| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. ناجي نهر

 

 

 

                                                                                      الخميس 31/3/ 2011

                                                 

ثقافة الدنيا وثقافة الاخرة وما بينهما
(5)

د. ناجي نهر

ثالثآ: تفسيرمصطلح الحداثة والتغيير
الغالبية العظمى من الباحثين والمختصين بالشأن الأنساني وتطور المجتمعات يفسيرون مصطلح الحداثة والتغيير على انه الأساس التطبيقي المتناسب مع الزمن والمكان الذي يبنى عليه صرح الأنظمة الديمقراطية المعاصرة ، وبغير استيعابه شكلآ ومضمونآ والقناعة بمبادئه والأهتداء بممارساته الحديثة ، تصبح الخطب المبجلة حول الديمقراطية مجرد هراء ، وهيكل سقيم قبيح الصورة وتافه المضمون.

ان مصطلح الحداثة والتغييرليس بجديد ، فعبر التاريخ والدنيا لا تستقر على حال ، وهي دائمة التغيير والتجديد , حتى ان ما تميز فيه بعض مفكرين عرب وآسيويون وأفارقة ونبهوا الى اهمية التحديث منذ وقت بعيد ، كأبن خلدون وابن الهيثم والفارابي ، وشددوا على ضرورة وعي مستدام لمفاهيم الحداثة و والتغيير ، حيث عدوا التجديد الثقافي والحضاري أساس وشرط نجاح المطاولة السياسية , التي تؤدي بدورها الى النهضة النوعية التطويرية فى مختلف المجالات.

وكما ان سرعة ونجاح تطبيق الديمقراطية يتوقف على استيعاب مصطلحها والأيمان بمبادئها ، كذلك تكون أهمية استيعاب المصطلحات الأخرى المؤثرة بممارسة الديمقراطية وتسهيل تطبيقها ، ومنها مصطلح الحداثة والتغيير وضرورة استيعابه والأستعانة بتجربة الشعوب فى تطبيقه على نحو مثمر.

ان مفردتي الحداثة والتغيير هذه الكلمات المترادفة تعني مصطلح واحد متداخل يشير الى ظاهرة فرزتها حركة تطور المجتمعات بهدف الأرتقاء الى واقع أفضل ، والمصطلح يبدو أكثر وضوحآ فى مجال افرازات تطور التكنلوجيا ، وما ينعكس منها على تطور الأنسان والآيديولوجيا المعاصرة بشكل خاص.

ولذا يستقبلها الأنسان الواعي بفرح وسرور ، ويقيمها كميسر ومسرع فى انقاذه من المهانة والبؤس ، لأدراكه بأنها تصب فى مصلحته ، فالأنسان الواعي يحدد ماهية الحداثة والتغيير ويقيمها من خلال قدرتها على تلبية حاجاته المادية والروحية فى الزمان والمكان.

غير ان مصطلح الحداثة والتغيير ، وبسبب من اثره الفاعل على النهضة النوعية التطويرية ، واظهاره لمكانة الأنسان المنتج فى ابهىى صورها ، سيؤجج فى تفاصيله الأخرى الصراع السلمي والعنيف بين الأنتهازيين من اصحاب المصالح الأسغلالية المستغلين للأنسان المنتج والمتمسكين بثقافة تبريره ، وبين الكادحين المنتجين المستبشرين بالجديد ، كتعبيرعن خلاصهم وعن تضارب المصالح بينهما.

ان مصطلح الحداثة والتغيير كغيره من المصطلحات الحديثة ، مرتبط بالثقافة العلمانية تحديدآ ، وبضرورة تجديد الأفكار بين فترة واخرى ، من اجل أدامة القراءة السليمة المتطابقة مع ما يعكسه الواقع الموضوعي فى احاسيسنا ، بمعنى آخر ان مصطلح الحداثة والتغيير ولد (نتاج عمل) لواقع عملي متحرك دائم التغير بحسب تطور العمل ، وهو بالتالي صناعة انسانية خالصة ، ووسيلة من اجل التفاهم وتبادل الخبر والتجارب بين الناس ، بيد ان التجارب المريرة علمت من وعاها بعلمية ، ان الأفكار وبرغم من عطاءها الثر فى زمن ومكان محددين ، لكنها فى نفس الوقت تحذر من خطر مهلك فى الجمود على مضامينها وتقديسها ، تجنبآ لتداعيات قراءة خاطئة لواقع لاحق جديد مختلف.

ولذلك فسوف لايكون غير الشباب انفسهم بقادر على تحقيق شعار تطبيق الديمقراطية والتغيير ، وامر مفرح للغاية ما يقرأ على مواقع الشباب والفيسبوك ، من ان غالبية الشباب تنبهوا الى ان يكون شعار ثورتهم [الشباب ينتفضون ويثورون من اجل التغيير الديمقراطي (الحقيقي) المعاصر ، لكي يلتحقوا بسرعة الطير بركب الحضارة العالمية ، ويستفيدوا من تجاربها فى مسألة تجاوز العقدة المركزية فى الغيير ، عقدة (فصل الدين عن السياسة) ، وهم بذلك سيضمنوا كل مناضلوا الأرض معهم] .

فالعالم الجديد تحكمه ارادة من يطلب الحياة ، وان التاريخ سوف يحاكم الساسة الذين ابتعدوا عن تطبيق الديمقراطية المعاصرة بمنهجيتها الجديدة ، وطبقوا بدلآ منها ديمراطية (اثينا القديمة) التي خلقت الطغاة والملوك والآلهة المشار لهم فى التسلسل رقم3 من هذا المقال ، فتسببوا فى هدر الدماء ونهب الثروات بعمليات وممارسات التفافية مخادعة وكاذبة ، فالإنسان المعاصر سوف لا يسمح بعد اليوم الى ان يتحول العلم الى زندقة مذهبية.

فيا ايها الشباب الثائرون على القديم ، امضوا فى الطريق السليم الذي اخترتموه من اجل انقاذ شعوبكم من عهود الظلام القروسطية ، فلقد شخصتم بدقة متناهيه ان سلاح الطغاة من اجل البقاء هو التشبث بالأفكار والعقائد والأساطير السالفة التي يتفنن وعاظ الطغاة فى استخدامها وتأويلها ووضع ملايين الفتاوى المربكة في تفسيرها ، فطريق التغيير واحد ليس غير هو طريق (فصل الدين عن السياسة).

ولقد احتار الشباب قبلكم فى اي طريق يختارون ، ان هم اتبعوا المنهجيات والأساليب الدنية ، وفي العالم الاسلامي لوحده اكثر من 1500 مدرسة وتيار ديني ، وملايين الفتاوى المتناقضة ، فالديمقراطية المعاصرة لها صيغة واحدة فقط ، لكنها فى مناهج حكام العالم الثالث ، مجرد انتخابات مزورة وحريات اعلامية سائبة ، وحذلقة ساذجة فى ثقافة الدوغما المصنعة للاستهلاك المحلي ليس غير.

وكما تعلمون فإن الأنسان بطبيعته تواق الى الحداثة والتجديد , وهو يتناول تقييم الظاهرة , ضمن سياقاتها التاريخية ,لأدراكه أن التشبث بالموروث القديم , سيدفعه خارج التاريخ , لذا تشاهدون البعض من الجنسين فى الحياة العملي يتحايل فى لبسه وهندامه لكي يتحاشي فتاوى الأصوليين المتشددين , فلا يرسل - الذكور – منهم على سبيل المثال لحاهم مثلما يفعل أبن لادن وامثاله , ويكتفون بالتفنن فى تحنيجها , كما تكتفي الأناث بتزويق الحجاب والتلاعب بمكوناته وتجميله لكي يتماشى مع سمة العصر.

وبالتأكيد فانكم تعون اكثر من الغير ان تطبيقات الحداثة والتغيير , ليس لها علاقة بالمعتقدات ولابالعمر اوالتحصيل الدراسي , والصادقون فى دينهم أكثرمن غيرهم إيمانآ بالحداثة والتجديد والديمقراطية لكونها فى صالح الجميع , فكم من المتقدمين بالسن والناس البسطآء من هم أكثر حداثة من بعض الشباب الخاملين ومن بعض حاملي الشهادات العالية الغيبيين !!! .

فلقد اضحت الديمقراطية الجديدة ظاهرة عالمية ومنظومة جماهيرية فعالة عامة وشاملة تهدف الى خدمة المجتمعات الأنسانية وسيكون من التخبط المعرفي القول بتعدد أشكالها ,حيث لا توجد ديمقراطية هندية ، وإخرى عربية ، أو كردية أو ديمقراطية رشيدة وغير رشيدة أو ديمقراطية عاقلة وإخرى مجنونة وما شابه ذلك من التراهات والفبركات التي تدل على الركاكة والخبث والهدف السئ.

فعبر التاريخ قد وجدنا ان الجماهير تتعلم يومآ بعد آخر كيف تغير من واقعها وكيف تنظف عقولها من ثقافة الماضي التى شاخت وفقدت حيوتها وأمست معوقآ مضرآ بحركة التطور ، فالثقافة السلفية شئنا ام ابينا فى طريقها الحتمي الى الأنقراض والموت الأبدي .

وقد وجدنا عبر التاريخ ايضآ ان الثوار لم ولن يترددوا تحت اية ذريعة ، لكنهم يحذرون من خطر مفاهيم سطحية ساذجة , يتداولها البعض فى كتاباتهم وتصريحاتهم تضر بمسيرة الديمقراطية ونجاحها منها ، إدعاء البعض بأن لا توجد ضرورة للأحزاب السياسية العلمانية لكونها لا تلائم مجتمعاتنا ، وينبغي إستبدالها بالمتدينين والتكنوقراط , فهذه المفاهيم الخرقاء متعمدة ولها أسبابها وأهدافها المختلفة المخادعة ، وفعلآ فقد ظهرت حديثآ أحزاب سياسية دينية فى محاولة يائسة من الأنتهازية ، لسرقة عمل وإثرة المناضل وتضحيته المجانية volunteer ورسالته الأنسانية وجيرتها بأسمها وشوهتها بأفعال خسيسة من القرصنة والأجرام والنهب والسلب والتكفير.

ان الديمقراطية كأي مادة اخرى بحاجة الى ارادة المطبق المستندة على قناعة حقيقية وتصميم صادق لتطبيقها ، وهي بحاجة الى ارادة شعب باسل وضاغط ،وحزب ثوري يجيد المطالبة وانتزاع الحق من اجل اعادة صياغة ذاته ، واقناع الجماهير العريضة بثورة التغيير الجديد وبمبادئ الحداثة ، تناغمآ مع ثقافة الدنيا المعاصرة.

ايها الشباب الثائر ان شعوب العالم الثالث تتطلع بلهفة الى ان تكون من بين دولها ، دولة ديمقراطية معاصرة من الطرازالجديد ، طراز (فصل الدين عن السياسة) لتكون انموذجآ يقتدى ، فعظمة الثوار تبقى فى قدرتهم على قراءة واقع العصر بموضوعية وعلى فرز قيادات وأحزاب سياسية مؤمنة بالديمقراطية الجديدة بكل صدق ومسئولية ، وهو بالتأكيد ما ستحققونه لشعوبكم عاجلآ ،وبطرق سلمية.

 

ثقافة الدنيا وثقافة الاخرة وما بينهما (4)
ثقافة الدنيا وثقافة الاخرة وما بينهما (3)

ثقافة الدنيا وثقافة الاخرة وما بينهما (2)

ثقافة الدنيا وثقافة الاخرة وما بينهما (1)


 

free web counter