|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

 السبت  23 / 11 / 2013                                عبدالقادر العيداني                                  كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 


 

من أعماق السجون
نقرة السلمان ... قيود تحطمت

عبد القادر احمد العيداني
alidanykhader@yahoo.co.uk


حقوق الطبع محفوظة للمؤلف ..
لا يجوز طبع أو تصوير أو اقتباس أي مادة من الكتاب أو تسجيله صوتيا أو على الحاسوب أو في أقراص مدمجة إلا بموافقة المؤلف

موبايل: 07703136884
البريد الإلكتروني:
alidanykhader@yahoo.co.uk

واذ نباشر في موقع الناس نشر الكتاب على حلقات ، نتقدم من المؤلف الاخ العزيز عبدالقادر أحمد العيداني بجزيل الشكر والتقدير لاختياره الموقع لعرض هذا الكتاب القيم ، وتقديم حلقاته بنسخة الكترونية ، أملين التوفيق في ايصالها الى اوسع مدىً وجعلها في متناول كل من تعز عليهم مصالح الشعب والوطن ....

حكايات تروي الكفاح الملحمي للشيوعيين العراقيين
حيث الصمود والبسالة والإصرار على التضحية
للفترة (1963 – 1968م)
مع ملف عن معتقل قصر النهاية

تصميم الغلاف الأول والأخير: الفنان صالح جادري
تصميم المتن والإخراج الطباعي: قاسم محمد علي

تنويه للقارئ الكريم:
إن الصور المنشورة في الكتاب هي حصراً من إرشيف المؤلف الذي يحتفظ به منذ خمسة عقود، ونشر البعض منها في الصحف والمجلات العراقية وبعض مواقع الانترنيت، لذا اقتضى التنويه.

[5]

تفاصيل الحياة اليومية لسجناء نقرة السلمان



(إلى اليمين بعض ردهات السجن الجديد، وإلى اليسار سجن القلعة القديم)


"الحياة حلوة، لكن الموت في سبيل الشعب أحلى" .... (الشهيد مهدي حميد)

حُفِرَتْ على صخور سجن نقرة السلمان مئات القصص والحكايات عن مناضلين سيقوا بشكل بربريّ إلى هذا السجن الصحراوي المنعزل عن العالم، فكل صخرة كلسية بُنيت بها جدران وردهات السجن تحتفظ بآهات السجناء المغيّبين عن أهلهم وشعبهم، أو الذين اعتلوا المشانق، أو استشهدوا تحت التعذيب الهمجي تضحيةً ودفاعاً عن مبادئهم التي اعتنقوها بكل إباء وشمم مدركين حجم التضحيات الجسام.

فهذا الشهيد مهدي حميد، المناضل الثوري والشيوعي الجسور، يترك كلماته الأخيرة وبخط يده على إحدى صخور السجن (إن الحياة حلوة... لكن الموت في سبيل الشعب أحلى)، حين استدعته سلطات البعث بعد انقلاب (8 شباط 1963م) لغرض إبادته في معتقلات وزنازين الطغاة، ونفذت حكم الإعدام به.

تبدأ تفاصيل الحياة اليومية لسجناء نقرة السلمان (في فترة ستينيات القرن المنصرم) عند الساعة الرابعة فجراً، مع بدء السجين المرحوم صادق جعفر الفلاحي مزاولة تمارينه الرياضية اليومية بشكل مستمر بلا انقطاع، غير عابئ بارتفاع درجة حرارة الجو أو برودته بالرغم من كبر سنه. ومعه ينهض خفراء المطبخ لإعداد وجبة الفطور المكونة من الخبز الأسمر الذي نجده في اغلب الأوقات مرصّعاً بحبات الرمل بسبب العواصف الموسمية، فالسجن يقع في منخفض تحت سطح الأرض (منخفض نقرة السلمان).
ومع الخبز تُوزّع شوربة العدس أو الجبن في بعض الأحيان.

ومن الجدير بالذكر أن الشهيد (هندال جادر) هو الذي يقوم بتوزيع الخبز على الردهات بصورة عادلة، وكان الشهيد هندال صارماً وحريصاً على كميات الخبز ولا يفرّط بها أبداً.

ومن الطرائف التي حدثت ذات مرة خلال توزيع الخبز، أنه في احد الأيام جاءه السجين الدكتور فاضل الطائي طالباً خبزتين بسبب شدة الجوع في فترة لا يتم بها توزيع الخبز، فرفض هندال إعطاءه، فأخذ الدكتور يلاطف هندال قائلاً له إني برجوازي تنكرت لطبقتي الثرية وربطت مصيري بكَ أنت الطبقة العاملة (1)، فأجابه هندال بحدة (شسويلك...؟! خون الطبقة العاملة وارجع لبرجوازيتك!!). خلال هذا النقاش الحاد بين الاثنين سرق احد السجناء خبزتين من خلف هندال لغرض إعطائها إلى الدكتور فاضل الطائي بدون أن يراه هندال، ولو علم بهذه السرقة لقلب الأرض على السماء من شدّة حرصه وأمانته.

بعد ذلك يبدأ السجين جمعة الشبلي (أبو كادح) أحد عمال إضراب السكاير زمن حكم عبدالكريم قاسم بترديد كلماته المعتادة يومياً، وعلى نغماتها وجهوريتها ينهض أغلب السجناء بسبب صوته الذي يصل صداه في بعض الأحيان إلى قرية السلمان البعيدة عن السجن، وهي كلماته المعتادة: (خفراء قواويش ريوك.. ريوك) في الساعة السابعة صباحاً. فيتم التوزيع على الردهات وعلى سجن القلعة بواسطة السجناء الذين تقع عليهم خفارة ذلك اليوم لجلب الطعام إلى قاعاتهم، حينها يشكّل السجناء مجاميع بين (5 – 7) سجين، لغرض تناول الغذاء، أو يقوم مسؤول كل ردهة حسب جدول معدّ سلفاً بتوزيع السجناء على مجموعة لجلب الطعام وأخرى تقوم بتنظيف وكنس القاعة وتنظيف الساحات المجاورة لها بشكل يومي، ولا يستثنى من ذلك إلا المرضى وكبار السن.

ما أن تحلّ الساعة الثامنة صباحاً حتى يدخل حراس السجن مع ضباطهم لتتم عملية تعداد السجناء وهم جالسين داخل الردهات، كلٌّ على فراشه، مع سريان منع التجول داخل ساحة السجن، حتى يكون التعداد مطابقاً لإحصاءات إدارة السجن، ويتم الاستلام والتسليم من قبل وجبات شرطة السجن المكلفة بالحراسة حتى اليوم التالي حيث تعاد نفس السياقات لغرض التعداد. وخلال هذه العملية تكون ربايا السجن المبنية على السياج والمطلة على السجن والتي تبعد إحداها عن الأخرى حوالي ثلاثين متراً ممتلئة بشرطة الحراسات لغرض السيطرة على السجن، وتقع هذه الربايا في وسط أسلاك شائكة على ارتفاع سبعة أمتار عن الأرض، وذلك لغرض الحدّ من محاولات هروب السجناء من خلال الجدران التي تكون تحت نظر شرطة السجن من خلال الربايا، ويحمل الشرطة أضواء كاشفة خلال الليل لفحص السجن والجدران بشكل مستمر، وتعقب هذا الجدار العالي أسلاك شائكة على محيط السجن.

عند انتهاء عملية التعداد اليومي يلازم السجناء أفرشتهم الموضوعة على ارض الردهات لغرض سماع (نشرة الأخبار اليومية) التي سنأتي للحديث عنها لاحقاً، وكذلك للاستماع إلى توجيهات المنظمة الحزبية.

ويبدأ السجناء بعد ذلك للقيام بالواجبات المناطة بهم، حيث يبدأ البعض للقيام بالواجب المترتب عليهم، منها مثلاً تسخين الماء بواسطة بريمزات كبيرة لغرض إعداده للاستحمام والغسل خلال فترة الشتاء، ويرسل مسؤول الردهة مجموعة أخرى من السجناء إلى المطبخ لغرض تنظيف معدات الطبخ وتهيئة المستلزمات الضرورية لإعداد وجبات الطعام الأولية من بصل وطماطه وباذنجان وبامياء وفاصولياء..إلخ، حيث يجلبها متعهد السجن لجلب الأرزاق السيد عباس حذاف، وهو رجل طيب يتعاون مع ممثلي السجناء إلى أبعد حدود التعاون، وفي العديد من المرات أدخل الكثير من الأشياء الممنوعة من قبل إدارة السجن داخل أكياس الخضروات أو صناديق المواد الغذائية، وهنا أسجّل له عرفاناً واحتراماً لتحدّيه سلطات السجن وتحمّل المخاطر من جراء عمله هذا.

كان يُشرف على هيئة الطبخ الشهيد (وعد الله النجار) الذي أُعدم شنقاً في مدينة الموصل، والشهيد (عبدالزهرة مزبان المالكي) الذي استشهد في الأهوار وهو يقاتل الطغاة والحكام الفاسدين، كان واجبهما توجيه الطباخين من السجناء عن كيفية إعداد الطعام بصورة جيدة لآلاف السجناء.

أما ممثلو السجناء لدى إدارة السجن فإنهم بعد التعداد مباشرة يواصلون واجباتهم من خلال علاقتهم بإدارة ومنتسبي السجن، وهم كل من: عباس بغدادي، محمد السعدي، محمد عزو، كنعان العزاوي، وإبراهيم الدبوني، والأخيران كانا ضابطين في الجيش العراقي تم اعتقالهما وإرسالهما إلى سجن نقرة السلمان.

يكون واجب هؤلاء السجناء إنجاز الواجبات اليومية مع إدارة السجن، منها مثلا، تسليم واستلام رسائل السجناء إلى أهلهم وذويهم عبر بريد قضاء السلمان، وكذلك الطرود (الرزم) البريدية التي تحتوي في اغلب الأوقات على (الكليجة)، الأكلة المحببة للسجناء والتي تتحمل قساوة المناخ ولا تتعفن، إضافة إلى الاحتياجات والمستلزمات الأخرى التي يطلبها السجناء من أهاليهم.

وكذلك يستلم ممثلو السجناء التعليمات بخصوص وجبات السجناء التي ستصل إلى نقرة السلمان، أو السجناء المنقولين من سجون أخرى، أو مَن أنهى مدة محكوميته لغرض إطلاق سراحه، وفي اغلب الأوقات يتعرض المطلق سراحهم إلى جولات من التعذيب والمضايقات في دوائر أمن محافظته. وكذلك متابعة المسائل المتعلقة بالمرضى لغرض إرسالهم إلى مستشفى الديوانية ومعالجتهم من أمراضهم المزمنة أو الطارئة.

إن الوسيلة الوحيدة للحصول على ماء الشرب البارد نوعاً ما، كانت بواسطة كيس مائي من القماش الثخين (الجتري) يُطلق عليه شعبياً (الجود)، حيث لكل سجين جود ماء يعتني به وينظفه ويعلقه على الشباك لغرض الحصول على الماء البارد، فلا توجد في السجن ثلاجات، وإدارة السجن لا تجلب الثلج بسبب بُعد المسافة وعدم وجود معمل للثلج في قضاء السلمان.

ويتوزع سجناء آخرون لإنجاز مهامهم المناطة بهم لغرض تنظيم الحياة داخل السجن، فالأطباء يذهبون إلى العيادة الطبية داخل السجن لغرض معالجة السجناء من أمراضهم، وكذلك معالجة الحالات الطارئة كلدغة العقرب الفاحم السواد، أو بعض الأحيان الأفاعي، وذلك بتوفر الإبر ضد لدغة العقارب، وكذلك المغص في المعدة..إلخ. وتتجاوز أحياناً واجباتها لتشمل أهالي القرية ومعالجة شرطة السجن أحياناً.

من الحوادث التي لا تنسى أن إحدى نساء القرية تعسّرت لديها الولادة من قبل القابلة (الجدّة) في ساعة متأخرة من الليل، وكان الحلّ أما أن تتوفى المرأة أو يتوفى الطفل، جاء زوج المرأة بعد أن أخذ موافقة إدارة السجن مستغيثاً الأطباء، طالباً نجدته مهما كانت الأمور، ولا سيما أن المجتمع العشائري المتخلف في القرية يُحرّم فحص الدكتور للمرأة، فتطوّع أحد الأطباء لنجدته ورُزق الرجل بطفل سمّاه بإسم الدكتور.

كان يعمل في العيادة الطبية أطباء من أشهر الأطباء العراقيين في تلك الفترة، كالدكتور العقيد رافد صبحي أديب الجراح الذي اجرى العديد من العمليات داخل السجن بدون بنج او تخدير بسبب تعذر حصولنا عليها والطبيب والفنان أيضا قتيبة الشيخ نوري والدكتور نادر جلال والدكتور سالم سفر وطبيب الأسنان الدكتور فاضل الطائي والدكتور سعيد عزيز، بالإضافة إلى أطباء آخرين عملوا لفترة قصيرة بسبب انتقالهم إلى سجون أخرى، ويوجد كادر من المضمدين يقومون بواجبات التداوي والتضميد وزرق الإبر للسجناء. وكان يدير العيادة الطبية الراحل السجين مرتضى البجاري

بجانب العيادة الطبية تقع ورشة لتصليح أجهزة الراديو (ترانسستر)، وكان يعمل بها المرحومان عزيز خلف (أبو سعود) وعودة خلف. وتوجد في نفس الغرفة ورشة السمكرة يقوم منتسبوها بإدامة الفوانيس وتصليح وتهيئة (اللوكسات) التي توزع ليلا على الردهات، حيث حصة كل ردهة ثلاثة لوكسات لغرض الإنارة. وكان يعمل في ورشة السمكرة (فريد دانيال) و(اسكندر) و(عبدالخالق طاهر) و(رجب خميس).

ويزاول الخياطون عملهم لإنجاز احتياجات السجناء البسيطة من ملابس وقمصان وإعادة خياطة البدلة المخصصة للسجناء التي تسمى (الكانه)، وكان من الخياطين (طاهر أحمد) و(حسين عبود) و(محمد مسعود). وكذلك مخزن لبيع طلبات وحاجيات السجناء بأسعار مخفضة بأمر من لجنة التنظيم الحزبية. وكان يشرف عليه السجين كريم الشذر

أما غرفة خزن المواد الغذائية (المخزن) فقد عمل فيها (عبدالزهرة مزبان) و(هندال جادر) و(احمد صبحي الخطيب) و(لطفي شفيق) و(عبدالقادر العيداني).

توجد مزرعتان لسد حاجة السجناء من مواد أولية تدخل في الطبخ من بامياء وباذنجان ومخضرات، وكانت تسقى بماء الاستحمام وغسل الملابس وذلك بسبب ندرة المياه.

أما السجناء الذين يعفون من الواجبات فإنهم يذهبون إلى صفوف محو الأمية إن كانوا لا يستطيعون القراءة والكتابة، هذه الصفوف التي بناها السجناء من خليط الرمل بالتراب، وكانت مكافحة الأمية بطريقة المرحوم يحيى (ق) لمحو الأمية لدى الكبار، فأصبح الكثير من الأميين يكتبون الرسائل إلى أهاليهم، ويقرأون الكتب لزيادة معارفهم الثقافية. وسجناء آخرون يذهبون إلى صفوف تعليم اللغات مثل الانكليزية والفرنسية والألمانية والروسية بالإضافة إلى اللغة الكردية.

توجد في السجن مكتبة كبيرة تحوي على العديد من الكتب من أروع نتاجات الثقافة العربية والعالمية من أدب وفن وسياسة واجتماع.. في قاعة المكتبة يتواجد أغلب الأحيان الكثير من القراء، فتراها كخلية النحل فالمناقشات السياسية والفلسفية والأدبية متواصلة على طول اليوم، حيث يجلس خيرة أدباء العراق ومثقفيه كالفريد سمعان وسعدي يوسف وخالد الخشان ومظفر النواب وفاضل ثامر وجاسم المطير وهاشم صاحب ومحمد الجزائري وجمعة اللامي ودينار السامرائي ووديع عمر نظمي ومكرم الطالباني وسميع داود وودود حميد وغيرهم من الأدباء والمثقفين والفنانين والمسرحيين.

كانت أغلب الكتب تصلنا أما عن طريق البريد من دور النشر اللبنانية ونرسل لها أثمان الكتب بواسطة حوالة بريدية، أو من الأصدقاء خارج السجون وخاصة المطبوعات العراقية، أو نحصل عليها من خلال عوائلنا عندما تأتي للمواجهة.

من الطرائف التي لا تُنسى ، أنه عندما صدرت ترجمة كتاب (عشرة أيام هزّت العالم) للكاتب الأمريكي جون ريد إلى اللغة العربية، تحدث فيه بالتفصيل عن الأيام العشرة الأولى لثورة أكتوبر الاشتراكية في الاتحاد السوفياتي، وصلنا منه أعداد كثيرة، فأثار هذا العدد انتباه إدارة السجن، مما دفع ضابط السجن في إحدى المرات لأن يقول (خبصتونا بهذا الكتاب إنطوني نسخة منه لأرى هل يهزّني..؟ أم لا..!!). وبالتأكيد إن أحداث هذا الكتاب هزّته بعنف.

كان كل كتاب يصدر حديثاً ويصل إلى السجن يبدأ الحجز عليه من قبل السجناء لغرض قراءته، وتبدأ الدراسات النقدية عليه، وإن كان الكتاب مهماً تتشكل الحلقات الحوارية لمناقشة ما ورد في الكتاب.

عندما حانت فترة إطلاق سراحي وصلتنا رواية (أولاد حارتنا) لنجيب محفوظ فتوسطت لدى إدارة المكتبة لغرض مطالعته خارج سياق التسلسل وذلك لقرب إطلاق سراحي، فتمَّ لي ذلك.

يقوم سجناء آخرون بإدامة العلاقات الاجتماعية فيما بينهم كالتزاور أو الاطمئنان على المرضى أو كبار السن من السجناء أو استعارة الكتب من المكتبة الأخرى في السجن التي كنا نطلق عليها (المكتبة الثورية) وهي تحتوي على الكتب والكراريس الحزبية وكتب الفلسفة الماركسية وما يدخل ضمنها من كتب اقتصادية أو نشرات حزبية، وهي مكتبة سرية غير ظاهرة للعيان بسبب خطورة الكتب الموجودة فيها.

في فترة تناول الغداء يعود (جمعة الشبلي - أبو كادح) بصوته المحبب الذي يتناغم مع بطون الجياع وبصوته الجهوري يعيد نفس الطقوس في فترة العشاء.

بعد وجبة الغداء توجد فترة راحة ونوم إلزامي للسجناء، يكون الكلام المرتفع ممنوعاً بتاتاً لحين حلول ساعات العصر، فتبدأ النشاطات الرياضية ككرة القدم والسلة والطائرة وممارسة العاب الشطرنج والطاولي.

عند غروب كل يوم تدخل ورشة السمكرة بالإنذار والعمل المتواصل لغرض تجهيز اللوكسات بالنفط وإدامتها ومن ثم توزيعها على ردهات السجن لغرض الإنارة.

بعد تناول وجبة العشاء يبدأ السجناء بالتمشي والتحاور في ساحة السجن، إلى أن يحين موعد النشاطات المسائية، حيث الأمسيات السياسية والمحاضرات والنشاطات الثقافية والمسرحية وسباقات الشطرنج، ويقوم البعض بالمطالعة أو كتابة الأفكار وما يجود به عقل السجين من قصة أو قصيدة أو مقالة سياسية. ويقوم آخرون بالتزاور أو توديع المغادرين واستقبال القادمين من سجون أخرى.

عند حلول منتصف الليل تُوزّع واجبات خفارات الحماية الذاتية للسجناء تفاديا لهجمات ليلية متكررة من قبل إدارة السجن هدفها إزعاج السجناء أو تكون هذه الاستفزازات بحسب سخونة الجو السياسي خارج السجن. وينظم مسؤول الردهة جدول الخفارة الليلية فتكون حصة كل سجين ساعتين، وعند انتهاء حراستهما يكلف سجينان آخران بواجب الخفارة حتى السادسة صباحاً.

في شهر أيلول عام (1963م) وصلت إلى سجن نقرة السلمان مفرزة من الحرس القومي، وأصبحت إدارة السجن تحت إمرتها وتتلقى الأوامر منها، كانت هذه المفرزة بإمرة المجرم سليم الزيبق الذي أصدرت بحقه محكمة الشعب في عهد ثورة 14 تموز بالإعدام شنقا حتى الموت، ولكن سياسة عبدالكريم قاسم المتذبذبة وغير الجريئة خفضت حكمه إلى المؤبد فخرج من السجن بعد انقلاب شباط حاقدا بأعماله القذرة ضد القوى التقدمية، وممارسة المضايقات والتعذيب ضد السجناء السياسيين. وكانت هذه المفرزة القذرة تستخدم شتى أساليب وصنوف الإرهاب لغرض محاربة السجناء من اجل التخلي عن مبادئهم، فعمدت إلى غلق أبواب الردهات بعد أن كانت مفتوحة طيلة الليل والنهار، وحشرت السجناء في الردهات لتشديد الخناق عليهم. كانوا يسمحون للسجناء بالخروج مرتين في اليوم لدقائق قليلة لغرض قضاء حاجياتهم، ومن يتأخر خلال هذه الدقائق تقوم المفرزة باستعمال أساليب الضرب والركلات واستعمال البنادق والرشاشات لضرب السجناء الذين يتأخرون، ويتحمل السجين هذا التعذيب البربري متحدياً فلول الحرس من الجلادين، فلا يركض أمامهم خوفاً بل يستمر بالسير بشكل طبيعي والضربات تنهال عليه من كل حدب وصوب من قبل عصابات الحرس القومي وتعاونهم بذلك إدارة السجن.

ومن أعمالهم الاستفزازية الأخرى إطلاق العيارات النارية من رشاشاتهم داخل ساحات السجن، وأصبحوا يطلقون هذه العيارات داخل الردهات وعلى أرجل السجناء وأفرشتهم، كما حدث في معركة باسلة خاضها السجناء في الردهة السادسة مع أوباش الحرس يوم (16/ 11/ 1963) أي قبل سقوط البعث الفاشي بيومين، وبعدها تم استدعاء بعض السجناء إلى إدارة السجن لغرض الضغط عليهم للتخلي عن مبادئهم وإعلان البراءة من الحزب الشيوعي.

على إثر هذه الحادثة حين واجه الفاشست السجناء، الذين لا يملكون إلا النعل والأحذية سلاحهم الوحيد، فردّت عصابات البعث المدججة بالسلاح، وقامت إدارة السجن وبالتنسيق مع مفرزة الحرس القومي باختطاف حوالي سبعة سجناء من ضمنهم المرحوم (جبار ناصر) والمرحوم (عبدالله عبيد) والرفيق (كريم الشذر) وآخرين لا تحضرني أسماءهم، وبعد أن تعرضوا لصنوف من أعمال التعذيب، تم حلاقة رؤوسهم للتنكيل بهم، وبعد ذلك بدأ الفصل الثاني من هذه المهزلة بأن أمر مدير السجن والحرس القومي هؤلاء المناضلين الأباة برفع بقايا شعرهم من الأرض، إلا أنهم أبوا أن ينفذوا طلبهم، لئلا تحسب عليهم نقطة ضعف أمام الأعداء، فما كان من زمرة السجانين والحرس القومي إلا أن تعيد حفلات التعذيب والإرهاب، لكنهم تحدوا الأعداء برجولة قلّ نظيرها.

ولم يتم الخلاص من إرهاب فلول الحرس القومي، إلا بعد أن فرّوا مذعورين كالجرذان هاربين على اثر انقلاب (18 تشرين الثاني 1963) حيث طويت الصفحة السوداء الكالحة السواد من تسلط حكم البعث الفاشي.


 

(1) كان هندال يُلقـّب من قبل السجناء الطبقة العاملة رقم واحد.

[4] سجن نقرة السلمان
[3] البادية الجنوبية

[2] إنتفاضة معسكر الرشيد... وقافلة الموت
[1] التقديم .. الاهداء .. توطئة

 

 

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter