|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الأربعاء  22 / 4 / 2015                                 همام عبدالغني المراني                                   كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 



أيام لا تُنسى

نفق نگرة السلمان
(6)

همام عبدالغني المراني

بعد ان استطلعنا الوضع , أنا والمناضل ناقد الحكيم , بحجة تنظيف المجاري , أطلعت المناضل كاظم الصفار , والرفاق في لجنة التنظيم , على نتائج استطلاعنا , وحددنا الأبعاد التقديرية للعمل , كما أبلغتهم , بأنني سمعت صوتاً خافتاً للعمل , وتقرر ان ننبه مجموعات العمل بتوخي أشد الحذر والعمل بهدوء ودقة , بيد ان المشكلة التي كانت تواجهنا منذ بدء العمل, هي صلابة الأرض , التي كانت تسبب لنا بذل المزيد من الجهد والتعب ، من جهة , وكونها تنقل صوت العمل , اكثر من الأرض الرخوة , التي يموت الصوت في رخاوتها من جهة أخرى . يضاف الى ذلك , اننا كنا نستعجل انجاز العملية , توقاً للحرية والعمل الفعال خارج السجون , وتحاشياً لانكشاف الموضوع , بعد اتساع معرفة غالبية النزلاء , بأن هناك محاولة هروب , بغض النظر عن معرفة التفاصيل .... شددنا على موضوع الحذر والهدوء في العمل , وهدأنا موضوع ممارسة المشي التي كنا نمارسها .

في هذه الفترة نفذ رفاقنا الأبطال في سجن الحلة عملية هروب ناجحة , وتحرر عدد من المناضلين البواسل, والتي كتب عنها الصديق المناضل جاسم المطير . ان عملية سجن الحلة الناجحة , والتي الهبت حماسنا ورفعت معنوياتنا كثيراً , كانت توجب علينا المزيد من الحذر والحيطة , بل كان يجب ان نوقف العمل لفترة , ريثما نعرف رد فعل السلطات الحكومية , وإدارة السجن على وجه التحديد , وما هي الأجراءات التي ستلجأ اليها , حيث ستكون باعلى درجات اليقظة والأنتباه .... تواصل عملنا بمزيد من الحماس والأندفاع , وحققنا تقدماً جيداً بحيث أوشكنا ان نصل الى الجانب المقابل من الشارع المحيط بسور السجن , ولم يبقَ أمامنا سوى بضعة امتار للوصول الى الأسلاك الشائكة , والتي قدرنا عرض قاعدتها بخمسة امتار .

وضع ادارة السجن :
تتكون ادارة السجن من :
1- مدير السجن , وهو ضابط شرطة برتبة رائد , وكان متعاون مع منظمة السجن . فحين وصلت الى السجن في أواخر حزيران 1966 , وجدتُ ان المنظمة , ومن خلال ممثلها , المناضل الباسل صبحي عبد الله , قد رتبت الأمور بشكلٍ ما , ولا ادري , إن كان يتعاطف فكرياً معنا , أم أن هناك ترتيبات أخرى , وفي الغالب ان الأحتمال الثاني هو الأقرب للواقع . لم أسأل عن ذلك , ولم تطرح هذه المسألة يوماً في اجتماعات لجنة التنظيم ... وقد حدث يوماً ان عٌثِرَ اثناء التفتيش على بريد حزبي , كنا قد ارسلناه مع احد السجناء الذاهبين الى بغداد للمحاكمة , وكان يتضمن مقترحات مهمة لقيادة الحزب , وقد اعاده الينا , دون اتخاذ اي اجراء بحق السجين , أو ازاء المنظمة وممثلنا أمام الأدارة .

2- مأمور السجن , وهو مفوض شرطة , بثلاث نجوم في ياقة القميص , وقد وجدتُ ان العلاقة معه سيئة جداً , لأنه كان يسيئ معاملة السجناء في فترة حكم البعث , وبقي على عدائه منهم بعد سقوط حكم البعث , كما كان يتعامل بخشونة أشد مع السجناء العاديين , يوم كانوا في سجن نگرة السلمان قبل نقلهم كما ذكرت سابقاً .

3- أما بقية السجانين , فكانوا جميعاً من أهل المنطقة , وكانوا يكنون لنا الكثير من الأحترام والتقدير , ولم يصدر منهم ما يسيئ الينا , وكنا نقدم لهم المساعدة الطبية من فحص وادوية حين يحتاجونها . وكما ذكرت في احدى الحلقات السابقة , أنهم أوقفوا اطلاق النار في الهواء , حين حصل احتكاك بينهم وبين السجناء العاديين , لمجرد انهم رأونا نفتح الباب الفاصل بين السجنين القديم والجديد وندخل القلعة . ومن جانبنا كنا نتعامل معهم بمودة واحترام , لأننا نناضل ضد نظام وليس ضد افراد بسطاء . وطوال سنتين واربعة اشهر , وهي المدة التي قضيتها في سجن السلمان , لم يحصل بيننا وبينهم اي احتكاك أو توتر . وكان بريدنا يصل بانتظام , باستثناء فترة فيضان الفرات عام 1967 , حيث انقطع البريد والسفر للمحاكم ثلاثة أشهر متواصلة . وقد طلبنا يوماً مؤلفات لينين الكاملة , طبعة موسكو , من مكتبة بغداد , فوصلتنا بالبريد دون اي اعتراض من ادارة السجن .

حرب الأيام الثلاث :
في فجر يوم جمعة , لا اذكر تاريخها بالضبط , غادرت موقع العمل لأخذ قسطٍ من الراحة , حتى يحين موعد استلام الأرزاق , التي كنت مسؤولاً عنها كما ذكرتُ سابقاً , ايقظني المناضل الكسان البير , ليبلغني , ان سيارة شرطة مسلحة , تقف قبالة العمل , خلف الأسلاك الشائكة , وهذا لم يحصل من قبل . نهضت مسرعاً لأستطلع الوضع من خلال الفتحة الصغيرة في سور السجن والتي تستعمل لملئ خزانات الماء القريبة من السور , فوجدت السيارة المسلحة , وقد نصبت عليها رشاشة ثقيلة , مصوبة باتجاه موقع العمل , ,,طلبت من المجموعة العاملة في تلك الساعة ايقاف العمل , وايقظت المناضل كاظم الصفار وبقية اعضاء لجنة التنظيم , لتقرير ما نراه مناسباً , ولاحظنا ان حركة مكثفة لحراس السجن في الخارج وفي نقاط الحراسة المبنية في اعلى سور السجن ... طلبنا من المناضل صبحي , بحكم علاقته بالحرس باعتباره ممثلنا أمام الأدارة , ان يستطلع الأمر بهدوء , فعاد الينا بعد قليل ليبلغنا , ان المأمور ومجموعة من الحراس يريدون الدخول , وحين استفسر عن المدير قيل له ان المدير في بغداد , وسيعود صباح السبت ... أبلغناه بعدم فتح الباب , او السماح لهم بالدخول , كما قررنا ان لا نفتح الباب الخلفية ولن نستلم الأرزاق , ورفضنا التعداد اليومي ... كان لدينا خزين مناسب من المواد الغذائية , باستثناء اللحوم , يمكن الأعتماد عليها لعدة أيام . حين فشلت محاولتهم بالدخول , أحضر المأمور مجموعة من الحراس يحملون المعاول ( القزمات ) وراحوا يحفرون خارج السور , ففهمنا أنهم أحسوا , او استمعوا لصوت العمل , وعندها قررت لجنة التنظيم طمر الجزء الخارجي من النفق , لكي لا نعطيهم حجة للهجوم على مكاسب السجن . وبدأنا عملية الطمر بما تيسر لدينا من الأتربة والصخور , وكنا نعمل تحت ضربات فؤوسهم التي كانت فوق رؤوسنا , ولا ندري متى تنزل الفأس داخل النفق لتجرح او تقتل أياً منا , إلا ان عمق العمل حال دون وصولهم الينا . بعد ساعات من العمل الفاشل , طلب المأمور السيارة الحوضية وأفرغوا ماءها في الشارع عسى ان يتسرب الماء الى ما خمنوا انه نفق ويوصلهم اليه , وفشلت هذه المحاولة ايضاً , إذ ان صلابة الأرض وعمق العمل , حالت دون ذلك . وفي المساء أوقفوا العمل , ومن جانبنا اكملنا ردم الجزء الخارجي من النفق , وردمنا البئر الرئيس في غرفة البداية , وكان لدينا سمنت ورمل , بقايا من عمل سابق , فعالجنا ارضية الغرفة . كما عمدت الأدارة لتشديد الحراسة والدوريات , وفتحت اضواء مجموعة من السيارات حول السجن .
 

أيام لا تُنسى - نفق نگرة السلمان (5)
أيام لا تُنسى - نفق نگرة السلمان (4)
أيام لا تُنسى - نفق نگرة السلمان (3)
أيام لا تُنسى - نفق نگرة السلمان (2)
أيام لا تُنسى - نفق نگرة السلمان (1)


 

 

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter