| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

سلمى بغدادي

 

 

 

 

الجمعة 10 /11/ 2006

 

 

يوميات فتاة عراقية تنتحر ببطء

( 3 )

 

سلمى بغدادي

اليوم ظهراً تعالى الصراخ في محلتنا ، تقريبا الساعة الواحدة ظهراً ، ذهبت مسرعةً أستجلي الأمر ، ومن شق الباب ناديت على محمد أبن جيراننا عندما رأيته يقف في وسط الشارع وسألته عن هذا الصراخ فقال ( خالة سلمى أجوي جماعة شايلين رشاشات وكتلوا عمو أبو مهند وهو راجع من الجامع ) كتمت صرخة كادت أن تنطلق من فمي ولكنني لم أستطع حبس دموعي . فقد كان أبو مهند أنسانا شريفا يساعد الجميع . منذ أكثر من ثلاثين عاما ، أنتقل الى محلتنا ، كنت أنذاك في الصف الرابع الابتدائي ، وكانت أبنته لمياء تجلس الى جانبي على الرحله نفسها ، كنا ننظر اليه مبهورين وهو مرتديا ملابسه العسكرية ، صارت لمياء صديقتي ، كنت أذهب الى بيتهم كل يوم ، كان أخوها مهند يكبرها بثلاث سنوات ، وهو يشبه أبيه في لون عينيه الزرقاوين وبشرته الوردية ، في البداية كانت لمياء تتردد في المجئ الى بيتنا ، وبمرورالايام تجاوزت هذا الخجل ، هي تشبه أمها ، أخي سعد أكبر مني بسنتين ، هادئا يحب القراءة كثيرا ، أختار أن يكون مهنداَ صديقا له ، مهند له أهتمامات أخرى يحب الذهاب الى السينما ومشاهدت الافلام الحربية ، قراءته دائما عن المعارك والحربين العالميتين ، هو في الصف الاول المتوسط وأخي سعد في السادس الابتدائي ، وكان طموحه أن يكون ضابطاَ في الجيش ، بعد عشر سنوات من إنتقالهم الى محلتنا ، أُحيل أبا مهند على التقاعد ، وكان برتبة عقيد طيار ، كنت حينها في بداية السنة الثالثة في كلية الادارة والاقتصاد ، وكان مهند يأتي لزيارتي في الكلية ، عند عودته من الجبهة بأجازة ، تصادف أحيانا أن يكون أخي سعد أيضا في أجازة ، فنجتمع نحن الاربعة في بيتهم أو نذهب بسيارة مهند الى أحدى الكازينوهات ، كان سعد يدخن بشراهة وربما يحتسي الخمرخفيةً ، مهند على العكس من ذلك ، لابل بدأ في الفترة الاخيرة يصلي ، ولكنه أستمر على أنفتاح عقليته ، مرة كنا معا وكان يتحدث بمرارة عن الحرب ويعتقد أن قتل المسلم لأخيه المسلم جريمة لا يغفرها الله ، وكان يستشهد بأيات من القرأن ، مازحته ضاحكةَ ( أكيد راح تلبسني حجاب بعد يومين ) أجابني (سلمى الاسلام ليس بالحجاب وأنما بالعمل من أجل الناس ) قبل أن أنتهي من دراستي الجامعية أختفى مهند ، وبحكم علاقة والده بكبار الضباط ، عرف أنه معتقل مع مجموعة من الضباط ، ولم يمر على أعتقاله شهراَ ، جاءوا بجثته ليلا الى البيت وطلبوا من أهله عدم القيام بمراسيم العزاء ، مارأيت أماً بكت أبنها مثل أمه ، كنا نبكي لبكاءها ، حتى أخي سعد عندما عاد بأجازة بعد أيام ، ورآني أرتدي الملابس السوداء ، وقبل أن يستفسر مني . رأى دموعي تنهمر من عينيَ ، ذهب مسرعاً وأرتمى باكيا بصوت عال على كتف العم أبو مهند، وعندما عرف كيفية مقتله ، أخذ يختلي بغرفته ويبكي بصمت . أما العم أبو مهند فكان نادراًما يخرج من البيت ،
اليوم تجمعت كل غيوم السماء لتصبح دموعاً في عينيّ وقد أمطرتها كلها وأنا أحتضن لمياء ، بكيت العم أبومهند وبكيت مهند ، وبكيت أخي ، وبكيت أمي المقعدة ،وبكيت بغداد وخرابها ، وبكيت الحياة التي ماعادت حياة .

يتبع

¤ يوميات - 2

¤ يوميات - 1