| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

يوسف أبو الفوز 
haddad.yousif@yahoo.com

 

 

 

                                                                                الأثنين 6/8/ 2012

 

عالم أخر (4)

كفاءة النظام التعليمي في التجربة الفنلندية
حين يكون التعليم من اسرار التطور الحضاري !

يوسف ابو الفوز - هلسنكي

قبل ايام ، كنت وصديق عجلين في طريقنا للحاق بموعد ، فركبنا التراموي (القطار الكهربائي) من امام محطة القطار الرئيسة في العاصمة الفنلندية هلسنكي ، وكنا نتضاحك متواصلين في حديثنا المرح ، وما ان صرنا داخل الترام حتى انتبهنا الى ان هناك من يتحدث بالميكرفون وان غالبية الركاب يصغون له بأهتمام، بل ان البعض  يسجل شيئا في دفتر ملاحظاته والبعض يلتقط الصور الفوتغرافية للمدينة عبر نوافذ القطار الواسعة وكان الركاب يصعدون وينزلون في محطاتهم  مثل كل يوم ولكنهم  هذه المرة بدوا لي اكثر هدوءا مع المشهد الذي امامنا .

بعد سؤالين مني ومن صديقي للفتاة الواقفة قربنا ـ تبين انها هولندية ـ ، فهمنا ان ذلك عبارة عن محاضرة ضمن البرنامج الدراسي الصيفي لطلبة كلية الهندسة المعمارية يقدمها استاذ مختص بعمارة هلسنكي ، وقد اختاروا هذا الخط من القطار لانه يمر باهم شوارع العاصمة حيث يمكن مشاهدة اهم بنايات العاصمة الفنلندية التي اختيرت عام 2012 لتكون عاصمة العالم للتصاميم . الطلبة المشاركون في الدرس ليس كلهم فنلنديين بل غالبيتهم من دول اوربية ضمن برنامج الدراسات الصيفية الذي عرفت به فنلندا من خلال برامجها التعليمية المتطورة .

منذ ان حللت في فنلندا ، هذا البلد  الصغير (5,3 مليون نسمة) المرمي عند القطب الشمالي ، كنت مسكونا بسؤال : كيف استطاع بلد زراعي لا يملك  غير الغابات كثروة طبيعية وكان ولسنين يعتبر خارج التاريخ ان يكون واحدا من اغنى دول العالم اقتصاديا ويتقدم في تصدير افضل انواع الورق وتكنولوجيا صناعة الورق ، ويكون رائدا في عالم الاتصالات ، ومن منا لا يعرف شركة نوكيا للهواتف النقالة ؟ !

ان قراءة متمعنة في تاريخ هذا البلد ندرك ان الامر يتعلق بعوامل عديدة منها طبيعة النظام السياسي ، ففنلندا واحد من نماذج "دول الرفاه" التي ظهرت في شمال اوربا في سبعينات القرن الماضي ،  التي  تتبع اقتصاد السوق مع الالتزام بمبدأ الديمقراطية والتداول في الحياة السياسية ، في ظل مبدأ الفصل بين الدين والدولة ، مع تحقيق برامج ضمان وحماية اجتماعي متطورة المستوى ، اضافة الى مبدأ منح المرأة الفنلندية حقوقها في المساواة بشكل متميز، وهناك عوامل عديدة اخرى لكن يبقى عملا مهما منها ، الذي حرصت الحكومات الفنلندية على رعايته تطويره تحقيقه ، هو نظام التعليم . لا نغالي المنطق انا قلنا ان نظام التعليم هو احد الاسرار المهمة لتطور هذا البلد ، ففنلندا نهضت ببرامج تعليمها من القاع كما يقال لتتربع على قمته على مستوى العالم وفق جداول الهيئات المعنية بالرصد في الامم المتحدة . يكفي حين نتحدث عن كفاءة نظام التعليم في فنلندا ان نذكر ان الطفل الفنلندي حين يبلغ من العمر 13 عاما يكون قد اتقن الى جانب لغته الام ثلاث او اربع لغات اجنبية اخرى . فبرامج التعليم الفنلندية تعتمد على ركائز اساسية منها تجهيز الطفل للتعليم قبل سن المدرسة من خلال رياض الاطفال ، اذ يتعلم المباديء الاساسية للقراءة والكتابة ويدخل المدرسة عادة في سن السابعة ، واتباع نظام التعليم المتساوي الذي ابتعد عن اساليب التلقين واعتمد اساليب البحث والتجارب العملية حيث تتحول الدروس التطبيقية في المختبر الى اوقات للمتعة يقبل عليها الطلبة بحماس مع انتفاء اسلوب الامتحانات والمنافسة التقليدية ، وأستبداله باساليب متطورة ، فالصف مثل فريق رياضي يحقق النتائج بالاداء المختلف المستوى لكل اعضاءه مع المحافظة على استقلال  الطالب في الابداع ، فالتعليم ليس هدفه نقل المعرفة من المعلم الى الطالب بل تنشيط الطلاب  على كيفية التعلم معا ، هذا الامر الذي يتطلب من العاملين في مجال سلك التعليم ان يكونوا على مستوى تأهيل عال ، فالمعلم هو أب او أم ثانية للطالب ، ويبذلون جهودا جبارة للحفاظ على مستو عال في علوم مواد الرياضيات والعلوم والتقنية ، اضافة الى الدور المتميز للاسرة في عمل تكاملي مع المدرسة من خلال متابعة ورعاية ابنائها في تطور نشاطهم . ومن اجل اجواء مثالية للتعليم ، فالمدرسة مجهزة بوحدة بحوث اجتماعية ومركز صحي تتابع برامج خاصة في الرعاية النفسية والصحية ،  اضافة الى ان كل مدرسة تحوي الى اماكن للراحة والاسترخاء ومطعما خاصا لتغذية الطلبة يختارون فيه طعامهم بانفسهم ، كجزء من التربية على الاستقلال بالشخصية ، وتحوي برامج المدرسة وقتا كافيا للعب واللهو للطلبة اضافة الى القاعات الخاصة لانجاز البرامج الثقافية والرياضية ، وهناك قاعة خاصة للكومبيوتر، ومكتبة مدرسية تحوي ما يحتاجه الطلبة من كتب ومجلات واشرطة موسيقية وفلمية ، وهناك برامج الرحلات للمتعة وللاطلاع ، وحتى فن العمارة والتصميم  في فنلندا  التفت الى اهمية التعليم فتم تطوير تصاميم المدارس لتكون مؤهلة لتحقيق اهداف العملية التربوبة ، وصارت الشركات الفنلندية تبني مدارس في بلدان اخرى اضافة الى كون الدولة الفنلندية انتبهت الى ان كفاءة برامجها التعليمي يمكنها من بيعه للدول الاخرى فصارت ترسل الخبراء الى مختلف دول العالم التي تسعى للاستفادة من التجربة الفنلندية في التعليم !

 

الصباح البغدادية العدد 2605 يوم 6/8/2012
 

عالم أخر  (3) - المسؤولية هي أن تكون ناجحا في عملك !
عالم أخر  (2) - المسؤول حين يعرف أنه مواطن عادي !

عالم أخر  (1) - تطبيق القانون عمل شاق جدا في كل مكان !

 



 

 

free web counter