| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

ضياء حميو
dia1h@hotmail.com

 

 

 

الجمعة 2/1/ 2009

 

تجارب دنماركية *

التجربة السادسة
معوّق في الدنمارك

ضياء حميو

حدث هذا قبل ثمانية أعوام ، كنت صاعدا في العربة الأولى من القطار ، وفيها حيز مخصص للمعوّقين ،بجانبي شاب معوق يجلس على كرسيه ذو المحرك الصغير الذي مايُسمع صوته ، إذ انه يدور على البطارية ،في المحطة التالية رأيت هذا الشاب يستعد للنزول ، فهممتُ بمساعدته بعد أن انفتح باب القطار ،لان المسافة بين أرضية القطار والرصيف بعيدة نسبيا ولا يمكنه اجتيازها بلا مساعدة ،هكذا كان تقديري ،وكان صائبا ، سألته إن كان يسمح لي بمساعدته ؟ ، لكنه أجاب : كلا شكرا ..! ،الأمر الذي أحبطني ،وحيرني في ذك الوقت ، لكن الحيرة مالبثت أن زالت بعد أن رأيت سائق القطار ينزل من مقصورته ويصعد إلى عربتنا ،يخرج من صندوق جانبي منصة خاصة تستخدم كوصلة لكرسي المعوق بين أرضية القطار والرصيف ، فهمت سبب رفضه ، هنالك من يقوم بهذا العمل على أكمل وجه ، ابتسم لي المعوق مودعا من خلال زجاج النافذة ،إ ابتسمت بدوري للقوانين التي تحترم الإنسان ، وتمنيت لو كنت معوقا في الدنمارك..!

أينما ذهبت في هذه البلاد كنت أرى التسهيلات المخصصة للمعاقين ، مواقف سيارات خاصة لهم ، المرافق الصحية ، المصاعد في البنايات ، المؤسسات ،ومحطات القطار ، في جميع الباصات هنالك مكان مخصص للمعوقين وكبار السن ، وعربات الأطفال ، في الباص لايحتاج سائقه إلى تلك المنصة كما في القطار ،بل إن الباصات حديثة ومصممة بحيث تنخفض عند التوقف إلى مستوى الرصيف كي تسهل نزول عربة المعاق بلا مساعدة من شخص آخر. 

فيما إذا رغب المعاق في التنقل في القطار إلى مدينة بعيدة نسبيا ويحتاج إلى مساعدة ،فعليه أن يتصل بجهة خاصة ستقوم بالتنسيق في تأمين سيارة لنقله إلى محطة القطار ومن ثم مع شركة القطارات التي سترسل احد موظفيها ليكون بانتظاره للمساعدة ،في قطع التذكرة وصعوده ومن ثم نزوله في الجهة التي رغب في السفر لها ، أما إذا كان معه مرافق ، كان يكون صديق أو من العائلة فان تذكرة المرافق مجانية .
حين شرعت بجمع المعلومات لكتابة هذا الموضوع احترت من أين أبدء إذ تجمعت لدي معلومات كافية لااكون مبالغا إذ قلت إنها لإعداد رسالة جامعية ، فاتفاقية الاتحاد الأوربي بخصوص عدم التمييز للمعاقين وحدها بأكثر من خمسين صفحة ، هذه الاتفاقية صدرت عام 2006 ووقعتها الدنمارك في الشهر السادس من العام الذي تلاه وهي اتفاقية تتماشى مع كل اتفاقيات الأمم المتحدة بشان تحريم التمييز ، لكن صفتها الأوربية هو بتطبيقها عمليا، و جعلها ملزمة لجميع بلدان الاتحاد الأوربي ،مع مراعاة مرونة تطبيقها ضمن إمكانيات البلاد ،الاقتصادية والمجتمعية ، تنص بشكل مختصر على حقوق المعاقين في الحياة ،والعمل ،والسكن والنقل والمساواة بالآخرين بلا أدنى تمييز .
هنالك بلدان تجاوزت الطموح الأوربي بهذا الخصوص ، مثل السويد والنرويج بالإضافة للدنمارك ، إذ إنها كانت قد شرعت ببناء مؤسساتها الخاصة بالمعاقين وشرعت قوانينها الخاصة قبل عشرات السنين من الاتفاقية ، وصارت مصدر للمعلومات والتجربة في آن واحد للبلدان الأخرى، أود الإشارة هنا إلى إن المقصود بالإعاقة هنا ليس الجسدية وحسب بل الذهنية أيضا ،وتضاف لها العجز لتقدم العمر أو لسبب آخر.
لم يثقل كاهل البلاد عدد معوقي الحربين العالميتين ،كما أثقل البلدان الأخرى ،لان الدنمارك كانت على الحياد في الأولى ، وتم احتلالها في الثانية من قبل ألمانيا رغم توقيعها معاهدة عدم اعتداء مع هتلر ،وكل ضحاياها في هذا الاحتلال بلغ مايقارب 4 آلاف شخص ،كان منهم 39 جندي ،و850 من المقاومة التي كانت في الغالب يسارية للاحتلال الألماني ،والمتبقين من المدنيين.
على الرغم من هذا فان تاريخ إنشاء منظمة المعاقين الدنماركية يعود إلى عام 1934 ،أما اليوم فان عدد منظمات المعوقين يبلغ مايقارب 32 منظمة غير أخرى تتبع البلديات المتعددة ،عدد أعضاء هذه المنظمات يبلغ 320 لف شخص ،منهم إعاقات جسدية ،وآخرين نفسية ،أما بسبب ضغوط العمل أو المشاكل الشخصية ، أو أشياء أخرى.

أرقام بلا تعليق ( الأرقام بالكرونة الدنماركية ،قمت بتحويلها حسابيا إلى الدولار لتكون واضحة للقارئ )
كان المبلغ الذي خصص لمعاقين من ميزانية الدولة لعام 2005 وحدة 19مليار و700 مليون كرونة ،أي مايعادل 4 مليار دولار.

على سبيل المثال تم صرف مايقارب مليار واحد و600 مليون دولار لبناء بيوت خاصة للمعاقين.
وتم صرف مايقارب 144 مليون دولار كدعم لشراء سيارات شخصية للمعاقين ،60 مليون دولار أجهزة سمعية للمعاقين ،18 مليون و500 الف دولار أذرع وسيقان صناعية .
تمت مساعدة مايقارب 31 الف و800 شخص لهم علاقة بالعوق في ذلك العام ، الميزانية المخصصة للسنوات اللاحقة يلاحظ عليها الازدياد بشكل ملحوظ.

نتائج واستنتاجات
1 ـ الإعاقة ، حالة قد أصابت أو تصيب أي فرد من المجتمع، وبالتالي يجب أن يكون هنالك استعداد لمواجهتها ،بما يخدم المجتمع ولا يبطئ من نموه وتطوره.
2 ـ بلا منظمات مخصصة للمعوقين لايمكن من القيام بأي عمل .
يجب إنشاء جمعيات لأنواع العوق ترتبط بعدها بمؤسسة خاصة للمعاقين ، تحدد معلومات دقيقة عنهم ، عددهم ،سكناهم ، نوعيات العوق ،حالاتهم المادية والاجتماعية ،أوضاعهم الآنية ،احتياجاتهم ،مقترحاتهم ،مطاليبهم ..الخ
3 ـ منظمات المعوقين هي من تتشاور ،وتقدم مطالبها واستنتاجاتها من المشرع السياسي ،بالكيفية التي تكون فعالة فيها،وعلى المشرع السياسي ،أن لايتخذ أي إجراء بهذا الخصوص قبل التشاور مع المنظمات المعنية بالمعاقين.
4 ـ قوانين عدم التمييز بسبب الإعاقة لايكفي توقيعها ،بل يجب العمل والتثقيف بها في المجتمع ومؤسساته كافة ،لكي تكون عملية تأهيل المعوق فعالة للمجتمع.
5 ـ النتائج الجيدة تكون من خلال قوانين دقيقة تحمي حقوق المعاقين، وميزانية اقتصادية تتناسب وأعدادهم، والاستفادة من تجارب الشعوب الأخرى في هذا المجال.
6 ـ في كل تخطيط مستقبلي عمراني، للسكن أو البناء بشكل عام، يجب أن يؤخذ بنظر الاعتبار وجود معوقين، لهم احتياجات خاصة.
 


* لماذا الدنمارك ؟ وما علاقتها بشأننا العراقي ؟!

اخترت أن تكون الدنمارك ... وأنا اقصد الناس والمجتمع بشكل خاص.
أولا: اعرفها أكثر من أي بلاد أخرى عدا عن حبي واحترامي لها..!
ثانيا: هو تميز مجتمع هذه البلاد بميزة إحدى أقدم الديمقراطيات في العالم، ومجتمع رفاهية " والمقصود بالرفاهية بشكل موجز هو: حق وحصول الجميع على نفس الفرص المتكافئة في السكن والتعليم، والصحة، والضمان الاجتماعي...الخ
تجربتها في بناء الإنسان ، هي ماتعنينا للاستفادة منها ، وهي صلة العلاقة بديمقراطيتنا " العراقية الناشئة".
أريد لهذه التجارب التي سأذكرها على حلقات، أن يستفيد مجتمعنا في بناء الخراب الذي لحق بالإنسان أولا..!
ولكي تكون تجارب الدنمارك مفهومة ، وبالتالي يمكن الاستفادة منها ، لابد من ذكر موجز مبسط عن هذه البلاد الصغيرة:
الدنمارك بلدٌ صغيرٌ وهو احد بلدان أوربا الاسكندينافية، أرضهُ منبسطة لا توجد فيها جبال، ويقعُ ـ محاطاً بالمياه بشكلٍ كاملٍ تقريباً ـ ما بين بحر الشرق والمُسمَّى بالبلطيق وبحر الشمال. تتكون الدنمارك من شبه جزيرة يولاند و 406 جزيرةً أخرى.

النظام الملكي الأقدم في العالم
المملكة الدنمركية هي الأقدم في العالم. لفترةٍ تتجاوز الـ 1000 عام.
لا تتمتع العائلة المالكة بسلطةٍ سياسية، ولكنها تضطلع بالعديد من المهام التمثيلية في الدنمارك وخارجها.

شكل الحكم
الدنمارك ديمقراطيةٌ تمثيلية. مما يعني أن من يقوم باتخاذ أهم القرارات هم السياسيون المنتخبون من قِبَلِ الشعبِ والمتواجدون في البرلمان الدنمركي، وفي مجالس المحافظات وفي المجالس البلدية.

تدرج بناء الديمقراطية منذ العام 1849
إدخالُ الديمقراطية الدنمركية، بحكم الشعب يعود إلى عام 1849. وقد حلَّت محلَّ النظام الاستبدادي في الحكم، والذي كان قد منح الملك منذ عام 1660 سلطةً ونفوذاً غير عاديين.
حصلت النساء على حقِّ الإدلاء بأصواتهن في التغيير الذي طرأ على الدستور في عام 1915 .
التعديل الحاصل في الدستور في عام 1953 نجم عنه أنه ليس من الضروري أن يكون الحاكم رجلاً، بل بإمكانه أن يكون امرأة.

عدد السكان : 5,397,640
المساحة:
43,094 كم مربع

الاقتصاد :
الناتج القومي :
170 مليار دولار أمريكي
لدى البلاد اكتفاء ذاتي من النفط، والغاز الطبيعي، وطاقة الرياح
75% من أراضي البلاد مستغلة زراعيا، الثروة الحيوانية والألبان، هي أهم منتج هذا القطاع
تصدر الدنمارك : الكيمياويات ، الآلات ،الأثاث ، الأدوية ، ومختلف المواد الغذائية . من الصناعات الرئيسية في البلاد : بناء السفن ، والكهربائيات .

 

  1. تجارب دانماركية (5) - استبداد ديمقراطي
  2. تجارب دانماركية (4) - حين صار جيبي منفضة سجائر
  3. تجارب دانماركية (3) - مكتبات الشعب
  4. تجارب دانماركية (2) - 1,5 مليون جندي دنماركي
  5. تجارب دانماركية (1) - زلزال في مدرسة دنماركية

 

free web counter