| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. ناجي نهر

 

 

 

الثلاثاء 9/3/ 2010



لماذا تخلف العربان ؟
(7)

د. ناجي نهر

ولقد أكدت غالبية المصادر الرصينة التي سأشير الى بعضها فى هوامش الجزء الأخير من هذا المقال ان ركائز الأديان ومصدرافكارها نابع من الأسطورة : [انظر القسم الخامس من المقال] بالأضافة الى الدلالات الأخرى التي يمكن للمتلقي المتفتح الوعي من أستنتاجها بنفسه من مقارنة نصوص الآيات ومضامينها فى الكتب الدينية المتداولة مع مفردات وصياغة الأساطير كأسطورة آلهة اليونان في جبل اوليمبيا في الالياذة وأسطورة آلهة الرومان في تصور ان الالهة هي الكواكب وأسطورة التوراة وعصاة موسى وملحمة كلكامش التي تعد أوّل واقدم ملحمة سومرية في تاريخ الأدب العالمي وأقدم من الأوذيسة والإلياذة بألف سنة تقريبآ وقد كتبت بخط مسماري على 11 لوحا طينيا واكتشفت لأول مرة عام1853 / م. ولقد تعددت الأديان على وفق تعدد صورالأساطير ومضامينها حيث كانت (الأديان) فى العهود الغابرة تغطي كامل ثقافة المجتمع شأنها شأن مصدرها (الأسطورة) التي كانت لوحدها الوعاء الوحيد لمختلف العلوم وانائها قبل ان تتجمع فيما بعد بعلم (الفلسفة) الذي احتضنت العلوم كافة بموسوعة جديدة سميت (علم العلوم) . وفيما سرى قانون اعتماد الأسطورة كمصدر اساسي للأديان فقد سرى ذلك على كافة العلوم الأخرى واصبحت الأسطورة مصدرآ لألهام الشعراء والفلاسفة والمؤرخين والفنانين والسياسين والمصلحن الدينين واصحاب المعلقات العشرة فى الجاهلية وشعراء غيرهم من الذين كانوا يستلهمون من وحي(الأسطورة) وقود ونتاج وعيهم وتألقهم آنذاك ،حتى عصر النهضة وبوادرالتراكم الكمي لتجمع وعي جديد ينتج عنه ولادة تغيير جديد نتيجة لتطور جديد للعمل الصناعي الجديد وتغير العلاقات الأنتاجية من علاقات زراعية الى علاقات صناعية ومواصلة سعي الأنسان من اجل ايجاد طفرة نوعية للتحول الصناعي المستهدف الذي عم اثره الثقافي مجتمعات العالم فى اواسط القرن الثامن عشر حيث استطاع بعض المفكرون العلمانيون الماديون من انزال (الفلسفة) واساطيرها وبدعها الخيالية الميتافيزيقية الى الأرض فتوقف بالتدريج اثر الأسطورة الواضح والمهيمن فى مختلف نواحي الحياة واخذ هذا التطور يقترب رويدآ رويدآ نحو العلم الموضوعي بمقتضى التدرج النسبي لتطور وعي الناس وتطور حضارات الشعوب عبر التاريخ. ويتضح من مجرى التاريخ اختلاف الباحثين في تعريف الأسطورة كشكل من أشكال التعبير يجمع بين الفكر والخيال والوجدان وأداته ، فبحسب الباحث الفرنسي (كلود ليفي ستراوس) ان الاسطورة : حكاية تقليدية تلعب فيها الكائنات الماورائية أدوارها الرئيسية وفي الموسوعة العربية العالمية نجد أن الاسطورة بحسب (بول ر يكو)عبارة عن حكاية تقليدية تروي أحداثاً خارقة للعادة و يعرفها الفيلسوف الفرنسي (جيلبار دوران) بأنها نظام لوقائع رمزية في مجرى الزمان ،أما (مرسيا إلياد) فيقول بأنها قصة مقدسة تروي حدثاً وقع في بداية الزمان و يرى بعض الكتاب أن الأسطورة حكاية مقدسة ذات مضمون عميق يعبرعن معاني ذات صلة بالكون والوجود وحياة الإنسان ويرى الناقد السوري (خلدون شمعة) أن الاسطورة : قصة متداولة خرافية تتعلق بكائن خارق أو حادثة غير عادية ، ويرى مؤلفي كتاب (نظرية الأدب: رينيه ويليك) و (أوستن وارين ) أن الاسطورة : حكاية مجهولة المؤلف تتحدث عن الأصل والعلة والقدر فيفسر بها المجتمع ظواهر الكون والإنسان تفسيراً لا يخلو من نزعة تربوية تعليمية ، ويرى الدكتور (قيس) مؤلف كتاب ( الأساطير وعلم الأجناس) أن الاسطورة تمثل تاريخاً قبلياً ، تتوارثه الأجيال المتعاقبة عن طريق التلقين ويصف الدكتور (عبد الرضا علي) الاسطورة بأنها الوعاء الاشمل الذي فسر فيه البدائي وجوده وعلل فيه نظرته الى الكون محدداً علاقته بالطبيعة من خلال علاقته بالآلهة التي اعتبرها القوة المسيرة والمنظمة والمسيطرة على جميع الظواهر الطبيعية بما فى ذلك تعاقب الفصول والليل والنهار والخصب والجفاف مازجاً فيها السحري بالديني وصولاً الى تطمين نفسه ووضع حد لقلقه و أسئلته الكثيرة . وبذلك عدت الاسطورة أسلوب لشرح معنى الحياة والوجود صيغ بمنطق عاطفي كاد يخلو من المسببات وإمتزج فيها الدين بالتاريخ ، والعلم بالخيال ، والحلم بالواقع . وفي قاموس اللاروس ، وردت الاسطورة كخبر تاريخي أو حكاية تاريخية بالغت فيها المخيلة الشعبية أو الابتكار الشعري . وترى الأساطير بحسب هوميروس أن الآلهة كانت في أصلها طائفة من الملوك بلغوا من القوة والتأثير شأواً عظيماً جعل الناس يتجاوزون بهم عالم الواقع إلى عالم الخوارق والتأليه . ومنذ أواخر القرن الرابع ق.م دخل الأنسان طورالحضارة البدائية فى وادي الرافدين ووادي النيل فظهرت المدن وأنظمة الحكم والكتابة والتدوين والقوانين المنظمة للحياة فتحولت الاسطورة الى نظرة الإنسان الفلسفية والجمالية لحياته الاجتماعية التي يعيش واقعها، بمعنى آخر ، أصبحت الاسطورة حاجة روحية لا غنى للانسان عنها ، ففيها تظهر انفعالاته الشعورية واللاشعورية وتأملاته في المستقبل أو ما ينبغي أن تكون عليه الحياة الأفضل من آمال وتوق أبدي الى الجديد . وبحسب هوميروس ساد الأعتقاد بأسطورة التكوين و عملية خلق الكون فظهرت الاسطورة الرمزية : وهي اختلاق رموزاً تتطلب التفسير بعدها ظهرت أسطورة البطل الإله وهي التي يتميز فيها البطل بأنه مزيج من الإنسان والإله (ألبطل المؤله) ألذي يحاول بما لديه من صفات إلهية أن يصل الى مصاف الإلهة ولكن صفاته الإنسانية دائماً تشده الى العالم الأرضي . وعدت الأسطورة بهذا المعنى كعلم لتفسير الظواهر الطبيعية والاجتماعية؛ أما الحكايات الشعبية، وقصص الملامح فهي تتناول حقلاً محدوداً من اهتمامات الإنسان الفلسفية والاجتماعية التي تمثل مشكلاته وطموحاته المختلفة . ويبيّن العلم و بشكل نهائي زيف التفكير الأسطوري باعتباره وهماً لا يمكن إثباته.وارتكاسات مرضية يختزنها الوعي الجمعي، و يتوجب معالجتها والشفاء منها: عقدة أوديب... ميديا... جلجامش... تموز وعشتار... هاملت... و غيرها... من نتاج مجتمعات بدائية أو مستبدة عزّز استمرارَ وجودها في الذاكرة شعور الإنسان بالإثم من تاريخه المتوحش و رغبته الدائمة بالتطهّر. اما ما أجمع عليه الدارسون لعلم الأساطير (المثالوجيا) من اثر على الطابع الاعتقادي والإيماني للأسطورة مع ما يحمله ذلك من قداسة وتأليه فكان بحسب ما تقوله أديث هاملتون الاختصاصية في الأساطير الإغريقية إن الأسطورة ماهي إلا تعليل لإحدى الظواهر الطبيعية مثل كيفية خلق هذا الشيء أو ذاك في الكون كالناس والحيوانات والأشجار والشمس والقمر والنجوم والزوابع وباختصار كل ماله وجود وكل ما يقع في هذا الكون الفسيح من محسوسات ، فالأساطير بنظرها ماهي إلا علم قديم وهي نتاج محاولات الإنسان الأول لتعليل وتفسير كل ما يقع تحت بصره وحسه والأسطورة بهذا المعنى تكتسب قداستها من كون أبطالها آلهة وشبه آلهة ومن قوة الاعتقاد بهذه الآلهة وبأفعالها وأقوالها وإن كانت قد توارت من الذهن الجمعي للناس بعد ظهور الأديان السماوية الثلاث والفلسفات الوضعية الحديثة وتطور العلوم الإنسانية والطبيعية إلا أنه لازال لبعض الاعتقادات والعادات والطقوس الأسطورية سطوتها على أذهان البعض ومن هنا تتبدّى تقليدية الأسطورة بانتقالها من جيل إلى جيل بالرواية الشفهية مما يجعلها معبرة عن ذاكرة الجماعة التي تحفظ قيمتها وعاداتها وطقوسها وحكمتها وتنقلها للأجيال المتعاقبة وتكسبها القوة المسيطرة على النفوس . # - الفرق بين الحكاية الشعبية والحكاية الخرافية والأسطورة:- الحكاية الشعبية هي مرويّة شعبية يسجلها الخيال الشعبي , وتتداولها الناس جيلا بعد جيل مضيفين لها ومحورين فيها وهي كما تعرفها المعاجم الألمانية (الخبر) الذي يتصل بحدث قديم ينتقل عن طريق الرواية الشفوية من جيل لأخر أو كما تصفها المعاجم الإنجليزية حكاية يصدقها الشعب بوصفها حقيقة وتتطور مع العصور وتتداولها الشفاه جيلآ بعد جيل كما أنها قد تختص بالحوادث التاريخية أوالأبطال الذين يصنعون التاريخ . ولكن الحكاية الشعبية لا تحمل طابع القداسة وتقف في موضوعاتها عند حدود الحياة اليومية والأمور الدنيوية العادية . اما الخرافة فهي كالحكاية الشعبية لا تحمل الأخرى طابع القداسة بل هي بطولات ملأى بالمبالغات والخوارق إلاّ أن أبطالها الرئيسيين هم من البشر أو الجن ولا دور للآلهة فيها . وفي مختلف الخرافات يتجلى بوضوح المنزع الأخلاقي ويتحدد الصراع بين الخير والشر وبين الملاك والشيطان أوالجان والعفاريت والإنسان الساحر والساحرة الشريرة والفتاة الجميلة والفارس والوحوش وتكون الغلبة فيها دائما لصالح الخير وعادة ما تكون النهاية سعيدة . ولذا كانت الحكايات الشعبية تعكس حاجات الإنسان النفسية والانفعالية للتعويض عن إحساسه بالقهر والضعف أمام الطبيعة والسلطة أي كان نوعها كما أنها تعكس التوق والحلم للتسيد والمنافع الذاتية ولذلك كان يستعان بالحكايات الخرافية وتحديدا بالجن والعفاريت والغيلان والحيوانات المفترسة ، وأحيانا بقوى الطبيعة نفسها كالسيول الجارفة والبراكين والزلازل إلى جانب بعدها الترويحي والترفيهي ، وقد أهتم علماء القرن التاسع عشر ومفكروه بدراسة أصول وطبيعة الأساطير خصوصاً علماء الانثروبولوجيا منهم إذ اعتقدوا بأن الأساطير هي جزء لا يتجزء من النظام الاجتماعي الكبير ولا يمكن عزل الأساطير فى تلك العصور عن المجتمع لكونها عبارات تصف الحقيقة والواقع حينذاك وتعكس المعتقدات وتربط الكلام بالحدث، ومع هذا فلا يمكن تصديق ما تدعيه الأساطير من قصص وحكايات ومعتقدات تتناقض مع الجانب العلمي والمنطقي للعقل السليم ،فقد هاجم ليفي ستراوس التفسيرات البسيطة للأساطير التي قام بها علماء الاجتماع وعلماء النفس ووجه اهتمامه باستنتاج التركيب المنطقي الذي ينظم الجانب القصصي للأسطورة كما يفعل اللغوي عندما يرتب الكلمات بنموذج نحوي رفيع يعكس للقارئ معنى ما يقرؤه من عبارات لغوية لها قواعد ومعانٍ أصيلة. وقام ليفي ستراوس بمقارنة أساطير كثيرة مشتقة من مجتمعات مختلفة، إلا أنه وجد ان جميعها متشابهة من ناحية الفحوى والمعنى . اما الاسطورة في عصر النهضة فقد انتجها العقل التجريبي كما انتجها الانسان المتحرر تواً من قبضة الكنيسة واوهامها ليترك لعقله فرصة الراحة والأبتعاد عن ان يتغذى من ذلك الوجدان الوهمي . # - نماذج للأسطورة للمقارنة مع مضامين الكتب الدينية المتداولة : - لقد خلط الجاهليون معنى الدهر بالقضاء والقدر وتطورت هذه العقيدة حتى خضعوا لسلطان ( (مناة وعوض) ، وهي أصنام تعني (الدهر) ، فصار الدهر إلهآ من آلهة العرب ، وكانت غاية العرب تعني الأهتمام بمعرفة الخلود ، وفي الأساطير العربية أن الملك ذو القرنين طمح إلى الخلود ، ووصل مع الخضر إلى عين االدهر ، ليشرب منها الماء الذي يعطيه حياة أبدية ، لكنه منع من ذلك ، وطمح لقمان بن عاد إلى الخلود ، وارتبط خلوده ببقاء سبعة نسور على قيد الحياة آخر نسر اسمه ( لبد) ويعني الدهر ، لكن النسور ماتت واحدا تلو الآخر حتى جاء دور لبد الذي مات وانتهت حياة لقمان بموته . كان خيال الجاهليين قادرا على توليد الأسطورة والخرافة بشكل تصوري ، فقد تصوروا الأشياء ، واسترجعوا التجارب وركبوا صورهم الشعرية المادية المحسوسة ، وكان تصورهم السمعي يظهر في الأساطير وفكرتهم عن الأشياء الروحية تأخذ تصورا ماديا ، فقد تصوروا الروح في شكل الهامة ، والعمر الطويل في شكل النسر ، والشجاعة في شكل الأسد ، والأمانة في الكلب ، والصبر في الحمار ، والمكر والدهاء في الثعلب الخ . كماعرفت بعض مظاهر الطوطمية عند عرب الجاهلية وهي تقديس الحيوان ويكون هو الطوطم وهناك قبائل تسمت بأسماء الحيوان ، مثل بني كلب ، وبني نعامة ظنآ منهم بأن الحيوان يحميهم كما يحمي الطوطم أهله ، وكانوا يكفنون الحيوان ويدفنونه مثل الإنسان ، ويحزنون عليه ، وتفاءلوا بالطير ، ونباح الكلاب على مجيء الضيوف ، وتشاءموا من الثور مكسور القرن ، والغراب ، فقيل : " أشأم من غراب البين " ، وعبدوا الشاة ، وغيرها من الحيوانات ، ولم يكن هناك حيوان مخصص لقبيلة بعينها . كما ظهرت الفكرة الطوطمية في تصور الجن ، وبحسب قول المسعودي في " مروج الذهب " فأن خيال الجاهليين الصحراوي جرهم الى الأعتقاد بأنهم خلقوا من بيضة النسر ، وأنهم من نسل الحيوان ، وكذلك الغيلان والسعالى والهوام ، ، وتطورت فكرة الجن بحيث تحولت السعلاة إلى صورة امرأة رجلاها مثل رجلي الحمار أو العنزة . وانتسبوا إلى نسل الجن ، فتصوروا إن بلقيس ملكة سبأ وذي القرنين من أولاد الجن ، وكان الجن يمثل بالنسبة لهم قوة الشر التي يقاومها شجعان القبيلة مثل (تأبط شرا) ، ولم تكن الجن طوطما ولا أبا للعرب لاكنهم كانوا يخافون منها . وفي الأساطير العربية القديمة يمسخ الإنسان حجرا أو شجرا أو حيوانا ، جاء في ( عجائب المخلوقات) للقزويني أن (الصفا والمروة) كانتا رجلا وامرأة ثم مسخا صخرتين ، ففي (حياة الحيوان) للدميري ورد أن( أساف ونائلة) كانا رجلا وامرأة فصارا صنمين ، وجاء في ( أخبار مكة) للأزرقي أن العربي لم يأكل (الضب) لأنه كان يظنه شخصا إسرائيليا قد مسخ ، وقال المقريزي في ( أخبار وادي حضرموت العجيبة) إنه كان بوادي حضرموت على مسيرة يومين من نجد قوم يقال لهم الصيعر يسكنون القفر في أودية ، وكانت فرقة منهم تنقلب ذئابا ضارية أيام القحط ، وإذا أراد أحدهم أن يخرج إلى هيئة إنسان تمرغ بالأرض فيرجع إنسانا سويا . وقد اختلف العرب في رؤيتهم للمسخ ، بعضهم زعم أن المسخ لا يتناسل ، ولا يبقى ، وبعضهم زعم إنه يبقى ويتناسل ، حتى جعلوا الضب والأرانب والكلاب من أولاد تلك الأمم التي مسخت في تلك الصور الأثرية كما جاء في كتاب ( الحيوان) للجاحظ . ومن معتقدات الجاهليين أن الجبال تؤثر في الإنسان ، فجبل (أبي قبيس) على سبيل المثال يزيل وجع الرأس ، وجبل خودقور يعلم السحر . واعتبروا شجرة النخيل من أقربائهم ، وتصوروا أنها تشبه الإنسان ، وكان الجاهلي يجعل شجرة ( الرتم ) حارسا على زوجته أثناء غيابه ، وقد قدسوا الأشجار وعبدوها ، فكانت طوطما ، ورأوا روح الشر في بعضها مثل(الحماطة) وهي شجرة تشبه شجرة التين ، كما وعبد العرب كل ما يتعلق بالأشجار من أغصان وجذور وقشور ، وعبدوا العظم والريش والناب والمخلب والحافر والسن والظفر والحجر ، وقدموا لها القرابين ، واتخذوها تميمة تحميهم ، وكانوا يعلقون على الصبي سن ثعلب وسن هرة خوفا من الخطف والنظرة ، وعبدوا النار وكانوا يرونها في الأشجار وبطون الأحجار والجبال. وهكذا كانت صور تلك التقسيمات تتناول الاسطورة فى العصور الغابرة،اما اليوم فنحن نمتلك نوعاً جديداً من الاساطير ، تلك هي الاسطورة السياسية ، التي لعبت وتلعب دوراً في صناعة الايديولوجيات ألتي تخدم أغراضها المختلفة فى السلب والأيجاب .
وكما نجد في ملحمة كلكامش ان اسطورة ( انانا تهبط الى العالم الاسفل ) بان انانا تهبط من الاعلى العظيم نحو العالم الأسفل بأرادة الآلهة كأنها حواء الأصلية بمكانتها الأنسانية قبل أن تقتبسها الأديان الإبراهيمية وقبل أن يكن لها زوج سوى الأفعى. هذه الأفعى خلقتها حواء لا لهدف سوى لهدف متعتها الجسدية. ويجدر القول أن بعض الشعوب الوثنية القديمة كانت تعتبر حواء وأفعاها أصل كلّ خلق فقد أظهرتها التصورات القديمة وهي تعطي الحياة للرجل وأفعاها ملتوية على شجرة التفاح في الخلف.
ثم جاء التشويه المقصود لشرح هذه التصاوير ليحوّر اسطورة حواء الى ما هي عليه في سفر التكوين والكتب الدينية الأخرى . لكن، حتى في بعض التراث اليهودي في وقت متأخر جدا (حوالي القرن الواحد قبل الميلاد)، كان يظهر بعضهم (يهوة) على أنّه الأفعى التي تلازم الأم حواء في جنانها. وتقول الأسطورة أن حواء هي من اعطى الحياة الى آدم بدون مساعدة من اي رجل، حتى بدون مساعدة أفعاها ،كما انها ولدت طاهرة بدون دنس كولادة الأم الأخرى المعروفة في الإديان الإبراهيمية .
ولكن عندما عمد يهوة الى الإدعاء بغرور أنه هو الخالق الأوحد، أضطرّت حواء الى عقابه (الا أن الكتابات الغنوسية لا تشرح كيفية هذا العقاب). ولكن، بما أن \"الأم الأصل لكلّ كائن حيّ\" كانت موجودة ولم يوجد قبلها شيء، فلا شكّ بأن يهوة نسى (أو تناسى) أنها هي من خلقه، وأنها هي من أعطاه قوّة الخلق فقد كان هذا \"اليهوة\" كما تقول الأسطورة شديد الغرور حتى تجاه أمّه ذاتها وكان أحمقا ادعى أنه الإله، وليس من اله سواه ،كما وتظهر المخطوطات الغنوسية (Gnostic texts) هذا الخالق وهو معاقب على غروره من قبل قوّة أنثى هي أعظم وأكبر منه قدرآ وعمرا.
وهنا نذكر بأن إسم \"يهوة\" ذاته من أصل عبري يعني \"الحياة\" او \"إمرأة\". ولقد تحوّل الأصل الى ما هو عليه بناءً على أنماط لغوية معروفة في الديانات المصرية القديمة حيث تقول النصوص الغنوسية (Gnostic scriptures) أن آدم تم خلقه من كلمة حواء وليس من كلمة الله. وإسم آدم بحد ذاته يعني أنه خُلِقَ من طين ممزوج بالدم وهو سحر نسائي معروف بإسم \"آداماه\" أو \"الطين الدامي\". آدم هذا لم يعطي الحياة لحواء من ضلعه ولكن بناءً على أساطير حضارات ما بين النهرين القديمة فانه هو الذي جاء من ضلعها .
إن القصّة التي جاء بها الإنجيل عن آدم وحواء كما يبدو من تحليلها جاء مناقض للأساطير القديمة التي أظهرت حواء كأصل الخلق وهذا التصور الجديد الذي اظهر الرجل هو الأصل فى التكوين انما جاء ليرضي غريزة الرجل الشوفينية المتسلّطة في مجتمعات ذكورية لاحقة جعلت من (آدم) بعلا لحواء وهذا تجسيد لشخصية الكاهن النّموذجيّ المرتبط بعلاقة زنى المحارم الموجود في معظم كتب أساطير الخلق القديمة ، فالنصوص الغنوسية تقول أن حواء لم تكن فقط صاحبة الفضل في خلق آدم وإدخاله الجنّة، بل أنها كانت أيضا خلاصة الروح التي تسري في جسده ؛ كما كانت \"شاكي\" هي روح كل اله في المعتقدات الهندوسية حتى أن آدم لم يكن قادرا على العيش بدون القوة التي تمنحها إياه الأم العظمى لذلك هبطت اليه حواء من السماء لتكون روحه الطيبة و فكره النيّر ثمّ أنها دخلت في جسده لكي تعطيه من نفسها وتصبح ضميره الحيّ وترشده الى الطريق الصواب بعيدا عن غرور و جهل الإله الذكر \"يهوة\". وبأعتقادي ان تصور المرأة بحسب النصوص الغنوسية القديمة الموجود في معظم كتب أساطير الخلق الأولية على انها الأله والأم العظمى وانها هي التي تمنح القوة والحياة للجميع لهو اقرب الى الذهن من تصور اله غير منظور وغير معروف كونه (ذكر ام انثى) وأفضلية هذا التصور تأتي من كونه يزيل عن كاهل الوعي الكثيرمن الأشكالات والتعقيدات المربكة الموجودة فى الأديان الحالية ويرفع من مكانة المرأة التي افقدها الوعي المتخلف للعربان بريق مكانتها الجليلة بحق وحقيقة . .

يتبع
 

¤ لماذا تخلف العربان ؟ (6)
¤ لماذا تخلف العربان ؟ (5)

¤ لماذا تخلف العربان ؟ (4)

¤ لماذا تخلف العربان ؟ (3)

¤ لماذا تخلف العربان ؟ (2)

¤ لماذا تخلف العربان ؟ (1)

 


 

free web counter