| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

سلمى بغدادي

 

 

 

 

الأحد 26 /11/ 2006

 

 

يوميات فتاة عراقية تنتحر ببطء

( 6 )

 

سلمى بغدادي

يوم أمس زرت زميلتي في العمل وصديقتي وداد ، خرجت من بيتنا تمام الساعة العاشره صباحا ، وقد قررت أن أضع منديلا على شعري ، وقفت بأنتظار سيارة أجره تنقلني الى كراج النهضه ، مرَ ( كوستر) وكان مساعد السائق يشير بيده باتجاه كراج النهضه ، استوقفته وأتخذتُ مكاناً لي قرب الباب ، مددت يدي بخمسين دينارا ً الى مساعد السائق ودون أية شروحات قال لي ( لا خالة الاجرة مية دينار)، في كراج النهضه كان الازدحام شديداً وأصوات الباعة تتداخل مع اصوات مساعدي السواق وهم ينادون بأسماء المناطق التي سيتوجهون اليها أضافة الى مكبرات الصوت وهي تصدح باصوات ( الرواديد ) الذين يندبون مقتل الامام الحسين ، أقتربت من أحدى ( الكيات ) وكان مساعد السائق يردد ( واحد مدينة الصدر .. واحد مدينة الصدر ..يا الله خاله اصعدي خل نطلع ) أجبته بأنني اريد الى مدينة الثورة فقال ( أصعدي خاله أصعدي ) وقبل ان أرفض أو أُناقش قال لي رجل كبير السن يجلس عند حافة الباب ( اصعدي بويه هي الثوره هسه سموها مدينة الصدر).. جلست في المقعد المقابل له وكان في السيارة الكثير من المقاعد الفارغة وليس مثلما أدعى مساعد السائق ( نفر واحد ونطلع ) أراد الرجل كبير السن على مايبدو أن يبدد حيرتي ( عمي هاي المدينه يوميه مسمينهه بأسم جانت الثوره وبعدين صدام وهسه الصدر ... وأظن باجر يسمونهه مدينة بريمر ) بعد خمسة دقائق تحركت( الكيا ) كان مساعد السائق يحني رأسه وظهره لانه بقي واقفا في باب السيارة نادى بأعلى صوته ( عمي تره الاجره 150 دينار ) دفع الجميع دون تذمر أو أحتجاج ، كان أزدحام السير على أشدهه ، علق أحد الركاب ( اليوم جمعه وهيج ازدحام ) بعد عشرين دقيقة وصلنا الى شارع الفلاح ، نزلت من السيارة ، وحسناً فعلتُ عندما وضعتُ منديلاً على شعري ، لانني لم أرى في هذه المنطقة المكتضة بالناس أية أمرأة سافرة ، عندما وصلت بيت أهل وداد وطرقت الباب ، فتحه لي طفل ، وقبل أن أسأله صرخَ بصوت عالٍ ، ( خالة هاي مره ) ومن شقِ الباب ، رأيتُ وداد وهي مسرعة نحو الباب وعندما رأتني ، أبتسمت مرحبةً بي وقبلتني ومن خلفها أمها فعلت مثلها وأكثرت من الاسئله عن والدتي وصحتها ، الذي يثيير أنتباهي أن أُم وداد تسألني دائما عن والدتي ، رغم انها لم تراها من قبل على ما أعتقد ، أُم وداد هذه ثُكلت بأبنيها، الكبير في الشمال والصغير في عاصفة الصحراء ، يشعرُ المرء وهو يستمع اليها ، كأنه يستمع الى أنهيار جبل من الاحزان ، وبينما أنا أُجيبُ على اسئلة أُم وداد دخلت فتاة سمراء يافعة الطول والابتسامة تعلو شفتيها وهي تقول ( اليوم القمر نازل أبيتنه ) وقبل أن أفيق من المفأجأة ، عانقتني بحنان وأمطرتني بالقبلْ ، جلست لصقي وهي تطوق رقبتي بساعدها الايسر ، ( هيج خالة سلمى تغيبين كل هاي الفترة ) ، لا أعرف كيف أفسر هذا الرابط الروحي بيني وبين صباح ، هي الان طالبة جامعية ، ربما لأنني لم أرى أبي مثلها ، جاءت أم وداد بأقداح الشاي ، وهي تقدم لي قدح الشاي أخبرتني برغبتها بزيارة أمي ، وددت أن أسألها ، ان كانت قد تعرفت عليها من قبلْ ، ولكني أحجمتُ عن ذلك ، حدثتني وداد عن دائرة عملنا ، وأن جميع النساء ترتدي الان الحجاب ، وقد غُطيت الجدران بالسواد لاننا مقبلون على عاشوراء ، حته الرجال منعوهم من أرتداء ربطات العنق ، اضافت صباح بحزن ورفض ( حته خالة ماري خلوهه تتحجب ) نظرتُ الى ساعتي التي قاربت عقاربها الثانية عشر ، هممت بالنهوض ، طلبوا مني جميعا البقاء لتناول طعام الغداء معهم ، شكرتهم قائلة أنني نسيت أن أطلب من سعاد أن تكون قريبة من أمي بغيابي ، لا اعرف كيف وصلت الى بيتنا ، كنت غارقة في دوامة التفكير ، وأفترض لو أن سعداً أو مهنداً أو ابي الذي لم اراه ، لو كان احدُ من هؤلاء موجوداً ، هل أُرغمت على هذا العيش ؟؟ أيُ طعمٍ للحياة عندما يشعر المرء بمرارة الذل في فمه ، هل تستحق هذه الحياة أن تُعاش ، لم يبقى من معادلة الحياة = الموت سوى طرفها الايسر ماثلاً أمام عيني .
يتبع

¤ يوميات - 5

¤ يوميات - 4

¤ يوميات - 3

¤ يوميات - 2

¤ يوميات - 1