|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

 الأحد  1 / 12 / 2013                                عبدالقادر العيداني                                  كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 


 

من أعماق السجون
نقرة السلمان ... قيود تحطمت

عبد القادر احمد العيداني
alidanykhader@yahoo.co.uk


حقوق الطبع محفوظة للمؤلف ..
لا يجوز طبع أو تصوير أو اقتباس أي مادة من الكتاب أو تسجيله صوتيا أو على الحاسوب أو في أقراص مدمجة إلا بموافقة المؤلف

موبايل: 07703136884
البريد الإلكتروني:
alidanykhader@yahoo.co.uk

واذ نباشر في موقع الناس نشر الكتاب على حلقات ، نتقدم من المؤلف الاخ العزيز عبدالقادر أحمد العيداني بجزيل الشكر والتقدير لاختياره الموقع لعرض هذا الكتاب القيم ، وتقديم حلقاته بنسخة الكترونية ، أملين التوفيق في ايصالها الى اوسع مدىً وجعلها في متناول كل من تعز عليهم مصالح الشعب والوطن ....

حكايات تروي الكفاح الملحمي للشيوعيين العراقيين
حيث الصمود والبسالة والإصرار على التضحية
للفترة (1963 – 1968م)
مع ملف عن معتقل قصر النهاية

تصميم الغلاف الأول والأخير: الفنان صالح جادري
تصميم المتن والإخراج الطباعي: قاسم محمد علي

تنويه للقارئ الكريم:
إن الصور المنشورة في الكتاب هي حصراً من إرشيف المؤلف الذي يحتفظ به منذ خمسة عقود، ونشر البعض منها في الصحف والمجلات العراقية وبعض مواقع الانترنيت، لذا اقتضى التنويه.

[7]

بعض
مفاصل النشاطات اليومية

ـ نشرة الأخبار
ـ التقاط اللاسلكي
ـ المخابئ
ـ البريد الحزبي



قسم من ساحة السجن الجديد
ويظهر فيها أحد أهداف كرة القدم، والى اليسار تظهر شبكة لعبة كرة السلة

كان السجناء في صباح كل يوم على موعد مع النشرة الإخبارية (الأخبار) اليومية. بعد انتهاء شرطة السجن من عملية التعداد اليومي، وكانت نشرة زاخرة بالأخبار والتعليقات السياسية وكل ما يفيد السجين السياسي في مناحي الحياة المختلفة، ومن ضمنها المقالات السياسية والنظرية التي تخص واقع ومسيرة الحركة الشيوعية العالمية، بالإضافة إلى ما يستجد من حوادث وأخبار سياسية، وكذلك متابعة انتصارات حركة التحرر الوطني في فترة الستينيات من القرن المنصرم، وخاصة كفاح الشعب الفيتنامي البطل لطرد الغزاة الأميركان عن بلاده.

وكان الكثير من الكتـّاب السياسيين والباحثين يرفد نشرة الأخبار بما تجود به أقلامهم وما تتفتح به عقولهم من مقالات وتحليلات وتنبؤات يعطونها إلى لجنة التنظيم الحزبية، وهي بدورها تحيلها إلى الهيئة المشرفة على نشرة الأخبار لغرض تعميم الفائدة للجميع أمثال عزيز سباهي وكاظم فرهود وجاسم المطير وفاضل ثامر وألفريد سمعان.

كان العاملون في هذا المفصل جنوداً مجهولين من السجناء يتكتمون على عملهم بصورة قصوى من السرية لئلا تتسرب تفاصيل وأسرار العمل إلى إدارة السجن وفلول الحرس القومي وشراذم الأمن المتواجدة في إدارة سجن نقرة السلمان، ولديهم غرفة خاصة تسمى غرفة الأمن.

كانت البداية بسيطة جدا في غرفة الأخبار، التي كانت جزءاً من المخزن، بعد قطع جزء من ارتفاعه بمعنى (طبكه)، وكان العاملون يعتمدون على جهازي راديو يعملان بالبطارية من نوع سانيو ياباني، حجم الراديو الواحد (20سم× 30سم)، مع جهازي تسجيل أبو الشريط نوع توشيبا ويعمل على البطارية أيضا، وذلك بسبب عدم وجود الكهرباء في تلك الفترة داخل السجن. وكان حجم المسجل الواحد (25سم× 40سم) يعمل بها الكادر الإخباري ليلا، وبعد الانتهاء من العمل يتم إخفاؤها في مخبأ خاص. وكان العمل يستمر في اغلب الأوقات إلى ما بعد منتصف الليل لمتابعة آخر الأخبار والأحداث السياسية. كان المسؤول المباشر عن نشرة الأخبار وكادرها هو المرحوم (سامي أحمد العامري) عضو لجنة التنظيم الحزبي، يعاونه في المتابعة والالتقاط (سامي أحمد البدر) الكويتي الجنسية، وكذلك الكاتب والأديب الكردي (محمد الملا عبدالكريم المدرس)، و(عبدالقادر العيداني) و(محمد جاسم الشريفي) و(عبدالزهرة ديكان).

بعد أن توسعت مهام النشرة الإخبارية ولعدم استيعاب المكان المخصص للعاملين فيه، فقد انتقلوا إلى غرفة المطبخ مباشرة( )، يسكن فيها بشكل دائم عبدالقادر العيداني لغاية نهاية عام (1968م) حيث أُطلق سراحه.

يبدأ نشاط العاملين في حقل نشرة الأخبار كل يوم من الساعة الرابعة عصرا إلى ما بعد منتصف الليل بساعات، فيتم متابعة واستماع اغلب الإذاعات العالمية، ومحطات الإذاعة للدول الاشتراكية التي يصل بثها إلى سجن نقرة السلمان.

يولي كادر الإنصات الاهتمام الأكبر إلى إذاعة صوت الشعب العراقي (إذاعة الحزب الشيوعي العراقي) التي كانت تبث برامجها من بلغاريا وعلى فترتين، الأولى ابتداءاً من الساعة (30 ر5 إلى الساعة السادسة عصراً)، والفترة الثانية من الساعة (9 إلى 30 ر9 مساءاً)، ونظراً لأهمية الأخبار والتعليقات السياسية المذاعة فيها ونشاطات الحزب الشيوعي في داخل المدن العراقية وفي جبهات القتال في كردستان والأهوار ضد حكم البعث الفاسد، وضد حكومتي عبدالسلام وعبدالرحمن عارف، كانت إذاعة (صوت الشعب العراقي) في اغلب الأوقات غير واضحة الصوت بسبب كثرة التشويش على البث من قبل الحكام المجرمين، بهدف خنق صوت الحقيقة وللحيلولة دون وصوله إلى المستمعين من أبناء الشعب العراقي.

كان العمل يتم بتسجيل برامج الإذاعة خلال فترة البث الأولى ومن ثم يتم نقلها من المسجل على الورق وترك مسافات على الورق للكلمات غير المسموعة أو بعد مطابقتها مع التسجيل الملتقط في فترة البث المسائي لإذاعة صوت الشعب العراقي. ومن خلال المقارنة بين التسجيلين نتوصل بصعوبة بالغة في بعض الأحيان إلى الهدف الذي يبتغيه المقال أو التعليق السياسي أو الأخبار، ومن ثم نربط الكلمات من خلال فترتي البث، مع التأكيد على عدم الابتعاد عن الغاية الأساسية من التعليق أو المقالة.

كنا نولي الاهتمام البالغ أيضا لحركة التضامن مع الشعب العراقي التي أسسها الفيلسوف البريطاني (برتراند راسل) بمعاونة سكرتيره الشهيد العراقي (خالد أحمد زكي)، دفاعاً عن الحقيقة، وعن مواقف الشيوعيين في أقبية التعذيب البربري ومن خلال المحاكمات الصورية التي كانت تجريها المحاكم العسكرية بحق أبناء الشعب العراقي. وقد أثمرت الحركة عن نتائج طيبة، حيث أرغمت السلطات الحاكمة على إطلاق سراح العديد من المعتقلين والسجناء، كما حدث للرفيقة المناضلة (سميرة مزعل) من فتيات العمارة الباسلات، فقد أُطلق سراحها من سجن النساء في سجن بغداد المركزي، واستقبلها أبناء العمارة، نساءً ورجالاً، بالهلاهل والزغاريد وتوزيع الحلويات والجكليت.

وكان من مهام العاملين في نشرة (الأخبار) متابعة نشاطات حركة الدفاع عن الشعب العراقي التي كان من نشطائها الشاعر الكبير محمد مهدي الجواهري والمرحوم فيصل السامر وعبد الفتاح إبراهيم وعزيز الحاج، والعديد من الساسة والأدباء العراقيين، وكان مقرها في مدينة براغ في تشيكوسلوفاكيا، ومتابعة أيضا نشاطات الأحزاب الشيوعية والقوى التقدمية للتضامن مع الشعب العراقي في نضاله لإسقاط الحكم الدكتاتوري الدموي.

بعد الانتهاء من التقاط النشرة الإخبارية يُعطي الرفيق سامي أحمد العامري الأمر لاستنساخ النشرة على الورق بواسطة ورق الكاربون وأقلام القوبيا حسب الحاجة إليها بين (15-20) نسخة، فيتم استدعاء الكادر المخصص للكتابة الذين يتميزون بالخط الواضح، في ساعة متأخرة من الليل في المكان المخصص لهم خلف الصيدلية والعيادة الطبية. وعلى ضوء (الفانوس) إلى ساعات الفجر الأولى لكي تكون النشرة جاهزة للتوزيع على مسؤولي الردهات والقواويش من قبل (عبدالقادر احمد العيداني)، وبعد عملية التعداد اليومي يتم قراءة نشرة الأخبار من قبل بعض الرفاق ذوي القراءة السليمة والصوت الواضح.

أما عن الاتصالات بواسطة اللاسلكي فقد تم العمل به في أواسط عام (1965م)، وذلك بعد مجيء المعتقلين من جماعة اللجنة الثورية التي كان يرأسها المرحوم المقدم (سليم الفخري) إلى سجن نقرة السلمان، حيث تم الحصول منهم على جهاز راديو كهربائي مع دخول الكهرباء إلى السجن، وهذا الجهاز من نوع (سييرا) وبحجم كبير جداً، أبعاده (25×30×40سم)، وكان يستعمل أيضا في إعداد نشرة الأخبار، وعليه تم شراء أجهزة تسجيل كهربائية من نوع (تليفونكن) عددها اثنان تم إدخالها إلى السجن بصورة سرية داخل أكياس الخضروات. بالنسبة للراديو كان يستعمل ليلاً لالتقاط الأخبار ونهاراً لغرض استلام برقيات اللاسلكي المتبادلة بين مديرية شرطة السماوة ومديرية شرطة البادية الجنوبية وإدارة سجن نقرة السلمان بالطريقة القديمة التي كانت تسمى (مورس)، وكان يعمل على التقاط البرقيات السجين (ر.ع- سعدون جبر) والذي كان يعمل سابقاً في محطة لاسلكي القاعدة البحرية في البصرة، ويتم الإشراف على هذا المفصل من النشاط السجين (عبدالقادر العيداني).

ومن المعلوم أن بعض برقيات اللاسلكي يتم تبادلها بطريقة (المورس) وفي أغلب الأوقات تكون مشفـّرة (الجفرة) ويجري تبديل مفتاح الشفرة كل شهر، وتشمل الرسائل المشفرة الأوامر السرية لغرض الهجوم على السجن، أو إجراء عمليات الإزعاج الليلي والتحري داخل ردهات السجن لمصادرة مقتنيات السجناء، أو لغرض إرسال المعلومات عن وصول وجبات جديدة من السجناء فتكون شرطة البادية في الإنذار لغرض السيطرة على الطريق الترابي بين السماوة ونقرة السلمان، وذلك للحد من محاولات هروب السجناء.

كنا نحصل على مفاتيح شفرة الإرسال اللاسلكي التي تتبدل كل شهر عن طريق شرطي يعمل في مقر مديرية شرطة البادية الجنوبية لقاء مبلغ من المال قدره (خمسة دنانير) ويتحايل هذا الشرطي للدخول إلى السجن بدواعي المرض أو مرض أحد أفراد عائلته وحاجته لمراجعة العيادة الطبية داخل السجن، فيتم استلام مفاتيح الشفرة منه، وقد استفدنا كثيراً من هذه الشفرات، فقد كنا نعلم ما تخبئه لنا إدارة السجن من أعمال إرهابية، فنتخذ الموقف المناسب حيالها في التصدي إلى أي عمل إجرامي ضدنا. فمثلاً إذا علمنا بموعد لإجراء تحري السجن يتم تجميع المواد الشخصية للسجناء بما فيها الممنوعات من راديوات وسكاكين وكتابات للسجناء، يتم تبليغ مسؤولي الردهات قبل يوم من موعد التحري فيتم جمع المواد الممنوعة ووضعها في أكياس يكتب عليها رمز معين لئلا تختلط مع الردهات الأخرى، ويتم نقل الأكياس ليلا لوضعها في مخابئ خاصة تحت الأرض أو بين الحيطان حيث توجد فراغات فيها، يتم استعمالها بصورة فنية، وكذلك تحت دكة المطبخ قام بتصميمها السجين (رجب خميس)، حيث لا يستطيع أفراد الشرطة والحرس القومي التوصل إلى أماكن تواجدها.

وتناوب على مسؤولية المخابئ الشهيد (شاكر محمود) عضو اللجنة المركزية فيما بعد، والشهيد (عبدالزهرة مزبان)، ومن ثم العامل النقابي (عباس المظفر).

وعند إجراء عملية التفتيش تُستنفر كل أجهزة الشرطة والأمن والحرس القومي وشرطة البادية، فتزدحم بهم الربايا على الجدران وهم يوجهون فوهات بنادقهم على السجناء، وكذلك يملأون مداخل السجن والساحات لغرض البدء بعملية التفتيش، وكل ظنهم واعتقادهم أننا لا نعلم عن موعد يوم التفتيش شيئاً، فيبعثرون حاجيات السجناء ويفتشون زوايا السجن ولا يحصلون على أي شيء ذي أهمية تذكر.

أما عن البريد الحزبي فيتم تبادله بسرية تامة بين لجنة التنظيم السجنية وقيادة الحزب وذلك لخطورته، ويتم بطرق عديدة ومختلفة لغرض الصيانة والحيلولة دون وقوعه بيد العدو وذلك عن طريق التكتم والحرص الشديد والصيانة العامة، من اجل سلامته وذلك بعدة طرق وأساليب كاستخدام الشفرة المتفق عليها بين الطرفين أو تسريبه إلى داخل السجن مع عوائل السجناء خلال فترات المواجهة، كأن يوضع داخل قطعة (صابون الركي)، بعد حفرها ووضع البريد داخلها ومن ثم إعادة بقايا الصابون على الجزء المحفور وإخفاء حافات الحفرة للصابونة بواسطة بعض القطرات من الماء. أو يتم تبادل البريد الحزبي عن طريق ترمس الماء بعد إزالة نشارة الخشب بين الغلافين الداخلي والخارجي، ووضع البريد بشكل فني، ومن ثم إعادة ترمس الماء، الذي كان مصنوعاً من مادة التنك (المعدن) إلى وضعه الطبيعي بملئه بالماء أو بسوائل أخرى فيتم إدخاله إلى السجن دون أن يثير الشك لدى شرطة التفتيش ويدخل بأمان إلى السجن.

ومن الأساليب الأخرى إدخال الرسائل الحزبية عن طريق وضعها داخل قطعة من (الكليجة) أو مع محتويات الدولمه والكبه، ويتم تبادل البريد الحزبي بعض الأحيان عن طريق وجبات السجناء المنقولين أو المطلق سراحهم من السجن، وهناك الكثير من الطرق والأساليب التي يتم فيها تبادل البريد الحزبي.

 

[6] الاحتفالات بالأعياد الوطنية والأممية في سجن نقرة السلمان
[5] تفاصيل الحياة اليومية لسجناء نقرة السلمان

[4] سجن نقرة السلمان

[3] البادية الجنوبية

[2] إنتفاضة معسكر الرشيد... وقافلة الموت
[1] التقديم .. الاهداء .. توطئة

 

 

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter