|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

 الخميس 9  / 1 / 2014                                عبدالقادر العيداني                                  كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 


 

من أعماق السجون
نقرة السلمان ... قيود تحطمت

عبد القادر احمد العيداني
alidanykhader@yahoo.co.uk


حقوق الطبع محفوظة للمؤلف ..
لا يجوز طبع أو تصوير أو اقتباس أي مادة من الكتاب أو تسجيله صوتيا أو على الحاسوب أو في أقراص مدمجة إلا بموافقة المؤلف

موبايل: 07703136884
البريد الإلكتروني:
alidanykhader@yahoo.co.uk

واذ نباشر في موقع الناس نشر الكتاب على حلقات ، نتقدم من المؤلف الاخ العزيز عبدالقادر أحمد العيداني بجزيل الشكر والتقدير لاختياره الموقع لعرض هذا الكتاب القيم ، وتقديم حلقاته بنسخة الكترونية ، أملين التوفيق في ايصالها الى اوسع مدىً وجعلها في متناول كل من تعز عليهم مصالح الشعب والوطن ....

حكايات تروي الكفاح الملحمي للشيوعيين العراقيين
حيث الصمود والبسالة والإصرار على التضحية
للفترة (1963 – 1968م)
مع ملف عن معتقل قصر النهاية

تصميم الغلاف الأول والأخير: الفنان صالح جادري
تصميم المتن والإخراج الطباعي: قاسم محمد علي

تنويه للقارئ الكريم:
إن الصور المنشورة في الكتاب هي حصراً من إرشيف المؤلف الذي يحتفظ به منذ خمسة عقود، ونشر البعض منها في الصحف والمجلات العراقية وبعض مواقع الانترنيت، لذا اقتضى التنويه.

[11]

شهداء ومناضلون
من سجن (نقرة السلمان)

(2)
الشهيد هندال جادر
ابن الطبقة العاملة العراقية

الرجل يتحدث
والأفق يحمرّ..
ويحمرّ.. ويحمرّ
أحمرّ الأفق... واسوَدّ
إسوَدَّ الأفق
واحمرَّ
ثم انفجرت براكين الغيظ
وأمطرت السماء دماً
سال بكل شوارع بصرتنا
ليكتب اسم النقابي
الشهيد هندال جادر
                        الشاعر عبدالسادة البصري

 
إن هذا العامل الطبقي الشهيد (هندال جادر) الذي أنجبته محلة الخندق (نهير الليل) في مدينة البصرة، لم تفلّ جدران السجون الرهيبة وحفلات التعذيب البربري، من روحه الشيوعية ووعيه الطبقي، الذي تفتح في ريعان شبابه، وواصل لسنوات طويلة العمل الحزبي والنقابي خدمة للطبقة العاملة العراقية.

وُلد الشهيد (هندال جادر العيداني) عام (1923م)، وترعرع في أحضان الطبقة العاملة وتبلور وعيه الطبقي من خلال تصاعد نضاله الوطني، وكان يتلمس الاضطهاد والبؤس الواقع على العمال من قبل أرباب العمل والمتنفذين على ضرب مصالح الجماهير.

دخل المعترك السياسي في بداية الخمسينيات من القرن الماضي، حيث قام بتوزيع نشرات الحزب تضامناً مع ثورة مصدق في إيران، وكان يتردد عليه معلم شيوعي يدعى (جلال)، كان هذا الشخص يكتب النشرات الحزبية بواسطة اليد على ورق الكاربون حيث يستفيدون من منطقة (الأسياف) وهي مخازن للحبوب وكراً لهم كونها بعيدة عن الأنظار أو مراقبة أعوان السلطة من الشرطة والأمن.

بعد قيام ثورة (14 تموز 1958م) قاد الشهيد هندال أول تظاهرة عمالية في منطقة الخندق من مدينة البصرة تأييداً لثورة تموز، وما أن مرّت عدة شهور على قيام الثورة، حتى بادر الشهيد بتأسيس أول نقابة عمالية سميت (نقابة عمال الكيل والحمالة)، التفّ حوله آلاف العمال من أصحاب المصلحة الحقيقية في الثورة، لكن هذا النشاط العمالي أثار غضب التجار وأصحاب مخازن الحبوب (الأسياف) من أمثال بيت (الذكير والعقيل والمهيدب) وغيرهم، لكن هندال لم يأبه لهم، فاستمرّ في مطالبته بتحسين ظروف عمال الكيل والحمالة وحمايتهم والمطالبة برفع أجورهم وتحديد ساعات العمل، ومنع العمالة الأجنبية من ممارسة العمل في هذا المجال. وكان صوت الشهيد هادراً ويتردد على لسان أبناء البصرة، ومثار حديثهم لتفانيه في سبيل الطبقة العاملة، لكن الذين لا تحلوا لهم هذه الروح النضالية، أخذوا يحيكون الأحابيل والمؤامرات ضده.

في أواخر عام (1959م) اعتقلته أجهزة الأمن بتهمة تحريض العمال، فكان ذلك اليوم يوماً تاريخياً في مدينة البصرة، لا زال أبناء البصرة يعيدون ذكرياتها لحد الوقت الحاضر، فأصبحت منطقة الخندق محرّمة على كل مسؤول يدخلها، وأعلن العمال إضرابهم البطولي، وساروا بتظاهرة كبيرة، قُدّرت بحوالي خمسة آلاف متظاهر، بدأت من جسر الخندق القديم، فشارع دينار وصولاً إلى متصرفية البصرة (المحافظة). وكان المتظاهرون يرددون الهتاف التالي: (يمصيرف حي ميّت هندال انريده)، (وتعني كلمة (مصيرف) أي المتصرف حاكم المدينة، وهو المحافظ حالياً. وما أن وصلت المظاهرة إلى مبنى المتصرفية القديم، كان عبدالرزاق عبدالوهاب متصرف البصرة، ينظر لهم من شرفة البناية، فأمر مدير الشرطة دعوة قادة التظاهرة دخول المبنى للتفاوض معهم حول إطلاق سراح هندال العيداني، والتعرف على مطاليبهم الأخرى بعد انصراف وتفرّق المظاهرة، إلا أن المتظاهرين رفضوا الانصراف، مما أدّى بالشرطة إلى إطلاق العيارات النارية في الهواء بغية تفريقهم، إلا أنهم استمروا على شكل مجموعات في الأزقة بجانب المحافظة حتى المساء.

وبسبب عدم تفرّق المتظاهرين حتى مساء ذلك اليوم، مما حدا بالمتصرف وبالتعاون مع التجار الذين شخّصوا قادة التظاهرة، حيث تم اعتقال العديد من العمال. وبهذا الإصرار الطبقي للعمال أذعنت السلطات وأطلقت سراح هندال جادر، وعاد إلى بيته في صرائف (نهير الليل) في الساعة الحادية عشرة ليلاً، لكنه لم يستكين لإرهاب السلطات، فغادر البصرة صباح اليوم التالي إلى بغداد لمقابلة الحاكم العسكري العام (أحمد صالح العبدي) آنذاك، وأطلعه على الوضع في مدينة البصرة بكل تفاصيله، وطالب بإطلاق سراح قادة التظاهرة الذي بلغ عددهم خمسة عشر عاملاً نقابياً، فتم إطلاق سراحهم بأمر من الحاكم العسكري العام.

عاد الشهيد إلى مدينة البصرة مرفوع الرأس، وقد احتضنته جموع العمال الغفيرة وهم يهتفون بحياته ويعاهدونه على مواصلة النضال خلف رايته.

وتوالت الأيام، وأصبح الشهيد رمزاً لنضال الطبقة العاملة، مما أغاظ بعض الجبناء ورجال الأمن، فأخذوا يلفقون التهم ضده، فألقوا القبض عليه في أحد الأيام قرب (ساعة سورين) آنذاك، لغرض حلاقة شواربه أمام الناس في رأس السوق، لكنهم لم يفلحوا، ودارت معركة بينه وبينهم وكان شجاعاً وبارعاً كما عهدته طبقته العاملة.

في عام (1962م) وفي ساعات الظهيرة داهمت فلول الأمن مسكنه(الصريفة) الواقع في محلة (نهير الليل، التميمية)، فعثروا على بعض النشرات الحزبية، مما اضطر زوجته إلى إخفائها تحت ملابسها، ودارت معركة بين فلول الأمن وهذه المناضلة، فقذفت مفوض الأمن (فاضل سلمان) بـ(خميرة الطين)، وهو طين يستعمل للبناء، واقتادوها مع زوجها إلى مديرية الأمن، وبعد مطالبة جماهير البصرة بإطلاق سراحهم، تم الإفراج عن (أم حسن) زوجته من المعتقل، بسبب إنجابها طفلة داخل المعتقل . سماها الشهيد هندال (كفاح)

أما هندال فقد استمر موقوفاً حتى إحالته إلى المجلس العرفي العسكري الأول، وحُكم عليه بالسجن لمدة خمس سنوات وأُودع سجن (نقرة السلمان). وكان دخوله إلى سجن (نقرة السلمان) بمثابة صقل لأفكاره الشيوعية، وتعلم مبادئ القراءة والكتابة، وتعمقت لديه المبادئ الشيوعية، وخلال وجوده في السجن صدر عليه حكم آخر لمدة سنتين لم تُعرف أسبابه.

كانت حياته في سجن (نقرة السلمان) تتسم بالوعي الشيوعي الطبقي، وكان كثير الكتمان والحذر والحرص الشديد على أسرار المنظمة الحزبية، وكان ناكراً لذاته مضحياً في سبيل الحزب كالطود الشامخ، ويعرف حاله الكثير من السجناء الذين عايشوه بعد انقلاب (8 شباط 1963)، وظل متحدياً للطغاة بالرغم من أن له عائلة كبيرة وزوجتان، وبدون مورد رزق لها...

بعد انقلاب (17 تموز 1968م) أطلق سراحه بموجب قرار العفو العام عن السجناء السياسيين، فعاد إلى أحضان شعبه وطبقته العاملة مناضلاً وفياً لمبادئ الحزب الشيوعي، ومستعداً للتضحية بحياته من اجل المبادئ السامية والعقيدة الراسخة في سبيل الطبقة العاملة العراقية.

في عام (1978م) تلقى الشهيد دعوة من قبل اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفياتي، لحضور المؤتمر الرابع والعشرين للحزب، وسافر إلى موسكو عن طريق كردستان، وبقي في الاتحاد السوفياتي مدة شهرين، وعاد إلى وطنه، ولم تمض مدة طويلة إلا وتم اعتقاله ولم يطلق سراحه إلا في أيلول عام 1979م. وبعد إطلاق سراحه عاد إليه الأوباش وفلول البعث المنهار في نيسان (1980م) واعتقلوه مرة أخرى، وفي هذا الاعتقال غُيِّبَ الشهيد، حاله حال الآلاف من الوطنيين. ولم تُعرف أخباره إلا بعد سقوط صنم بغداد في (9 / 4 / 2003م)، حيث عثر أهالي البصرة على وثيقة إعدامه في بناية امن البصرة، من قبل محكمة الثورة المقبورة مع مجموعة من رفاقه الأبطال بعد أن اجتاحت جماهير البصرة دائرة الأمن سيئة الصيت.

إن استشهادك أيها الأبيّ هو مثار فخر واعتزاز لطبقتك العاملة، ولحزبك الشيوعي الذي أنجبك ورعاك في أحضانه، وهو تذكير بقافلة الشهداء الشيوعيين التي لم تنقطع يوماً، فوضعت يدك بيد رفاقك الذين سبقوك إلى نيل شرف الشهادة كالقائد العمالي (هادي طعين)، والشهيدين (كريم حسين) و(عبدالله رشيد)، والآلاف من أبناء وقادة الطبقة العاملة، كالشهيد (وعد الله النجار) و(صلاح الدين احمد) و(يحيى قاف)، ممن سقوا بدمائهم الزكية شجرة الحزب الشيوعي العراقي لكي تورق الخير والمحبة.

 

[10]  شهداء ومناضلون من سجن (نقرة السلمان)  - (1) الملازم صلاح الدين أحمد - استشهاد يفوق التصوّر
[9] محاكمات لا مثيل لها في التاريخ
[8] عمليات الهروب من سجن نقرة السلمان
[7] بعض مفاصل النشاطات اليومية
[6] الاحتفالات بالأعياد الوطنية والأممية في سجن نقرة السلمان

[5] تفاصيل الحياة اليومية لسجناء نقرة السلمان

[4] سجن نقرة السلمان

[3] البادية الجنوبية

[2] إنتفاضة معسكر الرشيد... وقافلة الموت
[1] التقديم .. الاهداء .. توطئة

 

 

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter