|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الخميس  16 / 4 / 2015                                 همام عبدالغني المراني                                   كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 



أيام لا تُنسى

نفق نگرة السلمان
(3)

همام عبدالغني المراني

بعد الأنقسام في ايلول 1967 , كان كلا شقي الحزب , يعاني من مصاعب جمة . فقد انحازت غالبية القاعدة الحزبية وجماهيرها والكوادر الوسطية الى ق . م. , إلا انها كانت تعاني نقصاً كبيراً في الكوادر المتقدمة والقيادية , خصوصاً بعد وقوع عدد من الكوادر القيادية بأيدي اجهزة الأمن نتيجة التحركات غير المدروسة وانكشاف الكثير من الأسرار والبيوت الحزبية . فقد اعتُقل في الأشهر الأولى للإنقسام ثلاثة من اعضاء ق . م . هم كاظم الصفار والشهيد احمد الحلاق و بيتر يوسف , اضافة الى عدد من الكوادر الأدنى . أما اللجنة المركزية , فقد اصبحت قيادة دون قواعد , وهذا ما اضعف موقفها على جميع الأصعدة .... أما السجون السياسية وخصوصاً سجني نگرة السلمان والحلة , فقد كانت تضم اعداداً كبيرة من الكوادر المتقدمة , التي انحازت الى ق . م . , ولهذا كان الهدف الأساس للجنة تنظيم السجن هو كيفية مساعدة القيادة على تخطي هذه العقبة , وهذا يعني عملياً , التفكير بتحرير عدد من الكوادر المتقدمة الموجودة في سجن السلمان , وهي مهمة في غاية الصعوبة , فالسجن يقع في منخفض عميق , ولهذا سميَ ( نكَرة السلمان ) في اقصى جنوب البادية الجنوبية , تحيطه صحراء قاحلة من جميع الجهات , حيث تفصله عن مدينة السماوة , محافظة المثنى حالياً , قرابة 100 كم , وهي اقرب مدينة له , ولا يوجد طريق واضح بين السماوة وقضاء السلمان , ولهذا فسائقو السيارات , سواءً كانوا من شرطة البادية الذين ينقلون السجناء ذهاباً واياباً , أو من سكان القضاء , هم من اهل المنطقة ويعرفونها عن ظهر قلب كما يقال . هذا من الجانب الشرقي للقضاء , أما الجانب الغربي وهو صحراوي ايضاً , هناك ما يسمى بحر النجف , وهو منخفض صحراوي آخر , قيل انه كان بحراً في العصور الغابرة , ويمتد مئات الكيلومترات وصولاً الى مدينة النجف في الفرات الأوسط .

أما جنوب السلمان فهو امتداد البادية الجنوبية , حيث مئات الكيلومترات الى الحدود السعودية . ... من هنا فإن التفكير بالهروب من سجن السلمان هو ضرب من الخيال , ولم تجرِ, قبل ذلك , إلا محاولتان في هذا المجال , الأولى في خمسينات القرن الماضي , حيث تمكن المناضل الشهيد محمد حسين ابو العيس , من الهرب بمساعدة بعض البدو في الصحراء , وكان مبعداً في قضاء السلمان , وليس سجيناً داخل السجن , وقد نجحت المحاولة . أما الثانية وهي التي قام بها الملازم الأول الطيار الشهيد صلاح احمد , بعد انقلاب شباط الدموي 1963 , وقد فشلت هذه المحاولة , حيث عُثر على جثة الشهيد صلاح بعد ايام وقد مزقتها الذئاب , وكان الشهيد يعاني من مرض كلوي , فكان من الصعوبة عليه أن يجتاز الصحراء بمفرده في هذه الحالة .

في ضوء كل هذه المصاعب , بدأت لجنة التنظيم , التفكير بتحرير عدد من العناصر القيادية الموجودة في السجن , وشكلت لجنة خاصة مصغرة , كنت احد اعضائها , لوضع دراسة وتصوَر كامل للعملية , واختيار عدد من المناضلين ممن يتمتعون بصحة جيدة وباخلاص عالٍ لمثل هذه المهمة .

وسجن السلمان يتكون من قسمين , الأول هو السجن القديم , وكنا نسميه القلعة , وهو ذو قاعات صغيرة نسبياً , وينفصل عن السجن الجديد , لكنه ملاصق لجداره , وبين القسمين باب حديدية كبيرة نتحكم نحن بفتحها وإغلاقها . ومن خلال القلعة يجري الأتصال بادارة السجن واستقبال النزلاء الجدد .أما القسم الثاني , اي السجن الجديد , فهو بناء واسع يتكون من عشر قاعات كبيرة تتسع الواحدة منها لأكثر من مائة نزيل , وقد حُشر فيها خلال حكم البعث 1963 أكثر من مئتين وخمسين سجيناً للقاعة الواحدة , وتتوسط هذه القاعات ساحة كبيرة تقترب من ساحة لكرة القدم , وفعلاً كنا نستخدمها لهذا الغرض , ويحيطها سور عالِ يبلغ ارتفاعه قرابة 6-7 أمتار , وبنيت ضمن السور ربايا الحراسة التي تحيط يالسجن . وكانت هناك مساحات واسعة بين القاعات والسور , وفي هذه المساحات بنى السجناء الكثير من الغرف الصغيرة للخدمات , كالطبابة وورشة للنجارة واخرى للحدادة وأماكن الطبخ وحمامات وغرف خدمات الأخبار , حيث كنا نصدر يومياً نشرة اخبار من خلال الأنصات للأذاعات الأجنبية , وكان الصديق المناضل جاسم المطير مسؤولاً عن مجموعة الأخبار والنشرة الأخبارية اليومية . كما كنا نستخدم بعض هذه الغرف لإجتماعات لجنة التنظيم . وهناك مساحات لكرة الطائرة والسلة والمنضدة والعاب القوى , وكانت ممارسة هذه الهوايات تتوقف على نوع العلاقة بإدارة السجن , سلباً او ايجاباً .

ولهذا السجن الجديد بابان , الأولى تفتح على السجن القديم , القلعة , ومنها الى الأدارة كما أسلفت , والأخرى في الجانب المقابل من السور , تتحكم بها الأدارة لأنها تفضي الى خارج السجن , وكنا نستخدمها لإستلام الأرزاق اليومية , وكنت مسؤولاً عن هذه المهمة حتى انتقالنا من السجن الى سجن الرمادي بعد انقلاب 17 تموز 1968 .

عند وصولي الى السجن في أواخر حزيران 1966 , كان نزلاء السجن القديم ( القلعة ) من السجناء العاديين , حيث كانت الدولة ترسل السجناء الشرسين وعتاة المجرمين , الى سجن السلمان , تخلصاً من مشاكلهم , ولهذا كانت الباب الفاصلة بين القلعة والسجن الجديد , حيث كنا نعيش مغلقة من جانبنا , رغم اننا كنا نقيم أفضل العلاقات معهم , ونقدم لهم كل مساعدة ممكنة , كالعلاج في الطبابة أو الأحتياجات الأخرى , وكانوا يكنون لنا احتراماً وتقديراً كبيرين . وأذكر ان احتكاكاً واسعاً حصل بينهم وبين الأدارة وحراسها , وبدأ حرس السجن بإطلاق النار في الهواء , مما اضطر لجنة التنظيم للتدخل , فدخل عدد من اعضاء اللجنة وكنت بينهم الى القلعة للتفاوض مع الأدارة , وفعلاً أوقفت قوات الشرطة اطلاق النار حين شاهدونا ندخل القلعة . وبعد تهدئة الأمور , دخلنا بمفاوضات شاقة مع الأدارة , نجحنا في نهايتها بنقل كل السجناء العاديين من سجن السلمان , وكان هذا مطلبهم , وعندها فتحنا الباب بين قسمي السجن بصورة دائمة , حيث انتقل المناضل المرحوم العميد سليم الفخري ومجموعته الى القلعة .

كان السجن محاطاً بسورِ عالِ كما اسلفت , وخلف السور , كان هناك شارع بعرض عشرة امتار تقريباً , تمر منه سيارات الشرطة لتوزيع الحراسات , وكذلك السيارة الحوضية التي تزودنا بالماء , وكان ذلك يتم من خلال فتحات صغيرة في السور يدخل منها انبوب الماء " الهوز " , وقد كلف عدد من السجناء بمهمة ملئ الخزانات الخاصة بالماء والتي تبعد اكثر من سبعة امتار عن السور .

وخلف الشارع المحيط بالسور , كان هناك سياج من الأسلاك الشائكة على شكل هرمي يرتفع قرابة 4-5 امتار .
حين بدأنا برسم خطة العمل , كانت أمامنا الحقائق التالية :

1- الأبعاد التي تحدثت عنها اعلاه , ويجب ان يكون العمل من نقطة محددة داخل السجن , الى ما خلف سياج الأسلاك الشائكة .
2- طبيعة الأرض , حيث ان ارض السلمان كلسية صلبة .
3- توفير الأدوات التي نحتاج اليها , وبعضها غير متوفر لدينا .
4- العمق الذي ينبغي ان ننزل داخل الأرض , آخذين بنظر الأعتبار , ثقل السيارات التي تمر في الشارع , وخصوصاً السيارات الحوضية .
5- كيفية التخلص من الأتربة التي يخلفها العمل .
6- كيفية الأتصال بالتنظيم في الخارج لتوفير المساعدة .
7- العمل على ان لا يكشف نقص العدد بعد تنفيذ العملية , إلا بعد ثلاثة أو اربعة أيام , اي ان تعالج مسألة التعداد اليومي في السجن .
8- السرية داخل السجن , حيث ان هناك عناصر ضعيفة , وهناك عناصر ما زالت تحضر المحاكم في بغداد , وهي عرضة للأغراء والضغط .
9- اختيار العناصر التي ينبغي تحريرها , وتبليغها للتدريب على المشي .
10- اختيار العناصر المؤهلة للمشاركة في هذه العملية الكبيرة ...

وقد اخذنا في الأعتبار الآثار المعنوية والسياسية الكبيرة لنجاح مثل هذه العملية , بالأضافة الى آثارها التنظيمية .
 


 

أيام لا تُنسى - نفق نگرة السلمان (2)
أيام لا تُنسى - نفق نگرة السلمان (1)


 

 

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter