|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

السبت  18 / 4 / 2015                                 همام عبدالغني المراني                                   كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 



أيام لا تُنسى

نفق نگرة السلمان
(4)

همام عبدالغني المراني

شُكلت لجنة صغيرة , برئاسة المناضل المرحوم كاظم الصفار مسؤول لجنة التنظيم وعضويتي للتنفيذ , واخترنا عدداً من العناصر الشابة المعروفة (طبعاً كنا شباباً كلنا , لأن هذا الحديث قبل اكثر من 45 عاماً) بصلابتها وانضباطها , أذكر منهم , المناضل الكسان البير , وهو مهندس ارمني من سكنة كركوك , في اواسط العشرينات من العمر , وتحسين علي وهو مناضل تركماني من كركوك ايضاً وصلاح محمد علي وآخرين لا تحضرني اسماؤهم , وتقرر ان يكون العمل على مدار 24 ساعة يومياً , بمجموعات من ثلاثة عناصر لكل مجموعة , ولمدة ست ساعات لكل منها , واخترنا احدى الغرف الكبيرة لتكون موقع استراحتنا , واعفينا جميع المشاركين من مسؤولياتهم اليومية في ردهاتهم ....

بعد دراسة دقيقة , وقع اختيارنا على احدى الغرف الصغيرة لتكون موقع بدء العمل , وبالمناسبة فإن جميع هذه الغرف التي اتحدث عنها , بناها السجناء للإستفادة منها , كما أسلفت , وكانت تلك الغرفة الصغيرة التي وقع الأختيار عليها , تبعد مسافة اربعة عشر متراً عن سور السجن , وهكذا يكون طول النفق الذي فكرنا به , يزيد على الخمسين متراً , حيث , هناك 14 متراً في الداخل , يضاف اليها عرض سور السجن , وعرض الشارع البالغ حوالي عشرة امتار , واكثر من خمسة امتار قاعدة الأسلاك الشائكة خلف الشارع , اضافة الى ما لا يقل عن خمسة – عشرة امتار خلف الأسلاك الشائكة .

كانت تلك المعلومات محصورة تماماً بلجنة التنظيم ومجموعة التنفيذ , وهذه الأخيرة , باستثناء كاظم الصفار وكاتب هذه السطور , لا تعلم إلا ما تُكلف به تماماً .

في أواخر عام 1967 , وفي احد ايام السلمان الباردة , بدأنا العمل من غرفة البداية , حيث دخلنا صباحاً , كاظم الصفار وأنا ومجموعة العمل الأولى , ورسمنا دائرة بقطر متر أو تزيد قليلاً , في وسط الغرفة الطينية التي لا تزيد ابعادها عن
2,5
X 2,5 متراً، وكان يتحتم علينا ان ننزل بعمق مترين أو اكثر .

انتهى حفر البئر مع المساء , حيث واجهنا مشكلة صلابة الأرض , كمعضلة اساسية , والتخلص من الأتربة والأنقاض كمشكلة ثانية.

تركنا العمل في الليلة الأولى الى صباح اليوم الثاني , لأننا كنا بحاجة الى سلم خشبي صغير وقوي , للنزول في البئر والصعود منه , وبحاجة الى إنارة مناسبة , خصوصاً اذا بدأنا الحفر افقياً , اي تحت الأرض , إضافة الى عدد من الأكياس لحمل الأتربة الى خارج الغرفة , يضاف الى ذلك بعض ادوات الحفر المناسبة . استعنا بورشة الحدادة , التي كان مسؤولها المناضل عبد الخالق طاهر شقيق المرحوم عبد الوهاب طاهر , وكان مناضلاً رائعاً , خفيف الدم , سريع البديهة , لاذع التعليق والنكتة .

وقد اعاننا بعمله وافكاره , فعمل لنا سلماً من الحديد بدلاً من الخشب , لأنه أقوى من جهة , ولكي لا تتسع دائرة المطلعين من خارج المجموعة من جهة أخرى . وكان لديه مثقب كهربائي " دريل " , إلا ان المثاقب " البراين " التي لديه كانت صغيرة , لا تصلح لعملنا , فعمل لنا مثاقب "حديدية " من بعض قطع " شيش البناء المتوفرة لديه , وهي طويلة وقوية , كما جهزنا بسيار كهربائي .

في صباح اليوم الثاني , بدأنا بالحفر الأفقي , وتزايدت الأتربة , وانتظرنا الى المساء لنبدأ بإخراجها الى ساحة الطفر العريض , الموجودة بالقرب من غرفة العمل , حيث كان ذلك في حساباتنا . كانت ايام العمل الأولى سهلة وجيدة النتائج . كان يجب ان نتخلص من الأتربة التي تجمعت في ساحة الطفر العريض , قبل ان تلفت نظر حراس السجن أو الأدارة , وتوصلنا سريعاً لحل عملي , حيث تقرر ان نبني مقاعد حجرية " مسطبات " تحيط بساحة كرة القدم لجلوس المتفرجين اثناء المباريات التي نجريها في اوقات متقاربة .

فاخترنا مجموعتين من السجناء , كل مجموعة من اربعة افراد , الأولى تقوم بعمل الطابوق الطيني " اللبن " , حيث لدينا قوالب خشبية من الأعمال السابقة , وكان هذا العمل لا يلفت نظر الأدارة أو الحراس أو حتى بقية السجناء , لأنهم اعتادوا على مثل هذا العمل من جانب السجناء . أما المجموعة الثانية فهم البناءون , فبعد يومين او ثلاثة بدأ بناء المقاعد , الذي لاقى استحسان الجميع . وهكذا كنا نملأ ساحة الطفر العريض ليلاً , ويفرغها البناءون نهاراً .

بعد عشرة ايام من بدء العمل بدأت الصعوبات تعترض طريقنا , فقد قطعنا خلالها قرابة سبعة امتار , وبدأنا نعاني من صعوبة التنفس , اذ لا يمكننا عمل فتحة اخرى , لكي يجري تيار الهواء بين فتحتين , مما تسبب بتقصير فترة البقاء في الداخل , وبدأت بعض الصخور تعترض طريقنا , وكنا نواجه صعوبة في تخطيها , خصوصاً الكبيرة منها , واخيراً اعترضت طريقنا منطقة صخرية اكبر من فتحة النفق , ولا ندري مدى امتدادها طولاً , مما اضطرنا لأيقاف العمل موقتاً ريثما نجد حلاً لذلك .

كان الحل هو الحصول على آلة صغيرة اشبه بالفأس برأسين احدهما عريض والآخر مدبب , تسمى " نقار الصخر " وهي اداة يستخدمها الأكراد لتكسير الصخور في كردستان , وهي ليست معروفة لأبناء الوسط والجنوب . وكان علينا ان نطلبها من الشمال , من خلال السجناء الذين يذهبون الى بغداد للمحاكم , فيلتقون هناك بزملائهم القادمين من الشمال لنفس الغرض , وكان هذا يستغرق وقتاً طويلاً , وهذا يعني توقف العمل .

في هذه الفترة اعتُقل المناضل الشهيد احمد محمود الحلاق عضو ق . م . ووصل الى سجن السلمان , بعده بأيام اعتقل المرحوم بيتر يوسف ووصل الى السلمان ايضاً . ومعروف ان المرحوم بيتر يوسف ضخم الجثة , مما اضطرنا لتوسيع النفق وفتحة البئر على قياسه , وقد استثمرنا فترة التوقف لهذا الغرض , واذكر انه علق على العمل بعد توسيعه والكهرباء التي نستعملها , قائلاً , هذا مترو وليس نفق للهروب .

كما بدأنا بتنفيذ فكرة رفض التعداد اليومي للسجناء , وكان ممثلنا أمام الأدارة , المناضل الباسل صبحي عبد الله , رائعاً في التعامل مع الموضوع , فافتعل موضوعاً بسيطاً ورفض فتح الباب في صباح احد الأيام , لإجراء التعداد اليومي المعتاد , ورفضنا دخول الحراس لمدة يومين , لجأت الأدارة لتشديد الحراسة من الخارج , بعدها هدأنا الأجواء وفتحنا الأبواب , دخل الحراس ليجدوا ان عدد السجناء كاملاً . ورحنا نكرر هذه العملية بين فترة واخرى , وفي كل مرة نزيد عدد ايام الأمتناع عن التعداد اليومي , حتى وصل في آخر مرة امتنعنا فيها عن التعداد سبعة عشر يوماً , دخل بعدها الحراس ليجدوا ان العدد كامل , مما جعلهم مطمئنين تماماً أن مثل هذه الممارسة لا علاقة لها بأية محاولة للهروب .

 

أيام لا تُنسى - نفق نگرة السلمان (3)
أيام لا تُنسى - نفق نگرة السلمان (2)
أيام لا تُنسى - نفق نگرة السلمان (1)


 

 

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter