|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

 الثلاثاء 23/4/ 2013                                 جلال رومي                               كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

أوراق أنصارية

(عن مفارز الأنصار السرية)
(8)

جلال رومي ( أحمد عرب )

في ربيع عام 1988 كنت قد وصلت الى قرية سيدان حيث كان هناك المقر المشترك لقاطع أربيل وبتاليون 31 اذار والذي كان قد اقيم على أنقاض هذه القرية المهجرة ,تقع هذه القرية على سفح جبل عاصي حيث في اسفل الجبل في الوادي يجري نهر الزاب الكبير وخلف القرية يقع سد بخمة والذي لم يتم استكمال بنائه بعد ان بدأ البناء فيه في عام 1979 وتوقف بعد بدء الحرب العراقية الايرانية بأشهر والذي كان مقدرا له أن يكون اكبر سدود العراق حيث كان من المفترض ان تكون قدرته لخزن 18 مليار متر مكعب من المياه وانتاج طاقة كهربائية بقدرة 1500ميغاواط وبألتالي كان مفترضا ان يوفر ألامن المائي للعراق ...كان هذا المشروع محمي بقوة عسكرية كبيرة من الجيش العراقي ...

كان ربيع 1988 جميلا بخضاره ووروده وكثرة المياه ,الا انه من جهة أخرى كان ربيعا ساخنا في الجوانب العسكرية والسياسية ...نرجع الان الى المقر والذي كان المسوؤل الاول فيه الرفيق ملة حسن عضو اقليم كردستان وعضو قاطع اربيل والمسوؤل العسكري فيه الرفيق ملازم احمد شاهين والسياسي الرفيق ابو برافدا والاداري الرفيق خيري وهنا نلاحظ التشكيلة العراقية الجميلة لقيادة المقر :كردي ,عربي ,مسيحي ,مسلم .....وفاتني ان أذكر بأن قرية سيدان هي قرية زيبارية وعلى مسافة عشرين دقيقة مشيا منها توجد قرية عامرة يسكنها الزيباريون ايضا ولكنهم يحملون سلاح الحكومة أي جاش والغريب في الامر ان علاقاتنا بأهالي القرية جيدة جدا ومعظم احتياجاتنا هم يوفروها لنا مثلا نتسوق الالبان واللحوم وبعض الاشياء الاخرى منهم وهو يزورون المقر بشكل منتظم واحيانا يتناولون الغذاء معنا ويستفيدون هم وعوائلهم من العيادة الطبية الصغيرة الموجودة في المقر والتي كان يديرها الرفيق د.غفار واحيانا ساعد نسائهم في الولادة ..في بادئ الامر كان ذلك غريبا ان نتجاور مع الجاش الزيبارين حيث عرفتهم بأنهم مقاتلين اشداء حيث صدام كان يرسلهم للقتال ضد البيشمركة في مناطق بعيدة عن سكناهم في السليمانية مثلا أو دهوك حيث هذه سياسة صدام يرسلوا الجاش للقتال بعيدا عن مناطقهم لفترات قصيرة وبعدها يرجعوا الى مناطقهم من جديد ...كنا نذهب الى قريتهم بأطمئنان وبدون اي قلق أو خوف ,نجلس معهم ونشرب الشاي وفي كثير من الاحيان كنا لانجد سوى كبار السن والاطفال والنساء حيث سيق الشباب للقتال في اماكن اخرى ,كانت علاقات الرفيق ملة حسن معهم متميزة لكونه من منطقة غير بعيدة عنهم فهو ابن راوندوز اضافة الى انه كان معلما وشخصية معروفة في المنطقة,كان يجادلهم ويحاججهم وفي احدى المرات التي كنت متواجدا فيها معه ,قال لاحد مسوؤليهم :ناهيك عن انكم تقاتلون الى جانب عدو شعبكم فهل لاتخافون على حياتكم فأجابه احدهم:الحكومة تقصف وتدمر وتضرب القرى بألكيمياوي بعد ذلك نحن نتقدم ولم نجد احدا نصدم معه فنحن لانقوم بقتل احد ففي اي مكان ندخله يكون كل شئ , قبل مجيئنا,مدمرا !!!!وكانوا ينقلوا لنا اخبار المنطقة وتحركات الجيش ولو كان الكثير من المعلومات التي تصلنا عن طريقهم هي مجرد تسريب معلومات من السلطة وهي غير صحيحة وفي احدى المرات سربت السلطة عن طريقهم معلومة بأنها ستتقدم باتجاه مقرنا وقالوا هناك حشود في معسكر سد بيخمة تتهيأ للهجوم على مقرنا وبهذا اضططررنا لاتخاذ الاحتياطات من كمائن وحراسات وشكلنا مفرزة استطلاع بقيادة الرفيق ملة حسن والرفيق ملازم احمد شاهين والرفيق اسود واحد معارف الرفيق ملة حسن من المنطقة واسمه ابو فريد وكنت انا معهم في هذه التشكيلة وصعدنا الجبل الذي يشرف على مضيق بيخمة حيث هناك يقع المعسكر وتقدمت انا مع الرفيق ملازم احمد شاهين لمسافة قريبة من المعسكر وبقينا نراقب التحرك داخل المعسكر لاكثر من ساعة حيث لم نجد اي دليل لوجود حشود اضافية تتهئأ للهجوم.

في هذه الفترة وتحديدا في 16 اذار وصلتنا برقية من الحزب تفيد بقصف مدينة حلبجة بالاسلحة الكيمياوية ولم تكن هناك اية تفاصيل اخرى...وحاولنا الحصول على اية معلومات أضافية من خلال الاذاعات الاجنبية ولكن للاسف لم نحصل على شء و بعد يومين سمعنا من اذاعة صوت اميركا باللغة العربية ونقلا عن خبر من وكالة المخابرات الامريكية بان حلبجة قصفت باسلحة كيمياوية ولم يتم التحقق من الجهة التي قامت بالقصف وبعد عدة ايام اذاع الخبر راديو موسكو نقلا عن اذاعات اخرى وبدون اي تعليق ومن الجدير بالذكر ان مفرزة لرفاقنا كانت متواجدة في منطقة حلبجة وقد حاولت قبل يوم من القصف الدخول الى قضاء حلبجة حيث منعت من الدخول من قبل القوى التى كنت متواجدة حينها فى حلبجة وفي نفس الوقت تم منع اهالى حلبجة من الخروج منها !!! مما اضطر حينها رفاقنا قضاء ليلتهم خارج المدينة ولذلك تمكن رفاقنا من مشاهدة الحدث والقصف الوحشي للطائرات بالكيمياوي حيث عمت الفوضى المدينة والمدن والقرى القريبة لها حيث لااحد يعرف مالذي يجب عمله وامتدت الفوضى الى القوات الحكومية وقوات الجاش التي كانت قريبة من منطقة الحدث وتمكنت حينها مفرزة رفاقنا الصغيرة من الوصول الى الشارع العام القريب من مدينة خرمال وأوقفوا سيارة جاش وسألوهم عن وجهتهم وعرفوا منهم انهم متجهون الى مجمع زراين الخاص بالجحوش وصعد رفاقنا في السيارة ونزلوا قبل المجمع حيث وصلوا الى مكان امين وعند نزولهم اخبروا الجا ش بانهم بيشمركة الحزب الشيوعي العراقي وكان ذلك مفاجأة غير متوقعة للجاش لانهم توقعوهم جاش مثلهم وبهذه الجرأة تمكن رفاقنا من الوصول بسلام الى المناطق الامينة ,أن اذى حدث فى حلبجة كان وبكل المقايس فاجعة حيث استشهد اكثر من خمسة الاف مواطن ومواطنة من أهالي المدينة وافضل ماقرأت عن هذه الماساة هي كتابات الرفيق ابو الفوز ومن الممكن الرجوع اليها.. ومادمنا نتحدث عن الكيمياوي فلا باس ان نستذكر ماحدث لقرية سيوسينان التابعة لناحية قره داغ في صيف 1988في المساء حيث قصفت القرية بالمواد الكيمياوية عن طريق راجمات الصواريخ حيث استشهد 77 شخص حيث اعتاد الاهالي الاحتماء بالملاجئ من القصف فأذا بألغازات السامة الثقيلة تدخل ملاجئهم وتزهق ارواحهم ولولا قرب مقر رفاقنا الواقع قرب قرية أستيل العليا وتواجد مستشفى هناك ووجود رفاق اطباء وممرضين حيث هرعوا لمساعدتهم وتمكنوا من تقليل الخسائر وانقاذ حياة العشرات من اهالي القريه المنكوبه واهالي المنطقه لم ينسوا لحد اليوم ما قام به رفاقنا لانقاذ حياة العديد من اهاليهم من القصف ... في مثل هذه الاجواء المتوترة جدا احتفلنا احتفالا متواضعا بعيد ميلاد الحزب حيث المعروف ان الشيوعيين وفي احلك الظروف وامرها لاينسون الاحتفال بذكرى ميلاد الحزب حيث يتجدد الامل ويتوقد العزم ...وبهذه المناسبة اقمنا عدة محاضرات ثقافية وكان الرفيق ابو برافدا متميزا في هذا المجال وللتذكير في هذه الفترة برزت مفاهيم كرباجوف بما يسمى أعادة البناء ,البريسترويكا,حيث تاثر العديد من الرفاق ,سلبا ام ايجابا, بهذه المفاهيم وكنت حينها احد اعضاء اللجنة الحزبية للمقر والذي كان يقودها المسوؤل السياسي للمقر فأذا برفاق اللجنة بالاغلبية يطالبون بتغيير مسوؤل اللجنة وبدون اسباب واضحة وكان ذلك تاثرا بمفاهيم البرسترويكا, مما اضطر الرفاق لمعالجة الامر وتغيير مسوؤل اللجنة حيث اصبحت انا مسوؤلا للجنة الحزبية في المقر وكان اتصالي فرديا بألرفيق المسوؤل السياسي للمقر!!وفي شهر نيسان وبمناسبة ذكرى ميلاد كارل ماركس اقمنا عدة محاضرات فلسفية واقتصادية حيث اعددت انا محاضرة عن فائض القيمة ..وفاجئني الرفيق حمه سور بسؤال لم اكن اتوقعه وهو :هل يحسب ربح التجار فائضا للقيمة كان جوابي بان اصحاب روؤس الاموال الصناعية يتنازلون بجزء من ارباحهم للتجار من اجل ان يقوم التجار بتصريف بضاعتهم ولحد الان لم اعرف ان كان جوابي صحيحا ام لا!

في شهر مايس جاء الرفيق حميد مجيد موسى مع مجموعة من الرفاق الى المقر حيث كان حينها عضوا في المكتب السياسي للحزب وكان في طريقه الى خارج العراق ورافقه من المقر الرفيق ابو برافدا حيث كان من المقرر ان يذهب الى العلاج وبهذا اصبحت المسؤول السياسي للمقر ...

كان مقر سيدان يتعرض للقصف باستمرار من قبل الراجمات والمدفعية الثقيلة ولكن لموقعه الجيد عسكريا كانت القذائف تتساقط خلف المقر ولم نتعرض لاية خسائر هناك ولم يجري قصف المقر من قبل الطائرات الحربية او الهليكوبترات لان اي خطأ كان من الممكن ان يصيب قرية الجاش بألاضرار...كانت هناك توجهات من قيادة القاطع لأالغاء هذا المقر وألانتقال الى المناطق القريبة من شقلاوة وأقامة مقر بديل في جبل هه وري القريب من وادي باليسان وفي نفس الفترة كانت الاخبار تصلنا بأجتياح الحكومة لمناطق عديدة حيث تقوم قوات السلطة بهدم وحرق القرى حيث كان هناك هدوء في جبهات القتال بين العراق وايران واستغلت ذلك السلطة لتعزيز تحشيد قواها في مناطق كردستان وفي نهاية شهر تموز غادر رفاقنا المنطقة باتجاه المقر الجديد وبقيت مع عدد من الرفاق لتصفية ممتلكات المقر وكان معي حينها الرفيق ملازم احمد شاهين والرفيق حمه ريش وعدد اخر من الرفاق حيث بعنا قسم من الممتلكات مثل البغل والبطانيات والمواد التموينية المتبقية واحرقنا كل الوثائق والمواد الاخرى وغادرنا المقر في 06-08-1988 وفي طريقنا الى المقر الجديد وتحديدا في 08-08-1988 مساءا وحيث كنا في احد الوديان في ضيافة عائلة لتناول العشاء سمعنا من الراديو بيان يعلن اتفاقية انهاء الحرب العراقية الايرانية فرحنا لهذا الخبر رغم توقعنا لتوجه النظام الان لتجنيد كل قواه ضد الحركة الانصارية وفي اليوم الثاني غادرنا مناطق بيخمة وجبالها الوعرة باتجاه سهل حرير حيث وجدنا الرعب والفزع في وجوه الناس ,عشرات القرى المهدمة والمحروقة واناس يعيشون في العراء حيث التقينا بعوائل برزانية حيث قام النظام في منتصف الثمانينيات بأخذ جميع الرجال ومن عمر 13 سنة لغاية عمر الستين اخذهم عنوة من المجمعات القسرية واختفى اثرهم حيث يقدر عددهم ب8700 رجل وبقي النساء والاطفال والشيوخ بدون معيل ويعيشون حياة شاقة وبائسة وبعد سقوط النظام تبين ان جميع هؤلاء الرجال من ضمن ضحايا النظام في المقابر الجماعية ...وبعد مسيرة عدة ايام وصلنا الى مقر رفاقنا في سرية خوشناوتي وكان امر السرية حينها الرفيق الشهيد سعدون حيث كان المقر قريب من شقلاوة وقضينا ليلة هناك وصعدنا جبل هوري بأتجاه مقرنا في كاني ته لان القريب من وادي باليسان وفي طريقنا للمقر فاذا بطائرات النظام تقصف المنطقه بمواد كيمياويه حيث كانت رائحة تشبه رائحة التفاح المتعفن تملئ الجو اخذنا احتياطاتنا بتبليل الجمداني ووضعه على انوفنا واسرعنا باتجاه مقرنا لخوفنا بان يكون هدف القصف هو مقرنا وصلنا المقر حيث عرفنا بان المقر لم يتعرض للقصف...في تلك الايام من شهر اب 1988 كان وادي باليسان مهجورا بالكامل حيث قصف في ربيع نفس العام بالمواد الكيمياوية واعقب القصف تدمير وحرق كل قرى المنطقة فمن النادرهناك ان تجد انسانا في المنطقة ..كان مقرنا مؤقتا حيث لم يجري بناء اية مرافق للمقر فكنا نعيش في كبرات صيفية وعددنا كان يقارب الثمانين رفيقا وكان الرفيق ابو ربيع عضو اللجنة المركزية لحزبنا هو المسؤول هناك وفي مثل هذه الاجواء المتوترة وصلتنا برقية من سرية خوشناوتي بأن احد رفاقنا وهو الرفيق سيامند قد تعرض الى لدغة حية اثناء ذهابهم فجرا لنصب كمين احتياطي خارج المقر وحالته خطرة جدا وطلب الرفاق مني بأن اذهب مع احد رفاقنا الاطباء الى مقر خوشناوتى بالرغم من عدم معرفتي الدقيقة بالمنطقة واخيرا وصلنا الى المقر وتفاجئنا بان رفيقنا استشهد ودفن بالرغم من محاولة الرفاق لانقاذ حياة رفيقهم حيث زرقوه بمضادات وصلتهم على عجل من شقلاوة ..


يتبع

أوراق أنصارية (عن مفارز الأنصار السرية) (7)
أوراق أنصارية (عن مفارز الأنصار السرية) (6)

أوراق أنصارية (عن مفارز الأنصار السرية) (5)

أوراق أنصارية (عن مفارز الأنصار السرية) (4)
أوراق أنصارية (عن مفارز الأنصار السرية) (3)

أوراق أنصارية (عن مفارز الأنصار السرية) (2)

أوراق أنصارية (عن مفارز الأنصار السرية) (1)
 

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter