| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. ناجي نهر

 

 

 

                                                                                      الثلاثاء 22/3/ 2011

                                                 

ثقافة الدنيا وثقافة الاخرة وما بينهما
(4)

د. ناجي نهر

ثانيآ: تفسير مصطلح الأكثرية والأقلية
ليس من السهل تعريف مصطلح الأكثرية والأقلية بسبب من حركته المستمرة ومتغيراته الدائمة المرتبطة بمستوى الوعي الفردي (الذاتي) الخاص من جهة وعلاقتها بمستوى الوعي الجمعي والحضاري ذات التأثير المتبادل لمجتمع ما فى الزمان والمكان من جهة اخرى.

اما بخصوص التعريف الشائع والخاطئ لمصطلح الأكثرية والأقلية فسببه ان المفسر اوالمفتي فى التعريف انما اعتمد فى تفسيره لهذا المصطلح على التلقائية المتداولة منذ القدم ، والتي كان فيها مقياس الناس للأكثرية والأقلية يعتمد على العدد الرقمي ، حيث تلعب الأرقام لعبتها الضارة والخطيرة فى المعالجات السياسية والأجتماعية بخاصة ، وحيث يلعب حاملي الأفكار الجامدة والسفسطائيون لعبتهم المقصودة فى أرباك ومخادعة دعاة التغيير.

لذا فالذين يصرون على تعريف مصطلح الأكثرية والأقلية بحسب المقياس العددي ، والتفسير اللغوي لمعنى مفردتي (الأكثرية والأقلية) ، انما يصرون على ذلك مأخوذين باثر التلقائية الضاغطة المفتقرة الى البرهنة التجريبية ، او بحكم الجهل المعرفي والتحيز المصلحي لقضية ما بهدف اعطائها المشروعية.

غير ان تعريف مصطلح الأكثرية والأقلية قد يكون واردآ ومفهومآ من خلال المقارنة العالمية ، بين مستوى وعي الشعوب ومستوى تطورهم الحضاري الفكري والتقني وممارساتهم التطبيقية على ارض الواقع ، ففي المجتمعات الغربية على سبيل المثال تكاد لا ترى من وجود لمثل مصطلح الأكثرية والأقلية فى السياسة على الأقل ، لأن مستوى وعي افراد المجتمع قد توحد بنسبة عالية او قارب من ذلك ، وبات لا يشكل نسبة تفاوت ثقافي بين مواطن وآخر سواء كان سياسيآ اوغيره.

ولذلك يبقى مقياس الوعي بين افراد المجتمع ضئيل ونسبي ، وباثره اصبح هدف الأنتخابات البرلمانية في المجتمعات الغربية ، لا يتعدى ان يكون اختيار اشخاص بحسب اختصاصاتهم لشغل وظيفية ما لهذا العمل او ذاك ليس غير.

فالمنتخبون للبرلمان والحكومة في هذه المجتمعات ، ما هم سوى موظفون بأختصاصاتهم ولا يتميزون عن غيرهم بشئ ، لا فى الراتب ولا فى المخصصات ولا فى صولجان السيادة وعنفوانها المذهبي والعرقي ، ولا فى اي ميزة اخرى طبقية او عقائدية ، حيث تلاشت مظاهر الأفكار الفئوية والعقائدية ومشاعر المذهبية والعشائرية باثر انفصال الدين عن السياسة ، واضحى المعيار السياسي للانتخابات اختيار اشخاص قادرين على ممارسة اساليب التوعية الحديثة فى احترام العمل ، ومبادئ حقوق الأنسان وفاعلين فى ترسيخ مبادئ بناء الدولة الديمقراطية المؤسساتية ، الذي تعلو فيها حقوق المواطنة على اي مبدأ آخر.

واتكاءآ على هذا التطور السامي ، سيعد واهمآ من يصر على ان رأي الأكثرية على الدوام هو الصحيح ، متخطيآ بذلك اثر مستوى الوعي الثقافي والحضاري الذاتي والعالمي على مجتمع ما لحظة القياس ، فقد يكون المجتمع المتخذ كنموذج للقياس مجتمعآ واعيآ ، وحينذاك سيظلم بهذا التقويم.

كما ان هذا الرأي من جهة اخرى رأي يتعارض مع التحليل العلمي والتطورالموضوعي على الأرض ، ويفند مكنونه المثال التالي: فعبر التاريخ ومن خلال تدرج عملية التطور الحياتي على مختلف مساراتها ، فقد توثق ان اكتشاف الظواهر على اختلافها كان يبدأ بأنسان واحد او بمجموعة من القلة كانت متميزة باكتشاف تلك الظواهر وكانت تنبه عن حدوثها قبل ولادتها ، وكانت تتصدى لها بما يلزم من العلوم والتجارب وكانت هذه القلة تعبر عن تحولات جديدة سيقتفي اثرها الكثرة فيما بعد ، وكان الفاعلون الأساسيون فيها هم العاملون على ادواتها النظرية والتقنية من المفكرين العلمانيين والمكتشفين التجريبيين والباحثين الأنثروبولوجين والإثنوجرافين والانثروبومترين المرتبطين بعلوم الأنسان والاجناس ، الذين كان وسيبقى باستطاعتهم الأحساس بولادة ظواهر الحياة المختلفة والتصدي لقرائتها واكتشاف مكنوناتها قبل الآخرين ، بهدف تسخيرها لما يخدم الناس ويطور حياتهم ، ومن خلال هذه القدرة المهنية الأختصاصية ، فقد اصبح لهؤلاء المبدعون اثرآ ملحوظآ فى عملية التطور الحياتي ، واصبح لهم الدورالأساس فى اكتشاف ضرورات الحياة ، والأنتقال بحالتها الى حالة ارقى ، كما واصبح لهم الدورالأساس فى اكتشاف اداة التغيير اللازمة ، و اكتشاف مواد الخام التي تحتاجها عملية التغيير والتطور برمتها ، وحيث اقتفت وتقتفي الأكثرية فيما بعد اثرهم الأيجابي فى عملية التطور ، ويصبحوا هم من يمثل التغيير بغض النظر عن قلة عددهم ، وهذا هو بالضبط ما يجسد مفهوم دور الفرد فى التاريخ ، متمثلآ باولئك النفر الذين اكتشفوا ضرورة التغيير والتطوير المطلوب قبل غيرهم ، وكانوا يمثلون الأقلية العددية فى المجتمع لكنهم كانوا فى حقيقة الأمر يمثلون عملية التطور بكاملها ، مما يعني انهم كانوا برغم قلة عددهم يمثلون الأكثرية.

وعلى هذا المقياس فسر العلم مفهوم دور الفرد فى التاريخ من خلال عطاء الفرد ونتاجه المستند على مستواه الثقافي والمهني ومجموعة الخبر التي جمعها من ممارساته الفكرية والتطبيقية فى مجال اختصاصه ، ومدى نجاحه فى توظيف علومه وتجاربه فى خدمة الأنسانية فى ابواب الأضافة الفكرية والأكتشاف والنشر العلمي والنضال من اجل تقدم عملية التطور الى أمام.

ومن هنا فمجتمعات العالم الثالث بخاصة بحاجة الى ثورة ثقافية بالدرجة الأساس تساهم فيها كافة مؤسسات الدولة ومنظمات المجتمع المدني .

حينئذ سيصبح منتقدوا التحليل العلمي على خطأ جسيم عندما يلجأون الى التصورات المبتسرة وغير الموثقة فى تفسير مفهوم مصطلح الأكثرية والأقلية ، ويقفون عن قصد بوجه التطور وقوانينه العلمية التي لا أحد بقادر على ايقافها مهما تجبر وسفك من دماء.
 

يتبع
 

ثقافة الدنيا وثقافة الاخرة وما بينهما (3)
ثقافة الدنيا وثقافة الاخرة وما بينهما (2)

ثقافة الدنيا وثقافة الاخرة وما بينهما (1)


 

free web counter