|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

 السبت  9 / 11 / 2013                                عبدالقادر العيداني                                  كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 


 

من أعماق السجون
نقرة السلمان ... قيود تحطمت

عبد القادر احمد العيداني
alidanykhader@yahoo.co.uk


حقوق الطبع محفوظة للمؤلف ..
لا يجوز طبع أو تصوير أو اقتباس أي مادة من الكتاب أو تسجيله صوتيا أو على الحاسوب أو في أقراص مدمجة إلا بموافقة المؤلف

موبايل: 07703136884
البريد الإلكتروني:
alidanykhader@yahoo.co.uk

واذ نباشر في موقع الناس نشر الكتاب على حلقات ، نتقدم من المؤلف الاخ العزيز عبدالقادر أحمد العيداني بجزيل الشكر والتقدير لاختياره الموقع لعرض هذا الكتاب القيم ، وتقديم حلقاته بنسخة الكترونية ، أملين التوفيق في ايصالها الى اوسع مدىً وجعلها في متناول كل من تعز عليهم مصالح الشعب والوطن ....

حكايات تروي الكفاح الملحمي للشيوعيين العراقيين
حيث الصمود والبسالة والإصرار على التضحية
للفترة (1963 – 1968م)
مع ملف عن معتقل قصر النهاية

تصميم الغلاف الأول والأخير: الفنان صالح جادري
تصميم المتن والإخراج الطباعي: قاسم محمد علي

تنويه للقارئ الكريم:
إن الصور المنشورة في الكتاب هي حصراً من إرشيف المؤلف الذي يحتفظ به منذ خمسة عقود، ونشر البعض منها في الصحف والمجلات العراقية وبعض مواقع الانترنيت، لذا اقتضى التنويه.

[2]

إنتفاضة معسكر الرشيد...
وقافلة الموت
 

حدثت انتفاضة معسكر الرشيد في (3 / 7/ 1963)، وقد قادتها ونفذتها كوكبة باسلة من أبناء الجيش العراقي المقدام، بقيادة البطل الشهيد العريف حسن سريع وثلة من العسكريين من أبناء الشعب العراقي في القوات المسلحة، إن هذه الانتفاضة هي مثار اعتزاز وفخر لكل من ساهم أو نفذ وشارك أو كان سبباً في هذه الانتفاضة الشعبية العفوية التي قضت على أحلام الطغاة من البعثيين وحرسهم اللاقومي، وبسبب تلكؤ المناضلين في الانتفاضة وعدم الدقة في التنفيذ أُجهضت الحركة وسيق أبطالها إلى ساحة الإعدام بعد محاكمات صورية .

كان هدف انتفاضة معسكر الرشيد القضاء على حكم حزب البعث من خلال كسر أبواب سجن رقم واحد في معسكر الرشيد وذلك بإخراج الآلاف من الضباط الشيوعيين والوطنيين من اجل أن يلتحقوا أو يقودوا الانتفاضة على حكم البعث الفاسد.

وبسبب تردد البعض من المشاركين وضعف التجربة النضالية للبعض الآخر، حال دون أن تحقق الانتفاضة أهدافها في القضاء على حكم البعث الدامي. وبعد أن خمدت نار الانتفاضة أمام جبروت الحكم المتسلط، كان أول عمل قام به البعثيون بالتعاون مع مسؤول السجن المجرم حازم الأحمر هو حشر آلاف الضباط والمدنيين المعتقلين معهم في قطار يتألف من عربات حمل مزفـَّتة بالقار والنفط الأسود ومُحكمة الغلق، وإرسالهم في حر تموز اللاهب إلى السماوة في (قطار الموت) ومن ثم إلى سجن نقرة السلمان).

في تلك الفترة الزمنية كنا موقوفين في مركز شرطة البصرة، وفي الردهة (رقم 4) الملاصقة للشارع العام، وكان أحد أصحاب المقاهي القريب إلى مركز الشرطة، حيث يفصله شارع عرضه حوالي (15 متراً) يرفع صوت المذياع (الراديو) عند حدوث منعطفات سياسية أو حين صدور قرارات وبيانات للانقلابيين.فبادر هؤلاء الناس من أبناء شعبنا إلى رفع صوت المذياع لغرض وصوله إلينا، عند حدوث انتفاضة معسكر الرشيد أذاع الطغاة بياناً لهم، استطعنا بصعوبة بالغة التقاط بعض الكلمات المتقطعة منه، وفهمنا ما حدث بالضبط اتخذنا الإجراءات الاحترازية للدفاع عن أنفسنا من هجمة شرسة ربما سيقوم بها الحرس القومي وزبانيته الشرطة ضد الموقوفين الشيوعيين.

كان معنا كما أسلفت الرفيق سليم إسماعيل في ردهة أخرى من المعتقل ، وبحجة ذهابي إلى المرافق الصحية لأمر طارئ حلَّ بي الغرض منه تبليغ سليم إسماعيل عما يجري من تطورات وانتفاضات شعبية للقضاء على حكم البعث المتسلط على رقاب الشعب العراقي .



حيث الطرق ترابية وغير مبلطة

وللأسف لم يذكر سليم إسماعيل هذه الحادثة في مذكراته المعنونة (الصراع)، حيث ادعى أنه علم بأخبار الانتفاضة عند وصوله إلى سجن نقرة السلمان.

وبسبب هذا العمل البطولي لانتفاضة معسكر الرشيد، قام الحكام الفاسدون بإجراءات إجرامية في عموم البلاد كرد فعل لما فعلته الانتفاضة الباسلة بهم. كان من ضمن هذه الأعمال الإجرامية إرسال حوالي (403) موقوفا سياسيا من مواقف وسجون البصرة وسجن القوة البحرية، الذي يعجّ بالمعتقلين العسكريين إلى سجن نقرة السلمان. لم تكن المسيرة هذه المرة عن طريق (قطار الموت) وإنما بأسلوب آخر هو (قافلة الموت). إن المعاناة في هذه المسيرة لم تحظ للأسف بأي تغطية إعلامية سواء عن طريق الصحف أو الوسائل الأخرى، والكثير من أبناء الشعب لم يسمع بها مطلقا، ما عدا ورودها في قصة بعنوان (ممر إلى الضوء) للمعتقل القاص ودود حميد الذي عايش مع رفاقه المعتقلين أدق لحظاتها الحرجة وكانوا شاهدي عيان عليها.

ويتلخص استعراضنا لهذه الملحمة البطولية للشيوعيين العراقيين في جمع جلاوزة البعث في هذه القافلة (قافلة الموت) المئات من الشيوعيين العراقيين لدى سلطات البعث بالبصرة في سيارات خشبية قديمة ومستهلكة في جو قائظ من حرارة الصيف وأعاصيره الرملية، تم حشرنا في تلك السيارات (الباصات)، ونحن لا نعلم عن الجهة التي سيرسلوننا إليها هؤلاء الأوباش، بعد أن تم إحاطتنا بجدار من أفراد شرطة البادية (الهجانة) وأضافوا إلينا المعتقلين في سجن البصرة القديم الذي كان يقابل المستشفى الجمهوري، والمعتقلين في سجن القوة البحرية.

راودتنا أفكار كثيرة، منها أنهم ربما سيأخذوننا إلى ساحات الإعدام الجماعي في معسكر الشعيبة، أو ربما سينقلوننا إلى سجون القاعدة الجوية، حيث أن الشعيبة شهدت اعتقال الكثير منا بعد حدوث مؤامرة (8 شباط 1963) الدموية السوداء.

القافلة كانت محاطة بحراسة مشدّدة من قبل أفراد شرطة البادية واصلت مسيرتها وتجاوزت منطقة الشعيبة، ودخلت في عمق أرض صحراوية قاحلة لم يطرقها بشر من قبل إلا من بعض الرعاة. طرق رملية وعرة وغير مسلوكة سابقا تتخللها عواصف الكثبان الرملية التي تدمي العيون وتمزق الأجساد العارية إلا من إيمانها بعدالة مبادئها الثورية. حتى وصلنا إلى منطقة (خضر الماء) واستمرت القافلة وبعد مشقة وعناء من جراء هذه المسيرة الهمجية وصلنا إلى قرية صغيرة حينذاك تسمى (بصية) وهي الآن ناحية، حيث كان لايوجد فيها غير مركز للشرطة تابع إلى (مديرية شرطة البادية الجنوبية) وثلاثة أو أربعة دور فقط. عند وصولنا لها وجدنا بئر ماء مالحة (مجة) وبسبب العطش الشديد الذي لا يرحم وكذلك شدة الجوع القاسي، أنزلونا في هذه الصحراء وأسلحة الطغاة موجهة نحو صدورنا، وذلك لغرض ارتشاف جرعة ماء مالحة نرطب بها شفاهنا المتيبسة جراء لهيب الريح العاتية، بالإضافة إلى معاناتنا من شدة الجوع. وفي (بصيه) تم إضافة معتقل واحد من مركز الشرطة إلى القافلة.

وبعد مسيرة مريرة عرفنا أننا في الطريق إلى سجن نقرة السلمان، وخلالها كنا نسأل شرطة البادية متى نصل إلى نقرة السلمان، فيقولون لنا باللهجة البدوية الدارجة أنها (شمرة عصا ورا التليلات تلك)، ونستمر بالمسيرة في قافلة الموت وهي تقطع البادية الجنوبية، وتمر الساعات القاسية حتى قاربت أكثر من (36) ساعة في هذه الصحراء المترامية الأطراف، حيث ضلّت طريقها عدة مرات، إلى أن حطّ بنا الرحال في سجن نقرة السلمان شبه أموات، هياكل محنطة لا تستطيع الكلام أو النطق.

إن طغاة البعث أرادوا في هذه العملية الخسيسة القضاء علينا بشكل خسيس بصورة جماعية من خلال قافلة الموت...


 

[1] التقديم .. الاهداء .. توطئة

 

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter