| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. غالب محسن

 

 

 

الأحد 31/10/ 2010



تأملات (8)

نقد الذات قبل نقد الوقائع

د.غالب محسن

تبسيط السياسة دون أبتذال

التأملات فضاء
عندما أخترت التأملات شكلاً ً لأثارة موضوعات هي في الواقع ليست جديدة تماماً بل حاولت نفض الغبارعن بعضها والتذكير ببعضها الآخر، أقول لم يكن هذا الأختيار عفوياً. فالتأملات لا تطرح مزاعماً وأفكاراً جاهزة أو أجوبة متكاملة للأسئلة المثارة بل غالباً ما تكون هذه الأخيرة الهدف الجزئي أو القريب من هذه التأملات . لكن من يأمل براحة البال سيخيب ظنه فكما قال ابو الدرداء من يزدد علماً يزدد وجعاً .

تأملاتي تتطلب مساهمة فعالة من متلقيها (هكذا على الأقل تمنيتها) لأكمال أو دفع الفكرة حتى نهايتها. وأذا كان الكلام المقدس نفسه يحتمل التأويل حتى أنشأ له فرعه الخاص في الفلسفة فأن التأملات توجب وتحض على التأويل. في التأملات تصب كل الأجوبة في ذات الوعاء ، وعاء النقد . وأذا كان التعقل رديف الفلسفة والأيمان في القلب موضعه فأن التأمل محاولة للتوليف بين الأثنين.

التأملات قادت سيدهارتا للنيرفانا ولاوتسه للطاو وأبو ذر للحق والحلاج شيخ المتصوفيين للصلب وتقطيع الأوصال.

من يملك سرير بروكوست لا يملك الحقيقةً !

سؤال : التمسك بالرأي ليس دليل معرفة ، أذن كيف نعرف يقيناً أن ما نزعمه هو الحقيقة ؟ لا يمكننا الجزم طبعاً وأن أمتلكنا سرير بروكوست لِنُفَصِّلَ عليها الحقيقة حسب مقاساتنا .

أقامت منظمة الحزب الشيوعي العراقي في مدينة يوتبوري السويدية ندوة جماهيرية مع الرفيق أبو داود سكرتير اللجنة المركزية للحزب. كانت قاعة البيت الثقافي العراقي مكتظة بالحاضرين من أعضاء وأصدقاء الحزب وكذلك ممثلي المنظمات السياسية ومن الجالية العراقية أيضاً مما يعكس المكانة والسمعة الطيبة للرفيق. ولم تخب آمال الحاضربن فقد كانت مداخلة الرفيق معتدلة ودبلوماسية كما في جلسة برلمانية .

لست بصدد تقييم الأمسية وما دار من نقاش ألا بالقدرالذي يتعلق بالتعليقات على مداخلتي * أساساً والتي كانت ملخصاً لمقالتي تأملات 5 (السياسة بين التأمل والأيمان) المنشورة في الحوار والناس في 24 / 8 / 2010 . لكن قبل كل هذا وذاك فأنا ومثلي كثيرين لا نقول كما قال قديماً أهل العراق للحسين قلوبنا معك وسيوفنا عليك بل على العكس ، فالقلب والفكر والقلم مع كل القوى الديمقراطية الحقيقية .

الأنبياء يتبعهم القادة السياسيون
كانت أكثر عبادات الصوفيين التأمل وكانت لهم رؤيتهم الخاصة في التقرب الى الخالق حيث كانوا يفضِّلون العلاقة مع الله دون وسيط لذلك لم تكن علاقتهم ودية مع الأنبياء لأنهم ( أي الأنبياء ) يُطيلون الطريق الى الباري (الحق) حسبما يدَّعون . وأذا شئنا التأويل فأن المتصوفين أرادوا بقولهم هذا تبسيط الدين والأنبياء أرادوا تعقيده (بما فيها من طقوس وعبادات و شعائر ...الخ) بل وكانوا يرون أنفسهم أعلى مقاماً من الأنبياء " خضنا بحراً وقف الأنبياء بساحله " كما صرح أبو يزيد البسطامي . وحسب المفكر هادي العلوي فأن المعري أتهم الأنبياء بالكذب وتعمد تضليل الناس (مدارات صوفية).

في ذات المسار أشار المفكر الأسلامي سيد القمني في أحدى حواراته مع يوسف البدري وتعليقاً على الآية (وأسئلوا أهل الذكر أن كنتم لا تعلمون //
النحل 43) الى أن رجال الدين يحاربونه ويشنون الحملات ضده لأنه يسعى الى تبسيط الدين للناس وبالتالي فهم يخافون (اي رجال الدين) من أن تضعف سيطرتهم بل قد تنتفي الحاجة لهم .

سؤال: هل يُطيل ساستُنا تعمداً الطريق الى الحقيقة ؟ وهل يخشى قادتُنا ما يخشاه رجال الدين ؟

الأخلاق والديمقراطية من الممكنات
من المعلوم أن ميكيافيلي لم يترك فسحة تذكر لكل من سقراط وأبن رشد في موضوعة الأخلاق والسياسة وتطبيقاتها. وله تنسب كل مآثر السياسة ومخازيها . لكن جذر الحكمة والأخلاق من العمق بمكان في التجربة البشرية أنها فرضت حضوراً معيناً على السياسة ( وأن كان وما زال في أطواره الأولى ) وربما على القادة السياسيين بصورة أكثر دقة . طبعا هذه وغيرها من فضائل التطور الحضاري لا تشملنا نحن كشعوب لأننا خارج هذا التطور لكن مع قليل من الحظ و الجهد يمكن أن يشملنا كأشخاص . من يتصور أن الأمر بهذه البساطة لا يلوم ألا نفسه .

من نافلة القول أن المسؤولية الأخلاقية للقيادات ، في أحيان كثيرة ، تفوق قيمتها في السياسات خاصة تلك التي تدعو للعدالة والمساواة و محاربة الظلم الخ . هذه المسؤولية لا يمكن التنصل منها مهما تلاعبنا بالمصطلحات . أن التجديد في المنظمات والمؤسسات والسياسات لا يعني بالضرورة تبديل أشخاصاً محددةً المقاسات ، لكن تغيير الأشخاص يستتبع بالضرورةِ تجديداً في المقامات ، وهو دليل ملموس ، دون جعجعات وخطابات ، على النوايا الحقيقية في تجاوز المحنات . أن محاولة التعكز على الأنتخابات الحزبية الديمقراطية في المؤتمرات لتجديد الثقة في القيادات أنما هي من المخلفات الماضيات وتقاليد العمل السري و ما فات وهي ليست أكثر من محاولات لأبقاء الوضع القائم كما هو عليه في سبات .

شئ آخر : أن محاولات التقليل من شأن هزيمة القوى الديمقراطية في الأنتخابات البرلمانية الأخيرة بل وحتى الأيحاء وكأنها أنتصاراً من نوع ما أنما هو تعبير عن أستمرار صدمة الفشل وسيادة ثقافة التبرير والرضا عن النفس وأن أنكرت الأصوات . أن تعبيرات من مثل " أن تخسر معركة لا يعني خسارة الحياة " و " هذه تجربة قد تتكرر مرة وأثنين وثلاثة ... " كما ورد نصاً في الندوة ، لا يمكن أن تعني شيئاً آخراً سوى " تطويل الطريق الى الحقيقة " وتهميش الأنتقادات وتكرار الفشل مرات ومرات .

بين نقد الذات ولعنة الظروف
أننا لا نشفى بمجرد الدعاء والصلوات مهما كان أيماننا عميقا (فالسماء لا تسمع على أية حال كما تقول نوال السعداوي) بل على العكس تصبح (الدعوات) عبئا ثقيلاً لأنها تخلق وهماً يُغرق أصحابها في دوامة يصعب النجاة منها . هكذا أيضاً يصنع النقد مهما كان محكماً.

على الأرجح تبدأ حكاية النقد (الذي أعتدنا سماعه) في كل مرة نفشل فيها هكذا:

" لقد فشلنا في الوصول الى ( النتائج المرجوة ) بسبب ضعفنا في الأستعداد وتعبئة الجماهير وكذلك النواقص التي رافقت عملنا ( كذا ) ومن جهة أخرى فأن الظروف الموضوعية الصعبة والمعقدة التي واجهتنا لعبت دوراً رئيسيا في الحد من دورنا (كذا) ووضعت الكثير من العراقيل أمام منظماتنا مما أثر في قدرتنا على تأدية مهماتنا ( كذا ) .... ومع ذلك فأن ( الحدث ) قد أغنى تجربتنا وتمكّنا من ( كذا ) وزاد من عزيمتنا على الأستمرار في النضال حتى تحقيق أهدافنا في (كذا) ..... ".

لم أجتزأ هذا النص من وثيقة محددة وليس من الصعب العثور على روح هذه الصياغة في العديد من الوثائق والمناسبات ليس آخرها هذه الندوة .

لا يحتاج القارئ النبه الى الكثير من العناء ليرى أن اللعنة كلها في نهاية المطاف ستقع على عاتق الظروف الموضوعية (وهي الأساس كما ورد نصاً في الندوة) . أن نقداً كهذا يُذكِّر بالأيام الخوالي ، ثقافة الحرب الباردة وسهر الليالي . أن نقدي هذا لا يعني بأي حال الأستخفاف بهذه الظروف أو التقليل من شأنها فهذا سخف ، لكن يا أخواني هذه الظروف لن تكف في يوم من الأيام عن الوجود وعن التأثير في الوعود وهي تحيط بنا كالعهود في الأنجيل والقرآن والتلمود ! فما العمل يا عمال؟ هل نجعلها شماعة الأجيال ؟

دهشة و حيرة
كان من بين أكثر التبريرات تبسيطا وأثارة للحيرة قبل العجب هو محاولة الربط بين شد عزيمة الرفاق عبر ما يمكن أن أُطلق عليه النقد التكتيكي من جهة وبين ما يُطلق عليه جلد الذات من جهة أخرى . والمعنى المقصود ، أن نقداً قاسياً يمكن أن يقود ، الى اليأس والتشاؤم والركود ، والى أضعاف الروح المعنوية صوب الهدف المنشود " لا نقبل أن يُستثمر نقدنا الذاتي لتسويد صفحة الحزب ولأشاعة الأحباط والتشاؤوم في نفوس الشيوعيين " كما ورد نصاً . أليس هذا تبرير مقصود ، لقولٍ نصفه حقيقة ونصفه مفقود! أن التلميح لخطورة جلد الذات في الوقت الذي تتكرر فيه أنكساراتنا أنما هي أشد خطراً من الجلد ذاته.

أمراً آخراً ترك وجعاً قبل الحيرة هو التعقيب على موضوعة تغيير أسم الحزب .

لن أدخل في مناقشة موضوع قديم الحال فقد طالبت به منذ أكثر من عشرين عاماً بعد ما أصبحت الشيوعية بعيدة المنال ولم أجرؤ على القول حينها انها محال . المهم في موضوع المقال أنني لم أفهم الحجة من أن الرفاق الحزبيين هم من يقرر أسم الحزب بعد أن (أستمعوا الى رأي من هم خارج الحزب) ثم بعد ذلك "الشيوعيون الحزبيين لا يرون ان اسم الحزب الشيوعي عائقاً " و "على المنتقدين تقبل أرادة الشيوعيين" والخاتمة اكثر غرابة : " أليست هذه هي الديمقراطية ؟ "

وددت بدلا عن ذلك لو أستمعت الى محاججة فكرية أو سياسية تكتيكية أو أستراتيجية مقتضبة وأن كان فيها اعادة لما تناوله المؤتمر الخامس بدل الاكتفاء بالاشارة اليه . كم حاولت اقناع نفسي ان التعليق كان هفوة وليس ثقافة وسلوك لكن محاولتي باءت بالفشل.

أبصرتُ
فما وجدتُ غير الضياء
أتكأتُ على ما مضى
فكان البكاء
غفوتُ على ما هو آت
فكانت الحياة هي الممات
والسماء
ما من مجيب للدعاء
يا فتى
قلبك هو الداء والدواء
 

* http://www.youtube.com/watch?v=pkXxoCN5A5M

 

تأملات (7) :  الرمز الديني بين مطرقتي الهوية والبندقية
تأملات (6) :  14 تموز وهم الثورة والحلم والخيال (2)
تأملات (6) :  14 تموز وهم الثورة والحلم والخيال (1)
تأملات (5) :  السياسة بين التأمل والأيمان
تأملات (4) :  في السياسة والأخلاق ... دروس
تأملات (3) :  المقدّس بين مطرقتي وهم الأيمان واللامبالاة
تأملات (2) : الموقف من التأريخ هو المحك
تأملات (1) : نقد الذات قبل نقد الوقائع

 

free web counter