د. غالب محسن
تأملات (33) - نقد الذات قبل نقد الوقائعتأملات في بيان الحزب الشيوعي العراقي حول الذكرى 78 لتأسيسه
د.غالب محسن
" قد أختلف معك ولكني مستعد للموت في سبيل الدفاع عن حقك بالتعبير عن رأيك " فولتير
أصدرت اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي بياناً بمناسبة الذكرى 78 لتأسيسه والتي تصادف في الحادي والثلاثين من آذار . هذه تأملات ، مكثفة و لنقل عفوية ، بعد قراءة سريعة للبيان وخطاب سكرتير اللجنة المركزية لجمهور الخارج الذي وصف فيه ، بحق ، تأسيس الحزب كأنه ميلاداً ل " ربيع الحركة الوطنية العراقية " .
تضامن فوق طبقي
التضامن مع الحزب الشيوعي العراقي كان ، منذ ثلاثة أرباع القرن تقريباً ، وما زال ، في جوهره ، موقفاً من قضية الوطن والعدالة الأجتماعية بمفهومها اليساري والطبقي . لذلك كان محصوراً في هذا النطاق ، الى حد ما .
لكن ، دون أن نعني ألغاء ما سبق ، وفي ظل ظروف العراق الحالية من أنتشار رهيب للفساد ، وغياب أبسط حقوق الأنسان والخدمات والأمان ، وحيث أختفت تقريباً كل معالم الأنسانية والتمدن من المشهد السياسي العراقي وأصبحت مطالب الأنسان العراقي في القرن الحادي والعشرين هي تلك التي تحققت لآباءنا و أجدادنا قبل أكثر من نصف قرن من الزمان ( ماء ، كهرباء ، بناء مدرسة ، تبليط شارع ، حفر مجاري ، حساب جاري ...الخ ) ، والفوضى عموماً منذ سقوط الدكتاتورية 2003 وحتى الآن ، هذه وغيرها أنما أحدثت تبدلاً نوعياً ، تأريخياً ، ولو مؤقتاً ، في محتوى ذلك التضامن ، و أصبحت دلالات الموقف التضامني مع الحزب الشيوعي العراقي بمثابة موقف أنساني وحضاري ، فوق الحدود السياسية والأديولوجية . بل وقد تدفعنا الحماسة العاطفية ، للزعم من أنه موقف من الوطنية ومن المستقبل أيضاً .
وعلى الرغم من تحفظاتي سابقاً ، ومازلت ، من مثل هكذا أحتفالات وما يرافقها من طقوس ، ومن مبالغات في أغلب الأحيان تجعلها هي الهدف لا مغزى المناسبة ، ألا أنها من ذلك المنظور ، أصبحت ضرورية وينبغي توسيعها لتكون حقاً مناسبة لتحشيد التضامن مع الحزب الشيوعي وجعلها مناسبة للدفاع عن الديمقراطية وحقوق الأنسان خصوصاً لنا ، نحن جمهور الخارج ، حيث توجه مشكوراً السكرتير الأول بخطاب خاص لنا . أقول ضرورية بأعتبارها أحد أشكال التضامن الملموس ، المتاح ، وأن كان ذلك ، عند البعض ، أضعف الأيمان ، وهم على حق .
الداخل والخارج طائفية
أن توجه السيد حميد مجيد المسؤول الأول في الحزب بكلمة خاصة لأعضاء الحزب وجمهوره في الخارج أنما يعكس أهتمام الحزب بهذا الجمهور ، الذي قد يشعر بالغبن ، وربما التهميش ، في مساهمته في التأثير في رسم سياسة الحزب وبرامجه . ورغم أن هذه المحاولة حسنة في نواياها لكنها ، مع الأسف ، في جانبها الآخر ، ستعزز هذا الشعور بالأنقسام بين رفاق الداخل ورفاق الخارج وهو تعبير ، في هذا الجانب عن ماهية الثقافة الحزبية السائدة ليس في أروقة المقرات الحزبية فحسب وأنما في الساحات أيضاً .
لماذا يساورني شعور بالطائفية كلما أُثير أمامي هذا السؤال ؟
فن النسيان
كانت صياغة بيان اللجنة المركزية متينة ، معبرة حقاً عن ذلك التأريخ العريق ، المجيد ، وكواكب الشهداء في سوح النضال والكفاح منذ تأسيس الحزب وحتى يومنا هذا . بل وأستشرف البيان ملامح المستقبل الذي يناضل من أجله أيضاً . لقد نجح البيان ، تقريباً ، بصياغات بليغة في الأماكن والفترات التأريخية التي أختارها ، متعمداً ، في أيصال رسالته بل وأعجبتني كثافة التعابير ووضوحها .
لكن ما أدهشني هو " القفز " على فترتين من أهم فترات تأريخ العراق الحديث ، أقصد ثورة 14 تموز ( مر عليها بالأسم فقط ) وفترة خمسة عشر عاماً منذ مجزرة شباط الأسود 1963 ليقفز البيان بعدها الى العام 1978 وكأنه لم يحدث أبان تلك الحقبة الزمنية (عقد ونصف) أي شئ يستحق الذكر . وأذا كان هناك مَن لم تلفت أنتباهه هذه ، بالطبع ، فأن المتلقي الواعي أمامه تفسيرين محتملين : أما تلك كانت هفوة نسيان وأما كان ذلك مقصوداً . وفي كل الأحوال سيبقى هناك من يبحث عن أجابة .
سياسة النصف خطوة
أن أشارة البيان ، الى موقف الحزب من الدين أنما يمثل أنتقالة مهمة ، ليست شكلية الى حد ما ، في خطاب الحزب ، بل تعبير سياسي فكري ، عن الحاجة في تمييز موقفه عن " جوقة " الطبالين والمشعوذيين ، خصوصاً من يدّعون أو يتسترون بالأسلام السياسي . ومع ذلك ، فهذا الموقف ، كما أراه ، كان نصف خطوة ومتأخرة أيضاً .
ما الذي يمنع ، بعد ذلك ، من أن يعلن الحزب ، بوضوح وصريح ، كونه حزباً علمانياً يدعو لفصل الدين عن الدولة ومؤسساتها وأن أحترام الشعائر والطقوس الدينية لا يعني عدم أنتقادها . وأذا كانت هذه الأخيرة تحتاج الى نصف خطوة أخرى فعلى الأقل يجب أن لا تكون متـأخرة . وأرجوكم لا تسألون أو تبحثون عن مبررات ، حتى وأن سُميت تنظيرات ، فعندي منها ما يُشبع ليس شعباً كاملاً ، بل شعوباً .
تضامن وتأمل
78 عاماً هو وقت قصير في عمر البلدان لكنه طويل ، وجداً ، في عمر الأحزاب ولا يمكن أن يمر دون سقطات ، عثرات ، أنزلاقات وأخطاء فمثل هذه الأحزاب غير موجودة في كتب التأريخ . لكن بيان الحزب كان له رأياً آخراً حيث لا تجد ولا نفساً أو حرفاً واحداً . لماذا ؟
أن أصدار البيانات والأحتفال بمثل هذه المناسبات هي من بين أكثر وأفضل الفرص للتضامن لكنها خيراً للتأمل بالتأكيد بل أن الأخيرة قد تسبق الأولى . فالأحتفال ينتمي لما مضى ، والتأمل لما سيأتي . هذا التأمل يتم في ظروف أحتفالية أن جاز التعبير وبالتالي ليس بالضرورة أن يكون تحليلاً معمقاً كما في التقارير السياسية بل هي أشارات من الماضي للمستقبل ، وهي تمنح " راحة نفسية " بل مصداقية عند الجمهور . وأذا شئت التمادي فهي تمنح تحدياً أضافياً على الحزب مواجهته .
هل هناك شيئاً يخشاه أو يخسره الحزب بمثل هذه الأشارات ؟ أليست هذه علامات قوة ؟
وبأنتظار نصف خطوة جديدة ، أخرى ، تحياتي للحزب في ذكرى تأسيسه !
تأملات (32) : في ذكرى رحيل المناضلة نعمي أيوب
تأملات (31) : مرة أخرى مع أطيب التحيات للمؤتمر التاسع
تأملات (30) : محنة العقل في التوحيد (2)
تأملات (29) : محنة العقل في التوحيد (1)
تأملات (28) : الدين ملجأ السياسة والثقاقة قبرها (3)
تأملات (27) : الدين ملجأ السياسة والثقاقة قبرها (2)
تأملات (26) : الدين ملجأ السياسة والثقاقة قبرها (1)
تأملات (25) : صوتُ هناء ، جلجلَ في السماء
تأملات (24) : مقدمة في نقد تأويل التأويل (4)
تأملات (23) : مقدمة في نقد تأويل التأويل (3)
تأملات (22) : مقدمة في نقد تأويل التأويل (2)
تأملات (21) : مقدمة في نقد تأويل التأويل (1)
تأملات (20) : الى المؤتمر التاسع للحزب الشيوعي العراقي
تأملات (19) : عندما يكون العنف طريقاً للحق (2)
تأملات (18) : عندما يكون العنف طريقاً للحق (1)
تأملات (17) : التيار الديمقراطي تأملات في تقييم الحركة الأنصارية (2)
تأملات (16) : التيار الديمقراطي تأملات في تقييم الحركة الأنصارية (1)
تأملات (15) : التيار الديمقراطي بين هَم الأمل وثقل العمل (2)
تأملات (14) : التيار الديمقراطي بين هَم الأمل وثقل العمل (1)
تأملات (13) : من غير وصايا كان العالم أجمل
تأملات (12) : صَخبٌ في العقول
تأملات (11) : الأيمان في الغربة وطن (3)
تأملات (10) : الأيمان في الغربة وطن (2)
تأملات (9) : الأيمان في الغربة وطن (1)
تأملات (8) : تبسيط السياسة دون أبتذال
تأملات (7) : الرمز الديني بين مطرقتي الهوية والبندقية
تأملات (6) : 14 تموز وهم الثورة والحلم والخيال (2)
تأملات (6) : 14 تموز وهم الثورة والحلم والخيال (1)
تأملات (5) : السياسة بين التأمل والأيمان
تأملات (4) : في السياسة والأخلاق ... دروس
تأملات (3) : المقدّس بين مطرقتي وهم الأيمان واللامبالاة
تأملات (2) : الموقف من التأريخ هو المحك
تأملات (1) : نقد الذات قبل نقد الوقائع