليلة، لأن القمر كان بدراً، وكان للكلاب دور سلبي في العملية، بسبب نباحها العالي على كل غريب في المنطقة المحيطة بالسجن، مما اضطره للعودة إلى داخل السجن مع نفس المجموعة المكلفة بنقل الماء، وكان منهكاً وفي حالة صحية سيئة، مما اضطره إلى البقاء داخل السجن حوالي الأسبوع إلى أن استعاد عافيته.

تم تنفيذ سياقات عملية الهروب مرة ثانية، فتسلل الشهيد بأمان من البئر إلى صحراء البادية الجنوبية، مستعيناً بالنجوم، وخاصةً نجوم (بنات نعش)، وكذلك الاعتماد على البوصلة لمعرفة الاتجاهات الأربع وتحديد مساره على ضوئها. وكان الشهيد يأخذ قسطاً من الراحة خلال النهار، لضمان عدم اكتشافه من قبل دوريات شرطة البادية الجنوبية، وكذلك شرطة الكمارك التي تقوم بمكافحة التهريب عبر الأراضي السعودية.

في داخل السجن تم في اليوم التالي والأيام التي تلته، تغطية النقص بنفس السياقات السابقة، وكان الرفاق القريبون من موقع قرار عملية الهروب يزدادون فرحاً كلما مرّ يوم ولم تستطع إدارة السجن كشف النقص في عدد السجناء. وفي اليوم المشؤوم، (اليوم الخامس لعملية الهروب)، وتحديداً في يوم (15/ 11/ 1964) تم استلام برقية من قبل هيئة الإنصات على اللاسلكي داخل السجن والتي تديرها المنظمة السجنية، بأن شرطة البادية خلال تجوالها في تخوم الصحراء، عثرت على جثة سجين هارب من نقرة السلمان نهشتها الذئاب على مقربة من الطريق الترابي الذي يربط قضاء السلمان بالسماوة، وهذا يدلّ على أن الشهيد لم يضلّ الطريق، وهو باتجاه قضاء الشامية في الديوانية، للاتصال بالكادر الحزبي الموجود في تلك الفترة في الشامية لغرض تأمين سلامته. وقد تأكد أن سبب استشهاده هو إصابة كليته بالتهاب حاد بسبب فقدانه الماء لطول الفترة الزمنية للهروب.

على ضوء هذه الأخبار غير السارة، والتي تبعث على الحزن والبكاء على رفيق افتقدناه شهيداً أبياً، كانت وجوه السجناء عابسة وباكية، فما كان من شاعرنا (مظفر النواب) إلا أن يؤبّن الشهيد في قصيدته المعنونة (صلاح) والتي يقول فيها: (المنايا الما تزورك... زورها).

عند وصول البرقية إلى إدارة السجن قامت مجاميع مجرمة من الشرطة وحرس السجن بهجوم بربري ووحشي على السجناء، حيث أطلقت العيارات النارية، واستعملت الهراوات، ونودي على السجناء لغرض التعداد لمعرفة هوية السجين الهارب، فتوصلت إدارة السجن من خلال قراءة أسماء السجناء واحداً.. واحداً مع فصل من الضرب المبرّح، ان السجين الهارب هو (ملازم أول صلاح الدين احمد). فما كان رد فعل السجناء بقيادة تنظيمهم الحزبي، إلا إعلان الإضراب عن الطعام حزناً على استشهاد الرفيق صلاح، واحتجاجاً على الأعمال والتشديدات التعسفية من قبل إدارة السجن، وإدعائنا باختطافها للشهيد صلاح من داخل زنازين الطغاة لغرض قتله وتركه فريسة للذئاب والحيوانات البرية في غياهب الصحراء (1).

لك المجد أيها الرفيق الشهيد ملازم أول صلاح الدين احمد.حيث كنت أخاً ورفيقاً شيوعياً أبياً لإخوتك في سجن (نقرة السلمان) وفي زنازين الطغاة على امتداد الوطن.
 

(1) إن تحديد يوم استشهاد الرفيق صلاح الدين احمد، أخذ مني وقتاً طويلاً ولأكثر من مدة سنة، حيث لم تخني الذاكرة، بأن استشهاده صادف يوم إقالة نيكيتا خروشوف من منصب السكرتير الأول للحزب الشيوعي السوفياتي، وعند البحث عبر الانترنيت والمواقع الالكترونية والمجلات والكتب، عثرت على يوم استشهاد صلاح الدين احمد الذي صادف يوم إقالة خروشوف وهو يوم (15 / 11/ 1964م).

 

[9] محاكمات لا مثيل لها في التاريخ
[8] عمليات الهروب من سجن نقرة السلمان
[7] بعض مفاصل النشاطات اليومية
[6] الاحتفالات بالأعياد الوطنية والأممية في سجن نقرة السلمان

[5] تفاصيل الحياة اليومية لسجناء نقرة السلمان

[4] سجن نقرة السلمان

[3] البادية الجنوبية

[2] إنتفاضة معسكر الرشيد... وقافلة الموت
[1] التقديم .. الاهداء .. توطئة

 

 

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter