|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الخميس  16 / 4 / 2015                                 همام عبدالغني المراني                                   كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 



أيام لا تُنسى

نفق نگرة السلمان
(2)

همام عبدالغني المراني

كما هي العادة , عند حصول الأنقسامات في الأحزاب السرية , فإن الرابح الأول , هو النظام وأجهزته الأمنية , حيث تكون اسرار التنظيم مكشوفة في الشارع , وحركات الكادر الأنفعالية وغير المدروسة مكشوفة هي الأخرى , مما يجعل اجهزة الأمن تتصيدهم الواحد تلو الآخر . وهكذا بدأت الأنباء تتوارد عن اعتقال عناصر قيادية في تنظيم ق . م . , ووصل الى سجن السلمان , المناضل كاظم الصفار والمناضل الشهيد احمد الحلاق , والمرحوم بيتر يوسف , اعضاء القيادة المركزية , وعدد من الكوادر في المستويات الأدنى , بحيث اصبح في سجن نگَرة السلمان وحده , اكثر من ثلاثين معتقلاً , من مستوى لجنة محلية ومنطقية ومركزية , ناهيكم عن نزلاء السجون الأخرى , حيث كان المناضل آرا خاجادور , عضو اللجنة المركزية في سجن الرمادي , والمناضلون , حسين سلطان وصاحب الحميري وحسين ياسين ومظفر النواب وحافظ رسن وآخرون , في سجن الحلة .

كان من بين المآخذ الكبيرة على ل . م . قبل الأنقسام , هو رفضها عقد مؤتمرات , أو كونفرنسات حزبية , بحجة العمل السري والمصاعب والمخاطر التي تواجه ممارسة مثل هذه الفعاليات الموسعة , وهذا يعني في التطبيق العملي , تقرير سياسة الحزب على وفق اجتهادات القيادة الموجودة , والتي كانت غالباً ما ترسم وتقرر تلك السياسة في اجتماعات محدودة , وبعضها كان يعقد خارج العراق , كما يعني ان تقديم الكادر الحزبي الى المراكز القيادية , يجري وفق تقويم واجتهاد وارتياح القيادة المتنفذة .... وكانت اية ملاحظة نقدية لسياسة الأتحاد السوفييتي والحزب الشيوعي السوفييتي , وتأثيرهما السلبي على السياسة الداخلية للحزب تعتبر من كبائر الأخطاء التي يحاسب عليها اصحابها  ... وعليه فما ان حصل الأنقسام , وانحياز منظمة السجن للقيادة المركزية , حتى بدأ التفكير بعقد مؤتمر حزبي في السجن , خصوصاً وأن عدد الكادر المتقدم كان كبيراً نسبياً كما أسلفت , وان علاقتنا بالأدارة هادئة ...

وانعقد المؤتمر على مدى يومين كاملين , ناقش الوضع السياسي , في ضوء المعلومات المتوفرة لدينا , وأعلن تأييده المطلق لسياسة ق . م . والحركة المسلحة في الأهوار - منطقة الجبايش - التي قادها المناضل الشهيد خالد احمد زكي . كما ناقش المؤتمر الوضع داخل السجن والعلاقة بالإدارة , وفي نهاية المؤتمر تم انتخاب لجنة تنظيم السجن , وهي المرة الأولى في تاريخ السجون السياسية في العراق , حيث ان الأضطهاد كان يمنع ذلك , كما ان النهج العام في الحزب , في ذلك الوقت لا ينسجم مع مثل هذه الممارسة الديمقراطية .... كنت من بين من حازوا على ثقة المؤتمر , فأنتخبتُ لعضوية لجنة التنظيم , في حين فشل المناضل المرحوم عبد الوهاب طاهر في ذلك , وكانت مفاجأة , إذ ان عبد الوهاب كان مسؤول السجن لمدة تزيد على السبع سنوات , وكانت البيروقراطية التي تشوب علاقاته مع السجناء , وضعف مستواه الثقافي بوجه عام , سبباً في ذلك . وأذكر اني تصرفت تصرفاً عاطفياً مرفوضاً , بعد اعلان النتائج مباشرةً , حيث دفعت بورقة الى مسؤول الأجتماع , كاظم الصفار , أعلن فيها تنازلي عن عضوية لجنة التنظيم لصالح عبد الوهاب , إلا ان الأجتماع قابل اقتراحي هذا بالرفض والنقد الشديد , وأذكر ان احد المناضلين , هو المرحوم تركي هاشم , تناولني بنقدٍ قاسٍ وشديد , ولكنه مبدأي وصحيح , حيث قال " يا رفيق فلان , هل اعطيناك اصواتنا لتتبرع بها ؟ وأضاف , ان الرفيق عبد الوهاب موجود بيننا , ومرشح لعضوية لجنة التنظيم , ولو كان الأجتماع يريد انتخابه , لأنتخبه " ... تراجعت خجلاً من موقفي العاطفي . والسيد تركي , كما كنا نسميه , لأنه من عائلة دينية , كان معلماً شاباً , ابيض البشرة , ضعيف البنية , في منتصف العشرينات من عمره , يشكو من مرضٍ دائم في المعدة , مما انعكس على مزاجه , فاضحى حاداً بعض الشيئ , وكان حازماً في ما يعتقده مبدئياً , لا يجامل أحداً على ما يعتقده صحيحاً , كما كان بطلاً في التحقيق عند اعتقاله , ولهذا أُرسلَ الى سجن نگرة السلمان قبل اصدار الحكم عليه . امتهن التعليم وكان يجاهر بآرائه وافكاره  , مما تسبب في اعتقاله , وقد اختارته لجنة التنظيم في سجن الرمادي , بعد انتقالنا اليه , ممثلاً للسجناء أمام ادارة السجن , لصلابته واخلاصه ووضوحه .... وبعد اطلاق سراحنا بعد انقلاب 17 تموز 1968 , , عاد الى الفرات الأوسط , وتعرض لمضايقات شديدة من جانب السلطة البعثية الجديدة , التي حاولت خداع الشعب في ايامها الأولى بتغيير النهج البعثي الفاشي , فاشتد عليه مرض المعدة , مما تسبب بوفاته , له المجد والخلود .


 

أيام لا تُنسى - نفق نگرة السلمان (1)

 

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter