| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

جاسم الحلوائي 

jasem8@maktoob.com

 

 

 

الأثنين 28 /1/ 2008

 

قراءة نقدية في كتاب

عزيز سباهي
"عقود من تاريخ الحزب الشيوعي العراقي"
(
30)

جاسم الحلوائي

تعديل خط آب وتبنـّي العمل الحاسم

106

في تشرين الثاني 1964، وصل بهاء الدين نوري الى بغداد وأصبح المسؤول الأول في الداخل بالوكالة، بعد اعتقال عمر علي الشيخ في كانون الأول من نفس العام. ومع وصول سلام الناصري وعامر عبد الله، عضوي المكتب السياسي تشكل مركز قيادي من ثلاثة رفاق برئاسة بهاء. وفي شباط من نفس العام قرر المركز القيادي إعادة النظر بسياسة الحزب. وأعدت مسودة وثيقة، كان محررها الأساسي بهاء الدين، وطرحت للمناقشة على شبكة من الكادر، حوالي 150 رفيقاً، وأعيدت صياغة الوثيقة على ضوء تلك المناقشات. وعندما عُقد اجتماع اللجنة المركزية (*) فوجئ المجتمعون بوثيقة بديلة قدمها عامرعبد الله، لا تختلف من حيث الجوهر عن الوثيقة الأولى سوى بالأسلوب. فاعتمد الاجتماع،بالأغلبية، الوثيقة الأولى للمناقشة، لأنها قد نوقشت في المنظمات.

لم يستسلم الفقيد عامر عبد الله لذلك، فكان يناضل لإدخال هذه الفقرة أو تلك الصيغة خلال المناقشة والتصويت على الفقرات والأمور الهامة. وقد نجح في إدخال فقرة في البيان الصادر عن الاجتماع تتضمن فكرة لا يمكن أن يتجاهلها أي مؤرخ لتلك الفترة فثبتها بطاطو وسباهي طبعاً. وهذه الفكرة هي: "إن الحزب الشيوعي حامل الرسالة التاريخية للطبقة العاملة العراقية وُجد ليبقى". وكان لهذا التأكيد أهميته البالغة، ففي تلك الأيام بادر أعضاء الحزب الشيوعي المصري بالانضمام الى الاتحاد الاشتراكي العربي، بعد أن حل الحزب نفسه. وجاء في البيان: "وإن تجربة الاتحاد الاشتراكي العربي العراقي قد فشلت، ومع كل الضجيج المثار عن "الاشتراكية" فإن سياسة السلطات تتناقض سياسياً واقتصادياً وايديولوجياً، مع أبسط مفاهيم ومتطلبات البناء الاشتراكي"، ودعى الحزب الشيوعي الناصريين الى الانسحاب من الحكم، والانضمام الى صفوف "المعارضة الشعبية" (1).

شنت حكومة عبد السلام عارف في آذار 1965، الحرب من جديد، ضد الشعب الكردي، ودخلت في مباحثات مع شركات النفط للمساومة معها، وأصدرت محاكمها أحكاماً جديدة بالاعدام ضد عناصر وطنية بدعوى انها قاومت انقلاب شباط، وكانت يومها نزيلة سجونها ومعتقلاتها طوال هذا الوقت. لقد صعدت هذه الإجراءات من حرارة اجتماع اللجنة المركزية، فرفعت شعار إسقاط حكومة عارف. ولم يكن هذا الشعار مدرجاً في كلتا الوثيقتين المذكورتين، إذ طالب البيان بإسقاط الحكم الدكتاتوري العسكري، ودعا الى إقامة حكومة ائتلاف وطني ديمقراطية، تنهي الأوضاع الاستثنائية التي تعيشها البلاد، وتصّفي مخلفات انقلاب شباط، وتحقق الديمقراطية في العراق والحكم الذاتي لكردستان. وتحّفظ بهاء الدين نوري على رفع شعار إسقاط السلطة علناً ورأى الاكتفاء بطرح البديل. وبذلك إنتهى خط آب سياسياً.

يقيّم سباهي خط آب، في الصفحة 48 من كتابه، على النحو التالي:"لقد كان اتخاذ خط آب خطأ سياسياً كبيراً... فعدا عن كونه جاء معارضاً على طول الخط لمزاج القاعدة الحزبية، ولِما كانت قد تثقفت به طوال عقود طويلة، فإنه لم يُبنَ على تحليل دقيق لواقع الوضع في البلاد، وتوازنات القوى فيها، وإنه اعتمد تحليلات خارجية بُنيت على أوضاع بلدان أخرى، وإنه أسقط من حسابه طبيعة الحكام ذاتهم. وأخيرا، كونه لم يُراع قواعد الديمقراطية داخل الحزب"

الى جانب هذا التقييم الصحيح والملموس والواضح، يذكر سباهي مباشرة تقييماً إضافياً تعوزه الدقة ويكتنفه الإبهام، حيث يقول: " كان اتخاذ خط آب بالصورة التي تم فيها، وما رافقه من تطورات سياسية، داخلية وخارحية، في حياة الحزب الشيوعي العراقي، انعكاساً لأزمة "الايديولوجيا" التي بُني عليها كيان الحزب وتثقيفه، انعكاساً للتناقض الكبير بين واقع خطابه الى الجماهير وواقع الحياة التي يُناضل فيها، والفهم المشوّش للأسس النظرية للاشتراكية الذي بُني عليها الحزب والأسس النظرية التي تبنى عليها سياساته ومواقفه العامة. (
الخطوط غير موجودة في الأصل).

لا يخلو ما توصل اليه سباهي من بعض الصواب، إلا أنه غير دقيق وعمومي فهو يُخّطئ، شاء أم أبى، كل سياسات الحزب ومفاهيمه، منذ تأسيسه، وبلا استثناء. ولم يُبق، شاء أم أبى، حجراً على حجر، كما يقال، في حين لم يكن خطاب الحزب السياسي خاطئاً في كل الأوقات، وهو ما ينعكس في مساهمة الحزب في الإنجازات الهامة التي تحققت في العراق خلال تاريخه بما في ذلك مساهمته في ثورة 14 تموز وإنجازاتها. وإلى جانب أخطائه، لعب الحزب الدور الأول في توعية العمال والفلاحين وأوساط واسعة من المثقفين حول المطالب الإجتماعية الكبرى في الحقل الاجتماعي وناضل من أجل تحقيقها، ودعم طموح الأكراد في نيل حقوقهم، ودافع عن مصالح الأقليات القومية. ورفض الحزب بثبات التمييز الطائفي والعنصري، ودافع عن النظرة العلمية والتقدمية في شتى الميادين وعن حقوق المرأة ودورها. وقام الحزب بكل ذلك منذ اليوم الأول لتأسيسه، وعلى الرغم من بعض الأسس النظرية التي ظهرت لاحقاً بأنها خاطئة، فإن الحزب لم ينحرف عن تأدية مهامه النبيلة تلك طوال مسيرته إطلاقاً. وهذا ما يُفسر لنا، التفاف الجماهير حول الحزب، بما في ذلك التفاف نخبة كبيرة من أشهر الأدباء والمثقفين والفنانين، وأصبح أكبر حزب شيوعي في الشرق الأوسط، في اواسط القرن الماضي، حزب بإمكانه أن يُعبئ الملايين تحت شعاراته. وهذا ما يُفسر لنا أيضا استمرارية الحزب ونهوضه وظهوره على المسرح السياسي مجدداً، رغم تعرضه للقمع الوحشي مراراً ولفترات طويلة جداً من حياته. وكيف يُفسر لنا سباهي استحسانه لخطاب الحزب السياسي في فترات معينة، إلى جانب تقييمه الإيجابي لشعارات ومواقف وقرارات كثيرة في تاريخ الحزب دوّنها في الجزأين الأول والثاني من كتابه هذا ؟ فهل هذا يُفسر بالتناقض الكبير بين واقع خطابه الى الجماهير وواقع الحياة التي يُناضل فيها، والفهم المشوّش للأسس النطرية للاشتراكية الذي بُني عليها الحزب والأسس النظرية التي تبنى عليها سياساته ومواقفه العامة؟

ويواصل سباهي تقييمه الآنف الذكر، فيقول: "ويُلاحظ هنا، ان رسم الخط والتخلي عنه بسرعة، وعلى النحو الذي تم فيه، كان استباقاً لما قدّر للحزب الشيوعي العراقي وأحزاب شيوعية عديدة، أن يراه وتراه، بعد ربع قرن" (
خط التشديد غير موجود في الأصل). في الحقيقة حاولت جهدي أن أفهم ما يقصده سباهي في هذا المقطع، ولكن دون جدوى. فقد ظلّ قصده مبهماً عليّ. ويستطرد سباهي في هذه الفقرة بالقول: "وعلى أي حال، فإن مطالبة الحزب، قيادة وقواعد، باستشراف ما سيحدث بعد ربع قرن، وفي ظل الخطاب الذي كان يسود يومذاك، أمر غير واقعي تماماً"، وهذا صحيح تماماً، ولكن لا أدري ما هي العلاقة بين "رسم خط أب والتخلى عنه" بهذا الاسشراف؟ أو بعبارة أخرى، هل ان هذا الاستشراف تأخر ربع قرن فقط؟ على أي حال، أليس من الضروري تجنب التناقضات والإبهام في الكتابة السياسية والفكرية عموماً وفي كتابة التاريخ خصوصاً؟

107

بات المزاج العام في الحزب يميل، بعد رفع الحزب لشعار إسقاط السلطة، الى العنف أكثر فأكثر. وأصبح الحديث عن العمل المسلح، كما يشير سباهي، هو المفضل في أوساط الحزب المختلفة. وقد ساعد في انتشار القناعة بهذا اللون من الكفاح، إن جميع القوى باتت، لأسباب تاريخية خاصة، تتخاطب بالانقلابات المسلحة، وأن أعدادا كبيرة من الشيوعيين العسكريين، الذين سُرحوا ويُسرحون من الجيش، كانوا يضغطون باتجاه تبني الحزب الخط الذي يتناغم مع مزاجهم. ولذلك شاع في الحزب الحديث عن "العمل الحاسم" أي الانقلاب العسكري، لا سيما في منطقة بغداد (2).

وجاءت محاولة عارف عبد الرزاق الفاشلة لاسقاط عبد السلام عارف قي 15 أيلول 1965 لتزيد في الدعوة الى "العمل الحاسم" بين صفوف الحزب. وقد اقترنت هذه الدعوة لدى كثيرين من كوادر وأعضاء الحزب بإثارة الضجيج حول الانقلاب الموعود، والإلحاح الشديد غير المبرر على اللجوء الفوري للتنفيذ. فبدلا من تنشيط النضالات الجماهيرية ورفع معنوية الجماهير،تفشت في الحزب روح الترقب السلبي والكف عن النضال الجماهيري بانتظار البيان الأول للانقلاب الموعود.

وتحت الضغط والإلحاح استجاب المركز الحزبي الذي يقوده بهاء الدين نوري بالوكالة الى عقد اجتماع، لا هو بالموسع للجنة المركزية ولا هو بالكونفرنس، ولا هو بالاستشاري. ولذلك سمي باجتماع ﺍﻟ (25). حضر الاجتماع سبعة أعضاء من (ل.م) وعضوان مرشحان، أحدهم كاتب هذه السطور. وستة عشر كادراً حزبياً متقدما جميعهم من بغداد بإستثناء إثنين أوثلاث. ونظراً للارتباك الذي رافق تنظيم الاجتماع، فلم يحضره أي مندوب من منظمة الفرع في كردستان، بالرغم من وصول وفد كبير منهم الى بغداد، كما لم يُشارك في الاجتماع أي مندوب من الخارج لا من قادة الحزب ولا من كوادره، وكان مجموع المؤهلين منهم لحضور مثل هذا الاجتماع يتجاوز عدد الذين حضروه. ولم تحضره ولا رفيقة واحدة. ولم تقدم الى الاجتماع أية وثيقة للمناقشة. كان المزاج العام للاجتماع يسارياً، وتمحورت المناقشات حول ثلاثة أمور وهي:

أولاً: إدانة خط آب بشكل علني، وقد تم ذلك ونشر القرار في مربع صغير في النشرة الداخلية للحزب المسماة "مناضل الحزب".

ثانياً: إقرار "العمل الحاسم". وكان هناك اتجاهان رئيسيان. وقدم في ذلك عامر عبد الله مطالعة. ويمكن تلخيص وجهة نظره، كما يشير الى ذلك سباهي أيضاً، بالمبادرة الى استخدام قوى الحزب في الجيش لانتزاع السلطة بانقلاب عسكري، ينهض به الحزب الشيوعي وحده. إذ ان القوى الوطنية الأخرى لا ترغب في مساندة انقلاب عسكري يقوم به الشيوعيون. وبرّر دعوته الى العمل لكون النظام الحاكم يعيش أضعف حالاته، بعد أن خرج عليه القوميون الناصريون، وينصرف جيشه الى محاربة الشعب الكردي. وحذر عامر عبد الله من تفويت الفرصة، فعبد الرحمن البزاز، رئيس الوزراء، يسعى الى إستعادة الحياة البرلمانية، وبهذا سيميل الوضع الى الإستقرار وتتعزز مكانة النظام. بينما رأى بهاء الدين نوري، أن الحزب لن يستطيع القيام بانقلاب عسكري لوحده. وحتى لو نجح الحزب في بادئ الأمر، فإنه سيواجه تحالفاً واسعاً من قوى مضادة، تعادي الشيوعية، وإن نجاح الانقلاب يتطلب تأمين تعاون القوى الوطنية الأساسية في البلاد.

وبعد مناقشات واسعة أقر الاجتماع بأغلبية كبيرة خطة "العمل الحاسم" وتقرر تشكيل وحدات مدنية عسكرية لدعم الانقلاب. وسمي هذا التنظيم ﺒ"خط حسين". وقرر الاجتماع الحصول على تأييد ودعم القوى الأخرى، لاسيما القوى الكردية، والقاسميين والقوى القومية التي تنادي بالاشتراكية. كما جرى التأكيد على أن لا يُقدم الحزب على عمل بمفرده، إلا إذا تعّذر الحصول على دعم الآخرين، وأن تكون قيادة الحزب قد تأكدت من أن الظروف مؤاتية تماماً لنجاح الانقلاب (3).

ثالثاً: انتخاب اللجنة المركزية. عند الشروع في مناقشة هذه الفقرة قدّم سلام الناصري وبهاء الدين نوري استقالتهما، فرُفضت وسحباهما (**). قطع الاجتماع شوطا معيناً في مناقشة مقترح يقضي بانتخاب لجنة مركزية للحزب من قبل الاجتماع، أما أعضاء اللجنة المركزية في الخارج فيُستثنى منهم عزيز محمد فقط، سكرتير اللجنة المركزية. وكان بهاء الدين نوري الذي يرأس الاجتماع، والمؤتمن الأول على سلامة الحزب، قد التزم الصمت أمام هذا المقترح الخطير الذي يُسقط عضوية عدد كبير من أعضاء المكتب السياسي واللجنة المركزية بدون أي مبرر. وشاركاه الصمت كذلك عضوا المكتب السياسي الآخران سلام الناصري وعامر عبد الله. فقد غلّس ثلاثتهم،الى أن انبرى كاتب هذه السطور للاعتراض على إسقاط عضوية أعضاء المكتب السياسي واللجنة المركزية الذين في الخارج أوالمعتقلين منهم (كان عمر علي الشيخ وتوفيق أحمد رهن الاعتقال)، فسارع الاجتماع الى تصحيح الموقف وذلك باحتفاظ جميع أعضاء اللجنة المركزية، الذين لم يتسن لهم حضور الاجتماع، بمواقعهم الحزبية. أما أعضاء ومرشحي اللجنة المركزية، المشاركون في الاجتماع، فيجري انتخابهم. فجرى انتخاب 14 عضواً من قائمة تضم بين 16 ـ 17 إسماً مع عدم الأخذ بمبدأ الترشيح لعضوية اللجنة المركزية. وفاز جميع الأعضاء والمرشحين السابقين بعضوية اللجنة المركزبة بإستثناء ناصر عبود، وفاز ستة جدد (***)

أرسل مركز الحزب في بغداد الى سكرتير اللجنة المركزية عزيز محمد في موسكو ثلاثة تقارير حول ما دار في الاجتماع. وقد أعدها كل من بهاء وعامر والناصري. فدعا عزيز محمد لجنة تنظيم الخارج وأعضاء المكتب السياسي واللجنة المركزية، الموجودين في الخارج، الى الاجتماع في براغ يومي 18 و19 تشرين الثاني 1965 وعرض عليهم التقارير التي وصلته. اتفق الحاضرون على تخطئة خط آب. وقال عزيز محمد في هذا الشأن "إن الكثير من تقديرات وسياسات خط آب لم تزكها الحياة، وإنها خاطئة". وفي الوقت الذي حذر فيه من التباري في طرح الأخطاء، فقد أكد على ضرورة أن تتوفر لرفاق الحزب حرية النقد. ولاحظ بأن ظروفاً شاذة أملت ما أقدم عليه اجتماع تشرين في بغداد من تغييرات في اللجنة المركزية، وانتقد ضعف التهيئة للاجتماع والعجلة في عقده (4).

إنتهى اجتماع براغ، كما يشير سباهي، الى الاتفاق على صياغة رسالة من قبل عزيز محمد وباقر إبراهيم وكريم أحمد يلخصون فيها ما دار في الاجتماع. ولمّا كانت المناقشات قد تباينت في أحكامها، ما بين الحماسة للعمل المسلح والترّوي فيه، وإلى المعارضة في انتهاج هذا السبيل، فقد مالت الرسالة الى خط وسط . وحذرت الرسالة، وكانت مؤرخة في 18 كانون الأول 1965، من "أي عمل متسرع يقارب المغامرة". على العموم مالت الرسالة الى الحد من اندفاع الحزب في الداخل وحذرت من دخوله في تسابق مع الآخرين في مسألة الانقلابات، أو الاستناد الى حسابات غير سياسية وإنما مجرد مقارنات حسابية بحتة للقوى. وأقرت الرسالة الإجراءات التنظيمية التى اتخذها اجتماع ﺍﻟ (25) (5).

108

في عام 1966 عاد أغلب قادة وكوادر الحزب المقيمين في الخارج لمهمات مختلفة، الى الوطن. وكان في مقدمتهم عزيز محمد، الذي عاد في آذار 1966 وفي نفس الشهر وصل باقر إبراهيم ومن ثم زكي خيري وكريم أحمد وعزيز الحاج وآخرون. وكانت البلاد يومها تمر بوضع سياسي خاص، ففي 13 نيسان 1966، هلك عبد السلام عارف، رئيس الجمهورية في حادثة طائرة كان يستقلها، ونشب صراع حاد على منصب الرئاسة بين عبد الرحمن عارف وعبد الرحمن البزاز. وفي غمرة المناورات التي جرت على المنصب، تخلى البزاز عن المنافسة لصالح عارف واكتفى بمنصب رئيس الوزراء. ونشط البزاز لتحسين علاقات العراق مع دول الجوار، وتمتين العلاقات مع القاهرة، وتحسين الصلات بالاتحاد السوفيتي. وأعلن في 29 حزيران 1966 بياناً لحل المسألة الكردية على أساس سلمي، وأوقف العمليات العسكرية ضد الثورة الكردية، ووعد بتلبية مطالب الشعب الكردي. وقبلت قيادة الحركة بذلك .(6) 

ومن الناحية الأخرى، كما يذكر بطاطو، "فإن خطه (البزاز) المحافظ كان متناقضاً مع الميول الأساسية لإجمالي العراقيين الواعين سياسياً، ولم يكن مسعاه لإعادة الاعتبار جزئياً إلى طبقات الملاكين القدامى أقل إثارة للاستياء" والمقصود هنا التعديلات التي أجراها البزاز على قانون الإصلاح الزراعي، والتي زيدت بموجبها التعويضات النقدية التي تدفع للاقطاعيين الى ثلاثة أضعاف. كما زيد سعر الفائدة على أقساط التعويض لهم من 1% الى 3% سنوياً وقلصت مدة دفع سندات التعويض من أربعين سنة الى عشرين سنة، ومن ثم الى عشر سنوات (7). وأعتبر هذا الإجراء رجعياً في نظر جميع الأحزاب والقوى التقدمية. وانطلاقاً من تلك الميول، التي أشار اليها بطاطو، عارضت الأحزاب والقوى التقدمية، ومنها الحزب الشيوعي، حكم عارف ـ البزاز. ولم تغرها بعض التغييرات وهي ترى السلطة بيد كبار العسكريين الشوفينيين، بالدرجة الرئيسية، الذين لم يرق لهم البزاز، وكانوا يتوّجسون من أن يُصار الى إبعادهم عن السلطة باسم الانتخابات البرلمانية. وبالرغم من أن البزاز لم يخطو أية خطوة في هذا السبيل، فقد أبعدوه عن الحكم في آب 1966، وأتوا بناجي طالب. وعاد الحكم الى سيرته الأولى، وشرع بالتهيّؤ لشن الحرب على الثورة الكردية من جديد. ومن المشكوك فيه أن نتوقع مصيراً آخراً للبزاز بافتراض دعم الحزب الشيوعي لنهجه، بسبب تركيبة السلطة، وتوازن القوى والأجواء المشحونة بالتآمر في البلاد ابان تلك الفترة.


(*) حضر الاجتماع كل من بهاء الدين نوري وعامر عبد الله وسلام الناصري وناصر عبود وحسين سلطان وآرا خاجادور وصالح الرازقي وصالح دگله. وحضر كذلك الأعضاء المرشحون للجنة المركزية وهم كل من توفيق أحمد وحميد الدجيلي وجاسم الحلوائي. ولم يكن الدجيلي سكرتيراً للجنة منطقة بغداد، كما جاء في كتاب سباهي ص 46، بل كان كاتب هذه السطور سكرتيراً للجنة المذكورة آنذاك.
(1) راجع بهاء الدين نوري. مصدر سابق، ص 317 ـ 321. راجع بطاطو. مصدر سابق، ص 358. راجع كذلك عزيز سباهي. مصدر سابق، ص 47 وما يليها. خط التشديد غير موجود في الأصل.
(2) راجع كذلك عزيز سباهي. مصدر سابق، ص 49 والهامش رقم 51.
(3) راجع عزيز سباهي. مصدر سابق، ص 53.
(**) أعتقد لم تكن الإستقالة جدية وإنما لغرض تعزيز موقعهما، مستغلين غياب عدد من قادة الحزب. ولم يكن تشبث الاجتماع بهما لقناعة بكفاءتهما القيادية المتميزة، بل بالعكس . فبعد سنتين لم ينتخب بهاء عضواً أصيلا في اللجنة المركزبة وذلك في الكونفرنس الثالث للحزب (1967). أما الناصري فلم يكن إسمه في القائمة ولم يُرشحه أحد فرديا في الكونفرنس المذكور. ولم يعودا كلا الإثنين للمكتب السياسي إطلاقاً بعد هذا التاريخ.
(***) الثمانية السابقين هم كل من بهاء الدين نوري وعامر عبد الله وسلام الناصري و آرا خاجادور وصالح دﮔله وحسين سلطان وستار خضير وجاسم الحلوائي. لم يذكر بهاء الأخيرين في مذكراته ص 330. وذكر سباهي بأن الاجتماع لم ينتخب المرشحين وإنما ثبّت عضويتهم بدون انتخاب، وهذا ينطبق على المرشحين الذين لم يحضروا الاجتماع، أما الذين حضروا فقد جرى انتخابهم ولم يكن هناك أي مبرر لعدم انتخابهم.. أما الأعضاء الجدد فهم كل من شاكر محمود وكاظم الصفار وكاظم فرهود وكاظم جواد وماجد عبد الرضا وإبراهيم الياس. ويُلاحظ بأن ثمة عدم دقة،بهذا القدر أوذاك، في جميع المصادر التي إطلعت عليها بصدد الذين انتخبوا في هذا الاجتماع ومنها كتاب بطاطو.
(4) راجع عزيز سباهي. مصدر سابق، ص 55.
(5) راجع عزيز سباهي. مصدر سابق، ص56. راجع كذلك بطاطو ص 270 ـ 273.
(6) راجع عزيز سباهي. مصدر سابق، ص 58 و 61.
(7) بطاطو. مصدر سابق، ص 379. راجع زكي وسعاد خيري. مصدر سابق، ص 474.


يتبع
 

¤ الحلقة التاسعة والعشرون

¤ الحلقة الثامنة والعشرون

¤ الحلقة السابعة والعشرون

¤ الحلقة السادسة والعشرون

¤ الحلقة الخامسة والعشرون

¤ الحلقة الرابعة والعشرون

¤ الحلقة الثالثة والعشرون

¤ الحلقة الثانية والعشرون

¤ الحلقة الحادية والعشرون

¤ الحلقة العشرون

¤ الحلقة التاسعة عشر

¤ الحلقة الثامنة عشر

¤ الحلقة السابعة عشر

¤ الحلقة السادسة عشر

¤ الحلقة الخامسة عشر

¤ الحلقة الرابعة عشر

¤ الحلقة الثالثة عشر

¤ الحلقة الثانية عشر

¤ الحلقة الحادية عشر

¤ الحلقة العاشرة

¤ الحلقة التاسعة

¤ الحلقة الثامنة

¤ الحلقة السابعة

¤ الحلقة السادسة

¤ الحلقة الخامسة

¤ الحلقة الرابعة

¤ الحلقة الثالثة

¤ الحلقة الثانية

¤ الحلقة الاولى

 


 

Counters