| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. ناجي نهر

 

 

 

                                                                                      الأثنين 28/2/ 2011

                                                 

ثقافة الدنيا وثقافة الاخرة وما بينهما
(2)

د. ناجي نهر

وفى العراق يطبق المتسلطون على السلطة سياسة ثقافة الآخرة بشكل مقلوب ، مما يعني ليس حبآ فى ثوابها بل بدافع من مصالحهم الأنانية ، فهم (مذهبيون) حد النخاع ، ولا يمتون لثقافة العصر بصلة ، بدليل ان الثقافة التي يمارسونها لا تتعدى ان تكون بدع دينية ، مقطوعة الصلة بثقافة الدنيا وسمة الواقع المعاش ، وبدليل تقاعسهم وتناسيهم حقوق الشعب ومتطلباته الأساسية من عمل وخدمات وثقافة تناسب العصر ، وبدليل آخر ، ان همهم وديدنهم انحسر بتنظيم الزيارات المليونية وهدر اموال الشعب لأنجاحها ، ليس حبآ فى الحسين ، بل استغلالآ لمشاعر الناس وكسب اصواتهم الأنتخابية ، واقتداءآ باسيادهم من الحكام الأيرانيين وتناغمآ مع ثقافة بقية العربان من حكام العالم الثالث .

ففي ايران على سبيل المثال تتعطل حركة العمل فى الدولة والمجتمع اكثر من نصف ايام السنة للألتهاء فى تنظيم المناسبات الدينية ، التي هي فى جوهرها مجموعة بدع متخيلة لأضرحة الجهل ، وان مضامينها بعيدة كل البعد عن ممارسة ثقافة الآخرة المنصوص عليها فى الكتب السماوية.

وانطلاقآ من سلوك ساسة العراق لهذا النهج المتخلف ، فقد عدهم الشعب ساسة فاشلين ، وغير مؤهلين للعمل السياسي ، وجهلاء بقوانين حركة المادة ومقومات المجتمع الحديث وعلوم السياسة ، وجهلاء بماهية الدولة المدنية المؤسساتية الحديثة ، وجهلاء بالمتغيرات التي تطرأ على مفردات اللغة ، و من اشد معارضي الحداثة والتغيير جملة وتفصيلآ.

فقد تناسى ساسة العراق الأشاوس جراء جهلهم المفرط بما يدور حولهم ، ان مفردة (القائد الضرورة) لم يبق لها من وجود فى اللغة ، وحلت بدلها مفردة (الواجب) او العمل الوظيفي المخلص ، وهذه المفردة الجديدة والجميلة ، لا تستسيغ قبول تخيلات وهم الزعامة الفردية اوهالة القداسة السلفية المنبوذة .

فلقد تطهرت اللغة المعاصرة من ادران تفاسير سلفية ، باتت تخجل مما يلتصق بمفردة القائد الضرورة من حراسات وحمايات ، وأمتيازات ومظاهر الكوكبة المفتعلة المتعالية على الشعب وثقافة العصر ، حيث تساوى وعي الناس وجهدهم مع مستوى وعي وجهد الآخرين ، فاصبح كل فرد فى المجتمع قائدآ منتجآ فى مجال عمله.

اضف الى ذلك جهالة هؤلاء الساسة باهمية عامل الزمن وهدرهم له بتراهات وتقاليد سلفية وعشائرية معطلة لدولاب الأنتاج الفكري والتقني ، فتراهم عاجزين عن أحتضان ملايين الأطفال الذين يولدون وملايين الناس الذين يتقاعدون وتهيأة مستلزمات رعايتهم ، وتوفير الحد الأدنى من حاجات الناس المادية والروحية.

بيد ان هؤلاء الساسة والحق يقال ظلوا بارعين فى احياء ثقافة السلف وفى سرقة المال العام والفساد والأدعاء الكاذب بالتقدمية ، بالوقت الذي يمارسون فيه بقوة عملية حرف المجتمع ومؤسساته نحو درب الحداثة والتقدم ، تغطية لجهلهم وتخلفهم.

ففي عصرنا لا يمكن عد الساسة انسانيون ، ما لم توظف أفكارهم للمساواة بين الناس وبخاصة بين المرأة والرجل وبين الطفل والكبير ، وبما ييسر للمجتمع الحرية والسلام والعدالة الأجتماعية ومتطلبات الحياة السعيدة.

كما بات من السهل على وعي الشعوب في عصرنا ، معرفة السياسي الصالح من الطالح ، من خلال صورة الثقافة التي تتجسد فى ممارساته من جهة ، ورد فعل ثقافة من يتسلط عليهم من جهة اخرى .

وكما هو معروف ، فقد حكمت شعوب العالم الثالث على حكامها الأشاوس بالجمود والسلفية الفكرية لتخلفهم عن وعي المتغيرات المعاصرة ، ولكونهم لا يعون المتغيرات ، الا لحظة ما تهب الشعوب الى كنسهم بثورة حاسوبية عارمة مختزلة كافة التحصينات ، وغير مبالية بتداعيات كافة المخاضات.

اضف الى ذلك ان الشعوب قد وعت ماهية الدولة المدنية المؤسساتية الديمقراطية الحديثة ، ووعت تقاطعها مع الحكم الفردي الأوتوقراطي العشائري المتدني ، ونهج المحاصصة الطائفية والقومية البغيض وما يلتصق بثقافته من قرصنة وفساد وانصاف حلول.

ولذا يتوهم حكام العالم الثالث ، ان هم ضنوا ان وعي الشعوب قد اغفل معنى ، اجترار هذا الحاكم او ذاك لمصطلح الديمقراطية ، وان الشعوب قد اخطأت فى عد أجترار حكامهم لهذه المصطلحات على انه نوع من السفسطة الفارغة والترديد الأبله للمفردات دون أستيعاب معانيها .

فالديمقراطية لا تعني الحرية السائبة ، ولا الأنتخابات المزيفة ، وانما تعني الحرية الشخصية الكاملة للأنسان ذكرآ وانثى ، الحرية فى :[العمل والسكن والسفر والرأي والحوار والأختلاط والمأكل والملبس وكل ما يتعلق برغبات الأنسان وحقوقه المادية والروحية ، بشرط ان لا تتعدى حقوق الآخرين ، وان تعدتها ، فحينئذ سيتجسد معنى مفردتي (الحلال والحرام) بشكل واضح .

ولكي تساهم الشعوب فى عملية تطور الحياة ، فقد اجمع علماء الأنثروبولوجيا ان آن الأوان للشعوب ، ان تجتاز العقبات الواهنة وتتخلص من عقدة الخوف والرعب والارتعاش أمام نصوص بدوية متخلفة تحدد معاني الحلال والحرام و تجافي ، فى غالبيتها ماهية العلم ومضامين النهوض والتقدم كما تشتهي .

ولذلك فمن حق البعض وصم المتسلطين على السلطة بالكذب حينما يجترون مفردات [الديمقراطية والنهوض والتقدم] بلا فهم علمي وممارسة امينة لمبادئه ، وحيث لا يمكن تصور متسلط مذهبيي ، يتقبل مقومات ثقافة التنوير والحداثة ، او التوعية على سبيل المثال بفوائد الرياضة المختلطة المنتشرة بانواعها فى نوادي بلدان اوربا ، وهو الذي يقف ضد ارادة المرأة ويرغمها على التخلص من وعيها الحضاري والأنساني وفرض الحجاب عليها بالقوة .

غير انه وكما بينت التجربة المنصرمة على نحو واضح ، فان معتقد الجهل المقدس الذي يعبده حكام العالم الثالث ويتفاخرون بثقافته ، هو الذي كان وراء السبب الأساس فى تلكأ حكام العالم الثالث عن فصل الدين عن الدولة ، برغم معرفتهم الجيدة ، فى ان هذا العصر يتميز بالتنوير والحداثة ، وبرفض الشعوب حشر الافكار اللاهوتية لتبرير الظلم والفساد والأستغلال ، وتجنيب المجتمعات سفك الدماء الذي لا ينقطع .

اضف الى ذلك ان حكام العالم الثالث ، وبرغم معرفتهم الجيدة ان فى أجراء فصل الدين عن الدولة ،اكتشاف الطريق السوي والوحيد الذى يفضي ، الى احترام الدين وتنزيهه من الأتهامات المختلفة ، ويفضي الى فضح خبائث الأنتهازية بانواعها ، ويكشف عن تسخيرهم الدين للملذات غير المشروعة ، فقد كشف فصل الدين عن الدولة فى مجتمعات غرب العالم عن مجموعة من الموبقات لرجال الكنيسة ، على رأسها اغتصاب الأطفال من الذكور والأناث الذين كان اهليهم يرسلونهم الى (بيوت الله) للدراسة ، والآن تجري محاكمة لفيف من رجال الكنيسة بصورة علنية ، وبالتأكيد فهناك فى العالم الثالث من الموبقات ما هو افضح بخاصة لحكام العالم الثالث ولوعاظهم من رجال الدين وحماة الحرمين وغيرهم من الأشاوس ، اصحاب اللحى المصنعة والعمائم الملونة التي تخفي اسرارآ عجيبة.

بيد ان حكام العالم الثالث وبرغم كل الضرورات الموجبة التطبيق ، لم يركنوا الى حقيقة واهمية فصل الدين عن الدولة، لأنهم يرون فيه هلاك انظمتهم السلفية المتشددة هلاكآ مبرمآ. فقد رأى او سمع اكثر حكام العالم الثالث ان فى إيطاليا كنيسة لعبادة الشيطان ، بالقرب من (الفاتيكان..!) الرحمن : فهل اختفت المسيحية من إيطاليا وأوروبا بسبب الكنيسة وعبادة الشيطان؟! وهل مسخ الله إيطاليا من خريطة العالم لأن بها كنيسة للشيطان؟! كلا.. فتلك هي الحرية ، وحق الأنسان ، وذاك هو السلام...

من هنا يمكن القول ، ان قد حان الوقت لشباب العالم الثالث تعليم حكامهم دروسآ اولية فى سماة حضارة العصر ، وارغامهم على القبول بها ،حيث لا مكان بعد اليوم لتسلط قادة الضرورة ، ولا وجود لشعوب ترضى بسلب اراداتها واذلالها وسوقها كالقطعان ، تنفيذآ لما يشتهي الأسياد.

فقد قال آينشتين Einstein 1879 – 18 أبريل 1955 (قد يتمكن الإنسان في يوم ما، بعد أن سيطر على مكنونات الطبيعة باستخدامه علم الفيزياء ببراعة ، من استغلال طاقة العلم الجمعي لاكتشاف اجوبة اسئلته المعقدة الأخرى ، وتسخيرها لخدمته ) فالشعوب ربما قد تغطّ في سبات شتوي طويــــــل وانحطاط بيئي وثقافي لبعض الوقت ، بيد ان العلم يوقضها ويحييها ويمدها بالحيوية والهمة والنشاط ، ويعيدها الى قوانينه الموضوعية المتحركة ، فلا تموت.

واخيرآ ، اعود الى بيت القصيد فى هذا الجزء من المقال ، وهو أن يتمكن السياسي فى بلدان العالم الثالث بخاصة من وعي معاني مصطلحات قديمة من التاريخ الأنساني ، وان عليه واجب قراءتها قراءة جديدة لكي يستحق لقب السياسي المتفاعل مع الزمن وارادة الشعوب. ثم ونظرآ لآهمية مصطلح الديمقراطية وخصائص تطبيقاتها المعاصرة المتقاطعة مع مفهوهما الأثيني القديم ، فسوف يتطرق المقال الثالث الى بعض الرؤى والتطبيقات الناجحة فى هذا الشأن.

يتبع
 

ثقافة الدنيا وثقافة الاخرة وما بينهما (1)

 

free web counter