| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

سلمى بغدادي

 

 

 

 

السبت 2 /12/ 2006

 

 

يوميات فتاة عراقية تنتحر ببطء

( 8 )

 

سلمى بغدادي

نهضت من النوم مبكرة هذا الصباح ، أعددت فطور أمي وأطعمتها ، أنا منذ اكثر من عشرين عاما لم أتناول وجبة الفطور ، أو في الحقيقة منذ أن بدأت أدخن السكائر ، كنت أكره هذه العادة ، ولكن بعد أعدام مهند ، نصحتني زميلة لي في الكلية ، حينما رأت الدموع لاتفارق عينيّ ، بأن أجرب تدخين السكائر ، في البداية رفضتُ ، ولكنها أقنعتني أن أجرب واحدةً ، وبالفعل أشعلتْ واحدة لي ، وبداتُ أُدخنها ، دون أن أسعلَ مثلما هي حذرتني ، وشعرت حينها بخدرٍ في أوصالي ، وهكذا بدأت رحلة العمر مع صديقٍ جديدٍ ، ومعه بدأت أفقد شهيتي للطعام ، خاصة الفطور ، وليس سوى الشاي مع سيكارة الصباح ، كنت بالامس قد أتفقت مع سعاد أن تأتي الى جانب أمي ، لأنني سوف أعود للعمل ، صارت الساعة السابعة والنصف صباحاً ، والوقت لا يستغرق أكثر من عشرين دقيقة للعمل ، ولكن يجب أن اسرع ، تحسبا للطوارئ ، وما أكثرها هذه الايام ، وضعت الشال الاسود على شعري ولففته حول رقبتي ،وكاالعادة مرت الكثير من ( الكيات ) دون أن تتوقف ، وبعد مرور أكثر من خمس دقائق توقفت واحدة ، ووجدت مكانا لي فيها ، وما أن سارت قليلا حتى أعلن السائق من أنه سوف يسيرُ على الخط السريع لآن طريق القناة أغلق بعد تفجير البارحة ، لم يعترض الركاب على ذلك ، كان سير السيارات بطئياً ، ويتوقف بين لحظة وأخرى ، السائق كان شاباً نزقاً على ما يبدو ، ولم يطقْ صبرأ ، ولهذا نزل على االشارع الترابي بمحاذاة الخط السريع ، في محاولة منه لتجاوز الازدحام ، وبالفعل بعد فترة قصيرة وصل الى مقدمة السير ، وأراد أن يتجاوز الجميع ، ولكنه تريث وخفف من سرعته فجاءةً ، عندما رأى هناك رتلا من المدرعات الامريكيه يسير وبينه وبين مقدمة السيارات أكثر من مائة متر ، كانت آخرُ مدرعة معلقة عليها لوحة وقد خُط عليها باللغة العربية ( خطر ، الاقتراب يعرضك الى الموت ) ويبرز من أعلاها رأس جندي أمريكي بخوذته وهو يمسك بيديه عتلة رشاش يحركه يميناً وشمالاً ، أكثر من راكب طلب من السائق التريث في السير ، علق السائق قائلاً ( عمي ، تعودنه عليهم ، يوميه نشوفهم ألف مرة باليوم ، همه يخافون من خيالهم ) الوقت قارب الثامنة والربع وليس هناك من أمل في أن أصل دائرة عملي في الثامنه والنصف ، بدأ الانزعاج واضحاً على ملامح وجهي ، خاصة والذي يجلس الى جانبي شابُ وقد حدد ذقنه على طريقة الشباب الحسيني وبيده مسبحة سوداء ولاأعرف بماذا يتمتم ، فمنذُ أن جلس الى جانبي وهو يحاول أن يجعل ساقه لصق ساقي ، نظرت اليه وبي رغبة كبيرة أن أبصق على وجهه ، سحب ساقه وأكمل تمتمته أستغفر الله بصوت بدى مسموعاً ، هززت رأسي سخرية منه ، وأنشغلتُ عنه بالنظر الى السيارات التي تسير بطيئا الى جانب سيارتنا ، وفجاءة توقف العالم ، توقفت الحياة ، توقف الوجود ليس هناك غير صوت الرصاص والقذائف وصراخ النسوة الضائع بين هذه الاصوات ، لا أرادياً وجدت نفسي أخبأُ رأسي خلف ظهر المقعد الذي أمامي ، لا أدري هل مرَ دهراً الى أن توقفت الرماية , وأنتبهت الى صوت رجل يقول ( خليهم على القبله خل نتشاهد بوجوهم ) نزلت من السيارة مثل الاخرين ، كان السائق والشابان اللذان يجلسان الى جانبه قد قتلا تجمع المئات من الناس سمعت بأن عدد القتلى أحد عشر وعدد اخر من الجرحى ، عرفت بأن الرتل ألامريكي قد تعرض الى كمين ، وهؤلاء القتلى هم نتيجة الرمي العشوائي ، أول مرة أشعرُ بالخوف ، أنا التي عاشت أيام بغداد السوداء وهي تهتزُ بفعلِ أنفجارات الصواريخ ، أول مرة أرى بشرا ً قتلى بأم عيني ، عدتُ الى البيت بوجهٍ مصفر ٍ ، بعد أن قطعت مسافة من الطريق مشيا على قدميَ ، رأيت سعاد في بيتنا ، وقد أستغربت عودتي ، وقبل أن تسألني ، أجبتها ( سعاد الله ايخليج بعدين احجيلج أريد أنام هسه ) رميتُ جسدي على السرير، وغرقتُ ببكاء مرير .

يتبع

¤ يوميات - 6

¤ يوميات - 5

¤ يوميات - 4

¤ يوميات - 3

¤ يوميات - 2

¤ يوميات - 1