| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

داود أمين

 

 

 

الأربعاء 9/6/ 2010

 

إلى روح الصحفي الشهيد سردشت عثمان

حرية الفكر والتعبير عن الرأي !
(5)

داود أمين

أحرار لم تقتلهم أفكارهم ! 
يحفل التأريخ العربي والآسلامي بالطريف والممتع والمتناقض أيضاً من الآخبار والحكايات والحوادث , ففي الوقت الذي أوردنا فيه نماذج لمفكرين وشعراء وثوار أحرار قدموا حياتهم الغالية دفاعاً عن أفكارهم , ألا أننا نورد هنا نماذج لشعراء ومفكرين لا يقلون شأناً ومكانة بل وجرأة عن السابقين في طرح أفكارهم الجريئة , ولكنهم عاشوا حياتهم دون أن يتعرضوا للسجن والتعذيب والقتل ! وأعتقد أن السبب يمكن تلخيصه في عبارة ذكية ولماحة قالها الخليفة ( معاوية بن ابي سفيان ) في وقت مبكر, أي بعد تأسيس الدولة الآموية , والعبارة هي (إننا لا نحول بين الناس وألسنتهم ما لم يحولوا بيننا وبين السلطان !) بمعنى إننا لن نضطهد المثقفين والشعراء والمفكرين الذين ليس لهم نشاط سياسي معارض ضدنا ! فأن لا تؤمن وتنكر النبوة ولا تقر إعجاز القرأن , وتسخر من الملائكة شيء مقبول ويقع ضمن الآجتهاد , ولكن أن تتحرش بالسلطان وتدعو للثورة عليه ومحاربته , فهو أمر لا تسامح فيه !

1 - أبو العلاء المعري   
هو أحمد بن عبد الله المعري التنوخي , وقد ألف بين 55 و 67 كتاباً فُقِد معظمها , وكان شاعراً أعمى , أنكر وجود الله في أكثر من لزومية من لزومياته , وأنكر القيامة , وسخر من الشيعة , وأنكر أن يكون ألآمام علي مدفوناً في النجف , وقد هاجم الآشاعرة وأهل السنة , وكان يكره أدم وحواء ويستخف بهما !! كما هاجم الآنبياء وطعن بحكمة الله وعدالته مرة وبالتشكيك بوجوده مرة أخرى , وقد ندد بالمؤسسة الدينية من الفقهاء وأهل الحديث والمفسرين ورجال اللاهوت , ولكن ورغم كل هذه الآراء المعروفة والمشهورة لآبي العلاء ألا أنه عاش أكثر من ثمانين عاماً , ولم يتعرض له حاكم أو خليفة , بل لقد تصدى له ولآرائه عدد من الكتاب والفقهاء ومن بينهم أبو منصور عبد الله بن سعيد الخوافي في كتابه ( رجفة العفريت ) وإبن الوزير اليماني في كتابه ( نصر الأعيان على شعر العميان ) ومما قيل في هجو المعري ما كتبه القاضي ( أبو جعفر محمد بن إسحاق البحاتي ) إذ قال :  
                        
كلبُ عوى  بمعرة  النعمان         لما خلا  من  ربقة ألآيمان                         
أمعرة النعمان ما أنجبت إذ        أخرجت منك معرة العميان       

ويعود السبب في بقاء ( أبو العلاء ) على قيد الحياة , وعدم تعرضه لغضب الحاكمين الى عدم إشتراكه في معارضة أو حزب سياسي مناويء للدولة ولقدرته على المناورة وتفسير نصوصه أكثر من تفسير , لذلك عُد كلامه في باب الآجتهاد وطرح الرأي حتى لو كان متطرفاً وغير مقبول !

2- إبن الراوندي                                                               
هو ابو ألحسين أحمد بن يحيى بن إسحق الراوندي , وُلد عام 210 هجرية ومات عام 250 وهو لم يتجاوز الآربعين من عمره , ويعتبر إبن الراوندي أشهر ملاحدة القرن الثالث الهجري , وقد ألف 110 من الكتب التي سخرت من الآسلام والنبوة , ففي كتابه (الدامغ) طعن إبن الراوندي بالقرأن , ولم يعتبره كتاباً إعجازياً . أما كتابه ( الزمرذ ) فقد تجرأ فيه بسخرية عنيفة على زعزعة ركن الآركان في الآسلام , ألا وهو نظرية النبوة ! إذ أكد في كتابه هذا على سمو العقل على النقل , ونقد الآسلام بأعتباره يتناقض مع العقل , كما سخر من معجزات النبي محمد , ومن بينها معجزة القرأن , مؤكداً أن خطبة ( لآكثم بن صيفي ) - وهو من خطباء الجاهلية المشهورين - هي أكثر بلاغة من سورة ( إنا أعطيناك الكوثر ) وخلص الى أن العلم ضد النبوة , مؤكداً أن العقل الآنساني هو السبيل الوحيد للمعرفة . وإن العقل هو الذي يمتحن قيمة النبوة , فأما أن تتفق تعاليم النبي مع العقل وحينئذ فلا لزوم لها , وإما أن تتناقض وإياه وحينئذ فهي باطلة , وأكد بالنص ( أن وحي محمد المزعوم في تعارض وتناقض مع العقل شنيع ! ) وتسائل : ما معنى الآوامر الدينية العديدة المفروضة على المسلم , من وضوء وصلاة وطواف حول الكعبة وزيارة للآماكن المقدسة ! ؟ وهنا يضع إبن الراوندي نفسه فوق أحكام الشريعة الآسلامية في إزدراء وجرأة غريبة وغير مسبوقة !

أما ألانبياء في نظره فهم جميعاً لم يكونوا سوى سحرة ممخرقين ! والمعجزات التي تروى عن محمد لم تكن سوى أكاذيب إخترعها المتأخرون ولفقوها , بل هو يؤكد أن بعض هذه المعجزات مضحك الى درجة لا يمكن لها أن تروى بهذه الصورة , إذ مثلاً ما أضعف شوكة الملائكة الذين حاربوا الى جانب النبي والمسلمين في يوم معركة بدر لكي يقتلوا 70 قرشياً فقط !! ثم يتساءل أين كان هؤلاء الملائكة في يوم معركة أحد التي جرح وجه محمد فيها وكاد أن يُقتل !!    

والغريب أن الدولة العباسية وخلفاءها الحريصين على الدين لم يقتلوا الراوندي ولم يسجنوه أو يحاربوه على افكاره الغريبة ( والهدامة ) والتي يفترض ان تنسف أساس وجودهم فوق كراسي السلطة بإعتبارهم خلفاء لنبي مبعوث من الله وصاحب رسالة حقيقية وكتاب منزل !       

أعتقد أن غض النظر عن إبن الراوندي من قبل الدولة العباسية مبعثه الآساس أنها تدرك انه غير منخرط في حركة سياسية معارضة ولا محسوباً على حزب أو فئة طامعة بالسلطة , فكلامه وكتاباته لا تمس مباشرة حكام عصره الحاليين , بل هو يتحدث عن فترة تأريخية إنقضت قبل 300 سنة ! وما يقوله يظل أجتهاداً فكرياً يقال باللسان ويكتب على الورق فقط ! لذلك فإن من رد على أبن الراوندي كان مجموعة من الشعراء والفقهاء والكتاب من أمثاله وكان أولهم إبن الخياط في كتابه ( الآنتصار ) ثم ناضره الفيلسوف الكبير ( يعقوب بن إسحاق الكندي ) وأبو سهل إسماعيل بن علي النوبختي , كما رد أبو محمد الحسن بن موسى النوبختي على أفكاره بكتاب ( النكت على أبن الراوندي ) ونقض أبو علي محمد بن عبد الوهاب الجبائي خمسة من كتب إبن الراوندي وفعل الشيء نفسه عبد الرحيم بن محمد الخياط ! 

وهنا يمكن التأكيد أن المصالح الذاتية للسلطة ورجالها , وليس الدين هي من تدفعهم للتصدي لآصحاب الفكر الحر والمشككين بالله وبأنبيائه وكتبه وملائكته ! فأذا كانت هذه الآفكار مرتبطة بعمل واقعي وتريد تغيير الواقع ونسف الآسس التي يقف عليها , فأن السلطة لن تتهاون وسيكون ردها قوياً وحاسماً ولا يعرف الرحمة , أما إذا كانت هذه ألافكار لا تتعدى الأوراق المكتوبة عليها واللسان الذي ينطقها فهي لا تؤذي ولا خوف منها .  

حرية الفكر والتعبير في العراق !                                            
يمكن القول أن ما سبق الحديث عنه , وضمن تراثنا العربي وألاسلامي لم يكن بعيداً عن العراق , فبغداد كانت عاصمة العباسيين , والذين تناولناهم عاشوا في بغداد أو قريباً منها , وهذا التأريخ المتسم عموماً بالآستبداد والقمع والمعروف في ألادبيات العلمية (بألاستبداد الشرقي ) لا يمكن ألا أن يترك بصماته على الحاضر, أو على الفترة التي سبقته , فالدولة العثمانية التي حكمت بأسم الدين والآسلام  كانت دولة جائرة , وسلاطينها وولاتها كانوا مجموعة من المستبدين والطغاة , لذلك لم ينعم الشعب العراقي , ومثل بقية الشعوب العربية والآسلامية التي عاشت تحت السيطرة العثمانية , لا بالحرية ولا بالمساواة ولا بأي حق من الحقوق ألانسانية العادلة  , وبعد تخلص العراق من السيطرة العثمانية وقيام ما سمي بالحكم الوطني , مارس الحكام الجدد الكثير من أساليب العثمانيين ضد تطلعات الشعب العراقي وحركته الوطنية وأحزابه وأحراره , وكان أي صوت يعارض الحاكمين ويتحدث عن مساوئهم أو ينتقد العمالة لبريطانيا وألانكليز يلقى القمع والآضطهاد , وكثير هي المرات التي سجن فيها الشاعر الجواهري لآنه قال قصيدة حرة تكشف المساوىء وتفضح الحاكمين , كما كانت الصحف الوطنية تُغلق وتُسحب إجازاتها عندما تكتب الحقيقة وتنتقد المسؤولين ! كما أصدرت السلطة الكثير من القوانين التي تحد من حرية الآحزاب والصحافة والنشر , بل لقد حُرِمت الشيوعية وجُعلت عقوبة ألاعدام نصيب من يعتنقها أو ينتمي لآحزابها , بل حكمت بالموت لآنصار السلام وبالسجن لمنتسبي المنظمات الشبابية والطلابية والنسوية , وبعد ثورة الرابع عشر من تموز عام 1958 عاش الشعب العراقي حرية لم تطل سوى بضعة أشهر, لتعود الآجراءات القمعية والسجون من جديد , ثم جاء أنقلاب شباط الآسود عام 1963 ليرسم صورة جديدة قاتمة لكتم الحريات وقتل المئات من الوطنيين الذين ليس لهم من جريمة سوى حمل أفكار لا توافق السلطة الفاشية , وكان هذا ألانقلاب الدموي بداية طريق صعب , تُوج بمجيء صدام حسين وزمرته
ألارهابية التي واصلت مسيرة شباط بدموية أشد وبقسوة غير معهودة , أذ حرم هذا النظام الصحافة المستقلة الحرة والعمل الحزبي المتعدد , وفرض نظام الحزب الواحد ومن ثم القائد الواحد ألاوحد , والذي تكتب له القصائد ويغني له المطربون , وعاش العراق مرحلة غاية في التخلف والتردي , وبالرغم من سقوط النظام على يد قوات الحلفاء في 9 نيسان 2003  ألا أن أثارنظام صدام حسين وما صنعه في وعي الملايين من العراقيين من خراب ودمار وتشويه لايزال يعيش بين الناس وسيظل الى فترة غير قصيرة قادمة ! فالتعبير عن الرأي والحرية التي حلم الملايين بها بعد سقوط النظام إصطدمت بردة طائفية أرهابية أبدع فرسانها في مهرجانات القسوة والهمجية التي لم يعهدها أحد من قبل !   


للموضوع صلة
 

حرية الفكر والتعبير عن الرأي ! (4)
حرية الفكر والتعبير عن الرأي ! (3)

حرية الفكر والتعبير عن الرأي ! (2)

حرية الفكر والتعبير عن الرأي ! (1)

 

 

free web counter