|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

 الأربعاء  27 / 11 / 2013                                عبدالقادر العيداني                                  كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 


 

من أعماق السجون
نقرة السلمان ... قيود تحطمت

عبد القادر احمد العيداني
alidanykhader@yahoo.co.uk


حقوق الطبع محفوظة للمؤلف ..
لا يجوز طبع أو تصوير أو اقتباس أي مادة من الكتاب أو تسجيله صوتيا أو على الحاسوب أو في أقراص مدمجة إلا بموافقة المؤلف

موبايل: 07703136884
البريد الإلكتروني:
alidanykhader@yahoo.co.uk

واذ نباشر في موقع الناس نشر الكتاب على حلقات ، نتقدم من المؤلف الاخ العزيز عبدالقادر أحمد العيداني بجزيل الشكر والتقدير لاختياره الموقع لعرض هذا الكتاب القيم ، وتقديم حلقاته بنسخة الكترونية ، أملين التوفيق في ايصالها الى اوسع مدىً وجعلها في متناول كل من تعز عليهم مصالح الشعب والوطن ....

حكايات تروي الكفاح الملحمي للشيوعيين العراقيين
حيث الصمود والبسالة والإصرار على التضحية
للفترة (1963 – 1968م)
مع ملف عن معتقل قصر النهاية

تصميم الغلاف الأول والأخير: الفنان صالح جادري
تصميم المتن والإخراج الطباعي: قاسم محمد علي

تنويه للقارئ الكريم:
إن الصور المنشورة في الكتاب هي حصراً من إرشيف المؤلف الذي يحتفظ به منذ خمسة عقود، ونشر البعض منها في الصحف والمجلات العراقية وبعض مواقع الانترنيت، لذا اقتضى التنويه.

[6]

الاحتفالات بالأعياد الوطنية
والأممية في سجن نقرة السلمان



الرفيق كاظم فرهود يوقد الشموع إيذاناً ببدء الاحتفالات

سلاماً وفي يقظـتي والمنـام ِ
وفي كلِّ سـاع ٍوفي كلِّ عام ِ
تهادى طيوف الهداة ِ الضخام ِ
تطايح هـامـاً على إثر ِ هام ِ
سلاماً وما انفكَّ وقدُ الضرامِ
من الدم يشـخَصُ حيَّاً أمامي

(من قصيدة للجواهري على إثر استشهاد الرفيق سلام عادل عام 1963م)

دأب الشيوعيون في كل سجون العراق، وسجن نقرة السلمان من ضمنها، على إحياء المناسبات الوطنية والأممية، وكذلك إقامة الاحتفالات التأبينية لذكرى استشهاد رفاق وقادة الحزب، فتجد السجناء من النشاط والعمل الاستثنائي لإيفاء هذه المناسبات حقها، حيث تقوم لجنة المناسبات، بتهيئة وإعداد الترتيبات الضرورية لإنجاح المناسبات، بعد أن يتم تشكيلها من قبل لجنة التنظيم الحزبية التي كان يقودها (عبدالوهاب طاهر) مع (سامي أحمد) و(جوهر صديق شاويس) و(عباس المظفر)، وأُضيفَ إليها في فترات متفاوتة أخرى حسب الوجود في سجن نقرة السلمان الرفاق: (سليم إسماعيل) و(مكرم الطالباني) و(كاظم فرهود) و(حسين سلطان) و(كاظم الصفار) و(صاحب ميرزا) و(عادل سليم).

كان للرفيق فهد الدور الأساسي في إرساء قواعد هذه التقاليد، تلقفتها أجيال الشيوعيين من السجناء جيلاً بعد جيل، فعندما يقارب موعد حلول أية مناسبة يقوم السجناء بحملة جماعية لتنظيف مرافق وزوايا السجن كافة من بقايا النفايات، ويُحضر السجناء أجمل ملابسهم لهذه المناسبة، ويرتدي السجناء الشيوعيون من القومية الكردية ملابسهم الخاصة بهم، ويرتدي الرجال كبار السن من العرب الزيّ العربي اعتزازاً بهذه المناسبة.

تبدأ المناسبات في كل عام يوم (14 شباط) يوم الشهيد الشيوعي، ذكرى جريمة إعدام الرفاق يوسف سلمان يوسف (فهد) قائد الحزب الشيوعي العراقي ورفيقيه حسين محمد الشبيبي وزكي بسيم (14 / 2 / 1949م).

يبدأ الاحتفال بترديد النشيد الأممي، وأناشيد أخرى كنشيد (السجن ليس لنا نحنُ الأُباة)، ويتحدث بعض الرفاق من السجناء الذين عايشوا هؤلاء الشهداء، سواءً في مجال التنظيم الحزبي أو في السجون، بالتحدث عن ذكرياتهم والتطرق إلى سجايا وبساطة هؤلاء الرفاق، وخاصةً توجيهات الرفيق (فهد) ووصاياه للشيوعيين العراقيين، وكذلك مواقفه البطولية وقدرته التنظيمية لتجنب الوقوع بين أيدي العدو.

والمناسبة الأخرى هي ذكرى استشهاد الرفيق حسين أحمد الرضي (سلام عادل)، السكرتير الأول للجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي في يوم (7 / 3 / 1963م) على أيدي حزب البعث الفاشستي في معتقل (قصر النهاية) مع رفيقيه (محمد حسين أبو العيس) و(حسن عوينه)، بعد أن تحدّوا الجلادين الطغاة في أقسى عملية بربرية شهدها التاريخ، حيث بترت أجزاء من الجسم وقلعت عيون الشهيد سلام عادل.

وفي الذكرى السنوية الأولى كلفتني لجنة التنظيم بإلقاء كلمة التأبين بحق الشهيد (حسن عوينه)، وتمّ بهذه المناسبة إلقاء القصائد والكلمات بحق الشهداء والتطرق إلى مآثرهم وتضحياتهم التي قدموا بسببها أرواحهم قرباناً على مذبح الحرية من اجل (وطنٌ حرٌ وشعب سعيد).

ومن المناسبات والأعياد الوطنية المجيدة، التي يستمر الاحتفال بها أكثر من عشرة أيام متواصلة كل عام، تبدأ من (21 آذار) العيد القومي للشعب الكردي (نوروز)، ذكرى انتصار (كاوا) الحداد على الحاكم المتسلط على رقاب الشعب الكردي (الضحاك)، حيث تلتهب جبال الوطن في شمال بلدنا بمشاعل النار حتى الصباح ولعدة أيام. ونحن بدورنا نحتفل بهذه المناسبة لغاية (31) آذار ذكرى تأسيس الحزب الشيوعي العراقي في عام (1934م)، فتتمازج وتتواصل الدبكات الكردية بالدبكات العربية ويصدح صوت المغنين ويشمر عن سواعدهم المسرحيون لتقديم الأفضل. أما عن النشاطات الثقافية والأدبية فحدّث ولا حرج لتمجيد هاتين المناسبتين.

وبهذه المناسبات تُستنفر هيئة المطبخ كل جهودها لإظهارها بالوجه الحسن، وإعداد أحسن الأكلات والأطعمة للسجناء وذلك من خلال توفير المواد الأولية للطبخ وتنظيفها خلال الأيام التي تسبق المناسبة.

وتبدأ لجان المناسبة بتنظيم الفعاليات الرياضية، كنهائي بطولة السجن في كرة القدم والسلة والطائرة والعاب الساحة والميدان والشطرنج، ويتم توزيع الجوائز على الفرق المتفوقة والفائزة، وكذلك تمنح الشهادات لخريجي دورات محو الأمية ودورات اللغات ودورات الفلسفة والاقتصاد السياسي والنشاطات الأخرى. وغالباً ما تلفت هذه الفعاليات انتباه حرس السجن من خلال معالم الزينة الموضوعة في أسقف الردهات، فيستفسرون منا عن هذه المناسبة وحين نعلمهم بها يقابلوننا بالتهاني ونقدم لهم (الشربت والجكليت). وعادةً ما يسأل شرطة السجن عن المناسبات التي يحتفل بها الشيوعيون حين استطالت الفترة الزمنية.

وفي مناسبة الاحتفال في عيد الطبقة العاملة العالمي في الأول من أيار الذي له وقع خاص على قلوبنا نحن الشيوعيين العراقيين، وذلك لأن هذا العيد تعمد وانتصر بدماء العمال الأميركيين من خلال إضراباتهم في شيكاغو، دفاعاً عن حقوقهم الطبقية في تحديد ساعات العمل وتحقيق مطاليبهم الحياتية وذلك في عام (1886م)، والتي استمرت لغاية عام (1889م) حيث أُرغمت السلطات الأميركية بالرضوخ لمطاليب العمال والاعتراف بالجرائم والدسائس التي حيكت ضد العمال من قبل السلطات الأميركية وأرباب العمل الرأسماليين، فأصبح هذا اليوم تقليداً يحتفل به كل عمال العالم تضامناً مع الطبقة العاملة في أميركا.

وفي هذه الاحتفالية يتم استذكار نضالات الطبقة العاملة العراقية بدءاً من أول إضراب لعمال مزلق (الدوكيارد) في محافظة البصرة من قبل عمال الموانئ العراقية ضد المحتلين الانكليز، وكذلك استذكار إضراب عمال (كاورباغي) في كركوك، وإضراب عمال السكك والنفط والسكاير والموانئ والنشاطات العمالية الأخرى. وكذلك استذكار بدايات نشوء التنظيم النقابي العمالي في زمن العهد الملكي، حيث اضطرت السلطة تحت ضغط وإضرابات العمال إلى الاعتراف بالنشاط النقابي إلا أنها استمرت في اضطهاد العمال واعتقالهم بشتى الحجج.

أما مناسبة ذكرى ثورة (14 تموز) فتحظى باهتمام وبعناية استثنائية للاحتفال بها كونها العيد الوطني للشعب العراقي، وفي هذه الاحتفالية يتم استخلاص التجارب والدروس والعبر عن أسباب انتكاسة هذه الثورة التي أدّت إلى سقوطها، ومحاولات الاستعمار وعملائه من شراذم بعض الأحزاب القومية والبعثية للقضاء على مكتسبات الشعب العراقي.

كذلك يتم الاحتفال بذكرى ثورة أكتوبر الاشتراكية العظمى التي انتصرت في عام (1917م) بقيادة الرفيق لينين، فتستنفر كل الجهود والإمكانيات لإظهارها بالشكل الذي تستحقه من خلال النشاطات الثقافية والمسرحية والرياضية، ويتم استذكار تأثير ثورة أكتوبر على العالم وعلى شعوب الشرق بشكل خاص.

في هذه الاحتفالات حيث النشاطات المتنوعة بكافة صنوفها، يبرز دورٌ استثنائي لشاعرنا الكبير مظفر النواب ورفيقه السجين (سعدي الحديثي) بترديد أشعار مظفر غنائياً وبصوت عال، حيث يجلس كل منهما في زاوية بعيدة عن رفيقه ليرددا بينهما شعر مظفر غنائياً، فيعمّ الصمت المطلق على ساحات السجن وردهاته من اجل الاستمتاع بسماع هذا الغناء الثوري الذي يحلق فوق أسوار السجن ويجوب فيافي الصحراء المترامية ويصل صوتها إلى الناس في قرية السلمان، ويتحلق أفراد شرطة السجن على الربايا المحيطة بالسجن وعلى سطوح القلاع القديمة، وهم يستمعون بكل شغف إلى أروع الأغاني الريفية والبدوية يرددها مظفر وسعدي.

كان مظفر يردد كل أشعاره غنائيا وبصوت شجيّ يُعطي للمناسبات حقها، وكذلك كان يساهم في معارض الرسم التي تقام في السجن بهذه المناسبات، ولاسيما أنه بالإضافة إلى كونه شاعراً ومغنياً فهو رسام بارع من الطراز الأول، وكان من جماعة بغداد للفن الحديث التي أسسها المرحوم جواد سليم في خمسينيات القرن الماضي.

وهناك مناسبات أخرى يحييها الشيوعيون حسب الظروف السجنية وأهمية تلك المناسبات.

وكان للنشاط الثقافي والأدبي في سجن نقرة السلمان دورٌ متميّزٌ، خاصة وأنه يضمّ في غياهبه المظلمة مجموعة خيّرة من الأدباء والمثقفين إضافة إلى ما ذكرناهم سابقاً كل من: عبدالوهاب القيسي وكمال عمر نظمي وعبدالقادر البستاني وعزيز سباهي وعزيز الشيخ وصادق جعفر الفلاحي ومصطفى عبود والدكتور صلاح الخزرجي والشخصية الفلاحية عبدالمهدي حسون (أبو أسلم) وسامي أحمد.

من هذه النشاطات الفعاليات المسرحية والغنائية حيث تقدم كل مجموعة شيئاً من الفلكلور الشعبي الذي تتميز به المحافظات العراقية، أما الأغاني الخليجية والكويتية فكانت من حصة أهل البصرة حيث البراعة والفن الذي يشدّ المستمعين بقيادة المرحوم (عبدالخالق طاهر)، فبالرغم من قساوة الحياة وضنك العيش في هذه الصحراء القاسية كان لرفاقنا دور متميز ومساهمات غنائية ودبكات راقصة.
من ضمن هذه النشاطات، تشكلت في سجن نقرة السلمان فرقة مسرحية غنائية أُطلق عليها فرقة (شبيشه)(1). وكانت تضم سجناء من مختلف شرائح المجتمع العراقي، المتواجدين في سجن نقرة السلمان، أي أنها ليست محددة على منطقة معينة من العراق. تأسست هذه الفرقة عام (1963م)، وقد شارك في نشاطاتها العديد من الرفاق أمثال: جبار كوزي، داود يصغ، سلمان كاظم، جبار جعاز، عباس هجول، علي الكعبي، عبدالزهرة ديكان، إبراهيم كرماشه، جمعة الشبلي الذي كان يقود مجموعة تردد الأغاني الخليجية والزنجية، من أبرز أغانيها (دكو معايا هل اليوم... لحن النوبه).

أما أغاني السجون الأخرى فقد طورتها هذه الفرقة بأساليب حديثة وأضافت إليها أغانٍ جديدة كأغنية (السجن ليس لنا نحن الأُباة) و(يالرايح للحزب خذني) وغيرها من الأناشيد والأغاني الثورية.

 

(1) اسم (شبيشه) مشتق من شبيشة وهو خليط (النمنم) الذي كان يتقنه ويتفنن به بعض السجناء لعمل الحقائب واللوحات الفنية.
 

[5] تفاصيل الحياة اليومية لسجناء نقرة السلمان
[4] سجن نقرة السلمان

[3] البادية الجنوبية

[2] إنتفاضة معسكر الرشيد... وقافلة الموت
[1] التقديم .. الاهداء .. توطئة

 

 

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter