د. غالب محسن
تأملات (21) - نقد الذات قبل نقد الوقائعمقدمة في نقد تأويل التأويل
(1)د.غالب محسن
أرض النعم والخراب
ألم ترى موطن النبيين * والأولياء الصالحين * يزهو كالجنة في النهرين * يُحلَّقُ بين النخل والرياحين * كأنه النور والرنين * فكان في أحسن تكوين * على طول السنين * ذلك البلد الأمين * فسبحان ربي العظيم * خالق السماوات والأرضين * وهاجت الجن والشياطين * في أرض السواد والطين * فكانت من المغضوب عليهم والضالين * منذ ذلك الحين * الى يوم الدين *.
كلمة ، فكرة ، أرادة وعمل
التأمل هو نبع الفعل الجميل ، أنه البداية ، من غير نهاية . التأمل ليس له حدود أو متطلبات سوى عقلٍ مفتوح ، ليس في سبات ، تتعانق في رحابه الكلمات ، تتماحك ، تشكل فكرة و لوحات . التأمل كالقطرة التي تصبح أنهاراً ، متدفقة ، وبحيرات ، تمنح لمن في احشائها وحواليها ، الحيوات . تصبح الفكرة فعلاً نبيلاً لما هو آت .
الفعل القبيح ليس له نبعاً ، أنه تدفق معكوس . الفعل القبيح هو البدايات والنهايات .
لكنني مستلهماً تاريخنا العربي والأسلامي ، والحاضر امتداداً ، لا ترى هذه الصيرورة ولا حتى في الأفكار حسنة النية حيث تتوقف ها هنا وتبقي كأنها أهواء وتصورات وبالتالي هي والأوهام أخوات . وأن شئت المضي قدماً ، فأنها تدفع ، في معظم الأحيان ، بقصد أم بغيره ، نحو العنف رغم نبل البدايات .
أفكارنا عن أفكار الآخر هي الأخرى من المعطوبات ، فأن لم تتطابق مع قوالبنا الموروثات ، نعيد صياغتها كليشات ، لتتناسب مع الهوى هوايات ، في حلقات جديدات ، مفرغا ت ، في مسلسل الأوهام والمرارات .
بكلمات أخرى نحن لا نكتفي بتحويل كلماتنا الى هوى وتصورات بل وما يأتينا من الآخر أيضاً . أما المخالف منًا ، فولعنا به أشد من الغريب . فهذا الشيخ البدري يزعم أن المفكر الأسلامي سيد القمني أشد خطراً على ديننا الحنيف من سلمان رشدي ، لأن الأول منّا ، وهو يخفي بالطبع أن هذا يعرف أسرارنا ، وبلاوينا . هكذا كان الحلاج أشد خطراً " علينا " من غاليلو غاليلي.
المواجهة ، كالعادة ، غير منصفة ، ليست بين فكر وفكر بل بين ثوابت الأمة وفكر غريب ، بين الأيمان والكفر ، بين الخير والشر . المعادلة بسيطة وقاطعة : لا مكان للحوار ، بل أسوار ، قتال فيه للكُفّار ، الشهادة أو الأنتصار ، في أوربا أم في قندهار.
الماضي المقدس ، مرة أخرى
لماذا الألحاح على الماضي ؟ أذكروا محاسن موتاكم ! أليس هذا قول فيه الكثير من التسامح والرحمة والعفو والمغفرة ؟ هذا صحيح ، لكن ليس فيه حكمة . فمحاسبة الأموات لا تقل أهمية عن محاسبة الأحياء والا لما خشي المؤمنون الحساب بعد الممات . وفي التأريخ لا تسقط الأحداث بالتقادم كما هو الحال في القضاء ، بل تزهو أو تخبو . والبحث في التأريخ ليس نبشاً ، بمعناه السلبي ، كما يوحى ، حيث قد يسعى البعض الى الأساءة المتعمدة وليس بغرض البحث المعرفي . لكنه نبش ضروري على أية حال .
أننا لم نتعلم من تأريخنا ألا ما اراده الحُكّام لنا وهو ليس كل تأريخهم كما قال أبن خلدون ( وقبله قالها هوميروس على لسان ملك ملوك الأغريق أغاممنون في ألاياذة) وكأنه يقصد فقط ذلك الجزء من تأريخهم الملئ بصور الأنتصارات والأمجاد ، هكذا ، منذ ما يعرف بحروب الردة وحتى حروب الخليج .
لقد آن الأوان ، من زمان ، أن نعرف ما نريده نحن من هذا التأريخ حتى وأن كان فيه الكثير من الظلام . وخير سبيل في ذلك ، ربما ، هو أشعال شمعة المعرفة بيد الآخر . فالخطر أننا قد نقع في حب ذواتنا ( الجزء الناصع من تأريخنا وأن كان متواضعاً ) كما وقع نرسيس في حب ذاته ، بل يكون مصيرنا كما كان مصيره ، الغرق .
معرفة تأريخنا عبر الآخر قد تبدو فكرة " عصرية " لكن القبول بها تعني معرفة الآخر معرفة عميقة وصادقة ، لا سطحية وكاذبة كما هي عليه الآن ، فالآخر ، عندنا ، ليس غير المخالف . أن تعرف ماضيك يعني أن تعرف حاضرك والمستقبل يصبح ملك يديك !
أن الألحاح في ذكر محاسن الأموات قد يقود مع مرور الزمن ، وتدريجياً ، الى المبالغة في هذه المحاسن بل والى تحول هؤلاء الى قديسين وهم ليسوا بذلك . غير أن العكس صحيح أيضاً .
الحق في الأيمان
هناك الكثير مما لا نراه و لا نسمعه ومع ذلك نؤمن به بيسر كما لو كان " شيئاً " خالصاً . بعضه يمكن لنا التحقق منه بالأدلة الحسية البسيطة وبعضه بالتأمل العقلي . الأول أيمان بديهي ، للجاهل كما للعالِم ، لا نفكر به ، تلقائي ، نمارسه منذ الولادة (وأن شئتم حتى قبلها) كالخوف ، الحب ، الفرح ، الجوع ، الألم وغيرها فهذه وأن كانت غير مرئية فهي " محسوسة " على أية حال وبذلك فهي لا تحتاج الى أثبات عقلي و لا الى عراك الأيادي أو سفك دماء ، وأن أختلفت الأجناس والأفكار والأزمان ( دون التعمق في تفسيرها ) .
الثاني ، أو الأدراك العقلي ، لا يختلف في الجوهر عن الأولى وان كانت في ظاهرها غير ذلك . لكنها ، أختلافاً عن الأولى ، تتطلب ممارسة وأستخدام للعقل أعمق وبجدّية ، وتراكم خبرة معرفية . هذه هي جوهر فكرة أبن طفيل في مؤلفه الفلسفي " حي بن يقظان " وهي نفسها فكرة المتصوفيين حيث يؤمنون بامكانية أدراك الخالق بالتأمل العقلي والروحي من غير حاجة لوساطة الأنبياء .
لكن هذ الأخير (العقلي) يٌثير الكثير من الجدال ، في البوادي كما في الجبال ، في الكتاب والمقال ، حتى في الخصال ، و الذروة في القتال ، بالأيادي حيناً وبالسيوف الثِقال ، بالتفخيخ والأغتيال ، بكاتم الصوت أم دفناً بالرمال ، لا فرق أن كان من أهل البيت أم من البدو الرحال ، فالكل يهتف بالشهادة حتى المنال ، وأن كان من المحال . والسؤال ، الذي يخطر في البال : كيف يمكن لأكثر الأمور غموضاً في الحال ، أن تحضى بكل هذه السطوة في عقول النسوة والرجال ؟
لكن ما دام العلم المعاصر ، حتى الآن ، لم يقدم أجابة قاطعة عن نشأة الكون والأنسان فأن الأيمان بفاطر السموات والأرض يبقى مشروعاً .
الفقيه الأول
أذا تجوزنا صاحب الرسالة الذي لا يعرف غير الحق فهو " ما ينطق عن الهوى أن هو وحي يوحى " سورة النجم ، وهذه الآية تعرضت لأشد الأجتهادات في التأويل ، فأن أول فقهاء الأسلام لم يتعلموا الفقه في مدرسة و لا حتى في جامع . وليس في ذلك أية غرابة فالفقه الأسلامي ، قبل أنتصار الدعوة ، لم يوجد بعد ، وقد أعتمد هؤلاء " الفقهاء / الصحابة " على قواهم العقلية الذاتية " وأجتهاداتهم " وما في جعبتهم الفكرية المتواضعة في تلك البيئة البدائية ، من الحياة البدوية . بل أن أعلمهم على الأطلاق ، عبد الله بن عباس ( أبن عم الرسول والملقب بحبر الأمة وسيرد ذكره مرات في التأملات اللاحقة ) لم يتسنى له تلقي الفقه من مصدره الأول ، الرسول ، حيث وُلِد في العام الثالث قبل الهجرة . كانت ميزة هؤلاء " الفقهاء " الأساسية أنهم من " الصحابة " أو ، لاحقاً ، أصحاب الصحابة .
كيف أصبح الفقه علماً من لا شئ ؟
ليس في التأويل حكمة
غير أن حكمة خالق الكون تنئ بعيداً عن تأتأة الملالي " وأسئلوا أهل الذكر أن كنتم لا تعلمون " أو همهمات " لحكمة لا يعلمها ألا الله " فهذه ماهي ألا تأويلات والحكمة التي تحتاج الى تأويلات ، لأدراكها ، ليست بحكمة دع عنك كونها ألهية . فجوهر الحكمة يكمن في كونها بسيطة ، تدخل العقل والوجدان بيسر من دون عناء أو وساطة .
التفسير تصحبه في الأعم حسن النية في الأجتهاد ، بينما التأويل في المفهوم المعاصر مبعثه سياسي – نظامي (من نظام الحكم ) ، براغماتي أن شئتم ، لا يخلو في أغلب الأحيان من القسر والسخرية ايضاً. لذلك ترى التأويل متقلباً بينما التفسير ثابتاً . الحكمة التي تستند على التأويل لا تبدو حكمة ألا لأصحابها وأن كانوا من الصحابة .
كيف صارت الكذبة عندنا حكمة ؟
تأويل التأويل بين التأويل والخديعة
نمو هي الألهة السومرية الأم ، الأولى ،
متى صار الرجال قوامون على النساء ؟
تأملات (20) : الى المؤتمر التاسع للحزب الشيوعي العراقي
تأملات (19) : عندما يكون العنف طريقاً للحق (2)
تأملات (18) : عندما يكون العنف طريقاً للحق (1)
تأملات (17) : التيار الديمقراطي تأملات في تقييم الحركة الأنصارية (2)
تأملات (16) : التيار الديمقراطي تأملات في تقييم الحركة الأنصارية (1)
تأملات (15) : التيار الديمقراطي بين هَم الأمل وثقل العمل (2)
تأملات (14) : التيار الديمقراطي بين هَم الأمل وثقل العمل (1)
تأملات (13) : من غير وصايا كان العالم أجمل
تأملات (12) : صَخبٌ في العقول
تأملات (11) : الأيمان في الغربة وطن (3)
تأملات (10) : الأيمان في الغربة وطن (2)
تأملات (9) : الأيمان في الغربة وطن (1)
تأملات (8) : تبسيط السياسة دون أبتذال
تأملات (7) : الرمز الديني بين مطرقتي الهوية والبندقية
تأملات (6) : 14 تموز وهم الثورة والحلم والخيال (2)
تأملات (6) : 14 تموز وهم الثورة والحلم والخيال (1)
تأملات (5) : السياسة بين التأمل والأيمان
تأملات (4) : في السياسة والأخلاق ... دروس
تأملات (3) : المقدّس بين مطرقتي وهم الأيمان واللامبالاة
تأملات (2) : الموقف من التأريخ هو المحك
تأملات (1) : نقد الذات قبل نقد الوقائع