| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. غالب محسن

 

 

 

                                                                                 الجمعة  23 / 5 / 2014



تأملات (49) - نقد الذات قبل نقد الوقائع

أنتخابات البرلمان العراقي ، دروس قديمة

د.غالب محسن

هو الذي رأى كل شئ فغني بذكره يا بلادي
وهو الذي خبر جميع الأشياء وأفاد من عبرها
وهو الحكيم العارف بكل شئ

هكذا كان ينظر شعب أوروك الى زعيمه جلجامش . لكن ماذا عن أحفاده ؟

ربما سيبتسم صديقي أبو ماريا وهو يقرأ هذه الكلمات فلم يكن عندنا شغلاً شاغلاً ، مثل كثيرين غيرنا ، سوى الحديث عن أنتخابات البرلمان العراقي التي جرت في 30 أبريل من هذا العام ، ونحن خبراء بالطبع في التحليل السياسي . أما لماذا سيبتسم فلها قصة ثانية حيث أخبرته أنني حفرت قبراً منذ عدة أشهر قبل موعد الأنتخابات . و حتى لا أُتهم بالسوداوية والتشاؤوم المفرط عاهدته أنني سأنتظر نتائج الأنتخابات قبل البدء بمراسيم الدفن لعلي أكون مخطئاً فأنا لا أمتهن السياسة على أية حال رغم أنها ما زالت تجري في عروقي منذ سنوات الصبا . ويا ويلي ، لقد ربحت الرهان كما تعودت ، لكنها المرة الأولى التي لم أبتسم فيها.

عندما سرت أشاعة قبل الأعلان الرسمي للنتائج أن التحالف المدني الديمقراطي حصل على حوالي 10-12 مقعداً ، لم يصدّق أحداً من الجمهور حتى من بين أكثرهم تفائلاً ، لكن قوى التحالف ، خصوصاً أصحابي ، كانت لهم " تمنيات " أخرى . هذا بحد ذاته ذو دلالة بالغة بل يغدو التعليق عليه نافلاً .

كتب رفيقي وصديقي جاسم الحلفي (أبو أحلام) على موقعه في الفيسبوك (وهو المرشح الرئيسي للحزب الشيوعي العراقي في قائمة البديل المدني الديمقراطي ، رقمه 2 في بغداد) ما يلي : " فالانتخابات هي في احد جوانبها تمرين عملي على اشراك المواطنين في تقرير مصيرهم، ولا ريب اننا سنتعلم من هذه التجربة ودروسها البليغة. رغم ذلك اعلن احترامي للنتائج التي اسفرت عنها.
"

ثم يضيف لاحقاً " كما بينت أن ساحة البرلمان لن تكون الساحة الوحيدة لنشاطنا ، أنما هي أحدى الساحات .. " نعم ، لقد حصل رؤساء القوائم المتنفذة على اعلى الاصوات، ولم نجاريهم في ذلك، فهم اغدقوا المال السياسي، ولم يتورعوا عن استخدام اجهزة ومناصب ومؤسسات الدولة وامكانياتها في حملاتهم، بعد ان تحاصصوا العراق بأسم الشراكة الوطنية "

السياسة علم أم فلكلور وكلام
عشية الأنتخابت البرلمانية الماضية 2010 وتقريباً مباشرة عقب انتخاب مجالس المحافظات (2009) نشرت مقالاً تضمن العديد من التأملات الأنتقادية التي أشعر برغبة شديدة في أعادة التذكير بها ليس تشفياً ( شنو گلت) ، فأنا وأصدقائي هم من خسر هذه الأنتخابات ، وإنما مستلهماً حكمة ما جاء في مطلع ملحمة جلجامش و تعليقاً غير مباشراً على بعض ما كتبه الرفيق أبو أحلام في موقعه (بعد أعلان النتائج) .

هذه مقتطفات من مقالي المشار له أعلاه عن نقد الذات قبل نقد الوقائع (منشور في حلقتين وفي موقعي الحوار المتمدن (*) والناس وملخصاً له في كتابي الأول تأملات) مع بعض التعديلات الطفيفة (غالباً بين قوسين) وهي في الواقع تأملات تطرح أسئلة أكثر مما تقدم إجابات ، أسئلة أنتظرت أربع سنوات ولم تقدم هذه الأنتخابات أجابات حاسمة لها ، كما أظن :

" يكثر الحديث هذه الأيام في أوساط الحزب الشيوعي العراقي وأصدقاءه ، وطبعا كل الجمهور العراقي ، عن الإنتخابات البرلمانية القادمة (2010) وكيفية تجاوز النتائج " المخيبة للآمال " لإنتخابات مجالس المحافطات الأخيرة. فالهزائم المتكررة تهدد بتحولها الى عقدة " أوديب " بل وتبدو وكأنها شوكة في خاصرة الحزب .....

إن تحليل ما حدث لا يحتاج الى ذكاء أو موهبة خاصة وقد ملّ العوام من الإستماع الى تحاليل مكررة تشبه التداعيات ...

القصد واضح ، لست عدواً للصياغات المُحكَمَة والتحليل " العلمي " للواقع ، لكن الحِكمة والذكاء تكمن في إستباق الأحداث وصنعها وليس " تحليل ما فات " وكأنها سياسة رد فعل ، التي تعني فيما تعنيه تأخر وتخلف في مواكبة تطور الأحداث ....

إن آفاق التطور القريبة في المشهد السياسي العراقي لا تبشر بالخير إطلاقاً و تشير الى أستمرار التدهور في مسألة الديمقراطية ، والإلتزام باحكام الدستور الأعرج أصبح في خبر كان وغيرها الكثير من مظاهر الأنتكاس . وأكثرها دلالة أحكام سيطرة الإسلام السياسي ليس على مقاليد السلطة فحسب بل وعلى عقول العوام ....

ولا تخطر ببالي اليوم طبعاً فكرة أقتناع الجمهور بالشيوعية كفكر ومفهوم أو هدف رغم أنني شاهدت بنفسي صور ماركس وأنجلس ولينين في صحراء الربع الخالي ( اليمن الجنوبي سابقاً ) وربما كانت تُدَرَّس مبادئ الشيوعية العلمية في كهوف التورا بورا قبل أن يُشنق ال"نجيب" والحالم بها على يد قوات طالبان... .

الموضوع لا يتعلق ، إذن ، بمواعظ أخلاقية في السلوك والسياسة بل مبادئ في العمل . فبعد ثمان سنوات من العمل العلني "هذا هو ما مضى" علينا "الإعتراف الصريح" بفشل تجربة الحزب في النضال الإنتخابي والوصول الى البرلمان / السلطة التي هي غاية كل حزب (وألا كيف ننجز البرنامج) . هذا ما ينبغي التركيز عليه " الحاضر " لا على المضايقات والظروف الصعبة التي واجهها الحزب بما فيها إلقاء اللوم على النظام الأنتخابي والتزوير وغيرها كثير وهي كلها صحيحة بالطبع (وقد أثرت بالتأكيد وإن بدرجات على بعض القوى بما فيها البديل الديمقراطي) لكنها ستبقي موجودة على الأرجح في الأنتخابات القادمة أيضاً ، أليس كذلك ؟....

ما أقصده هو تركيز الجهود على ماذا ينبغي و نستطيع نحن عمله لنصل للهدف لا على ماذا تفعله " الأقدار " بنا . هذا هو " المستقبل أن تكون عملية إعادة بناء الحزب و تجديد فكره طويلة و مستمرة وشاقة وقد تبدو بطيئة أمر لا مفر منه ، لكن كما قال كونفوشيوس: لا يهم أن تكون مسيرتك بطيئة ما دمت لا تتوقف. ... "

القناعة والرضا أحلى الكلام
مما لا شك فيه أن الرفيق جاسم الحلفي قد حقق نتائج أنتخابية مهمة قياساً بما مضى (17575 صوت في بغداد) ومن المؤكد أن الحزب سيقوم بتحليل مستفيض لهذه التجربة وأسباب تكرار فشله ولو في الحصول على مقعد واحد في البرلمان (وهو أعرق حزب سياسي في العراق) ومن ثم تعبئة قواه من جديد للحملات أو المعارك القادمة .

ورغم أنني كررت بعض ما كتبته من أنتقادات قبل أكثر من أربعة أعوام ، لكنني لا أتمنى أطلاقاً أن يكرر الحزب ما خرج به علينا من تحليلات بعد فشله في الأنتخابات الماضية (وهي الأنتكاسة الثانية) . لكن من المفيد جداً بالطبع مراجعة تلك التحليلات ومقارنتها مع ما آلت أليه هذه الأنتخابات مستلهماً حكمة شعب أوروك عن قائدهم " وهو الذي خبر جميع الأشياء وأفاد من عِبرها " .

وإذا كان للأفراد مسؤولية شخصية في هذا الفشل وعليهم تحملها فأن الثقافة السائدة في فضاءات الحزب ، السياسية والفكرية والتنظيمية هي الأخرى ما ينبغي تفحصه وربما كان هذا هو الأهم . للتذكير اليكم ما كتبته قبل أربعة أعوام:

" أن أعادة نشر المقال الأفتتاحي لطريق الشعب المنشور بتأريخ 16-09-2009 (بعد أنتكاسة الحزب في أنتخابات مجالس المحافظات) مرة أخرى في 6-4-2010 أي بعد هزيمة الحزب ( مرة أخرى ) في الإنتخابات البرلمانية الأخيرة (2010) لذو دلالة بالغة .... هذا النفس الدفاعي المقرون بهذه الثقافة ( الرضا عن النفس ) جسدته لنا في أحسن صورة هذه الإفتتاحية حيث أستخدم كُتّاب المقال كل براعتهم ومواهبهم لإقناع القُرّاء (يعني نحن جماهيره) بأن الحزب الشيوعي العراقي (اليوم يُمثل رقماً هاماً على الساحة السياسية العراقية، بغض النظر عن النتائج التي حصل عليها في الانتخابات ولأسباب معروفة. فدوره السياسي والمعنوي والتعبوي اكبر من ذلك بكثير) كما أكد المقال . "

آمل أن تثير كلمات الفريسيون وهم يردون على الناصري تأملاً أضافياً :
" ثم كلمهم يسوع أيضاً قائلاً أنا نور العالم من يتبعني فلا يمشي في الظلمةِ بل يكون له نور الحياة . فقال له الفريسيون أنت تشهد لنفسك . شهادتك ليست حقا "
أنجيل يوحنا 8 / 12- 13.


(*) للمزيد أنظر
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=185681
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=212838
 


تأملات (48) :  دعوة من أجل تقييم جديد في عصر جديد
تأملات (47) :  وطن بلا مواطنين
تأملات (46) : مرة أخرى ، التيار الديمقراطي / بين هَم الأمل وثقل العمل

تأملات (45) : عِندَما تَوَهَّجَتْ السماءُ
تأملات (44) : علمانية أم قرآنية
تأملات (43) : حوافرالخيول أعمق من حكمة العقول
تأملات (42) : وجهةُ نَظَرْ، لتَحليلِ المُبتدأ والخَبَرْ ، في وَثائقِ المُؤتَمَرْ
تأملات (41) : تأملاتٌ في حَيرةِ نَصير

تأملات (40) : زيوه ، لم تُطفئ الشموع

تأملات (39) : عندما يكون الحضور أكبر من الحدث
تأملات (37) : أنصار و مهاجرين  - خروج (4)
تأملات (36) :  أنصار و مهاجرين - خروج (3)
تأملات (35) :  أنصار و مهاجرين - خروج (2)
تأملات (34) :  أنصار و مهاجرين - خروج (1)
تأملات (33) :  تأملات في بيان الحزب الشيوعي العراقي حول الذكرى 78 لتأسيسه
تأملات (32) :  في ذكرى رحيل المناضلة نعمي أيوب
تأملات (31) :  مرة أخرى مع أطيب التحيات للمؤتمر التاسع
تأملات (30) :  محنة العقل في التوحيد (2)
تأملات (29) :  محنة العقل في التوحيد (1)
تأملات (28) :  الدين ملجأ السياسة والثقاقة قبرها (3)
تأملات (27) :  الدين ملجأ السياسة والثقاقة قبرها (2)
تأملات (26) :  الدين ملجأ السياسة والثقاقة قبرها (1)
تأملات (25) :  صوتُ هناء ، جلجلَ في السماء
تأملات (24) :  مقدمة في نقد تأويل التأويل (4)
تأملات (23) :  مقدمة في نقد تأويل التأويل (3)
تأملات (22) :  مقدمة في نقد تأويل التأويل (2)
تأملات (21) :  مقدمة في نقد تأويل التأويل (1)
تأملات (20) :  الى المؤتمر التاسع للحزب الشيوعي العراقي
تأملات (19) :  عندما يكون العنف طريقاً للحق (2)
تأملات (18) :  عندما يكون العنف طريقاً للحق (1)
تأملات (17) :  التيار الديمقراطي تأملات في تقييم الحركة الأنصارية (2)

تأملات (16) :  التيار الديمقراطي تأملات في تقييم الحركة الأنصارية (1)
تأملات (15) :  التيار الديمقراطي بين هَم الأمل وثقل العمل (2)
تأملات (14) :  التيار الديمقراطي بين هَم الأمل وثقل العمل (1)
تأملات (13) :  من غير وصايا كان العالم أجمل
تأملات (12) :  صَخبٌ في العقول
تأملات (11) :  الأيمان في الغربة وطن (3)
تأملات (10) :  الأيمان في الغربة وطن (2)
تأملات (9) :  الأيمان في الغربة وطن (1)
تأملات (8) :  تبسيط السياسة دون أبتذال
تأملات (7) :  الرمز الديني بين مطرقتي الهوية والبندقية
تأملات (6) :  14 تموز وهم الثورة والحلم والخيال (2)
تأملات (6) :  14 تموز وهم الثورة والحلم والخيال (1)
تأملات (5) :  السياسة بين التأمل والأيمان
تأملات (4) :  في السياسة والأخلاق ... دروس
تأملات (3) :  المقدّس بين مطرقتي وهم الأيمان واللامبالاة
تأملات (2) : الموقف من التأريخ هو المحك
تأملات (1) : نقد الذات قبل نقد الوقائع

 

free web counter