| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

جاسم الحلوائي 

jasem8@maktoob.com

 

 

 

الجمعة 11 /4/ 2008

 

قراءة نقدية في كتاب

عزيز سباهي
"عقود من تاريخ الحزب الشيوعي العراقي"
(
35)

جاسم الحلوائي

مقدمات وتداعيات اتفاقية الجزائر 1975 سيئة الصيت
المؤتمر الوطني الثالث للحزب


123

يتناول الكاتب عزيز سباهي في الفصل التاسع من كتابه الثالث طبيعة التطور الاقتصادي والاجتماعي في العراق خلال سبعينات القرن الماضي ليبرهن على خطأ وصفه بالتطور اللارأسمالي / التوجه الاشتراكي، وهو المصطلح الذي شاع استخدامه في الحركة الشيوعية العالمية وتبناه الحزب الشيوعي العراقي للمرة الثانية في أواسط السبعينات، بعد أن تبناه وتخلى عنه في اواسط الستينات. وسبق أن توقف سباهي وتوقفنا نحن أيضاً عند هذا الموضوع عند تبنيه لأول مرة في حينه بالتفصيل.

في هذا الفصل يورد سباهي معطيات جيدة عن منحى التطور الاقتصادي والاجتماعية في البلد وتأثيرات ذلك على الطبيعة الطبقية لحزب البعث وعلى الجبهة الوطنية والقومية التقدمية وتأثير ذلك حتى على الحزب الشيوعي بحدود معينة وذلك حتى عام 1975، ليستنتج، وهو محق في ذلك، بان التطور كان رأسمالياً. وهذا ما يؤكده الحزب في تقييمه للتجربة بعد سنوات عديدة، ويستشهد بذلك سباهي أيضاً. ومع أن خطأ موضوعة التطور اللارأسمالي بات واحداً من البديهيات لاحقاً، إلاّ أن سباهي يحاول التأكيد بأن هذه البديهية كانت واضحة منذ ذلك الحين إن لم يكن قبل ذلك، وإن سبب عدم رؤية هذا الخطأ من قبل قيادة الحزب يعود الى قصورها الفكري. إن سباهي له كامل الحق في افتراض ذلك والبرهنة عليه، ولكن لنرى الآن مدى نجاحه في إداء هذه المهمة.

عند تناول سباهي التطور الاقتصادي والاجتماعي حتى عام 1975 يخلص إلى الاستنتاج التالي: " بهذا القدر نكتفي من صيرورة العملية الواسعة في التنمية الرأسمالية التي سار عليها حكم البعث. فالمآل هنا بات واضحاً ولم تعد هناك حاجة إلى الجدل في طبيعتها الرأسمالية، وانزوى دعاة التطور اللارأسمالي شيئاً فشيئاً. من المعروف أن المؤتمر الوطني الثالث الذي أقر موضوع طريق التطور اللارأسمالي انعقد في عام 1976 وهذا المؤتمر هو الذي أقر بأغلبية كبيرة موضوع طريق التطور اللارأسمالي، فقد عارضه 33 مندوباً من مجموع 300 مندوب. وأقرت الموضوعة قبل ذلك اللجنة المركزية، ولأول مرة،عشية المؤتمر، فأين هذا الانزواء لدعاة التطور اللارأسمالي شيئاً فشيئاً قبل ذلك بعام، أي حتى قبل تبنيه رسمياً من قبل الحزب؟

124

بعد قيام الجبهة في تموز 1973 وحتى إعلان قانون الحكم الذاتي في آذار 1974، جرى نشاط ونقاش واسعان بشأن تشريع القانون. وقد سعى الحزب الشيوعي العراقي كثيراً من أجل أن تأتي حصيلة هذا السعي بما يتفق والحاجة إلى نشر الديمقراطية في العراق، والحكم الذاتي لكردستان العراق، رغم معارضة كل من حزب البعث والحزب الديمقراطي الكردستاني لتدخل الحزب الشيوعي وسعيهما لتحجيمه. على أي حال، إن العقلية الشوفينية لحزب البعث تركت اثرها السيء على العديد من نصوص قانون الحكم الذاتي وإجراءاته بفصل وحدات جغرافية كردستانية بكاملها عن منطقة الحكم الذاتي. وتألفت، باقتراح من ممثل الحزب الشيوعي في اللجنة العليا للجبهة، لجنة استشارية واسعة ضمت ممثلين عن الأطراف الثلاثة، ومن المستقلين، للعمل على حل الصعوبات التي تعترض سبيل الاتفاق، وتطبيع العلاقات بين البعث والحزب الديمقراطي الكردستاني (حدك)، التي بلغت حد التصادم العسكري في بعض المناطق. ولم تفلح اللجنة في صياغة مقترحات توقف تدهور الأوضاع (1).

لقد بذل الحزب الشيوعي جهوده ليحول دون الاصطدام المسلح الذي لاحت نذره قريبة تماماً، بعد أن فشلت المفاوضات التفصيلية حول القانون قبل آذار 1974، حيث قرر حزب البعث إعلان القانون في الحادي عشر من الشهر المذكور وتطبيقه حتى لو رفضه (حدك). ومن بين هذه المساعي، اللقاء الذي جرى بين وفدي (حدك) والحزب الشيوعي، بطلب من الأخير في بغداد. كان وفد الحزب الشيوعي برئاسة عزيز محمد، سكرتير اللجنة المركزية، ووفد حدك برئاسة محمد محمود. ويشير الدكتور رحيم عجينة في مذكراته الى ملخص وجهة نظر الحزب الشيوعي التي قدمها الرفيق عزيز محمد في هذا اللقاء، واستشهد به سباهي أيضا، وهذا نصه:

"إن هذا القانون شُرًع، وساهمنا فيه، وحاولنا قدر المستطاع تحسينه، وهو شُرع للحزب الديمقراطي الكردستاني، وليس للحزب الشيوعي. والبعثيون يريدون التعامل معكم لصالحكما، أنتم والبعث، وليس لصالح الحزب الشيوعي العراقي، ولكي تقوموا أنتم بتنفيذ هذا القانون، وتشكلوا سلطة في كردستان. ولا نستبعد اننا سنضطهد عندكم في كردستان. ومع كل ذلك، نصيحتنا لكم أن تقبلوا القانون، ونخوض سوية الصراع المقبل لردم الثغرات في القانون، وتطويره في ظل صراع متعدد الأطراف. ونحن ندرك ان جانبا من هذا الصراع سيكون بيننا وبينكم عندما تطبقون قانون الحكم الذاتي بالتعاون مع البعثيين". ويذكر عجينة كذلك بأن قياديو (حدك) سافروا إلى كردستان ولم يكن أحداً يتوقع عودتهم إلى بغداد (2).

رغم ذلك واصل الحزب مساعيه، فطرح ممثلوه في اللجنة العليا فكرة إرسال وفد مشترك عن الحزبين، الشيوعي والبعث، للاتصال بقائد الثورة البارزاني. وتألف الوفد فعلاً وقابل البارزاني. ولم يتمكن المكتب السياسي ﻠ (حدك) من إبعاد ممثل الحزب الشيوعي، الدكتور رحيم عجينة، من الوفد أمام إصرار ممثل حزب البعث، غانم عبد الجليل، الذي هدد بالعودة الى بغداد، بعد أن كان الوفد قد وصل إلى كركوك، إن لم يشترك عجينة في الوفد، لأن الوفد مشترك. وتم اللقاء بالبارزاني بحضورأعضاء المكتب السياسي للحزب الديمقراطي الكردستاني الذين تولوا الحديث ولم يتكلم البارزاني في الاجتماع، الذي لم يسفر عنه أية نتيجة إيجابية (3).

وهكذا، كما يشير سباهي، فإن مساعي الحزب لم تثمر، فقد كان كلا الطرفين، البعث و(حدك)، يدفعان الأمور الى حد التصادم، وكانت الدوائر الأجنبية تنفخ في نار الفتنة. ويومها، كان (حدك) يتعاون مع الدوائر الأجنبية وخاصة مع نظام شاه إيران. وكانت القيادة الكردية قد حسمت مواقفها من قضايا عديدة، وقررت أن تدخل الحرب مزهوة بما كانت تتلقاه من دعم مالي وعسكري خارجي سخي متعدد الأطراف. وباتت قيادة حدك تعادي الشيوعية والحزب الشيوعي، وأصدرت أوامرها بتجريد الفصائل الشيوعية من سلاحها، حتى تلك التي تنضوي تحت قيادتها، وخاضت معارك مسلحة عديدة معها، والأمر باعتقال من يعصي أوامرها. وأعلن (حدك) استئناف القتال في آذار 1974.

ولم يستطع الحزب الشيوعي من جانبه، أن يتجنب الأخطاء في ذلك الوضع الصعب مع الأسف " كان هناك إجماع في الرأي لدينا، كما يشير بهاء الدين نوري في مذكراته (ص441)، ضد مسار البارزاني والبارتي في الاعتماد على شاه إيران والأوساط الغربية"، على حد تعبير بهاء الدين نوري في مذكراته ص441. لذلك كان من الصعب اتخاذ موقف الحياد سياسياً بين الطرفين، ولكن ألم يكن من الممكن الامتناع عن المشاركة العسكرية مع البعث ضد الحركة الكردية، لاسيما وأن البعث ذاته حرم على الحزب الشيوعي النشاط في القوات المسلحة؟ أعتقد بأن مثل هذا الموقف، والذي يطالب به سباهي، كان صعباً ولكنه ضروريا. أما المطالبات الأخرى من قبيل اتخاذ موقف الحياد سياسياً بين الطرفين وأن "يشدد (الحزب الشيوعي) من نقده اندفاع الطرفين، البعث والحزب الديمقراطي الكردستاني نحو التصادم العسكري، ويجاهر في إعلان رأيه في هذا الشأن..." كما يرى سباهي، فإنها كما أعتقد مطالبات لا تمت بصلة للظروف الملموسة والشديدة الحساسية آنذاك ، آخذين بنظر الاعتبار تشابك الصراع ليس داخلياً فحسب، بل عربياً ودولياً أيضاً (4).

125

نظّم صدام حسين، كما يشير الدكتور رحيم عجينة. حملة إعلامية ديماغوغية صاخبة ضد شاه إيران ورعى اجتماعاً جماهيرياً في قاعة جامعة المستنصرية ليستمع الى ممثلي "حركة التحرر العربية في خوزستان". وبعد أيام قلائل غادر إلى الجزائر لاجتماع قمة الدول المصدرة للنفط وعقد اجتماعاً مع شاه إيران في آذار 1975 ووقع اتفاقية الجزائر المعروفة. وتنازل صدام حسين بموجب الاتفاقية عن السيادة على نصف مياه شط العرب، مقابل وقف المساعدات الإيرانية عن الثورة الكردية ووقف التسلل بين البلدين. حاول صدام، عند مناقشة اتفاقية الجزائر في اللجنة العليا للجبهة، تبرير الاتفاقية وادّعى أن سلاحهم نفذ كلياً ولم يعودوا قادرين على مواجهة الحركة الكردية وأن النظام كان سينهار.

ما أن أعلنت اتفاقية الجزائر وموقف الشاه في ايقاف مساعداته للحركة الكردية حتى انهارت الحركة الكردية فورا وبقرار من قيادتها، الأمر الذي شكل لها في الوقت نفسه هزيمة سياسية وفكرية. إن ارتهان قضية الشعب الكردي بالقوى الرجعية الخارجية والعداء للحزب الشيوعي، الحليف الأساسي للشعب الكردي، هو موقف خاطىء لم يجلب الخير للشعب الكردي (5).

واستغل نظام البعث استغلالاً بشعاً انهيار الحركة الكردية فشن حملة شوفينية ظالمة ضد الشعب الكردي، رغم رفعه شعار "لا منتصر ولا منكسر". فقد لجأ النظام الى تهجير عشرات الألوف من الأكراد المسالمين من مناطق سكناهم الى قرب المدن وإلى المناطق العربية، واعتبر قراهم مناطق حدودية محرمة، وأصدر الحكم تشريعاً يحرم العمل السياسي على القوى السياسية الأخرى بين أوساط (البيشمه ركة) الذين سلموا السلاح للسلطة واحتكر هذا الحق لنفسه. وتم تشويه مضمون قانون الحكم الذاتي في التطبيق (6).


وحول اتفاقية الجزائر، يطرح سباهي التساؤل التالي: "لماذا لم يرتفع صوت للحزب الشيوعي العراقي ضد اتفاقية الجزائر، وقد عقدت بالضد من مصلحة البلاد، وكانت مؤشراً بارزاً على تراجع البعث وارتداده؟" (7). أعتقد كان على الرفيق سباهي أن يستشهد برأي الحزب المثبت في وثيقة التقييم المقرة في مؤتمره الرابع (1985) أي قبل أن يطرح سباهي رأيه بمغزاها وطبيعتها بعشرين سنة! فقد جاء في الوثيقة النص التالي : " فلجأ نظام البعث إلى التفاهم مع الرجعية والامبريالية وأقر المساومة بين صدام حسين وشاه إيران في الجزائر في 6 آذار 1975، وكانت اتفاقية الجزائر بين نظام البعث العراقي ونظام الشاه مؤشراً بارزاً للتراجع والارتداد في نهج النظام وعلاقاته السياسية العربية والدولية..." (8)

وبصرف النظر عن هذا الخلل في اسلوب التناول، فإن تساؤل سباهي يبقى قائماً، ويجد الجواب لتساؤله في اقتباسه التالي: "وطبقاً لما يرويه د. رحيم عجينة... إن اتفاقية الجزائر لم تبحث بشكل عميق في اللجنة المركزية للحزب، ولم يدرس ما سيترتب عليها. وأهم من ذلك أن الحزب لم يتحسس نوايا حزب البعث الحاكم في الارتداد عن سياساته الوطنية التقدمية السابقة. وظل بعض قادته يتحدثون عن التطور اللارأسمالي والتوجه نحو الاشتراكية!!" (9) .


إن تساؤل سباهي ورأي د. رحيم عجينة فيما يتعلق الأمر باتفاقية الجزائر صحيح، كما أعتقد. فقد كان من الضروري إنتقاد الاتفاقية علناً، وعدم الاكتفاء بطرح تساؤلات عنها في اجتماع اللجنة العليا للجبهة. إن عدم معارضة الحزب لها علناً، كان موضع استغراب الكثيرين. وأتذكر بأن الرئيس الراحل حافظ الأسد قد سأل الرفيق عزيز محمد، في أول لقاء لهما في عام 1980 في دمشق، عن أسياب عدم معارضة الحزب الشيوعي لاتفاقية الجزائر، وهذا ما نقله لنا الرفيق عزيز بعد اللقاء مباشرة.

ويستغرب سباهي، كما لاحظنا، من أنه "ظل بعض قادته ( قادة الحزب الشيوعي العراقي) يتحدثون عن التطور اللارأسمالي والتوجه نحو الاشتراكية!!" في حين بات القارىء يعرف بأن موضوعة التطور اللارأسمالي أقرت في المؤتمر الثالث للحزب المنعقد في عام 1976، كما بينا ذلك قبل قليل، وليس قبل اتفاقية الجزائر ربيع 1975 لكي يصبح من المبرر القول "ظل قادته يتحدتون عنها بعد الآتفاقية". وبما أن سباهي لم يتمكن من العثور على وثيقة يستند اليها في أقواله، فإنه استشهد في الهامش بوثيقة تعود الى عام 1977!! ومن المؤسف أن سباهي لم يحصر أقوال د.رحيم عجينة بين قويسات وفقاً لأصول الاقتباس، فجاء انتقاد سباهي الخاطىء والقائل:"ظل قادته يتحدثون...الخ" على لسان د. رحيم عجينة وهو بريء منه.

قيم الحزب الفترة (خريف 1971 ـ 1975)، وهي الفترة التي شهدت التعاون ومن ثم إقامة التحالف بين الحزب الشيوعي وحزب البعث في وثيقة "تقييم تجربة حزبنا النضالية للسنوات 1968 ـ 1979". فانتقد الحزب الخلل في موقفه من الديمقراطية قائلاً: " إن عمل الحزب في سبيل الديمقراطية اقتصر على المطالبة بذلك في تقارير اللجنة المركزية والمقالات الصحفية، دون أن يطوّر هذه المطالبة الى أعمال نضالية من جانب الجماهير نفسها، لاسيما جماهير الطبقة العاملة".

وتفسر وثيقة التقييم ذلك بالقول: "لقد كان قيام الجبهة باتفاق فوقي لم يستند أو يعزز بقاعدة متينة من التلاحم النضالي المشترك، وان صيغة الميثاق الوطني كانت تعكس توازن القوى السياسية في تلك الفترة، الذي مال الى جانب حزب البعث بسبب وجوده في السلطة وقيامه بخطوات تقدمية، رغم بقاء صفته الثابتة في معاداة الديمقراطية وخوفه من تنامي نفوذ الحزب الشبوعي. وقد اثر هذا على عمل الحزب المستقل في تحريك الجماهير للمطالبة بحقوقها والضغط على سلطة البعث والنضال ضد الاتجاهات السلبية في سياستها في الوقت الذي كان البعث يمنع،تحت طائلة العقوبات القاسية، نشاط المنظمات الجماهيرية غير الحكومية ويرفض حتى الأعمال الجماهيرية المشتركة وتطوير نضال الجماهير الذي كان يهدف اليه حزبنا، الأمر الذي أضعف قدرة الحزب على التأثير في الأحداث عن طريق تحريك الجماهير بقيادته وتعبئتها حول شعاراته...الخ"

رغم تلك الملاحظات الهامة على طبيعة وظروف قيام الجبهة، فلا يوجد في هذا التقييم ما يشير الى تخطئة موقف الحزب من إقامة الجبهة مع حزب البعث كما يظن البعض، بصرف النظر عن رأينا فيها الآن، ففي الوثيقة ما يكفي من الوضوح الذي ينفي هذا الظن حيث جاء فيها ما يلي:

"إن تجربة التحالف مع حزب حاكم كانت الأولى من نوعها في ممارسات حزبنا النضالية، وكان على حزبنا خوضها بثقة لا تتزعزع بقدرته على تحقيق مكتسبات هامة للجماهير ولقضية النضال ضد الامبريالية، وتعزيز مكانته في الحياة السياسية للبلاد، وبقدرته على الصمود والحفاظ على استقلاله السياسي والتنظيمي والايدولوجي". ولم يكتف التقييم بذلك وإنما أشار كذلك إلى النتائج السياسية الإيجابية للتحالف خلال تلك الفترة على النحو التالي:

"إن شعارات الحزب ومواقفه في الميادين السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وتعبئة الجماهير وزجها في النضال من أجل تحقيقها، قد حوّلتها إلى قوة مادية، ووجد العديد منها طريقه إلى التطبيق في هذه الفترة، مثل بيان آذار 1970، والحكم الذاتي لكردستان العراق، وقانون الإصلاح الزراعي، وقانون العمل والضمان الاجتماعي وحقوق المرأة، وتحرير الثروات النفطية، والاصلاحات الاجتماعية والثقافية، وبرمجة التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وتطوير العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية والثقافية مع البلدان الاشتراكية وتطوير العلاقات مع قوى التحرر الوطني في العالم" (10).

126

في صيف 1975، توجه الحزب الشيوعي لعقد مؤتمره الوطني الثالث، وكان أول مؤتمر علني يعقده. في تلك الفترة كانت منظمات الحزب، كما يشير الكاتب عزيز سباهي، قد امتدت بعيداً في المدن والقرى. وكانت الظروف العامة وظروفه الخاصة، تسمح بعقده على أسس منظمة ومبرمجة. وقد أسهمت في إعداد وثائقه دائرة واسعة من الكوادر المتخصصة، مستعينة بجمهرة كبيرة من أعضائه وأصدقائه الذين كانوا ينتشرون في كل زوايا المجتمع، وبعضهم من كان يشغل مواقع فنية هامة في الدولة.

ويذكر سباهي : "ولإعداد الوثائق المطلوبة التي سيناقشها المؤتمر، وتتألف من التقرير السياسي للجنة المركزية، وبرنامج الحزب، والتعديلات التي يراد إدخالها على النظام الداخلي، ألفت اللجنة المركزية للحزب في صيف 1975 لجنة خاصة... ترأسها زكي خيري، وضمت عمر علي الشيخ وعبدالرزاق الصافي وكاظم حبيب وجاسم الحلوائي ورحيم عجينة". وإذا توخينا الدقة فإن المكتب السياسي هو الذي شكل اللجنة الخاصة، التي كلفت بوضع مسودة برنامج الحزب فقط وليس جميع الوثائق. وقد عملت اللجنة لشهور عديدة وقرأت ودرست مصادر كثيرة ووثائق مختلفة وناقشت طويلاً. ونوقشت مسودة البرنامج، بعد إنجازها في اللجنة الخاصة، في مئات الاجتماعات التحضيرية التي عقدها آلاف من الكوادر الشيوعية منذ الأشهرالأخيرة من عام 1975. وقد عكست هذه المناقشات وانتخاب المندوبين للمؤتمر الديمقراطية الحزبية التي كانت تسود حياة الحزب الداخلية.(11)

ويذكر سباهي: "وألفت اللجنة المختصة التي أشرنا اليها، وفداً خاصاً من بين أعضائها، سافر الى موسكو" والأدق أن اللجنة كلها سافرت (بإستثناء كاظم حبيب لإلتزاماته الوظيفية) بمن فيهم عمر علي الشيخ الذي لم يذكره سباهي في عداد الوفد. وكان الهدف من الزيارة هو استشارة العلماء السوفيت في الخطوط العامة التي توصلت اليها اللجنة، على غرار ما فعلته أحزاب شقيقة. وكان الوفد الذي اختارته اللجنة المركزية للحزب الشيوعي في الاتحاد السوفييتي، لهذا الغرض، يتألف من بلاييف، باحث متخصص في الشؤون العربية ويجيد اللغة العربية، رئيساً، ورﻴﮋنكو، باحث متخصص في شؤون الحركة الشيوعية في الشرق، وﻨﻴﭼكن المسؤول عن العلاقة بين الحزبين الشيوعيين السوفييتي والعراقي (12).

وجرت مناقشة بين الوفدين طيلة أربعة أيام، وكان النقاش ديمقراطياً وشفافاً. وجرى التأكيد باستمرار من قبل الرفاق السوفيت بأن الوفد غير مجبر على تبني أي رأي غير مقتنع به وان الحزب الشيوعي العراقي هو المسؤول عن سياسته أولا وأخيراً. ولكنني لا أعتقد بأن الوفد السوفييتي كان غافلاً عن مدى الضغط المعنوي الذي تشكله آراؤهم على الوفد وعلى اللجنة المركزية. وعاد الوفد وقد تراجع المتحفظان على طريق التطور اللارأسمالي، فأيد زكي خيري الموضوع وهو في موسكو، أما رحيم عجينة فكان تراجعه على مضض. وسجلت بالمناقشة محاضر جلسات مفصلة اطلع عليها جميع أعضاء اللجنة المركزية.

ويعلق سباهي على ذلك قائلاً: "إذن عاد الوفد وهو يرفع راية التطور اللارأسمالي. وحين أصرت غالبية اللجنة المكلفة بإعداد مسودة البرنامج، على رفض الأمر، كما يروي رحيم عجينة (
ص 129) مورس الضغط الفكري لحمل الرافضين على تعديل مواقفهم. وهذا ما حصل"(13). إن هذا القول، مع الأسف الشديد، غير صحيح. لأن الوفد هو اللجنة واللجنة هي الوفد، باستثناء كاظم حبيب الذي لم يكن ضمن الوفد ولم يكن معارضاً لموضوعة طريق التطور اللارأسمالي حتى قبل سفر الوفد. أما رواية رحيم عجينة فهي تنتهي في موسكو وقبل عودة الوفد إلى بغداد. وقد حلت اللجنة المختصة عند عودتها إلى بغداد، ولم تلتق أو تجتمع حتى ولا أجتماعاً واحداً. وشكلت، بدلاً عنها، هيئة تحرير مصغرة من زكي خيري وعبد الرزاق الصافي ورحيم عجينة.

كان هناك اتجاهان بين أنصار طريق التطور اللارأسمالي أو التوجه الاشتراكي في الحركة الشيوعية العالمية، الأول: يرى اشتراك الشيوعيين في قيادته شرطا لنجاحه. والثاني: يرى بأن دور الشيوعيين ممكن أن يقتصر على دعم وتأييد قيادة الديمقراطيين الثوريين ويبشر بإمكانية اندماج الطرفين لاحقاً. وكان الاتجاهان المذكوران موجودين في الحزب الشيوعي العراقي أيضاً الاتجاه الأول مثبت في وثائق المؤتمر الثالث والاتجاه الثاني ضعيف وقد وجد تعبيره في مواقف معينة. على أي حال لم تزك الحياة كلا الاتجاهين!

انعقد المؤتمر في الأيام 4 و5 و6 أيار عام 1976 (
وليس 1975، كما جاء في كتاب سباهي كخطأ مطبعي ص 144) تحت خيمة كبيرة نصبت لهذا الغرض في المقر العام للحزب في بغداد الواقع في ساحة عقبة بن نافع. حضر المؤتمر300 مندوباً من أصل 320 يحق لهم الحضور، واستثني العشرين كتدبير احترازي.

يختار سباهي التقرير السياسي للمؤتمر ويقول وهو محق في ذلك: "لقد انصرف التقريرالسياسي إلى إبراز الجوانب الإيجابية في مسيرة الوضع السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وكان هذا أمراً ضرورياً، إلا أنه سكت عن الجوانب السلبية، وهي خطيرة أحياناً، أو مسها مساً خفيفاً، غلبت عليه المجاملة السياسية، بدعوى الحاجة إلى تعزيز التحالف، (
إلى هنا وهو محق في ذلك. جاسم) وتجنب، بشكل خاص، أن يدخل في طبيعة العمل الجاري وأبعاده والنتائج التي سينتهي اليها" (14). ويقصد بذلك مظاهر الارتداد ومآلها. صحيح ان التقرير السياسي تجنب ذلك ولكن البرنامج لم يتجنبه.

يتحاشى سباهي تناول البرنامج، وهي وثيقة لا تقل أهمية من التقرير السياسي إن لم تكن تفوقها أهمية، في تقييمه السياسي والفكري للمؤتمر، فالبرنامج يفند رأيه. فقد جاء في الصفحة 129 من مذكرات د. رحيم عجينة، وهي نفس الصفحة التي استشهد بها سباهي، والتي مر ذكرها قبل قليل، ما يلي: "ومن جانب آخر أدخلت فقرة ضافية عن أخطار الارتداد في مسيرة العراق كاستدراك وذلك في الفصل الأول من الوثيقة البرنامجية لأن تجربة مسيرة العراق لم تكن محسومة وان مقومات الارتداد موجودة و كما جرى التأكيد على البرجوازية الطفيلية والبيروقراطية الحكومية، المالية والعسكرية، وإن مقومات الارتداد لاتقتصر على الاقتصاد وإنما في فكر حزب البعث أيضاً". (
الخطوط غير موجودة في الأصل). أعتقد لايمكن أن يعد المرء جائراً إذا ما اعتبر أن تقييم عزيز سباهي السياسي والفكري للمؤتمر الوطني الثالث قاصراً.

والغريب في الأمر، أن يعثر المرء، بعد فصلين من هذا الفصل الذي يقيم فيه سباهي المؤتمر الثالث سياسياً وفكرياً على نقيض ما توصل إليه سباهي أنفاً حيث يورد الفقرة التالية: "وفي برنامج الحزب الذي ناقشه وأقره المؤتمر الثالث ورد ما يشير بوضوح الى احتمال الارتداد والقوى التي تسعى لهذا الارتداد" (15). كما يورد فقرة ضافية من البرناج ليؤكد فيها رأيه. كان من الأحرى ايراد ذلك عند تقييم المؤتمر سياسياً وفكرياً.

ومن الجدير بالملاحظة بأن الحزب أشار الى بعض جوانب هذا الارتداد، الذي لايمكن نكرانه، في اجتماع اللجنة العليا للجبهة (
في عام 1977، على ما يبدو) واعترف حزب البعث به و"لم يتردد صدام حسين عن التأكيد: إذا كان هناك ارتداد فنحن الذي نقوده. وبرره بكون الارتداد ضمان التقدم من جديد" (16).

وبعد أن يشير سباهي الى بعض ميزات المؤتمر مثل سعة التمثيل وجودة التحضير يقول: "ولكن ما يؤخذ على المؤتمر يفوق هذا كثيراً، فقد عكست وثائق المؤتمر والمناقشات التي دارت فيه جموداً واضحاً على أفكار تخطاها الزمن بشكل واضح. وأظهر بأن الحزب يعاني من الضعف في التحليل بل ومن فقدان الاستقلالية أيضاً" (17). إن هذا الحكم، في بعض منه، لايخلو من الصحة ولكنه غير دقيق، فطريق التطور اللارأسمالي، والتنازلات التي تمت خلال عقد الجبهة والتهاون في الدفاع عن الديمقراطية تعتبر جميعها في لغة ذلك الزمان ومنطقه نزعة يمينية، وعلى حد تعبير تقييم تجربة الحزب (
ص 57) "أخطاء ذات طبيعة يمينية" أي عكس الجمود، ولم يكن طريق التطور اللارأسمالي صحيحاً في يوماً ما كي يتخطاه الزمن. أما الضعف في التحليل فهي ملاحظة صحيحة وتشمل كل الحزب بما في ذلك اللجنة الاقتصادية التي كانت معنية برصد وتحليل الواقع الاقتصادي. التي كان مسؤولها د. كاظم حبيب وعزيز سباهي عضواً فيها. فهذه الهيئة لم تعارض موضوعة "طريق التطور اللارأسمالي" في عام 1976، عام انعقاد المؤتمر. والكتاب الذي يستند إليه سباهي للبرهنة على وجود دراسات معارضة لطريق التطور اللارأسمالي صادر في عام 1979 (18).

أما فقدان الاستقلالية (يسميها سباهي بعد ستة أسطر ضعف الاستقلالية، والفرق نوعي بين التعبيرين) فأمر مبالغ فيه. إن تأكيد سباهي " لقد فرض القول بالتطور اللارأسمالي فرضا" (19) تعوزه الدقة، وأقول ذلك بثقة فقد واكبت هذا الأمر من البداية حتى النهاية، ولم تكن أغلبية أعضاء اللجنة التى وضعت البرنامج معارضة لموضوع طريق التطور اللارأسمالي، كما يذكر د. رحيم عجينة ويردده سباهي قٌبل سفر الوفد إلى موسكو، وإنما العكس هو الصحيح، فالمعارضة كانت تتكون من رفيقين فقط وهما الراحلين زكي خيري ورحيم عجينة، وغيّر الأول موقفه في موسكو و استسلم الثاني، على حد تعبيره هو، عند وصفه لموقف المعارضين، أما الباقون فكانوا يؤيدون الموضوعة قبل سفرهم إلى موسكو وهم أحياء يرزقون حتى كتابة هذه السطور.

لا أشك بأنه لولا تبني الحركة الشيوعية وطليعتها الحزب الشيوعي في الاتحاد السوفيتي موضوعة طريق التطور اللارأسمالي، لما تبناه الحزب الشيوعي العراقي. ولكن لم يكن تبني الحزب الشيوعي العراقي لهذه الموضوعة بمعزل عن أرضية فكرية ونزعة في داخله تبحث عن طريق وستراتيج جديد غير الستراتيج اللاواقعي والمتمثل بشعار "ديمقراطية ثورية بقيادة الطبقة العاملة" وقد أثبتت الحياة عدم واقعية كلا الستراتيجين، القديم والبديل، لأنهما إرادويين، ويقفزان على مرحلة تاريخية. وإذا ما كان القديم لا يتناسب مع ظروف العراق ومستوى تطوره الاقتصادي والاجتماعي، فإن الثاني أخطأ في إدراك طبيعة التطور المذكور وأخضعه لأمنياته ورغباته. وأشارت الحياة إلى أن طريق تقدم البلاد وازدهارها، بما في ذلك التقدم نحو الاشتراكية، يمر عبر الديمقراطية المؤسساتيه، ويخضع لسلسلة من التطورات العميقة الاقتصادية والاجتماعية وفي البناء السياسي للدولة. وهذا ما تبناه الحزب الشيوعي العراقي بقوة منذ مؤتمر الديمقراطية والتجديد، والذي يحفزه الآن للمساهمة الفعالة في العملية السياسية الجارية في البلاد.

واختتم المؤتمر الثالث أعماله بانتخاب لجنة مركزية من 25 عضواً و19 عضواً مرشحاً، وهي أكبر لجنة مركزية في تاريخ الحزب منذ تأسيسه ولحد الان. ورُشح في المؤتمر وفاز، من خارج القائمة التي رشحتها قيادة الحزب، الراحل عمر الياس بصفة عضو مرشح، واعيد انتخاب السكرتير العام للجنة المركزية وسكرتارية اللجنة المركزية من نفس الرفاق، أما المكتب السياسي فقد استبعد منه المرشحان لعضويته وهما كل من الراحل مهدي عبد الكريم والرفيق سليمان يوسف بوكا. وجاء انتخاب اللجنة المركزية، من مندوبين منتخبين بشكل مباشر أو غير مباشر من جميع أعضاء الحزب، ليُكسب القيادة (رغم ما كان يعتري الانتخابات من نواقص كانت تعاني منها جميع الأحزاب الشيوعية آنذاك) شرعية قوية ساعدت الحزب على أن يتفادى أي انشقاق خطير في صفوفه، رغم القمع الوحشي الذي تعرض له في عام 1978 وبعدها، ورغم الأخطاء التي تتحمل مسؤوليتها والتي عالجتها ومن ثم قيمتها وحددت المسؤولية فيها وفقاً لمنطق ذلك الزمان.


(1) راجع عزيز سباهي. مصدر سابق، ص 136. راجع كذلك تقييم تجربة الحزب. مصدر سابق، ص36.
(2) راجع رحيم عجينة. الخيار المتجدد، مصدر سابق، ص 122 وما يليها. راجع كذلك عزيز سباهي. مصدر سابق، ص 137.
(3) راجع رحيم عجينة. الخيار المتجدد، مصدر سابق، ص 132 وما يليها. راجع كذلك عزيز سباهي. مصدر سابق، ص 137.
(4) راجع عزيز سباهي. مصدر سابق، ص 137 وما يليها.
(5) راجع رحيم عجينة. الخيار المتجدد، مصدر سابق، ص 126 وما يليها.
(6) راجع تقييم تجربة الحزب. مصدر سلبق صن 52.
(7) عزيز سباهي. مصدر سابق، ص 140 وما يليها. خط التشديد غير موجود في الأصل.
(8) تقييم تجربة الحزب. مصدر سلبق صن 51. خط التشديد غير موجود في الأصل.
(9) عزيز سباهي. مصدر سابق، ص 140 وما يليها والهامش رقم 173.
(10) تقييم تجربة الحزب. مصدر سابق، ص 37 وما يليها.
(11) راجع عزيز سباهي. مصدر سابق، ص 142.
(12) راجع عزيز سباهي. مصدر سابق، ص 143.
(13) عزيز سباهي. مصدر سابق، ص 143. خط التشديد غير موجود في الأصل.
(14) عزيز سباهي. مصدر سابق، ص 147.
(15) عزيز سباهي. مصدر سابق، ص 160. الخط غير موجود في الأصل.
(16) رحيم عجينة. الخيار المتجدد، مصدر سابق، ص 131.
(17) راجع عزيز سباهي. مصدر سابق، ص 148. الخطوط غير موجودة في الأصل.
(18) راجع عزيز سباهي. مصدر سابق، ص 148 هامش رقم 181.
(19) عزيز سباهي. مصدر سابق، ص 148.

يتبع
 

¤ الحلقة الرابعة والثلاثون

¤ الحلقة الثالثة والثلاثون

¤ الحلقة الثانية والثلاثون

¤ الحلقة الحادية والثلاثون

¤ الحلقة الثلاثون

¤ الحلقة التاسعة والعشرون

¤ الحلقة الثامنة والعشرون

¤ الحلقة السابعة والعشرون

¤ الحلقة السادسة والعشرون

¤ الحلقة الخامسة والعشرون

¤ الحلقة الرابعة والعشرون

¤ الحلقة الثالثة والعشرون

¤ الحلقة الثانية والعشرون

¤ الحلقة الحادية والعشرون

¤ الحلقة العشرون

¤ الحلقة التاسعة عشر

¤ الحلقة الثامنة عشر

¤ الحلقة السابعة عشر

¤ الحلقة السادسة عشر

¤ الحلقة الخامسة عشر

¤ الحلقة الرابعة عشر

¤ الحلقة الثالثة عشر

¤ الحلقة الثانية عشر

¤ الحلقة الحادية عشر

¤ الحلقة العاشرة

¤ الحلقة التاسعة

¤ الحلقة الثامنة

¤ الحلقة السابعة

¤ الحلقة السادسة

¤ الحلقة الخامسة

¤ الحلقة الرابعة

¤ الحلقة الثالثة

¤ الحلقة الثانية

¤ الحلقة الاولى

 


 

Counters