| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. ناجي نهر

 

 

 

                                                                                      الأربعاء 16/3/ 2011

                                                 

ثقافة الدنيا وثقافة الاخرة وما بينهما
(3)

د. ناجي نهر

تفسيرمصطلح الديمقراطية
الديمقراطية : - التعريف (العصري) الصحيح والشائع للديمقراطية انها تعني (حكم الشعب) بواسطة أكثرية واعية منتخبة من المجتمع تشكل حكومة ديمقراطية لدولة عصرية مؤسساتية تلتزم بدستور تنص بنوده على مبادئ حقوق الأنسان بالكامل ويتم تطبيقها بقوانين ، على وفق إسس وثوابت تشريعية سياسية وإجتماعية ، باتت مختلف الشعوب تتغنى فيها وتناضل من أجل تحقيقها.

فليس بعاقل من يعترض على المساواة والعدل وتكافؤ الفرص بين الناس ، وحل الصراعات بالحوار وإحترام الرأى والرأى الآخر والأنتقال السلمي للسلطة بلا مزايدات فارغة وتفاضل جاهلي وأثني وعقائدي. وكذلك لا احد من العقلاء يعارض النهج الديمقراطي العلمي السليم ، ويمشي بعكس تياره ، إلا إولئك الأنتهازيون الذين يضعون مصالحهم فوق رفعت الوطن ومصالح الشعب ، فالديمقراطية لا يمكن استثمارها ما لم تكن ذا إفق مفتوح يستوعب حاجات وحقوق المجتمع الأنساني بكامله ، وما لم يك فى تطبيقها ما يعوض المضطهدين عما لقوه من عذابات فى عهود الظلم والأستبداد ، وأعادة حريتهم وكامل حقوقهم المسلوبة .

بيد ان سرعة ونجاح تطبيق الديمقراطية يتوقف على ، استيعاب مفهوم مصطلحها من حيث ماهيته اللغوية وممارسته الديمقراطية اولآ ، وثانيآ ايمان المعنيين بامور المجتمعات بمبادئ الديمقراطية واستعدادهم لتطبيقها بمسئوولية ، كما يتوقف على مستوى الوعي السياسي للمجتمع وتركيبته الأثنية والطبقية ومستوى الوعي الحضاري ونسبة إمتلاك المواطن لأرادته وحقوقه وتحرره من الهيمنة الخارجية والداخلية ودرجة فهمه لمفهوم الأكثرية والأقلية ، كما يتوقف على شكل الأنتخابات ونزاهتها ونسبة المشتركين فيها من الناخبين والمرشحين ونسبة المنافسة الأنتخابية بين سكان المدن والريف والطلاب والمتعلمين المشاركين فيها ، كما يتوقف على شكل النظام ، فردي بيروقراطي أم دولة قانون مؤسساتية ، وما هو مستوى المركزية واللامركزية فيه وكذلك شكل توزيع الموارد والناتج القومي فى المجتمع والتاريخ النضالي للشعب ، ومستوى الفهم الصحيح للناخب وللمرشح للمبادئ الديمقراطية ، حيث الديمقراطية كما سنرى لاحقآ من خلال تدرج تاريخها ، انها تتغير على وفق درجة تغير وعي الناس ومستوى مقومات حضارتهم فى الزمان والمكان.

غير انه ونظرآ لنجاح تطبيق الديمقراطية فى أكثرية دول العالم ينبغي على المعنيين من حكام العالم الثالث تحديدآ عند ادعائهم تطبيق الديمقراطية فى بلدانهم ، إختزال زمن تطبيقها ، من اجل تخفيف آلام مخاضها ، وذلك بالأستفادة من تطبيقات حديثة ناجحة للديمقراطية الغربية ، والا فسيكون فى ترددهم عن ذلك ما يكشف عن اصرارهم على المرواغة والأدعاءآت الكاذبة وتمسكهم بثقافة السلف المتناقضة كليآ مع المبادئ الديمقراطية ، وما يعني ايضآ انهم يرفضون الديمقراطية المعاصرة ، ويقصدون باجترارهم لها ، تطبيقها كما طبقها اليونانيون فى أثينا القديمة ،وكما كانت تطبق فى مراحلها الأولى التي خلقت الآلهة والملوك والطغاة على تنوعهم وليس غير.

وباختصار فان مفهوم الديمقراطية المعاصر ،هو نهج واسلوب عمل منظم للانسان في خياراته ومواقفه وحرياته واخلاقياته وفي تشكيل الارادة الجمعية المتطورة لمجتمعه. لذا ومن اجل تيسير فهم ما يعنيه مصطلح الديمقراطية ، سأتناول شرحها من خلال ثلاثة محاور :

الأول يتناول تاريخ تدرج تطبيق الديمقراطية منذ ظهور المصطلح فى اثينا اليونانية ، بين القرن ال8 وال5 ق.م، والمحور الثاني يتناول مفهوم الأقلية والأكثرية فى الزمان والمكان .
والمحور الثالث سيتناول مفهوم الديمقراطية الحديث وشروط تطبيقها اقترانآ بمفاهيم الحداثة والتغيير المعاصرة.

وكما هو معلوم تاريخيآ ، فلقد تدرج تاريخ تطبيق الديمقراطية منذ ظهورها فى اثينا اليونانية ، وبرز اسمها كفكرة في فترة تاريخية معينة ، كرد فعل لأوضاع وظروف قاسية عاشتها المجتمعات في فترات تاريخية قديمة آنذاك ، كما في الحالة اليونانية التي عدت بمثابة حالة (التأسيس) الأول لمفهوم الديمقراطية ، والتي عمل بعض فلاسفتها على استعادة أفكارها وتطبيقها باسلوب جديد وحديث ، مثلما هي عليه من تطور في الحالة الأوربية المعاشة اليوم. أن ما يميز مفهوم الديمقراطية فى بدايتها وفى تلك الأوضاع القديمة القاهرة ، هو تحويل الأنسان المتسلط الى (اله) او سلطان حيث استغل الأسياد من دهاقنة المال سذاجة الناس وصوروا انفسهم بناة المجتمع وخالقيه ، وان الدولة والمجتمع تتجسد فى شخصياتهم تحديدآ ، لذلك تعددت الآله والأنظمة البطرياركية الأوتوقراطية على نطاق العالم الواسع ، وتم احتكار السلطة إما من قبل فرد واحد بمثابة الأله او ملك أو السلطان او من قبل فئة معينة "كطبقة النبلاء"، وهو احتكار آل إلى تردي الأوضاع وممارسة الظلم والتعسف تجاه المجتمع والفرد ، حيث لا وجود لسلطة ثانية تحد من سلطة الفرد الواحد أومن سلطة الفئة الغنية.

وكرد فعل على الظلم والتعسف نشأت الحاجة إلى إيجاد صيغة تحد من سلطة التفرد في اتخاذ القرار بخاصة حينما ظهر ما يسمى خليفة الله في الأرض أو الحاكم الشرعي للدولة ، حيث بدأ بعض فلاسفة اليونان الأوائل وضع شذراتهم الفكرية البسيطة فى مفهوم الديمقراطية.

فلم يك كل فلاسفة اليونان دعاة ديمقراطية كما يشاع ، وبالعكس فقد عرف «سقراط» و«أفلاطون» بنقدهم للديمقراطية الخالقة للطغاة وللسياسيين الأنتهازيين المتفردين فى السلطة ، وقد عملا على إعادة ترتيب الديمقراطية بشكل تكون فيه العلاقة بعيدة عن التفرد في الحكم ، والتأسيس لنمط جديد من أنماط إدارة السلطة يعتمد على المشاركة الفعلية للشعب أو الجمهور، وفى ذلك عرفت الديمقراطية كأول صيغة للحكم الأنساني شهدته اليونان وشهده تاريخ البشرية فيما بعد.

يتبع
 

ثقافة الدنيا وثقافة الاخرة وما بينهما (2)
ثقافة الدنيا وثقافة الاخرة وما بينهما (1)


 

free web counter