| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

يوسف أبو الفوز 
haddad.yousif@yahoo.com

 

 

 

                                                                                الأثنين 29/4/ 2013

 

عالم أخر (16)

الساونا الفنلندية وطقوسها العائلية !

يوسف ابو الفوز - هلسنكي

ان الشعوب تجيد صناعة الفرح حين تكون حياتها مترعة بالإحساس بالآمان !

كيف تعيش الشعوب حياتها بسعادة ؟ ما هي مسؤولية الدولة في ذلك ؟ وكيف تتوفر الفرصة للعوائل في استغلال اوقاتها في برامج مشتركة تضيف على حياتها الكثير من البهجة ؟ واسئلة أخرى كثيرة ترد في الخاطر ، وفي هذه الزاوية ، تناولنا العديد من الموضوعات السياسية والثقافية ، عن فنلندا، هذا البلد الاوربي الصغير (5,4 ملايين نسمة ) ، المرمي على حافة القطب الشمالي، عند خليج بوتاميا من بحر البلطيق في حافة اوربا الشمالية .

الغرض هو التعريف بتجربة هذا البلد السياسية والثقافية والاجتماعية ، هذا البلد الذي يعتبر احد بلدان شمال اوربا الذي نجح في بناء تجربة دولة الرفاه، حيث تكون الدولة هي المسؤولة عن القيام بالدور الأساسي في حماية وتوفير الرفاه الاقتصادي خصوصا في القطاعات الخدمية والثقافية بطرق تساهم في الارتفاع بوعي الناس ليحترموا الانظمة والقوانين وتحويلهم الى مواطنين منتجين ومبدعين، ومساهمين في تطوير المجتمع وخلق والسلام والامن الاجتماعي ، وتوفير احتياجاتهم ليكون بأمكانهم الاهتمام أكثر بتفاصيل حياتهم والاستمتاع بها . سنتحدث هذه المرة عن الساونا الفنلندية ، هذه التي قدم لها الفيلسوف العربي ابن رشد وصفا ممتعا وسماها " بيت الصقالبة"، فمناخ فنلندا يتميز بشتاء طويل بارد تنخفض فيه درجات الحرارة كثيرا تحت الصفر ، ولياليه مظلمة ثقيلة ، لذلك لجأ الفنلنديون للتعويض عن غياب حرارة الشمس اللازمة للتعرق والدفء للاستعانة بحمام البخار"الساونا"، التي هي عبارة عن غرفة خشبية ، فيها مصاطب عريضة متدرجة للجلوس ، وفي الزاوية منها عادة صندوق خشبي تصف فيه انواع من الحجارة ، حيث يتم تسخينها الى درجات حرارة عالية ، في القرى عادة بموقد من الخشب المتوفر بكثرة ففنلندا هي بلد الغابات ، او بالكهرباء في غالبية المدن والحواضر ، ويرش على الحجارة الماء لانتاج البخار، وتصل درجات الحرارة الى 80 درجة مئوية أو أكثر، وهذه الحرارة تؤدى إلى ارتخاء الجسم والتعرق والتخلص من السموم المترسبة في الجسم ، وتفيد في إراحة الدماغ والاسترخاء بعيدا من هموم الحياة اليومية. تشمل طقوس حمام الساونا من بعد غرفة البخار استعمال الماء البارد في دوش عادي أو بركة سباحة ، مع مراعاة من يعانون من امراض القلب خصوصا ارتفاع ضغط الدم .

يكفي ارتياد الساونا مرة في الأسبوع في حالات الحفاظ على اللياقة اذ تفيد في حرق المزيد من السعرات الحرارية ما يساعد الراغبين في التخلص من الوزن الزائد . أما استعمالها للعلاج فيستوجب زيارتها 2- 3 مرات في الأسبوع ، ويتطلب التدرج في زمن البقاء في غرفة الساونا فيمكن البدأ بزمن خمس دقائق ، ثم زيادتها تدريجيا حسب أمكانية التحمل، ويمكن الجلوس في الساونا أو الاستلقاء في حالات الضغط المنخفض ورفع الساقين إلى الحائط ، ويجب بعد الخروج من الساونا الدخول في طور التبريد باستعمال الدوش الماء البارد أو أو الغطس في البركة الباردة في حالة عدم وجود مشكلة ارتفاع في ضغط الدم، ويمكن بعد المرحلة التبريدية الدخول عدة مرات إلى الساونا . وتحتل الساونا وطقوس ممارستها مكانا بارزا في حياة وثقافة الشعب الفنلندي ، فهي مكان لاجتماع العائلة ، والاصدقاء والجيران، وفيها تختفي عادة الفروق بين الاجناس ، وعادة ما يتم شوي اصابع النقانق على الاحجار الساخنة بعد لفها بورق الالمنيوم ويتم تناولها في صالة نزع الملابس ويصحب ذلك عادة شرب انواع العصائر المثلجة او البيرة . ويعتبر الفنلنديون الساونا واحدا من مفاخرهم ، فعند الفنلنديين القدماء تعتبر مكانا طاهرا ومقدسا ، ففيه كانت تجري عمليات الولادة وغسل الموتى. حمام الساونا لا يزال جزءا مهما من تصميم البيت الفنلندي، ويحتل حيزا مهما في تأريخ العمارة الفنلندية ، وفي القرى والارياف لا يمكن الاستغناء عنها ، وهناك دائما كوخ صغير منفرد مخصص للساونا ، واذا عرفنا بأن فنلندا فيها 188 الف بحيرة سنفهم لماذا غالبا تبنى اكواخ الساونا عند ضفاف البحيرات مما يسهل لمستخدميها السباحة في مياه البحيرة الباردة ، وفي المدن اذ تنتشر حمامات السباحة العامة فأنها عادة تكون مزدودة بغرف للساونا ، وكل عمارة سكنية لابد ان يكون فيها حمام ساونا للاستخدام العام يمكن استخدامه حسب جداول زمنية حيث يكون هناك وقت محدد لكل عائلة ، واوقات عامة دورية مخصصة للنساء وللرجال كل على حدة ، وحيث تتوفر الفرصة لأن يلتقي الجيران وتجتمع العائلة .

وأذ ظهرت في فنلندا والبلدان المجاورة العديد من المسابقات الطريفة ، التي دأبت على ابتكارها الشركات لتسويق منتجاتها ، فظهرت مسابقة رمي الجزمة لتسويق انواع محددة من الجزم الخاصة بالمزارعين ، ومسابقة رمي الهاتف الجوال الذي صارت ترعاه اهم شركات صناعة الهواتف الجوالة، ومسابقة حمل الزوجة التي تريد تسويق اغذية نباتية تمنح الرشاقة ، ورياضة كرة القدم في الطين لتسويق انواع من المستلزمات الرياضية ، ظهرت رياضة القدرة على تحمل الحرارة المرتفعة في "الساونا" ، وصار لها بطولة عالمية تنظمها وترعاها الشركات التي تنتج مستلزمات الساونا وغرفها ومواقدها ، وهي مسابقة لتبيان قدرة المساهمين على تحمل الحرارة المرتفعة في الساونا ، وراحت المسابقة ومنذ تأسيها عام 1999 تجتذب الكثير من المشاهدين والمتابعين ، وتجذب وسائل الاعلام ، بحيث صارهناك مسابقة للرجال واخرى للنساء وتجري وسط احتفالات تسلط عليها وسائل الاعلام المزيد من الضوء . ان الشعوب تجيد صناعة الفرح حين تكون حياتها مترعة بالاحساس بالامان !



 

عن الصباح البغدادية العدد 2810 / الاثنين 29 نيسان 2013

عالم أخر  (15) - (حكاية "الورقة العراقية" مع النزاهة والقانون الفنلندي)
عالم أخر  (14) - (السعادة في زنزانة !سجن تأريخي في هلسنكي يتحول الى فندق سياحي فاخر )
عالم أخر  (13) - (حين يكون دعم الدولة للثقافة أستثماراُ أجتماعياُ !)
عالم أخر  (12) - (أحوال بابا نوئيل في فنلندا)
عالم أخر  (11) - "يوم أهتي ساري " في فنلندا؟

عالم أخر  (10) - نائبة فنلندية في مجلس بلدي : عملنا يدخل في باب الخدمة المدنية ولا نتقاضى عليه اجراً
عالم أخر  (9) - الخدمة الاجتماعية في الانتخابات البلدية بفنلندا
عالم أخر  (8) - عن  الثقافة الجنسية للأطفال
عالم أخر  (7) - قوانين حماية الطفل في العالم ضمان تربية الطفل في بيئة آمنة ومحفزة لقدراته
عالم أخر  (6) - دور رعاية المسنين في فنلندا فنادق بعدة نجوم !

عالم أخر  (5) - التجربة الاوربية في مسؤولية مشاهدة الاطفال للسينما والتلفزيون !
عالم أخر  (4) - حين يكون التعليم من اسرار التطور الحضاري
عالم أخر  (3) - المسؤولية هي أن تكون ناجحا في عملك !

عالم أخر  (2) - المسؤول حين يعرف أنه مواطن عادي !

عالم أخر  (1) - تطبيق القانون عمل شاق جدا في كل مكان !

 



 

 

free web counter