| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

سلمى بغدادي

 

 

 

 

الخميس 21 /12/ 2006

 

 

يوميات فتاة عراقية تنتحر ببطء

( 11 )

 

سلمى بغدادي

ها أنا أعود إلى كتابة يومياتي ، بعد أن انقطعت عنها لأكثر من شهرين ، فلم تكن هناك من اشياء مهمة في حياتنا ، وقد اعتدنا على الكثير من الازمات ، بدءاً من الغاز والنفط الابيض والكهرباء وانتهاءا بالبنزين والدواء وأزدحام السير ، لقد ارتفعت الاسعار لأكثر من ثلاثة اضعاف وبالذات المواد الغذائية ، حياتنا في الدائرة هي الاخرى أضحت روتينية ، نأتي إلى الدوام ونجلس خلف مناضدنا دون أن نفعل شيئاً سوى اننا نتكلم عن حالات القتل التي نسمعها في مناطق سكنانا .
كانت علاقتنا نحن الثلاث أقصد أنا ووداد وماري جيدة جداً فيما بيننا ، ويبدو أن الذي يجمعنا على ذلك الكثير، أهمها إننا لسنا منسجمات مع الجو العام في الدائرة ، لا أدري كيف تحول أغلب موظفو وموظفات الدائرة الى أناس مؤمنين ، يؤدون الصلاة بأوقاتها ، والنساء تحجبنَ ، والأكثر من هذا لقد تسابقوا في الحصول على موافقة الذهاب الى الحج ، كنا ننظر اليهم ونستغربُ ، هؤلاء كانوا جميعا من حزب السلطة السابقة وكم من مرة وشوا بزملائهم ، لا تزال صورة معاون المهندس الشاب عبد الحسين عالقة في ذهني ، يوم اقتيد من الدائرة لانه كان ملتزما بأمور دينه ، وكان ضابط أمن الدائرة هو الذي اعتقله ولم نسمع اي شئ عنه لحد الان ، المضحك المبكي ضابط أمن الدائرة هذا ، هو الآن المسؤول الأمني للدائرة ، لقد أطلق لحيته وكان اسمه أول الاسماء في قائمة الذين يذهبون الى الحج .
كنا نحن الثلاث ، نجلب غداءنا الى الدائرة ، وكل يوم تعده واحدة منا ، أغلب الأكلات التي أعدها أنا أو وداد لا تتعدى الأكلات البغدادية ، ولكننا كنا نأكلها بشهية ونشعر بطعم الطيبة فيها ، أما ماري فأنها حقا خبيرةُ بأعداد الطعام وخاصة ( الكبه المصلاوية بأنواعها)، رغم إنها تؤكد دائما عبارة ( هاي الكبه القوشيه) نسبة إلى ناحية القوش التي تنحدر منها . أول مرة أأكل البرغل بشهية كبيرة عندما قدمته لنا ماري ، وكان مع الدجاج ، طبعا هي ايضا قالت ( هذي أكله القوشيه ) . حقا كانت أكلة لذيذةً ، عندما كانت تتغيب واحدة منا ، نبادر بالحصول على اجازة لها وأختلاق الاعذار حتى دون ان نعرف سبب الغياب ، قبل ثلاثة أيام تغيبت ماري عن الدائرة ، وكالعادة ذهبت وداد الى أم حسين وأخبرتها بأن وداد مصابة بزكام شديد وانها طلبت أجازة لهذا اليوم ، ولكن في اليوم الثاني لم تأتِ ماري أيضا، فاضطرت وداد إلى أن تكذب من جديد على ام حسين وتخبرها ( خطيه ماري من امس واليوم حرارتهه مرتفعه وتسلم عليج اهواي ، لان أمس انه جنت يمهة في البيت )، عادت وداد وهي تبتسم ( والله علمونه على الكذب غصبن علينه ) ومن ثم استطردت ( لج سلمى اخاف صدك ماري مريضه ) أجبتها أنا ( لا يمعوده مو هي كالت تريد تطلُع جواز لبنيامين إيجوز مشغوله بالمعامله ).
قاربت الساعة العاشرة والنصف عندما جاءت الينا أم حسين وهي ترتعد غضباً وقد خاطبت وداد (أم صباح شلون تكولين البارحة جنت يم ماري وحرارتهه مرتفعة وهسه اجه ابنه يكول امه بالمستشفى لان مفجرين سيارة بالسوك وهي جانت هناك ، وهسه حالتها خطرة).. لقد احدث هذا الخبر صدمة لنا ولكن وداد لم تدع مجالاً الى ام حسين كي تواصل تعنيفها لها ( يمعوده هسه لو عدهه حرارة مو احسن من هذا الخبر ، ما كَلج بيا مستشفى هسة هي ) ويبدو ان ام حسين تراجعت امام هجوم وداد ، وقد نهضت وداد من خلف منضدتها وبيدها حقيبتها ووجهت لي السؤال (ياالله سلمى تجين وياي نروح الهة ) فنهضتُ ولحقتُ بها دون ان تسمع جواب ام حسين التي قالت انها في الطوارئ ، كانت وداد تسير بسرعة الى أن وصلنا الى الشارع ومن هناك أجرنا تاكسي الى مستشفى اليرموك ، لم نواجه اي صعوبة في الاستدلال إلى مكان ماري في المستشفى رغم كثرة المرضى والمصابين ، كانت ماري في غيبوبة تامة ، رأينا بعض أقاربها إلى جانب سريرها وابنها بنيامين يبدو عليه الانكسار والحزن ، استفسرنا من الموجودين عن حالتها قال احدهم لديها نزيف في الدماغ ، لم أتمالك نفسي ، فقد بدأت دموعي تسيل عندما تحدثت اليها وداد بصوت تخنقهُ العبرات . بقينا عندها قرابة الساعة ، ثم خرجنا وقد رافقنا بنيامين الى باب المستشفى ،وعندما تكلمت معه وداد لتشد من عزمه ، أجابها والدمع يترقرق في عينيه ( لاخاله الدكتور كَال حالتهه ميئوس من عدهه ).
عدت إلى البيت ، رأيت سعاد تعد طعام الغداء الى امي وعندما رأتني بحالة من الحزن الشديد وسألتني عن الذي حدث لي أجبتها والدمع يسبق كلماتي عن حالة ماري ... لقد بكيتها وبكيت بنيامين وبكيتُ حلمها في السفر مع ابنها الى أمريكا.

يتبع

¤ يوميات - 10

¤ يوميات - 9

¤ يوميات - 8

¤ يوميات - 7

¤ يوميات - 6

¤ يوميات - 5

¤ يوميات - 4

¤ يوميات - 3

¤ يوميات - 2

¤ يوميات - 1