| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

يوسف أبو الفوز 
haddad.yousif@yahoo.com

 

 

 

                                                                                الأثنين 1/10/ 2012

 

عالم أخر (8)

عن  الثقافة الجنسية للأطفال

يوسف ابو الفوز - هلسنكي

التهرب من اجابة الطفل عن اسئلته في موضوعات الجنس تفقده الثقة بوالديه ومعلميه

لابدأ معكم هذه المرة ، بنكتة عن الاب الذي سمع طفله الصغير يسأل أمه ، من اين جاء طفل الجيران الذي ولد مؤخرا؟ فقال له أبيه "جاء به اللقلق ليلا ووضعه فوق سطح دارهم "، فما كان من الطفل الا ان قال : "اذا جاء به القلق ، فما هي مهمة عمو فلان اذن ؟" ...

هي نكتة لكنها تقودنا الى كون اطفالنا ، اطفال عصر الفضائيات والانترنيت والفيس بوك ، هم غير اطفال الاجيال السابقة، بأختصار وكما قالت لي احد الامهات "أن اطفالنا صاروا ربما يعرفون اكثر منا ". فهل يمكن تربيتهم عموما بالاساليب القديمة السابقة ؟ في مقدمة ذلك يأتي موضوع الجنس ، فهو لا زال في مجتمعاتنا يعتبر من اكبر المحرمات التي يخشى الخوض فيها ، سواء في البيت او المدرسة ، وحتى تناوله في الاعمال الادبية والفنية ، فالبعض لا يزال يعتقد ان مفهوم مثل "الثقافة الجنسية" يتعارض مع الدين اساسا وهو عامل مساعد لنشر الانفلات الاخلاقي والاباحية ، ونتيجة لذلك يبقى ابناؤنا في جهل تام بكل ما يتعلق بأجسادهم ووظائفها وبحياتهم المستقبلية كاباء وأمهات لاجيال قادمة ، مما يكون سببا في احيان كثيرة لاستغلالهم ببساطة من قبل من تسول له نفسه أستثمار جهلهم وعدم معرفتهم بالاولويات التي يمكن ضخها لهم بروية وحكمة . ان "الثقافة الجنسية " وبالتالي "التربية الجنسية " في العالم المتمدن ، وفي عموم بلدان أوربا ، تعتبر جزءا مهما من الثقافة العامة والتربية العامة ، ومهمة بالنسبة للاطفال والشباب ، وتهدف الى جانب ما تهدف مكافحة الخرافات والمعلومات الخاطئة والاستناد الى العلم والبرامج التربوية المسؤولة والدقيقة من اجل اعداد اجيال واعية واثقة من نفسها وبالتالي تكون منتجة . بالتأكيد لا يمكن لنا ان نقارن ونساوي مجتمعاتنا المحافظة بالمجتمعات الاوربية التي قطعت اشواطا كبيرة في موضوع الحريات الشخصية، فلمجتمعاتنا خصوصيتها المرتبطة بالعادات والتقاليد واداب الحشمة ، ولكن هذا يجب ان لا يكون سببا لان نضع ساترا مظلما على ادمغة ابنائنا ، فالمواطن الاوربي تجاوز ومنذ اجيال عديدة مفهوم ان يكون الجسد عنده عيبا، فالعيب عنده هو الكذب والسرقة والغش والاحتيال وغيره من الصفات المذمومة في شخصية الانسان ، فللفرد ان يلبس ما يريد شرط ان لا يتجاوز على حريات الاخرين وان لا يهتك ويتجاوز السائد .

وفي أوربا ومنذ الشهور الاولى لا يتم التعامل مع الطفل على اساس كونه ذكر او انثى ، فيتم التعامل مع الاطفال ، في البيت او المدرسة ، بمساواة تامة في الواجبات والحقوق ، فيستمتعون بوقت لهوهم معا ، في ساحات اللعب والمسابح وزيارات المعارض والمتاحف وفي قاعات الدرس ، زارعين في نفوسهم الثقة بالنفس والشعور بالمساواة والندية للتنافس مع الاخر بغض النظر عن جنسه ، سواء كان ذكرا ام انثى . وما ان يتفتح وعي الطفل حتى تبدأ المدرسة وبالتنسيق مع العائلة تعليم الطفل العناية بنفسه وجسده بجرعات بسيطة من المعلومات تتناسب مع وعيه ، فالامر عند الطفل يتعلق بميله الفطري وهو حتمي ، لاكتشاف نفسه والعالم من حوله ، وفي مرحلة معينة يبدأ الخوض في موضوع الجنس والتعامل معه ، سواء تدخلت او لم تتدخل المدرسة او الاسرة ، فالافضل ان يتم الامر برعاية ومتابعة من الكبار المسؤولين بشكل مباشر عن الطفل . الوالدان والمعلمون يتعاملون مع اسئلة الطفل في موضوع الجنس بمسؤولية أساسية دون التهرب منها ، مهما كانت ، والطفل أسئلته احيانا محرجة ومربكة للكبار ارتباطا بفضوله العالي وبراءته ، والاجابات هنا ، يحرص ان تكون مرتبطة بمفهوم الثقافة والتربية الجنسية وليس فقط الاعلام الجنسي، اي ليس مجرد التعريف بما يتناسب مع مدارك الطفل ، فهذه ربما يحصل عليها من المجلات ومواقع الانترنيت ،  لكن الاجابة يجب أن تكون متعلقة بالجانب الاخلاقي والصحي والنفسي ليتمكن الطفل من استيعابها جيدا ليتأسس لديه جانب من السلوك العام وبالتالي يساهم في بناء شخصيته الجادة . فعدم التجاوب مع اسئلة الطفل اوالكذب عليه ، والميل الى ردعه والتهرب من اجابته، تفقده الثقة بوالديه ومعلميه ، وتخلق لديه شعور بأن الجنس شيئا رهيبا ومخيفا وأثما مما يترك اثرا على شخصيته ويخلق لديه حالة من الكبت ربما تنمي عدوانيته وحتى شذوذه ، وقد يساهم في تعطيل رغبته للمعرفة والابداع وبالتالي تكون شخصيته لا ابالية وغير  منتجة . وتحرص العائلة والمدرسة اساسا ان لا تكون التربية والثقافة الجنسية مقتصرة فقط على المعلومات الفيسولوجية والتشريحية ، لان فضول الطفل حين يبلغ مرحلة المراهقة ، يتعدى ذلك الى اكتشافه اللذة المرتبطة باعضاءه التناسلية ، فيكون بحاجة الى ان يعيش حياته بشكل سوي وأمين فيتم هنا تقديم المزيد من الدروس والنصائح، وتكون دروس البيولوجيا عادة ، والتي تقدم في المدرسة بالاستعانة بالاشرطة الفلمية والمجسمات من وسائل الايضاح ، أساسا مهما للمعلمين ليتوسعوا في ضخ المعلومات فيما يخص التربية الجنسية الى الاطفال ، مصحوبا كل ذلك بالتشاور مع العائلة والمشرف الاجتماعي واحيانا الطبيب النفسي ان كان للفتى او الفتاة مشاكل ما .

وفي مرحلة المراهقة يتم عادة زج الفتيان والفتيات بعدد متزايد من النشاطات الفنية والرياضية التي تشغل وقتهم وتستهلك طاقاتهم بالابداع والانتاج ، مما يساهم في قدرة المدرسة والعائلة لتوجيه الابناء الوجهه الصحيحة . ان التعامل بروح الاحترام مع المراهق كشخص بالغ تخلق لديه الثقة بالمقابل فيندفع للمكاشفة بعواطفه وافكاره ، ويحرص المربي عادة على تجنب ذم العملية الجنسية او ما يتعلق بها اثناء احاديثه ، فالعائلة والمعلمون مثلا يتجنبون ذم فترة الدورة الشهرية عند النساء عموما ، حتى لا يترك ذلك اثرا سلبيا عند الفتيات في علاقتهم مع جسدهم حين تبدأ بوادر الدورة الشهرية عندهن ، فالمراهقين سيرتكبون اخطاءا فاحشة اذا بلغوا مرحلة النضج الجنسي دون متابعة ورعاية من العائلة والمدرسة . ومع تقدم الاولاد والبنات في العمر تتقدم الدروس لتتناول تفاصيلا عن عملية ممارسة الجنس والوقاية الصحية وبكل ما يتعلق بأن يكون المراهق والمراهقة انسانا ناضجا قادرا على ان يخوض حياته بثقة ودون خوف او وجل !

 

الصباح البغدادية العدد   2648   في 1 تشرين الاول 2012

 

عالم أخر  (7) - قوانين حماية الطفل في العالم ضمان تربية الطفل في بيئة آمنة ومحفزة لقدراته
عالم أخر  (6) - دور رعاية المسنين في فنلندا فنادق بعدة نجوم !

عالم أخر  (5) - التجربة الاوربية في مسؤولية مشاهدة الاطفال للسينما والتلفزيون !
عالم أخر  (4) - حين يكون التعليم من اسرار التطور الحضاري
عالم أخر  (3) - المسؤولية هي أن تكون ناجحا في عملك !

عالم أخر  (2) - المسؤول حين يعرف أنه مواطن عادي !

عالم أخر  (1) - تطبيق القانون عمل شاق جدا في كل مكان !

 



 

 

free web counter