د. غالب محسن
تأملات (41) - نقد الذات قبل نقد الوقائعتأملاتٌ في حَيرةِ نَصير
د.غالب محسن
أثارت مقالة الأخ نصير عواد ، المنشورة في الحوار المتمدن بتأريخ 9 حزيران 2012 ، مشاعر الكثير من الأنصار والأصدقاء . هذه واحدة منها .
وحيداً
نادى القمر ،
حُراسَهُ ولياليه ،
من وَراءِ السحابِ ،
والشجر .
يومَ كانَ بدراً
والنذور تدور ،
كالطيور ،
مثل عاشقٍ هوى من السماء
كان مطر
وطفلةٌ
تمسح فوق رؤوسٍ
تبحث عن ظلالٍ
وحجر
لبيك لبيك لبيك
كان الصوت يرتجف
وحيداً ،
من غيرِشموعٍ
ولا قدر
فيما مضى ، رغم القسر في أحيان كثيرة ، كان هدف الأنصار المقاتلين واضحاً ، لكن ليس الآن . كان حلماً جميلاً ، وإنتهى . وبلغة الوقائع ، منذ غزو نظام صدام للكويت ، ثم طرده منها ، مثل جرذ ، وأستقلال كردستان ، عملياً ، في ظل الحماية الدولية . و كان الأنصار ، في وقتها ، تغمرهم العواطف وحماس الثوار حتى منتهى القرار . العواطف بقيت ، وعندنا الكثير منها ، جماعة وأفراد ، ما شاء الله . أما الحماس الثوري فلا يبدو أن هذا زمانه .
ليس عيباً أن كان للحركة فيما مضى دوراً مميزاً ، بل ورائداً من جوانب عدة ، لكنه أنقضى . وإذا شئتم ، لمن يشعر بالحزن ، لا بأس في أن ذلك الدور قد تبدل ليس في الممارسة السياسية عموماً ، الكفاح المسلح ، بل وأيضاً في العلاقة مع حاضنتها ، الحزب الشيوعي . وإذا كانت الأولى تعود لتغيير في الوضع السياسي على الأرض ، فإن الثانية هي تحصيل حاصل لذلك الوضع المتغير و ايضاً لنجاحات التجربة الأنصارية واخفاقاتها .
وليس عيباً أن تبحث الحركة عن دور جديد ، منظمة مجتمع مدني ، أم جناح سياسي يساري ، أو حركة ديمقراطية ، أو ما شابه . لكن مثل هذا الدور يجب أن ينبع عن حاجة وحركة الواقع وليست أمنيات مهما كانت نبيلة . فالعواطف ستثير حتماً المزيد من الشجون وربما الحزن أيضاً لكنها لن تمنح دوراً حقيقياً . ماهي الإمكانيات ثانياً ؟ *
وليس عيباً أن يكون الهدف الآن ، عند الكثيرين ، هو الذاكرة الأنصارية ، تأرخة الحركة ، إقرار دورها ومكانتها ، وتوثيقها بأعتبارها جزءاً مهماً من التأريخ السياسي العراقي المعاصر وتحديداً الشيوعي منه . قد يبدو ، للبعض ، أن هذا الهدف صغيراً ، مقارنة بما مضى ، وهذا ربما حق ، لكن من يستطيع الزعم أن هذا ليس هدفاً نبيلاً سيحتاج الى الكثير من الجهد ، بل والكفاح ، لإتمامه ، ومن يظن أن هناك غيرنا من سيؤدي هذه المهمة ما هو إلا طيب القلب أكثر من اللازم . ف " الفتية الصوفيون " ليسوا بحاجة للأنبياء بعد أن أدركوا الحق بأنفسهم . وإذا لم ننجح في هذه المهمة " الصغيرة " فكيف يمكن لنا أن نتحدث عن دور جديد وربما كبير ؟
إذن ، وهكذا كما أعتقد ، ومن غير ما أقصد أحداً بعينه ، لا في البكاء على ما مضى ، وإقامة المناحات لمن رحل ، بل تبجيلهم وتكريمهم بما يليق ، من غير نسيان ، بل تثبيتهم كنجوم لامعة في تأريخ بلادنا ، للأبد .
الأنصار ليسوا كتلة متجانسة ، ما كانوا ولن يكونوا حتى وإن وحّدتهم الهموم و مشاكساتهم في الحزب والسياسة . وعلى الرغم من كل ذاك التنوع ، المذهل ، حد التناحر في أحيان كثيرة ، أسست حركة الأنصار تقاليد جديدة ، كانت في جوهرها الكثير من الثقافة والأخلاق والأحلام والقليل القليل من السياسة .
وفي الجانب الآخر ، ثقافة السياسة التقليدية عند أصحابنا ، فهي تنمو وتسرح وتطفح بل وتصفع أحياناً ، وقد تضطر لتغير جلبابها عند المنعطفات الحادة أو الساخنة ، وليس في هذا عجب ، فهذه هي السياسة ، عشق وغرام بعد خصام مما يثير الحيرة عند الكثير من الأنصار . ومثلها كثير رغم النوايا الحسنة ، فالديمقراطية وتيارها ، مثلاً آخراً ، رغم أنها تبدو في بريق يخلب الألباب ، لكنه ، للاسف مثل لمعان السراب . هكذا صار الخطاب .
وفي هذا يكمن ، يا أصدقائي سر الخصام . ففي السياسة ، كما قلتم عن حق ، ليس غير المصالح مهما تفننا في تسميتها . وهنا تكثر الأسئلة .
والأسئلة مدارات ، الخيار فيها يكشف الأسرار . في الفلسفة ، سرّ المعرفة ، يكمن في صيغة السؤال : لماذا ، والجواب على لماذا يقود الى لماذا جديدة ، فأجابة جديدة .... وتأمل . إنها أسلوب عميد الحكماء سقراط ، بها كشف بعض معاني الحياة . لكن للأسف لا يسري هذا في السياسة ، مهما تعففت . أو قل على العكس من المعرفة ، يكمن سر السياسة في السؤال : كيف ، وعلى الأرجح يكون متبوعاً ب : كيف تحافظ على الحكم ، على السلطة ، الكرسي ، المنصب ، والمصلحة طبعاً . إنها أسلوب عميد السياسة نيكولو دي ميكافيلي . وتطورت تلك التعاليم لتصبح شاملة ليس للحاكم فحسب بل والسياسي المعارض الطامح للحكم . إذن التبرير في السياسة ، أيضاً ثقافة ، لكنها معوجة ، والتأريخ ملئ بالدروس .
إما أن يتخلص الأصحاب من عقدة الماضي وعبادة الأسلاف وإما خيار غلق الأبواب . تلك هي الثقافة التي عبر عنها أصدق تعبير ماركس في مقدمة رأس المال ، من أننا لا نعاني من الأحياء فقط بل والأموات أيضاً ، فالميت يمسك بتلابيب الحي .
للأسف لم يبق من ثقافة الأنصار سوى الذاكرة ، و محاولات فردية من المتحمسين لأبقاء جذوتها متّقدة . وليس الأدب الأنصاري إلا أحد إشراقاتها . تلك الذكرى على الأرجح مصحوبة بفيض من المشاعر والعواطف قد تدفع للمغالاة ، أحياناً ، وربما تخلق أحلاماً جديدة وحنيناً لتجربة مكانها التأريخ .
لكن تأرخة التجربة الأنصارية لا يتعارض مع محاولة أنعاش كل ما هو جميل في تلك الثقافة ، وأهمها على الأطلاق ، ثقافة الحرية والأنفتاح ، والجرأة في نقد السياسة بما فيها سياسة الأصحاب حتى وأن لم يلقى الترحاب فهو على أية حال خير من العتاب .
* كنت قد نشرت ، في حلقتين ، في الحوار المتمدن منذ عام تقريباً (2-6-2011) تأملات للمؤتمر السادس لرابطة الأنصار وتحديداً في موضوعة الحفاظ على تأريخ الحركة وما هو دورها الآن ضمن الأمكانيات المتاحة .
تأملات (40) : زيوه ، لم تُطفئ الشموع
تأملات (39) : عندما يكون الحضور أكبر من الحدث
تأملات (37) : أنصار و مهاجرين - خروج (4)
تأملات (36) : أنصار و مهاجرين - خروج (3)
تأملات (35) : أنصار و مهاجرين - خروج (2)
تأملات (34) : أنصار و مهاجرين - خروج (1)
تأملات (33) : تأملات في بيان الحزب الشيوعي العراقي حول الذكرى 78 لتأسيسه
تأملات (32) : في ذكرى رحيل المناضلة نعمي أيوب
تأملات (31) : مرة أخرى مع أطيب التحيات للمؤتمر التاسع
تأملات (30) : محنة العقل في التوحيد (2)
تأملات (29) : محنة العقل في التوحيد (1)
تأملات (28) : الدين ملجأ السياسة والثقاقة قبرها (3)
تأملات (27) : الدين ملجأ السياسة والثقاقة قبرها (2)
تأملات (26) : الدين ملجأ السياسة والثقاقة قبرها (1)
تأملات (25) : صوتُ هناء ، جلجلَ في السماء
تأملات (24) : مقدمة في نقد تأويل التأويل (4)
تأملات (23) : مقدمة في نقد تأويل التأويل (3)
تأملات (22) : مقدمة في نقد تأويل التأويل (2)
تأملات (21) : مقدمة في نقد تأويل التأويل (1)
تأملات (20) : الى المؤتمر التاسع للحزب الشيوعي العراقي
تأملات (19) : عندما يكون العنف طريقاً للحق (2)
تأملات (18) : عندما يكون العنف طريقاً للحق (1)
تأملات (17) : التيار الديمقراطي تأملات في تقييم الحركة الأنصارية (2)
تأملات (16) : التيار الديمقراطي تأملات في تقييم الحركة الأنصارية (1)
تأملات (15) : التيار الديمقراطي بين هَم الأمل وثقل العمل (2)
تأملات (14) : التيار الديمقراطي بين هَم الأمل وثقل العمل (1)
تأملات (13) : من غير وصايا كان العالم أجمل
تأملات (12) : صَخبٌ في العقول
تأملات (11) : الأيمان في الغربة وطن (3)
تأملات (10) : الأيمان في الغربة وطن (2)
تأملات (9) : الأيمان في الغربة وطن (1)
تأملات (8) : تبسيط السياسة دون أبتذال
تأملات (7) : الرمز الديني بين مطرقتي الهوية والبندقية
تأملات (6) : 14 تموز وهم الثورة والحلم والخيال (2)
تأملات (6) : 14 تموز وهم الثورة والحلم والخيال (1)
تأملات (5) : السياسة بين التأمل والأيمان
تأملات (4) : في السياسة والأخلاق ... دروس
تأملات (3) : المقدّس بين مطرقتي وهم الأيمان واللامبالاة
تأملات (2) : الموقف من التأريخ هو المحك
تأملات (1) : نقد الذات قبل نقد الوقائع