|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الأربعاء  22 / 4 / 2015                                 همام عبدالغني المراني                                   كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 



أيام لا تُنسى

نفق نگرة السلمان
(7) الأخير

همام عبدالغني المراني

بعد ان طلب وزير العمل والشؤون الأجتماعية , ممثلاً عن السجناء لبحث الوضع المتوتر , عقدت لجنة التنظيم اجتماعاً عاجلاً , وقررت الآتي :

1- الموافقة على اللقاء لإنهاء التوتر, بعد هذه المعمعة.
2- تحميل إدارة السجن, ومأمور السجن شخصياً , مسؤولية التوتر وما ترتب من جراء ذلك .
3- تقديم مجموعة مطالب, في مقدمتها, اطلاق سرح كافة السجناء السياسيين, وإلغاء سجن نگرة السلمان, ونقلنا الى سجون اخرى, ريثما يتم اطلاق سراحنا. واطلاق سراح المحتجزين ممن انهوا محكومياتهم على وجه السرعة , وكذلك الموقوفين ممن لم تصدر ضدهم أحكام بعد . اضافة الى مجموعة من المطالب اليومية , كزيادة مخصصات السجين السياسي , وتجهيزنا بالأدوات الرياضية والأدوية وبعض المستلزمات الطبية , وغيرها من الأحتياجات .
4- تقرر ان يكون الموقف حازماً ومتشدداً, بعد ان فشلوا في العثور على النفق.
5- تكليفي بالتفاوض, مع حضور المناضل صبحي عبد الله, باعتباره ممثلنا الدائم أمام الأدارة.

بعد ان أخذتُ مكان في غرفة مدير السجن , بدأت الحديث مستفسراً عن اسباب هذه الأجراءات والتوتر الذي احدثته في العلاقة بيننا وبين الأدارة , والتي كادت ان تسبب كارثة , لو ارتُكِبَ اي تصرف غير مسؤول من احد الطرفين ... وقبل ان يرد على تساؤلي , قال : انكم منذ ثلاثة أيام ترفضون فتح الأبواب وإجراء التعداد اليومي , وامتنعتم عن استلام ارزاقكم اليومية . قلت نعم , لأننا لا نعرف ما يبيت لنا في ضوء الأجراءات التي رأيناها , وتطويق السجن بالسيارات المسلحة , ولهذا قررنا ان ندافع عن انفسنا بكل الوسائل الممكنة والمتوفرة .... وأود ان اقول لك الآن , اننا اليوم لسنا في عام 1963 , أن وراءنا حزباً مسلحاً وشعباً متحفزاً , واذا ما قُدِرَ لكم اقتحام السجن , فلا خير في مَن يموت على فراشه ... كنت منفعلاً , وكان هادئاً , فأجابني : ليس هناك من يريد اقتحام السجن , أو الأعتداء عليكم , إلا ان المعلومات التي توفرت لدى ادارة السجن , تقول بأن هناك محاولة هروب من السجن .... هنا ضحكت قائلاً , هل هناك عاقل يفكر أو يتصور , أن هروباً يمكن حصوله من سجن السلمان ؟؟ كيف نهرب وأين نتجه ؟! فرد عليّ , ونحن نقول هذا ايضاً , ونخاف عليكم , فهي مجازفة خطيرة ... واضاف لماذا لم تسمحوا لمأمور السجن بالدخول لكي يتأكد من خطأ ظنونه ؟ . قلت مشيراً بيدي للمأمور , ان هذا الرجل سيئ , وحاقد وغير متعاون , وهو من ايتام الحرس القومي , ,, لو كان السيد المدير موجوداً لسمحنا له بالدخول بكل هدوء . قال : اذاً ستسمحون لنا بالدخول ؟ قلت , نعم , ولكن مع بعض الملاحظات . , تدخل انت , والسيد المدير والسيد مدير شرطة البادية , وبعض مرافقيكم غير المسلحين . واضفت , , أما المأمور , فلن يدخل , لأننا لا نضمن سلامته في الداخل , واضفت , ثم ان لدينا مطالب نريد تحقيقها . وكنت احمل ورقةً سجلنا بها مطالبنا التي اقرتها لجنة التنظيم , قدمتها له .... بعد ان قرأها قال : أن بعضها من صلاحيتي , وسأنفذها فور عودتي الى بغداد , أما المطالب التي من مسؤولية الجهات الأخرى , كإطلاق سراحكم , وإلغاء سجن السلمان , واطلاق سراح المحتجزين والموقوفين , فهي من صلاحيات الحكومة ووزارة الداخلية , فأعدكم بعرضها على تلك الجهات .

طلبت من المناضل صبحي ان يدخل لتبليغ لجنة التنظيم , بأن الوزير ومرافقيه سيدخلون للتفتيش . وفعلاً , دخلت المجموعة وبدون سلاح , وكانت لجنة التنظيم قد هيأت مجموعة من المناضلين , ليشكلوا نصف دائرة تحيط بالوفد عن بعد خلال تجواله . وقد ركزوا على المنطقة التي حددها المأمور , وفتحنا امامهم جميع الغرف , بما فيها غرفة العمل التي عالجناها , كما أسلفت , وتجولوا في انحاء مختلفة من السجن , فلم يلفت انتباههم أو يثير شكوكهم أي شيئ , وقد علق مدير السجن مخاطباً الوزير : اين هذا النفق الذي تحدث عنه هذا المجنون ؟ .... حين خرجت معهم بعد انتهاء مهمتهم , قلت موجهاً كلامي للوزير : لقد جاء الكثير من المسؤولين هنا , ووعدونا بالكثير , إلا انهم كذبوا علينا ولم يفوا بوعودهم , نأمل ان لا نضيف اسمك الى قائمة هؤلاء . تجاوزها الرجل بهدوء , قائلاً : ستصلكم الأشياء التي من صلاحيتي خلال الأيام القريبة القادمة .... وفعلاً وصلتنا الكثير من الأدوات الرياضية التي طلبناها .... كما أن موضوع نقلنا من نگرة السلمان , تحرك هو الآخر , بل وصلت سيارات الحمل ( اللوريات ) في احد الأيام , وحملنا حاجياتنا فيها , على أمل المغادرة صباح اليوم الثاني , إلا ان أمراً بتأجيل أو الغاء النقل وصل مساء ذلك اليوم , وتأجلت العملية , واعدنا اغراضنا الى الداخل , وبقينا هناك الى ما بعد 17 تموز 1968 , حيث نقلنا فعلاً , وهذا موضوع له جزء خاص في مسيرة الآلام هذه .

في صباح اليوم الثاني فتحنا الأبواب واستلمنا الأرزاق , وراح بعض الزملاء يطلقون على هذه المواجهة " حرب الأيام الثلاثة " , على غرار تسمية حرب الأيام الستة .

في ختام هذا الجزء , من موضوع " نفق نگرة السلمان " , أود ان اشير الى مسألة , ربما لا يعرفها الكثير من القُّراء , ممن لم يزوروا السجون .... ففي سجون تلك الفترة , كان هناك ثلاث فئات من المعتقلين السياسيين :
1- المناضلون المحتجزون, الذين انهوا محكومياتهم, ويتنظرون اطلاق سراحهم في اي وقت
2- الموقوفون الذين لم تصدر بحقهم أحكام ٌ بعد
3- السجناء الذين صدرت بحقهم احكام بالسجن, وهم يعدون الأيام والسنين , بانتظار نتائج النضال الباسل الذي يخوضه الشعب ضد الأنظمة الأستبدادية والفاسدة ...

كان مجموع نزلاء السجن في هذه الفترة قرابة 450 سجيناً ومحتجزاً وموقوفاً ... وكانت سياسة منظمة السجن هي مراعاة ظروف كل من هذه الفئات , في المواجهات مع الأدارة ... فبالنسبة للفئتين الأولى والثانية ( المحتجزين والموقوفين ), تعمل المنظمة على ابعاد عناصرها من المواجهات مع الأدارة أو الجهات الحكومية الأخرى , لكي نجنبهم الأحتكاك وإثارة دعاوى جديدة ضدهم , قد تعرقل اطلاق سراحهم . أما بالنسبة للفئة الثالثة , وهم السجناء , وذوي الأحكام الطويلة , فإن مسألة المواجهة والأحتكاك مع الأدارة , لن تضيف لهم جديداً ( لأن المبلل ما يخاف من المطر ) كما يقول المثل . فبالنسبة لي مثلاً , فإنني اعتُقلت يوم 6/6/1966 , ووصلت السلمان محملاً بعشر سنوات سجن , وأُضيف لها حكم ثانٍ أربع سنوات سجن وسنتان تحت المراقبة , كما ان لدي دعوى اخرى , حول تزوير الهويات , تجري محاكمتي عنها بعد انتهاء محكوميتي , اي ان اية مواجهة لن تضيف لي شيئاً جديداً في المدى القصير .... وهذا هو سبب تكليفي في اية مواجهة مع الأدارة , وليس لسبب آخر , فانا لم اكن افضل من بقية رفاقي المناضلين , أو أشجع , أو اكثر لباقة من اي منهم .
 

أيام لا تُنسى - نفق نگرة السلمان (6)
أيام لا تُنسى - نفق نگرة السلمان (5)
أيام لا تُنسى - نفق نگرة السلمان (4)
أيام لا تُنسى - نفق نگرة السلمان (3)
أيام لا تُنسى - نفق نگرة السلمان (2)
أيام لا تُنسى - نفق نگرة السلمان (1)


 

 

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter