| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

سلمى بغدادي

 

 

 

 

الجمعة 17 /11/ 2006

 

 

يوميات فتاة عراقية تنتحر ببطء

( 5 )

 

سلمى بغدادي

مرت عشرة أيام على ألانقطاع عن العمل ، ليس سوى الضجر والملل يمتصان بقايا الامل القابع في آخر زاوية مهشمة في روحي ، حاولت جاهدة أن أنسجم مع أحاديث سعاد حول خطيبها وعائلته وأمكانياتهم المالية ولكن عبثاً ، تقول أن لديهم ثلاثة بساتين من النخيل والبرتقال وجميع أنواع الحمضيات ، وأنا بروحي ثلاثة بساتين من اليأس والحرمان والبؤس والوحدة والعزلة ، اقطف ثمارها في كل لحظة من عمري ، كررت سعاد من أن خطيبها لوحده لديه خمسين دونما من الاراضي الجيدة ، وأنا بروحي ليس اكثر من مليمترين من الامل ، لا تصلح لامتصاص لحظة واحدة من اليأس الذي يحيط بكل جوانب حياتي ، الجلوس في البيت لواحدة مثلي هو الموت بعينه ، هو أنتحار ببطء ، للان أنا لم أُقدم استقالتي من العمل ، وفي الحقيقة ليس هناك من عمل في كل دوائر الدولة الحكومية ( أضحك من نفسي وأنا أكتب الحكومية) ، المشكلة بالنسبة لي ليس هي أن أضع منديلا على رأسي ، أستطيع أن أضعه في فترة الدوام ، وأنزعه بمجرد خروجي من الدائرة ، ولكن المشكله هي في أن هناك منْ يحصي أنفاسي ، ويحد من حريتي التي لا أملك سواها الان ،
قررت أن أذهب غداً لزيارة وداد زميلتي في العمل ، ربما لديها بعض الاخبار عن العمل ، فلم تعد هناك من وسيلة للاتصال مع الاخرين سوى الاتصال الشخصي ، فخطوط التلفون عاطلة تماماً ، وداد هذه أنسانة هادئة ومتزنه ، جاءوا اليها بخبر أعدام زوجها في ابو غريب ، بعد ولادتها لأبنتها بخمسة أيام ، وبنفس الفترة التي أعدم بها مهند ، والفرق أن زوجها لم يكن عسكريا ، ودائما تقول أنها وزوجها ليس لهم علاقة بالدين ، ولم ترتدي الحجاب حين تم الاعلان عن الحملة الايمانية ، رغم أنها تسكن مدينة الثورة ، كانت أحياناً تجلب معها أبنتها صباح الى الدائرة ، وصباح سمراء مثل أمها ، وكأي طفلة غير خجولة ، تراها تتحدث مع الجميع ، ويحبها الجميع تقريبا ، كنتُ أحبها كثيراً ، أحياناً أطلب من وداد أن تأتي بها الى الدائرة ، أجلب لها معي الكثير من الحلوى ، مرة سألتني صباح على حين غرةٍ (خالة بابا مالتج موجود لو مسافر مثل بابا مالتي ) ، سالت دموعي واصطك فكايَ ، فلم أستطعْ أن أُجيبها ، ذهبتٌ الى الحمام مسرعةً ، وهناك بكيتُ صباح وأبوها وبكيت نفسي وأبي ، بكيتُ طفولتي ، فأبي أيضاً سافرَمثلما كانت تخبرني أمي . وعندما كبرتْ عرفت انه لن يعود أبداً ، لانه قُتل بعد ولادتي بعام .


يتبع

¤ يوميات - 4

¤ يوميات - 3

¤ يوميات - 2

¤ يوميات - 1