| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

د. أكرم هواس

 

 

 

 

                                                                                    السبت 28/5/ 2011

 

صبيحة الثورة (7).... عودة .... الى النموذج الكردي

د. اكرم هواس  *

في الحلقة السادسة من هذه السلسلة تحدثنا عن اشكالية سقوط النموذج الكردي و قد وعدت العودة الى هذا الموضوع لاهميته القصوى في المرحلة التاريخية من تاريخ العراق و الشرق الاوسط عموما فالتجربة الكردية تعتبر انجح محاولة للخروج من البنية السياسية التي رسمها الاحتلال البريطاني الفرنسي للمنطقة والتي ترسخت في فترة ما بعد الحرب العالمية الاولى الى درجة القداسة عند الكثيرين بدعم و اصرار مباشر من القوى العالمية الكبرى و بعنف شديد من قبل النخب الحاكمة في الدول الوليدة مشكلة اشكالية اجتماعية و ثقافية مع الماضي الذي يتغنى به الجميع.

على هذا الاساس فان سقوط هذه التجربة سيعني سقوط محاولة اعادة بناء الشرق الاوسط بما يتوائم مع تطلعات الشعوب و لعل من اغرب سخريات القدر ان هذا السقوط لو حدث سيكون احد ارهاصات ثورات شعوب المنطقة التي لابد انها تأثرت في وقت ما بالتجربة الكردية كتجربة رائدة.

واعتقد ان هذه الحقيقة ينبغي ان تكون احد اهم المنطلقات في اي تقييم للتجربة الكردية بغرض تطويرها بشكل يجعلها تتجاوز الانحدارات التي تهدد وجودها. عملية التقييم هذه لابد ان تأخذ بنظر الاعتبار مستويين مهمين هما العلاقات الداخلية و ادارة الانفتاح الخارجي بحيث يتم خلق توازن يخدم الاندفاعة التنموية الحالية من جهة و من جهة اخرى يحافظ على الكيمياء الانسجامية في العلاقة بين الدولة و المجتمع.

مجمل المشكلة التي رافقت تطور مسيرة التجربة الكردية تتعلق بخلق تصدعات في البنية الاجتماعية-الاقتصادية للمجتمع الكردستاني نتيجة بروز ظواهر اصطفافات قد تشكل اساسا لنوع من الطبقية الحديثة التي شابت مجتمعات شرق-اوسطية اخرى بفعل هيمنة العلاقة التضامنية بين رأسمال المال و السلطة السياسية و التي قضت على الطبقة الوسطى و قسمت المجتمع بين مجموعات صغيرة تملك المال و السلطة و اغلبية فقيرة مهمشة. الامثلة كثيرة و لكن اهمها هي تونس و مصر اللتين شهدتا تغييرا سياسيا و كذلك ليبيا و اليمن اللتين تشهدان حربا اهلية.

الاساس في هذا التطور المدمر كان دوما الانفتاح غير المتكافئ على الخارج و ان كان بهدف نبيل و هو حماية الداخل و توفير الضمانة السياسية و الامنية لدوران عجلة نمو المجتمع بشكل امن و مستقر و هذا ينطبق بدرجة كبيرة ايضا على التجربة الكردية التي حافضت بنجاح على استمرارها في احلك مراحل مسيرتها في تسعينات القرن الماضي حيث استطاعت بشكل غير مسبوق الحفاظ على وحدة اقليم كردستان المحاصرة بين اربع قوى اقليمية طامحة و طامعة في دحر تجربتها بل و ضمها ان امكن.

هذا الامر تحقق بشكل كبير نتيجة وجود نوع من الشفافية التقليدية في علاقة الدولة و المجتمع كانت مبنية على اساس استحضار روح العلاقة بين البيشمركة و الناس و خاصة العائلات التي كانت تستقبل هؤلاء البيشمركة و تقدم لهم الطعام و المأوى متجاوزة جدار الخوف من انتقام القوات الامنية التابعة للحكومة و كذلك متجاوزة الكثير من التجاوزات التي لها العائلات من قبل بعض افراد البيشمركة. في السنوات الاخيرة تقلصت مستوى التواصل كثيرا بل ربما ضاعت نهائيا نتيجة تطور النمو البيروقراطي في اجهزة الدولة و هذا شيء طبيعي لانه من المؤكد ان ادارة الدولة لا تقوم على مثل هذا التبسيط الذي يسود في العلاقة بين الثوار و الناس كما اننا يجب ان نفهم انه لابد ان الدولة ,اي كانت, تتعرض بصورة دائمة الى ضغوط مختلفة المستوى من هذه الجهة او تلك داخليا و لكن بصورة خارجيا و لكن الذي ادى الى خلق الشرخ بين الدولة او بشكل النخبة الحاكمة و الشعب هو ذات الخطأ الذي ارتكبته الانظمة الاخرى في المنطقة و الذي يتمثل في فقدان القدرة على التحكم بمسار نمو العلاقات الخارجية على حساب الداخل و هذا الذي اثر بشكل سيئ على امكانية الحفاظ على علاقة متكافئة بين الدولة و المجتمع كما اسس لعلاقات تفتقر الى الشفافية و المكاشفة و كادت ان توصل الامر الى حد القطيعة.

في هذا الاطار فانه من الاهمية بمكان ملاحظة حقيقة مهمة و هي ان التنمية القائمة تعاني من فوضى شديدة و هذا ما اثر كثيرا و بشكل سلبي على فرصة الرأسمالية المحلية في العمل على ايجاد بنية اجتماعية لاستثماراتها فهي تضطر الى مجاراة الرأسمالية القادمة من الخارج عن طريق تغيير اولوياتها مما نتج عن شرخ كبير في عملية التنمية و بالتالي قطيعة بين اصحاب الاموال و اللاهثين دون جدوى وراء التوظيف و ايجاد عمل.

من المؤكد ان الدخول قي تفاصيل و فرز العوامل المؤثرة في تحديد العلاقة الوثيقة بين الداخل و الانفتاح الخارجي يحتاج الى دراسات تقوم بها مؤسسات و باحثين غير مرتبطين بمصالح هذه الجهة او تلك و للاسف فان هذه واحدة من اهم نقائص العملية التنموية الجارية فمستوى التعليم متدني جدا رغم وجود امكانيات مالية و مادية كبيرة يمكن استثمارها في تطويرجميع مراحل التعليم و منها بناء مراكز بحثية متخصصة تقدم دراسات كفوءة و موضوعية بعيدة عن المجاملات و النفاق السياسي و الاقتصادي.

سياسيا فان ما يميز التجربة الكردية عن اية تجربة اخرى في الشرق الاوسط هو ان النخبة الحاكمة قي اقليم كردستان لم تستولي على السلطة بانقلاب عسكري كما انها لم تنصب من قبل قوة احتلال اجنبية بل انها تمثل امتدادا عضويا لثورة السنوات الطويلة من اجل حقوق الناس فلماذا لا يتم استثمار هذا الواقع التاريخي في سبيل بناء علاقة انفتاحية مع الداخل, مع الناس البسطاء من اغلبية شعب كردستان عن طريق بناء مؤسسات تعمل على تفعيل دور الناس في عملية التنمية بموازاة دور الشركات الاجنبية؟

هذا الامر لو تم فانه بلا شك سيعيد الى التجربة الكردية دوره الريادي في هذه الحقبة التاريخية التي يبحث فيها الجميع عن تجربة ناجحة..... ربما تكون لنا عودة اخرى...

صبيحة الثورة (6) .. سقوط النموذج الكردي؟
صبيحة الثورة (5) .. دعوة الى طرح مشاريع واقعية بديلة
صبيحة الثورة (4) .. ربيع العرب ام مبدأ الكوكا كولا ؟
صبيحة الثورة (3) .. حراك سياسي و انتصار اول
صبيحة الثورة (2).... نداء الى الثوار
صبيحة الثورة (1).... ثورة العقل و البناء
 

* اكاديمي عراقي - الدنمارك

 

free web counter