| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

ضياء حميو
dia1h@hotmail.com

 

 

 

الأحد 11/1/ 2009

 

تجارب دنماركية *

التجربة الثامنة
متشرد و" صالة دافئة "
Varmestuen

ضياء حميو

قريبا من الباب الخلفي ، لمحطة " كوبنهاكن " للقطارات وقف " فريدريك " وهو رجل في الخمسين من عمرة ، متحفزا يتحدث بانشراح مع آخرين ،كان الجميع متأهبين بانتظار شئ ما ..!
لم يطل انتظارهم ،هاهي الساعة السادسة مساءا ، تتوقف سيارة ،مكتوبا على جانبيها ،"الصالة الدافئة " ، نزل السائق برفقة آخر ، فتحا الباب الخلفي فيما اصطف " فريدرك " ورفاقه بالدور لاستلام علبة ما..! ليقول كل منهم: شكرا للسائق، فيجيب الأخير: شهية طيبة، اعتني بنفسك.
لم تكن هذه العلبة تحتوي غير " وجبة طعام المساء الحارة المجانية ،توزع في أماكن وأوقات محددة ،لاؤلئك الذين " بلا مأوى " ،ممن ليس لديهم عنوان مسجل ،إذ إن من يمتلك عنوانا مسجل يمكنه الحصول على الإعانة الاجتماعية ،التي تكفل له ،احتياجات الحياة من سكن ومأكل ،وأشياء أخرى.

"الصالات الدافئة " ، هي أماكن يأوي إليها المحتاجون ، للأكل ، أو المبيت ، أو الالتقاء بآخرين والتحدث ، قسم منها يقدم خدماته ، عند الساعة السابعة صباحا ، حيث وجبة الفطور ، والآخر بعد الظهر ، وحتى المساء ، فيما قسم آخر يتخصص في تقديم وجبة العشاء ، والمبيت ، تختلف تبعا لموقعها وعدد المحتاجين لها ، ولكنها تلتقي جميعها بهدف مشترك وهو : إن جميع البشر وبغض النظر عن الظروف التي واجهتم وتواجههم لهم الحق ، بتعامل يحترم إنسانيتهم ، منها: حقهم في الأكل والمبيت بمكان دافئ ، خصوصا في شتاء اسكندنافيا البارد جدا والطويل.، كلمة دافئ لا تعني درجة الحرارة وحسب ، بل تعني الحميمية في العلاقات الإنسانية ، بشكل أساس، ولهذا يمكن ملاحظة إن عدد غير قليل من الزائرين ، قد يكونوا ليسوا بحاجة مادية للسكن والأكل ، لكنهم بحاجة لتقاسم هذا مع الآخرين لكسر حاجز الوحدة!

في إحدى هذه البيوت في مدينة " ارهوس " يستطيع الزائرون إن يحصلوا على وجبة عشاء ساخنة ، والالتقاء بآخرين للتحدث ، وممارسة إنسانيتهم ، يمكنهم الاستحمام ، والحصول على ملابس نظيفة ، هنالك متخصصون في بعض المراكز ، يقدمون المساعدة بمختلف أنواعها النفسية أو الطبية أحيانا ، كالعلاج ، أو علاج الأسنان ، أو الاتصال بالجهات المختلفة ذات الاختصاص لتأهيل المحتاج ، تبعا لحالته سواء أكان مدمنا أو متعبا نفسيا ..الخ
تتوزع ما تسمى الصالات الدافئة ،وهي بيوت كبيرة حقيقة ، في مختلف أرجاء الدنمارك ، تتولاها مختلف المؤسسات المدنية ، من الكنائس التي تقوم بدور مميز.. إلى مراكز المساعدة الأخرى التابعة للبلديات، يحصل القسم الأكبر منها على دعم من البلديات، تختلف نسبته من واحدة إلى أخرى، هنالك قوانين رسمية وحكومية، تنظم عملها، وعلى ضوء هذا تتلقى الدعم الحكومي.
واحدة من هذه المؤسسات التي تتوزع "صالاتها الدافئة" في أماكن مختلفة من البلاد تدعى " كير كنز هيرنس " ولديها ما يتجاوز 28 بيت ، تقدم خدماتها ، بما فيها وجبات الأكل والمنام ، الاستحمام والمبيت لما يقارب 1200 شخص يوميا ، ففي الأسبوع الأول من شهر " نوفمبر " فقط لعام 2007 بلغ عدد الزائرين 9 آلاف و827 شخص ، غالبيتهم من الرجال بنسبة 75% والباقي نساء .
نسبة الدنماركيين منهم 83% والباقين 17% من خلفيات أثنية أخرى ، ربما السبب بانخفاض نسبة النساء هو كونها ( المرأة ) اقل إدمانا وضياعا من الرجل كما إن المرأة عموما والدنماركية خصوصا أكثر مسؤولية وتنظيم ، لديها ثقة بالنفس عالية اكتسبتها على مر السنين من خلال جدها وصبرها وعملها الدءوب ، الذي تكلل بفرض احترام مميز من قبل المجتمع لها، بالإضافة إلى وجود مراكز مختلفة ترعى المرأة بشكل محدد في مثل هكذا ظروف.
المميز في عمل هذه المنظمات هو اعتمادها على متطوعين بشكل أساس فمنظمة " بلو كورس " لديها 1300 متطوع و 350 موظف فقط .
كل المجتمعات تحتوي على ناس ضعفاء ، يحتاجون للمساعدة بطريقة أو أخرى ، ورغم كل قوانين النظم الاجتماعية ،التي يضرب بها المثل في البلدان الاسكندنافية إلا إن هنالك ظواهر لا تزال القوانين قاصرة في التعامل معها ، كأن يفقد احدهم سكنه ، أو يدمن ولا يعي أهمية مساعدته من قبل المؤسسات المختصة ، ولكنه ... إنسان يجب أن يأكل وينام في مكان دافئ، وتحترم كرامته الإنسانية..! ماذا لو شعر احدهم تحت ضغط العمل أو التقدم بالعمر، أو شيء آخر بالوحدة والانعزال!؟
هنالك هذه البيوت الدافئة ،التي يستطيع زيارتها ،وتكاد تكون بلا مقابل ، أو مقابل رمزي شبه مجاني ، وسيجد من يرعاه بشكل إنساني ،لايمتلك العاملين فيها أي حكم مسبق اتجاه من يزورهم ،وعلى الرغم من إن جزء مهم من عملها يعتمد على المتطوعين ،إلا إنه بلا دعم البلديات والدولة لأهمية هذه المراكز ، لما كانت بهذه الفعالية ، التي هي في خدمة المجتمع ، هنالك حاجة ماسة لتزايد هذه الصالات بسبب ازدياد عدد المحتاجين وهو الأمر الذي يدعو الجهات إلى طلب دعم كبير من الدولة في هذا المجال ونستطيع أن نفهم لماذا من النادر أن تجد في الدنمارك من يسرق لأنه جائع ، أو بدون سكن ، بل حتى المتسول لن يكون احد أعذاره الجوع بتاتا إذ لن يصدقه أي احد ، هذا لا يعني أن لا وجود لناس بلا سكن في الدنمارك ، بل يشكلون رقما كبيرا نسبة إلى عدد السكان أكثر من 6 آلاف، وما زال هنالك قصور في تشريع يجد حلولا دائمة وليس مؤقتة ،والى أن يتم ذلك تقوم منظمات المجتمع المدني بدورها بسد هذه الثغرة ،تتلقى دعما من الحكومة والبلديات التي بدورها تعي أهمية عمل هذه المنظمات،كدعامة من دعائم بناء الإنسان والمجتمع .
المشردون بحاجة إلى سكن دائمي يشعرون فيه بالاستقرار ، والأمان الإنساني وليس ليلة اوليالٍ محدودة، عموما المجتمع ومشرعوه السياسيون لا يهربون من مواجهة حقائق مجتمعهم ،وهو ما يبشر بإيجاد حلول مستقبلية ،إذ اعد تقرير مفصل في السنة الأخيرة من قبل وزارة الشؤون الاجتماعية ،أخذت فيه بنظر الاعتبار خبرة المؤسسات المختلفة لست بلديات قامت هذه الأخيرة ببناء عمارات سكنية ،كسكن دائمي للمشردين ،في هذا التقرير محاولة جادة لصياغة تشريع قانوني لحل هذه المشكلة.
الصحافة الحرة ،والتي تمتلك سلطة لا يعلى عليها ، تمارس ضغطا دائما لإبراز مشاكل المجتمع ،والتي تشدد على ، الاستفادة من تجارب البلدان الأخرى في هذا المجال ،ولهذا يدعو المتخصصون في الدنمارك إلى الاستفادة من تجربة النرويج المميزة في هذا المجال ،على سبيل المثال لدى الأخيرة حتى المطاعم المتنقلة للمتشردين ،تدعمها الدولة.
ملخص خبرة مؤسسات المجتمع المدني تقول : لا تنتظر المشرع السياسي ، اعمل الآن وفورا ،هنالك من هم بحاجة لمساعدتك هذه اللحظة ، فليتزامن هذا العمل بالضغط على المشرع السياسي ، من خلال أدلتك العملية بأهمية ما تقوم به للمجتمع ،وحاجتكما معا لتشريع قانوني ، يعالج المشاكل ويدرأ من تفاقم وصولها إلى جريمة.
 


* لماذا الدنمارك ؟ وما علاقتها بشأننا العراقي ؟!

اخترت أن تكون الدنمارك ... وأنا اقصد الناس والمجتمع بشكل خاص.
أولا: اعرفها أكثر من أي بلاد أخرى عدا عن حبي واحترامي لها..!
ثانيا: هو تميز مجتمع هذه البلاد بميزة إحدى أقدم الديمقراطيات في العالم، ومجتمع رفاهية " والمقصود بالرفاهية بشكل موجز هو: حق وحصول الجميع على نفس الفرص المتكافئة في السكن والتعليم، والصحة، والضمان الاجتماعي...الخ
تجربتها في بناء الإنسان ، هي ماتعنينا للاستفادة منها ، وهي صلة العلاقة بديمقراطيتنا " العراقية الناشئة".
أريد لهذه التجارب التي سأذكرها على حلقات، أن يستفيد مجتمعنا في بناء الخراب الذي لحق بالإنسان أولا..!
ولكي تكون تجارب الدنمارك مفهومة ، وبالتالي يمكن الاستفادة منها ، لابد من ذكر موجز مبسط عن هذه البلاد الصغيرة:
الدنمارك بلدٌ صغيرٌ وهو احد بلدان أوربا الاسكندينافية، أرضهُ منبسطة لا توجد فيها جبال، ويقعُ ـ محاطاً بالمياه بشكلٍ كاملٍ تقريباً ـ ما بين بحر الشرق والمُسمَّى بالبلطيق وبحر الشمال. تتكون الدنمارك من شبه جزيرة يولاند و 406 جزيرةً أخرى.

النظام الملكي الأقدم في العالم
المملكة الدنمركية هي الأقدم في العالم. لفترةٍ تتجاوز الـ 1000 عام.
لا تتمتع العائلة المالكة بسلطةٍ سياسية، ولكنها تضطلع بالعديد من المهام التمثيلية في الدنمارك وخارجها.

شكل الحكم
الدنمارك ديمقراطيةٌ تمثيلية. مما يعني أن من يقوم باتخاذ أهم القرارات هم السياسيون المنتخبون من قِبَلِ الشعبِ والمتواجدون في البرلمان الدنمركي، وفي مجالس المحافظات وفي المجالس البلدية.

تدرج بناء الديمقراطية منذ العام 1849
إدخالُ الديمقراطية الدنمركية، بحكم الشعب يعود إلى عام 1849. وقد حلَّت محلَّ النظام الاستبدادي في الحكم، والذي كان قد منح الملك منذ عام 1660 سلطةً ونفوذاً غير عاديين.
حصلت النساء على حقِّ الإدلاء بأصواتهن في التغيير الذي طرأ على الدستور في عام 1915 .
التعديل الحاصل في الدستور في عام 1953 نجم عنه أنه ليس من الضروري أن يكون الحاكم رجلاً، بل بإمكانه أن يكون امرأة.

عدد السكان : 5,397,640
المساحة:
43,094 كم مربع

الاقتصاد :
الناتج القومي :
170 مليار دولار أمريكي
لدى البلاد اكتفاء ذاتي من النفط، والغاز الطبيعي، وطاقة الرياح
75% من أراضي البلاد مستغلة زراعيا، الثروة الحيوانية والألبان، هي أهم منتج هذا القطاع
تصدر الدنمارك : الكيمياويات ، الآلات ،الأثاث ، الأدوية ، ومختلف المواد الغذائية . من الصناعات الرئيسية في البلاد : بناء السفن ، والكهربائيات .

 

  1. تجارب دانماركية (7) - أسلحة الدمار الشامل العراقية في الدنمارك
  2. تجارب دانماركية (6) - معوّق في الدنمارك
  3. تجارب دانماركية (5) - استبداد ديمقراطي
  4. تجارب دانماركية (4) - حين صار جيبي منفضة سجائر
  5. تجارب دانماركية (3) - مكتبات الشعب
  6. تجارب دانماركية (2) - 1,5 مليون جندي دنماركي
  7. تجارب دانماركية (1) - زلزال في مدرسة دنماركية

 

free web counter