| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. غالب محسن

 

 

 

                                                                                 الثلاثاء 22/1/ 2013



تأملات (44) - نقد الذات قبل نقد الوقائع

علمانية أم قرآنية

د.غالب محسن

في مدينة يتبوري السويدية ، وعلى ضفاف الساحل الغربي ، أستضاف البيت الثقافي العراقي وبالتعاون مع جمعية المرأة العراقية والأي بي أف ليلة الأحد 12 كانون الثاني /يناير الرابطية والنصيرة الشيوعية السيدة هيفاء الأمين العضوة الجديدة في اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي للحديث عن واقع المرأة العراقية عموماً وبالخصوص منذ سقوط النظام وحتى الآن .

لست بصدد تقييم الأمسية لكن يمكن القول أن السيدة هيفاء تميزت بالبساطة بل وقريبة للعفوية والتلقائية مما منح مصداقية في حديثها ولم تخل من شجاعة في التعبير ، خصوصاً تعليقاتها على الوضع المأساوي الذي تعيشه المرأة العراقية في الوقت الحاضر وفي ظل أسلمة المجتمع بالكامل .

وقد توجهت السيدة هيفاء للحاضرين بدعوتهم لتقديم المقترحات والأفكار لمساعدة الحزب في أيجاد أفضل السبل التي يمكن أن تساعده في تعبئة قدرات المرأة العراقية وأشراكها في الكفاح من أجل حقوقها . وفعلاً قدّم العديد من الحاضرين مداخلات وتعليقات أغنت الأمسية ، بدون صخب ، بل دفئاً رغم برودة الطقس . وما يهمني هنا هو التعليق على فكرة تردد صداها بين الحاضرين بمن فيهم السيدة هيفاء بل وكأنها عبرت حدود المكان وتَخَفّْت في ثياب بعض المتحمسين .

مفاد هذه الفكرة أننا يجب أن نتعلم الدين الأسلامي (والقرآن كما ورد نصاً) وبذلك ، ومن خلاله ، نستطيع الوصول للجمهور . وعلينا ، كقوى شيوعية ، تحديداً ، التركيز على الجوانب الأيجابية في التعاليم الأسلامية وأعتمادها حججاً في مناقشة الجماهير وكسبها الى جانبنا . وأخذت النشوة البعض للدعوة أيضاً من أجل خوض مناظرات فكرية في الدين والفقه والشريعة الأسلامية ، ومنها نستطيع إيصال أفكارنا وسياستنا بما فيها قضايا الصراع الطبقي والعدالة الأجتماعية والديمقراطية والمساواة بين البشر (الأضافة الأخيرة مني ) الى أوسع القطاعات .

ما أبسط هذه الفكرة ووضوحها وسهولة تقبلها . وهذا هو الأخطر فيها ! لكن بماذا سنقنع الجمهور غير المسلم ؟ الحليم لا تفوته الأجابة .

من يعتقد بأمكانية خوض حوارات فكرية ، في الدين الأسلامي وتأريخه وتراثه بل وفي القرآن والشريعة والفقه ، والفوز بها إنما هو في وهم مطبق . ثم من يدلني على هؤلاء المفكرين عندنا من أمثال المرحوم فرج فودة ، نصر حامد أبو زيد أو سيد القمني ؟

أذن دعونا نبحث مع الدكتور زغلول النجار والداعية الأسلامي خالد الجندي وصحبهم عن الإعجازات العلمية والأجتماعية في القرآن (مع الأول) وتأويلات جديدة تتماشى مع روح العصر (مع الثاني) نتسلح بها لخوض الصراع الطبقي والسياسي. والدين الأسلامي وتأريخه (وهذا شئ لا يخفى على أحد) ملئ بالقضايا والعبر والتجارب الإيجابية في محاربة الظلم والأستغلال والقهر وهذه هي ما ينبغي أن نسلح الرفاق بها قبل توجههم لساحات الوغى . وهكذا نستطيع كسب الجماهير الى صفوفنا فنحن نخاطبهم بلسانهم .

لكن عليّ الأعتراف ، وتكرار ، أن ليس في هذا شئ جديد تماماً . هكذا كان وما زال عمل الحزب الشيوعي العراقي منذ تأسيسه وحتى اليوم . وكان على الدوام يخاطب الجمهور حسب " مستواه " ، لو كان فلاحاً أو طالباً جامعياً ، وكان يستلهم الدروس والعبر والحكم من التراث الديني أيضاً . ليس هناك شئ جديد ، كما قلت ، لكن الحزب ما زال يعاني من أفتقار الجماهير . أليس هذا مدعاة للتساؤل على الأقل وهذا أضعف الأيمان .

لم يقل أصحاب هذه الفكرة أن الصراع والقتال في التأريخ الأسلامي ، كما هو معروف حتى لطلبة المدارس الأبتدائية ، منذ بداية الدعوة وحتى يومنا هذا كان بالأساس ليس بين المسلمين وغيرهم بل بين المسلمين أنفسهم (أنظر كتب التأريخ أو في تأملاتي السابقة أو لنقل أنظر حواليك فحسب) .

لكن ، مرة أخرى ، أية مرجعية أو مدرسة فكرية أو أمامية ستتبع يا أخي المكافح ؟ فالمسلم المؤمن نفسه محتار!

ما معنى العلمانية والدولة المدنية والمواطنة وغيرها كثير من المصطلحات الشائعة هذه الأيام ليس بين العوام بل بين النخب السياسية والمثقفة عموماً بما فيهم ممن ينتمي للأسلام السياسي؟ بأختصار ودون تنظير متعمد إنما تعني فصل الدين عن الدولة وهذه لا تعني سوى فصل الدين عن السياسة هكذا ببساطة وبدون حذلقة .

لكن ، مرة ثالثة ، أليست هذه الفكرة دعوة صريحة ومباشرة لأستغلال الدين في السياسة ؟

بالطبع يجري أحياناً خلط أو تجاهل متعمد للفرق من جهة بين أحترام المعتقدات الدينية (وغيرها) وحريتها والتي يضمنها الدستور ومن جهة أخرى بين أستغلال هذه لأغراض سياسية . لست مُعترِضاً أو شاكياً لو كان بين أعضاء اللجنة المركزية للحزب الشيوعي أو اية قوة ديمقراطية علمانية غيرها من هو حجي أو إمام أو فقيه أو قس ، فهذه تدخل ضمن الحرية الشخصية . بل ربما قلت أن هذه " ظاهرة " إيجابية وطبيعية ، بمعنى أن الحزب لا يقيم سياسته ولا بناءه التنظيمي على أساس المعتقدات الدينية أو الطائفية . لكن ينبغي الوضوح ، من جهة اخرى ، في أن الدعوة للدين والتثقيف به تتم في الجوامع والكنائس والحسينيات لا في الأجتماعات السياسية والحزبية . أكاد أشعر بعذابات ماركس وهو يتقلب في قبره .

لا ينقص القوى الديقراطية الشجاعة والجرأة ، فمن يعيش ظروف العراق الحالية لا تنقصه تلك الخصال ، لكن عليها أن تتحلى بالقدرة على التفكير الجديد ، وتمييز موقفها العلماني بدون مساومة ، قد ينفع ذلك بعد أن تأكدت العامة من تمام أنتشار الفساد والأستغلال والظلم والغش والخداع والنهب لكامل المجتمع وليس بعيداً عن استغلال الدين ، فهذا ربما يؤدي الى نتائج أفضل عندما لم تنفعنا عمامة السيد ولا التخفي تحت عباءته ، لا أن نتجه لتعلم القرآن والفقه وبالتالي الأنضمام لتلك الجوقة . أذا كان هذا هو الحال ، لن يمر وقت طويل قبل أن نرى لدى القوى الديمقراطية مختصة الفقه وأصدار الفتاوى !

أن من بين أخطر المهمات التي تواجهها القوى الديمقراطية هي النضال من أجل بناء الدولة المدنية وإبعاد الدين عن مؤسسات الدولة بما فيها الدراسية والحرص على بقائه ضمن الحرية الشخصية والتثقيف بقيم المواطنة والحد من الطابع الديني المهيمن على المجتمع . أما تعلم ودراسة القرآن والتنظير له وأستغلاله كأحدى أدوات النضال فهذه مكانها الحزب الشيوعي الأسلامي العراقي .
 

تأملات (43) : حوافرالخيول أعمق من حكمة العقول
تأملات (42) : وجهةُ نَظَرْ، لتَحليلِ المُبتدأ والخَبَرْ ، في وَثائقِ المُؤتَمَرْ
تأملات (41) : تأملاتٌ في حَيرةِ نَصير

تأملات (40) : زيوه ، لم تُطفئ الشموع

تأملات (39) : عندما يكون الحضور أكبر من الحدث
تأملات (37) : أنصار و مهاجرين  - خروج (4)
تأملات (36) :  أنصار و مهاجرين - خروج (3)
تأملات (35) :  أنصار و مهاجرين - خروج (2)
تأملات (34) :  أنصار و مهاجرين - خروج (1)
تأملات (33) :  تأملات في بيان الحزب الشيوعي العراقي حول الذكرى 78 لتأسيسه
تأملات (32) :  في ذكرى رحيل المناضلة نعمي أيوب
تأملات (31) :  مرة أخرى مع أطيب التحيات للمؤتمر التاسع
تأملات (30) :  محنة العقل في التوحيد (2)
تأملات (29) :  محنة العقل في التوحيد (1)
تأملات (28) :  الدين ملجأ السياسة والثقاقة قبرها (3)
تأملات (27) :  الدين ملجأ السياسة والثقاقة قبرها (2)
تأملات (26) :  الدين ملجأ السياسة والثقاقة قبرها (1)
تأملات (25) :  صوتُ هناء ، جلجلَ في السماء
تأملات (24) :  مقدمة في نقد تأويل التأويل (4)
تأملات (23) :  مقدمة في نقد تأويل التأويل (3)
تأملات (22) :  مقدمة في نقد تأويل التأويل (2)
تأملات (21) :  مقدمة في نقد تأويل التأويل (1)
تأملات (20) :  الى المؤتمر التاسع للحزب الشيوعي العراقي
تأملات (19) :  عندما يكون العنف طريقاً للحق (2)
تأملات (18) :  عندما يكون العنف طريقاً للحق (1)
تأملات (17) :  التيار الديمقراطي تأملات في تقييم الحركة الأنصارية (2)

تأملات (16) :  التيار الديمقراطي تأملات في تقييم الحركة الأنصارية (1)
تأملات (15) :  التيار الديمقراطي بين هَم الأمل وثقل العمل (2)
تأملات (14) :  التيار الديمقراطي بين هَم الأمل وثقل العمل (1)
تأملات (13) :  من غير وصايا كان العالم أجمل
تأملات (12) :  صَخبٌ في العقول
تأملات (11) :  الأيمان في الغربة وطن (3)
تأملات (10) :  الأيمان في الغربة وطن (2)
تأملات (9) :  الأيمان في الغربة وطن (1)
تأملات (8) :  تبسيط السياسة دون أبتذال
تأملات (7) :  الرمز الديني بين مطرقتي الهوية والبندقية
تأملات (6) :  14 تموز وهم الثورة والحلم والخيال (2)
تأملات (6) :  14 تموز وهم الثورة والحلم والخيال (1)
تأملات (5) :  السياسة بين التأمل والأيمان
تأملات (4) :  في السياسة والأخلاق ... دروس
تأملات (3) :  المقدّس بين مطرقتي وهم الأيمان واللامبالاة
تأملات (2) : الموقف من التأريخ هو المحك
تأملات (1) : نقد الذات قبل نقد الوقائع

 

free web counter