| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

يوسف أبو الفوز 
haddad.yousif@yahoo.com

 

 

 

                                                                                الأثنين 13/8/ 2012

 

عالم أخر (5)

التجربة الاوربية في مسؤولية مشاهدة الاطفال للسينما والتلفزيون !

يوسف ابو الفوز - هلسنكي

الأداء التربوي للمؤسسات الأعلامية والتربية النفسية للأطفال !

شعرت بالاسى للخبر الذي اعلنته وزارة الصحة العراقية مؤخرا عن تسجيلها سبع حالات انتحار لاطفال دون سن السادسة عشرة بعد تقليدهم لمشاهد درامية على غرار المسلسلات التركية ، حيث قال مدير رصد الإصابات الخارجية في الوزارة إن "الرصد سجل 7 حالات انتحار بين صفوف الأطفال، 4 ذكور و3 بنات انتحروا عن طريق الخطأ" . واضاف أن "حالات الانتحار 4 منها سجلت في العاصمة بغداد وواحدة في البصرة وميسان ونينوى وأسبابها متقاربة، حيث إن جميع أفكارها مستوحاة من واقع المشاهد في المسلسلات التركية" .

لا اعتقد ان هذه الحوادث ستكون الاخيرة بحكم كون اسباب حدوثها لا تزال قائمة ومستمرة ، فلذا لن يكون غريبا ان نسمع اخبارا صادمة اخرى بذات المستوى وربما اشد ! فمن المسؤول عن هذا ؟ من المسؤول عن حياة اطفالنا وشبابنا ؟  الاسرة ؟ ام المجتمع ؟ ام الدولة بمؤسساتها المعنية ؟ كلهم مسؤولين وان بمستويات مختلفة ، فالمسؤلية هنا تكاملية وتضامنية فالامر لا يتوقف عند المسلسلات التركية فقط ، ان اسباب انتشار حالات من العنف ضد الاخرين وضد النفس لا تتعلق بسبب واحد ، ان هناك مجموعة من الاسباب ، التي على الجميع ، اسرة ومجتمع ومؤسسات دولة ، ادراكها والتوقف عندها ودراستها لمعالجتها ، وان احد هذه الاسباب هو الاداء التربوي للمؤسسات الاعلامية ، فالتلفزيون مثلا يجب ان يكون له دور ايجابي في نشر المعرفة ويكون مساندا لدور الاسرة والمدرسة في التربية والتعليم ، وان لا يكون له تأثير سلبي على الصحة العامة والوضع النفسي للطفل !  فماذا نقول عن واقع ما تعرضه لنا نشرات الاخبار ـ وطول النهار ـ في الفضائيات العراقية ـ والعربية ـ من مشاهد عنف وصور مغرقة في التفاصيل في دمويتها ؟ وماذا عن مشاهد العنف في الافلام الغربية التي تعرضها بسخاء الفضائيات المخصصة لافلام العنف والحركة ؟ وماذا عن مشاهد العنف في المسلسلات العربية والاجنبية ؟ وبرامج المصارعة الحرة والملاكمة ؟ هذا اذا تركنا جانبا تفاصيل الاحتراب السياسي الذي ياخذ طابع العنف احيانا في المجتمع العراقي وتوقفنا فقط عند اداء وسائل الاعلام ، خصوصا الصحافة والتلفزيون !

في البلاد الاوربية ـ ومنها فنلندا ـ هناك قوانين ومعايير واعراف تنظم عملية مشاهدة السينما والتلفزيون ، وهذه القوانين تم اقرارها في مؤسسات الاتحاد الاوربي بالتعاون مع (مركز معلومات الالعاب الاوربي) المعروف برمز (PEGI)، الذي تأسس عام 1998 ومقره في بلجيكيا ، وهي مؤسسة غير ربحية ذات هدف اجتماعي ، معنية بحماية الاطفال في الاتحاد الاوربي وتحظى بدعم مفوضية الاتحاد الاوربي ومعترف بها في كل دول الاتحاد والعديد من المؤسسات الدولية ، حيث ساهمت بتوحيد القوانين واصبحت منذ ربيع عام 2003 ملزمة لكل الدول اعضاء الاتحاد الاوربي لاعتمادها في الحياة اليومية ، واصبحت معتمدة من اكثر من ثلاثين دولة اوربية ومعها  بريطانيا ، وتتلزم بها كبار شركات تصنيع الافلام والعاب الاليكترونية ، وكذلك اصحاب محلات بيع اشرطة فيديو الافلام والعاب الكومبيوتر وان خرقها يعرض اصحاب صالات السينما وقنوات التلفزيون وبائعي اشرطة الفيديو الى عقوبات لا تقل عن السجن لمدة ست سنوات مع دفع غرامات مالية . فالمؤسسات الرسمية المعنية تلزم دور عرض السينما باستخدام علامات محددة ، توضع مع اعلانات كل فيلم ، وتلزم الصحف في ادراجها في الصفحات التي تعلن عن برامج التلفزيون الى جانب اسم كل فيلم او برنامج ، ووضعها على اشرطة الفيديو والعاب الكومبيوتر ، وصارت هذه الرموز مفهومة جيدا من قبل عموم الناس بحكم تداولها ، وبحكم التعريف بها في المدارس والاعلانات ، فبمجرد مشاهدتها يمكن معرفة العمر المسموح به لمشاهدة الفيلم او البرنامج المعني ، ومن هذه العلامات يمكن معرفة ان كان الفيلم يحوي مشاهد عري وجنس او مشاهد عراك وعنف او تناول مخدارات او كلام بذيء ، او مشاهد لعب قمار ، او شجار عائلي وحتى مشاهد التدخين . وهنا يبدأ دور مهم واساس للعائلة يقضي بارشاد وتوجيه ابنائهم لابعادهم عن مشاهدة الافلام التي لا تناسب اعمارهم وتؤثر سلبا على تربيتهم او جوانبهم النفسية . فربما هناك فيلم مسموح مشاهدته من قبل طفل تجاوز اثنا عشر عاما لكنه يعاني نفسيا من حالة الخصام بين والديه فالطبيب النفسي هنا ـ أو المرشد الاجتماعي في المدرسة ـ ينصح العائلة وحسب الحالة النفسية للطفل بعدم السماح له بمشاهدة افلام فيها شجارات عائلية او كلام بذيء او عنف وغيره .

فالعائلة هنا تلعب دور الرقيب لمتابعة الحال التربوي والنفسي للطفل والحرص على نموه في اجواء سليمة ، اما قنوات التلفزيون في عموم دول اوربا فهي ملزمة بعدم عرض اي مشاهد عنف طيلة النهار في برامجها ونشرات الاخبار ، ولا تعرض هذه الا بعد الساعة العاشرة مساءا ، حيث المعروف ان غالبية العوائل الاوربية تحرص ان يكون اطفالهم في اسرة النوم في هذا الوقت ، ولهذا السبب تكون نشرة الساعة العاشرة مساءا للاخبار في كل تلفزيونات اوربا هي النشرة الاساسية ، حيث يتم فيها عرض الاخبار التي لا يمكن للاطفال والاحداث من مشاهدتها بما في ذلك عرض صور العنف السياسي والاجتماعي او قتلى او مشاهد دماء جراء عمليات ارهابية او اجرامية ، ويحصل احيانا ان اخبار عاجلة والزامية يتطلب عرضها ـ مثلا احداث اا ايلول 2011 في مانهاتن ـ تجد ان التلفزيون ملزم قبل عرض الخبر ان يشعر الاهالي وينبههم ويطلب منهم ضرورة ابعاد ابنائهم عن شاشة التلفزيون خلال عرض تلك الاخبار. اما الافلام التي تحوي كل ما لا يمكن للاطفال من مشاهدته فتعرض عادة في ساعة متأخرة حيث يكون الاطفال قد غطوا في النوم ، لذا تجد ان ايام عطلة الاسبوع عادة هي الايام التي تعرض فيها الافلام السينمائية في التلفزيون حيث يمكن للاباء والامهات السهر ومتابعة الفيلم الذي يرغبون. وعموما لا يسمح للاطفال بالجلوس طويلا الى التلفزيون، فهناك فترة برامج مخصصة للاطفال يمكنهم متابعتها ، تقدم فيها افلام الرسوم المتحركة وقصص عن الطبيعة والحيوانات والعلوم وغيرها بما يناسب اعمارهم ومستوياتهم الفكرية والنفسية ، وهناك افلام عائلية تقدم في اوقات محددة يمكن للعائلة ان تجتمع ومتابعتها معا ، وفي العائلة الاوربية ثمة صرامة في التعامل مع الطفل في حرية متابعته للتلفزيون ، فهو لا يملك حرية الجلوس الى التلفزيون متى يريد ، فما يشاهده الكبار لا يصلح دائما لان يشاهده الصغار !

 

عن الصباح البغدادية عدد تصفح العدد 2611  يوم 13/8/2012
 

عالم أخر  (4) - حين يكون التعليم من اسرار التطور الحضاري
عالم أخر  (3) - المسؤولية هي أن تكون ناجحا في عملك !
عالم أخر  (2) - المسؤول حين يعرف أنه مواطن عادي !

عالم أخر  (1) - تطبيق القانون عمل شاق جدا في كل مكان !

 



 

 

free web counter